هوية بريس – د. رشيد نافع وأول هذه الدعوات التخلي عن النعرات وما يؤدي إلى التفرقة بين أهل الوطن الواحد، لأن اللحمة الوطنية ليست مجرد شعار أو نشيد أو مبدأ فضفاض يمكن ترديده في المؤتمرات والخطابات الجماهيرية والمهرجانات الحماسية وإنما هي شعور حقيقي بالانتماء للوطن الأم دون فخر ولا مَنّ أو مساومة ولا حتى مزايدة. هويتنا وطنيتنا، فكما أن الإسلام الحنيف هو الذي يوحدنا ويجمعنا مع المسلمين في أنحاء الأرض قاطبة، فكذلك هويتنا الوطنية هي التي تجمعنا نحن سكان هذه البلاد، وهو أمر يتوجب علينا جميعا كمواطنين منتمين لهذه المملكة الكثير من الحقوق والواجبات، منها مثلا: بث المحبة والمودة والأخوة الصادقة والاحترام المتبادل بين كافة المواطنين، ومنها أيضا رفض كل ما يسهم في تكريس مبدأ الفرقة وإثارة النعرات الجاهلية لأن المسلم مطالب بحب المسلمين وحب البلاد الإسلامية كلها والدفاع عنها، سواء كان ذلك البلد موطنه الذي ولد فيه أو لم يكن، وانتماء المسلم يجب أن يكون إلى الإسلام ولا فضل للمسلم إلا في الإسلام، قال الله تعالى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" {الحجرات:13}، وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين أقوام عن فخرهم برجال، أو ليكونُن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن"، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع. وقد تداعى بعض الأنصار والمهاجرين ذات يوم بدعوى الجاهلية، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة"، وفي رواية: "دعوها فإنها خبيثة"، رواهما البخاري. مع أن الإسلام لا يرفض الانتماء إلى بلد معين أو قبيلة أو عشيرة من باب التعريف والتمييز، لا من باب الفخر والتميز، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" {الحجرات:13}، إن ترك التعصب للجنس أو اللون أو اللغة يجعل المسلم عالمياً، أخوه من يكون على دينه ولو كان في أقصى الأرض لهذا جمعت العقيدة صهيباً الرومي، وبلالاً الحبشي، وسلمان الفارسي، وأبا بكر العربي القرشي تحت راية واحدة، لأ ن الأخوة الإسلامية تفوق جميع الصلات تتجاوز بذلك الحدود الجغرافية والروابط الأرضية قال تعالى: "إِنَّمَا 0لْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" {الحجرات:10}، وفي الحديث "المؤمن للمؤمن كالبنيان"، وفي حديث آخر {المسلم أخو المسلم}، هذا هو الشعار الذي يجب أن يرفع، ومن أجله نحب ونعادي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، غضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك غضباً شديداً فقال: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"، وأيضا العمل البناء لتقرير منهج التعاون بين جميع الطبقات لما فيه خير المصلحة العامة للوطن والمواطنين دون إقصاء لأحد، وأيضا الحذر الحذر من التعاون مع أعداء الوطن المتربصين بتماسكه ووحدته الترابية وأمنه واستقراره". ولا ننس الركن الشديد الذي لا يخون ولا يجور ألا وهو التمسك بالإسلام وحنيفيته السمحة ونبذ العنف والغلو والتطرف والتشدد والإرهاب. وختاما: ما دمنا مغاربة ونعيش في وطن واحد فلا حرج أن تكون الهوية الوطنية هي الأساس التي تجمعنا بعد دين الله الحنيف ونبذ ما سواها من الهويات الأخرى، وذلك من خلال ترسيخ مبدأ الوطنية بمزيد من العمل الدؤوب حسب موقع كل واحدمنا، والإعراض عن كل من يعمل من بني جلدتنا للإضرار بأمن ووحدة هذا الوطن ومواطنيه، والابتعاد عن منطق الزبونية والمحسوبية والواسطة والإقليمية وأن يكون منطق التعامل بين المواطنين على صعيد واحد من الكرامة والعدالة والمساواة، وبيان فساد منهج الخروج على ولاة الأمور وما يترتب عليه من مفاسد راجحة ولننظر إلى الناس الذين يتخطفون من حولنا في ليبيا وسوريا والعراق و…، وعلينا بالسمع والطاعة لولي أمرنا فيما هو طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ففخرنا وعزنا بديننا لا بأنسابنا ولا بآبائنا وقبائلنا ولا بأمجاد الجاهلية ومفاخرها. نسأل الله تعالى أن يجنبنا في وطننا الفتن ما ظهر منها وما بطن.