لجنة الإفلات المؤقت من العار: سباق الفشل والندم في أولمبياد الاعتذارات    رئيس غينيا بيساو المخلوع عمر سيسوكو إمبالو يصل إلى السنغال    انطلاق التحضيرات للموسم الفلاحي في سهل الغرب وسط آمال كبيرة في الأمطار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    ترامب يعلن وقف الهجرة بشكل دائم من كل دول "العالم الثالث" وترحيل أي شخص لا يقدم لأمريكا قيمة إضافية    128 قتيلا حصيلة حريق بهونغ كونغ    13 قتيلاً في قصف على ريف دمشق    السياقة المتهورة تقود شخصين للإعتقال بطنجة    مخرج فيلم "كوميديا إلهية " علي أصغري يقدّم مقاربة مبسطة للواقع في مهرجان الدوحة السينمائي        توشيح حموشي بوسام الأنتربول من الطبقة العليا        محكمة استئناف تونسية تقضي بسجن قادة من المعارضة لفترات بين 5 و45 عاما    حجز 200 كلغ من اللحوم الحمراء الفاسدة بأحد المحلات بحي الديزة بمرتيل    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة        إنزال مجموعة من المشردين والمختلين عقليا على مشارف الجديدة    كيوسك الجمعة | دعم اجتماعي أقوى للأسر الحاضنة للأطفال    ترحيل جثامين أربعة أفراد ضحايا حادث اختناق في ملاقا    مجلس النواب يصادق على قانون الانتخابات ويمرّر شرطاً تعجيزياً يُقصي الشباب من اللوائح المستقلة    "العلم" تتوج بجائزة الحسن الثاني للبيئة في دورتها الخامسة عشرة    سريلانكا: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 40 قتيلا على الأقل    وفاة داني سيجرين .. أول من جسّد شخصية سبايدر مان على التلفزيون    أزمة عطش تحاصر ساكنة إكيس أمزدار    المحكمة تدين المتورط في جريمة قتل بحيّ الموظفين بطنجة    اجتماع رفيع المستوى بالرباط بين أخنوش ومجموعة العمل المالي لمناقشة التزامات المغرب    مونديال قطر لأقل من 17 سنة.. منتخب البرتغال يتوج بطلا للعالم عقب فوزه على نظيره النمساوي ( 1-0)    أخنوش يجري مباحثات مع رئيس وزراء الصومال    حموشي: الدورة ال 93 للأنتربول كانت ناجحة على جميع الأصعدة والمستويات    مدرب الجيش: مواجهة الأهلي "صعبة"    الرابور "بوز فلو" يغادر سجن صفرو    المغرب .. 400 وفاة و990 إصابة جديدة بالسيدا سنويا    لبؤات الفوتسال إلى ربع نهائي المونديال بعد تخطي بولندا    الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش .. المهرجان رسخ، منذ أولى دوراته، مكانته كمنصة للحوار والاكتشاف    فلسطين.. هل سيقوم المغرب بدور مباشر في عملية السلام إلى جانب الولايات المتحدة؟    خمسة مغاربة ضمن قائمة حكام مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    الجريدة الإسبانية "ماركا": صهيب الدريوش.. النجم الصاعد في كرة القدم المغربية    ضربات إسرائيلية على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان    أداء إيجابي لبورصة الدار البيضاء    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025        مكتب الصرف يفك خيوط "خسائر وهمية" لشرعنة تحويلات نحو الخارج    الحسيمة.. وفاة أستاذ بعد تعرضه لنزيف على مستوى الرأس اثناء لقاء تربوي        "الكاف" تطرح تعديلات تنظيمية أبرزها رفع عدد اللاعبين لكل منتخب    حجيرة يدعو إلى تفكير إستراتيجي في سبل تعزيز الأثر الاجتماعي لقطاع الكهرباء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    إدارة مهرجان الدوحة السينمائي 2025: المهرجان يبرز حضور الأصوات السينمائية المهمة في عالمنا اليوم    المغربي دريوش يقود أيندهوفن لإذلال ليفربول ومبابي ينقذ الريال من أولمبياكوس    مرجع لجبايات الجماعات من "ريمالد"    دراسة علمية حديثة: المراهقة تستمر حتى الثلاثينات من العمر    كيف أنقذت كلبة حياة صاحبها بعد إصابته بتوقف قلبي أثناء النوم؟    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نساء ناجيات من جحيم سنوات الرصاص بخنيفرة
نشر في خنيفرة أون لاين يوم 09 - 03 - 2017

تذكر سنوات الجمر، وجحيم أحداث مارس 1973، وطاحونة عقود الاضطهاد، ومرارة الحقبة السوداء، فتتجلى أمامك قبائل آيت خويا وتغاط وبويجمان والأسماء التي ذاقت الويلات في ضيافة وحوش أوفقير وأرزاز بخنيفرة، شأنها شأن باقي أسماء المختطفين والمختفين قسرا ممن صارعوا من أجل البقاء وصمدوا أمام وحشية الجلادين وزوار الفجر، وقاوموا طاحونة الموت ورموزها الذين بقوا بمنآي عن المساءلة والعقاب، تذكرهم فتصطف أسماء نسائية كثيرة ممن داس الجلاد كرامتهن بأساليب “الاغتصاب” و”الطيارة” و”الفروج” و”الكهرباء” و”الشيفون”، أسماء مثل فظمة أمزيان (أم حفيظ)، فظمة أمزيان (زوجة علي أمزيان)، عائشة مصباح، عيدة بويقبة (زوجة محمد أومدة قائد كومندو مولاي بوعزة)، رقية بويقبة، إيطو أمزيان، فاظمة أوخلف، بقال تلا، فظمة إيطو عسيل، فظمة أعساري بويقبة، يطو محا، زينب أحرابي، أمينة سلاك وغيرهن، دون نسيان فاطمة لعجيني التي لم تتعرض للتعذيب فقط، بل لاغتصاب جماعي من طرف 7 أفراد من الجلادين، وعمرها آنذاك لا يتجاوز 12 سنة، ولم يفرح أحد عقب مغادرتها أبواب السجن لأنها خرجت وهي مصابة بالجنون وظلت على حالها إلى اليوم الذي فارقت فيه الحياة.من هذه الصور كان لا بد من التذكير بالوجه الأنثوي لسنوات الرصاص، أي السنوات التي عرفتها المنطقة أثناء أحداث مارس1973 والتي انطلقت شرارتها الأولى من مولاي بوعزة بإقليم خنيفرة، حين عرف الجلاد كيف يطمس كرامة ضحيته وأحاسيسها وأنوثتها عن طريق قساوة المعاناة وغياهب الزنازن الغرقى وسط الأصوات الخشنة.والتذكير الأنثوي هنا ليس فقط “احتفاء” بذكرى أحداث مارس الدموية وإنما “تخليدا” لثامن مارس، اليوم العالمي للمرأة أيضا، أي اليوم الذي لن تنسى فيه ذاكرة خنيفرة قضية المرأتين إيطو قسو وفاطمة تاوعيبات اللتين أمر إدريس البصري ب”تصليع” رأسيهما بمقص أحد باشواته لا لجرم إنما لأنهما رفضتا “هز البطن” في بيته خلال ليلة شاءت الصدف الماكرة أن تتزامن وليلة تخليد اليوم العالمي للمرأة في آخر سنة من الثمانينات، إنها نماذج فقط من نساء وشمن بتجلدهن ومعاناتهن تاريخا غريبا عن الوطن، ومن الضروري الاستمرار في التحدث عنهن من باب تقريب الأجيال من قراءة صفحة الماضي وتوثيقها قبل طيها في سبيل عدم تكرار ما جرى والتصالح مع الذاكرة باتجاه بناء المستقبل في سياق زمن الحقيقة والإنصاف والمصالحة.
وضعت حملها تحت التعذيب
من بين ضحايا سنوات الجمر والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يأتي اسم فظمة أمزيان، الملقبة بأم حفيظ، وما لقيته هذه المرأة من أبشع أنواع التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي تحت ظلمات الأقبيات السرية، وكانت السلطات القمعية التي أفرجت عنها بعد أربعة أشهر من اختطافها بتغاط، عادت ذات السلطات في وقت متأخر من الليل إلى مداهمة بيتها من جديد واختطافها على خلفية فرار زوجها، وأشبعوها ضربا ورفسا بطريقة وحشية، وهي وقتها حامل، بل وانتزعوا منها طفلتها التي لم يتجاوز عمرها آنذاك ست سنوات، وفي جحيم الاعتقال، الذي دام حوالي 19 شهرا، ما بين مولاي بوعزة وخنيفرة وفاس، وضعت مولودا اختارت له من الأسماء “حفيظ”، وقد اعتبر آنذاك أصغر رضيع في تاريخ الاعتقال السياسي، والذي لم يهتم أحد من الجلادين بظروفه ولا بما يحتاجه من تغذية وملبس، ولعل من سمع حكاية أم حفيظ عقب جلسات الاستماع، التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة بخنيفرة، لن تصمد مشاعر ألمه طويلا أمام رواية هذه المرأة حول ظروف الوحشية المدمرة التي لقيتها في ضيافة جلادين لا يفهمون الرحمة، وكم بكت وهي تروي سلسلة الاعتقالات التي تعرضت إليها وجحيم التعذيب الذي اكتوت به، بما فيه التهديد بالتصفية الجسدية، وأساليب الخنق ب”الشيفون” و”الصعق الكهربائي”، وطفلتها التي ظلت تجوب الشوارع دون أن تجد من يحتضنها بالنظر إلى مناخ الخوف الذي كان مخيما آنذاك على النفوس.
هددوها برمي ابنتها من الطائرة
عيدة بويقبة واحدة أيضا من المناضلات الصامدات، والتي ظلت واقفة إلى أن وافتها المنية بعد معاناة مريرة مع مرض طويل حملته من برودة ليالي الاعتقال القاسية، وهي زوجة المقاوم والمناضل محمد أومدا، وشقيقة أحمد بويقبة، أحد قادة كومندو أحداث 19733 بمولاي بوعزة، ومحمد بويقبة الذي ظل ضيفا بالديار الجزائرية، ويشار إلى أن الراحلة عيدة بويقبة من النساء الأمازيغيات الزيانيات اللائي لم ينل الجلادون من شموخهن، حتى بالرغم من ويلات الأقبيات السرية وغياهب المعتقلات الرهيبة التي “استضافتها” على مدى ثلاث سنوات وخمسة أشهر ما بين خنيفرة وميدلت تحت أبشع ضروب التنكيل وأصناف التعذيب الجسدي والنفسي، قبل ارتقاء معشر الجلادين بوحشيتهم إلى درجة حملها على متن طائرة عسكرية من نوع هيلوكبتر، ومن تم تعليقها من رجليها في وضعية متدلية من الفضاء بغاية ترهيبها عن طريق تهديدها بإلقائها على الأرض أو في البحر إن لم تدلهم على مكان زوجها محمد أومدا الذي لم تكن تعلم أي شيء عن مكانه، وفي كل سؤال كانوا يوجهونه إليها كان يصطحبونه بصفعة خشنة على وجهها النحيل.
وبعد الإفراج عن عيدة بقانون الاستمرار في مراقبة تحركاتها، وجدت نفسها في دوامة من التيه والبؤس جراء إقدام زبانية الأجهزة القمعية على نهب وإتلاف كل ما كانت تملكه من متاع وأثاث،بالتالي أن جميع أقاربها ومعارفها وجيرانها تنكروا لها من شدة الخوف، تجنبا لأي عقاب جهنمي قد ينزل عليهم من جانب “علوج” السنوات الحالكة، خصوصا في عودة زوار الفجر لاختطاف ابنتها بالتبني فاطمة أعساري، واعتقالها في ظروف سيئة بأمر من الكولونيل أرزاز، دونما أن يشفع له عمرها الذي لم يتجاوز آنذاك 12 سنة في شيء من طرف الجلادين، كما اختطفوا شقيقتها رقية بويقبة في إنزال مكثف طوق الحي بكامله.
صلبوها على شجرة في الخلاء
فظمة أعساري، أو فظمة بويقبة، ابنة محمد أومدة بالتبني، وهي أصغر أنثى يُزج بجسدها الناعم في طاحونة الرعب لمدة تسعة أشهر، وعمرها لا يتجاوز 122 سنة، وقد عمد زبانية أوفقير وأرزاز إلى ترهيبها هي أيضا من على طائرة عسكرية في محاولة منهم ابتزاز أي معلومة من أمها قد تقودهم لمكان محمد أومدا، ولما لم يحققوا مبتغاهم الجنوني عمدوا إلى نقل فظمة صوب غابة “عاري أوحيدوس” وصلبها هناك على غصن شجرة لم يتحملها فانكسر وسقطت على الأرض بقوة، وأصيبت إثر ذلك برضوض وكسور لم تندمل آثارها بسهولة، ولا زالت فظمة تتذكر بوضوح شديد الساعات التي كان فيها الجلادون يعذبون والدتها أمام أعينها، وبعدها بأشهر أفرجوا عن البنت واحتفظوا بالأم في غياهب الظلمات.
وإلى ذلك لم تصل أيادي الجلادين لمحمد أومدا الذي استطاع، ومجموعة من رفاقه، عام 1975، مغادرة تراب الوطن باتجاه الأراضي الجزائرية، وهناك ظل لاجئا إلى أن وافته المنية عام 1986 بعد صراع طويل مع مرض ألم به ودفن هناك غريبا عن وطنه الذي كان غارقا يومها، بفعل جلاديه، في جحيم من انتهاكات حقوق الإنسان.
أعدموا زوجها ليلة عيد الأضحى
امرأة أخرى هي فاظْمَة أوخلف زوجة الشهيد احماد عسيل المعروف ب”احديدو” الذي نُفذ فيه حكم الإعدام ليلة عيد الأضحى المتزامن ويوم 30 غشت 1973 على خلفية أحداث مارس 1973، أو ما يعرف بأحداث مولاي بوعزة التي عاشت في ظلها عدة مدن مغربية آنذاك حالة استنفار مصحوبة بموجة قمع واسعة وحملات تمشيط واختطافات واعتقالات تعسفية، ومحاكمات غير عادلة، و إعدامات خارج نطاق القضاء.
وفاظمة أوخلف امرأة ظلت صامدة رغم ما عانته في جحيم طواحين القهر والإذلال من أجل إجبارها على إرشاد العساكر إلى مكان زوجها الذي لم تكن هي نفسها تعلم بمصيره، وقد اختطفت معصوبة العينين ومكبلة اليدين إلى حيث تعرضت لأبشع أشكال التعذيب والتنكيل الموجع والمتوحش على مدى تسعة أشهر قضتها بين ظلمات الثكنة العسكرية لمولاي بوعزة ومعتقل “الكوربيس” بالدار البيضاء حيث تم نقلها وعدد من أفراد أسرتها، بينهم ابنان بقي ثلاثة من أشقائها عرضة للتشرد، ولم يتوقف الجلادون عن تعذيب جسدها الأنثوي، قبل الإفراج عنها لتجد نفسها أمام مسؤولية حياة أبنائها الخمسة بعد قيام السلطة آنذاك بحرق وهدم منزل الأسرة وإتلاف ممتلكاته، واضطرت للعيش على صدقات المحسنين بالطرق السرية المعلومة، وتنضاف إليها حكاية شقيقتها إيطو التي توفيت مباشرة بعد خروجها هي الأخرى من جحيم الاعتقال دون محاكمة، ولم تسلم شقيقة زوجها فاظمة إيطو عسيل هي الأخرى من دوامة القمع، إذ اعتقلت في مرة أولى، وبعد إعدام شقيقها اعتقلت ثانية يوم نزعوا منها طفلتها واقتادوها إلى حيث قضت غدة أشهر في ضيافة الظلام والتعذيب.
بعد الإفراج منعوها من دخول بيتها
اسم أنثوي آخر جرفته الآلة القمعية، يتعلق بإيطو أمزيان، زوجة المعتقل السياسي السابق سيدي محمد أمزيان، وهي من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان إبان أحداث مارس 1973 بخنيفرة، وقد جاء اعتقالها هي كذلك في سياق موجة القمع التي استهدفت المنطقة، آيت خويا أساسا، حيث داهم القوات العمومية بيت شقيق زوجها علي أمزيان، ولما لم يعثروا على هذا الأخير اعتقلوا زوجته فظمة وشقيقه امحمد، قبل اعتقالها هي الأخرى حيث احتجزوها وأذاقوها تنكيلا شرسا بعد أن فتشوا البيت وعبثوا بمحتوياته، واقتادوها معصوبة العينين إلى مركز للمياه والغابات بمولاي بوعزى، ومنه إلى مكان مجهول بفاس، ثم أعادوها إلى حيث تم الزج بها في ظلمات زاوية بثكنة للجيش قضت بها أزيد من خمسة أشهر، وبعد الإفراج عنها رفضت السلطات السماح لها بالعودة إلى منزلها، ونصحها أحدهم بالزواج من رجل آخر مقابل التخلي عن زوجها سيدي محمد أمزيان بدعوى أن هذا الأخير سيندثر في السجن، وظلت رافضة لأي بديل عن زوجها، ولما عادت السلطات فرخصت لها الالتحاق بمنزلها الذي وجدته عاريا من محتوياته، طالبتها هذه السلطات بعدم مغادرة المدينة إلا بترخيص مع التوقيع اليومي بسجل خاص.
اعتقلوها وفصلوها عن ابنتها
فاظمة عسيل امرأة أخرى تعرضت للاختطاف القسري إبان سنوات السبعينات القمعية من منطقة أزغار بإقليم خنيفرة، وتم وضعها بإصطبل لخيل الجنود ومنه إلى حيث قضت أكثر من سبعة أشهر رهن الاعتقال، مابين مولاي بوعزة وثكنة خنيفرة تحت أبشع أنواع التعذيب والترهيب الجسدي والنفسي والصعق بالكهرباء على يد زبانية زنازن سنوات الرصاص الذين لم يفلحوا في الوصول إلى مرادهم المتمثل في بلوغ مكان شقيقها احماد عسيل، وزادوا فنزعوا منها طفلتها (خدوج عبيدي)، ذات ستة أشهر من عمرها، وسلموها دونما شفقة أو رحمة لأحد المستشفيات الذي عادوا فأخرجوها منه ووضعوها بين يدي قريب، حيث بقيت شبه يتيمة إلى حين قضاء والدتها لمدة اعتقالها.
والفقيدة هي شقيقة احماد عسيل (المدعو احديدو) الذي حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص، في غياهب السجن المركزي بالقنيطرة، فجر فاتح يونيو 1973، رفقة آخرين من أمثال موحى والحاج أمحزون وعمر دهكون وغيرهم، كما هي صهرة فاظمة أوخلف (زوجة احماد عسيل) التي قضت بدورها تسعة أشهر مابين سجون خنيفرة ومولاي بوعزة ودرب مولاي الشريف.
رموا رفيق عمرها بالرصاص فجراً أمينة سلاك زوجة موحى والحاج أمحزون الذي سقط رميا برصاص، كانت قد اعتقلت هي وابنها الرضيع، مصطفى أمحزون، بتاريخ 7 مارس 1973، والساعة على مشارف الفجر، ولم يفت آلة الاضطهاد شحن كل من بالبيت، ربيبها حسن أمحزون ومحمد أمحزون وآخرين، والجميع ليلتها بمنطقة ايتزر آيت أوفلا، ببيت ابنة الشهيد بمناسبة ازديان فراش هذه الأخيرة بمولود، في حين لم يتم القبض على الشهيد إلا في مساء اليوم الموالي، حيث تم نقل الجميع على متن طائرة مروحية إلى ثكنة بمولاي بوعزة، وهم معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي، وهناك بدأ جحيم الترهيب والترويع والتنكيل بشتى الأساليب، من الضرب، إلى “الشيفون”، الصدمات الكهربائية، وكان قائد الحملة الجهنمية الكولونيل أرزاز، رفقة الليوتنان غزال وبعض رجال الدرك، يسألون المعتقلين عن أشياء لا علم لهم بها.وكم كان الجلاد متصلبا في رفضه السماح لأمينة سلاك بإرضاع وليدها مصطفى، وفي اليوم الموالي نقل الجميع إلى مركز مولاي بوعزة، باستثناء الشهيد موحى والحاج الذي نقلوه على متن طائرة مروحية باتجاه فاس، حيث زج به في زنزانة رهيبة، وظل تحت رحمة التعذيب إلى حين تم نقله إلى القنيطرة ليتم تقديمه أمام المحكمة العسكرية التي قضت بإعدامه رميا بالرصاص في صباح باكر من يوم 2 نونبر 1973، ووقتها كانت أمينة تحت التحقيق، وكل أسئلة الجلادين تصب في محاولة التعرف على تفاصيل حياة زوجها ورفاقه وتحركاته، وكلما أظهرت جهلها نزلت عليها الضربات الخشنة بشتى الألوان الوحشية.وبينما تم نقل المرحوم حسن أمحزون ابن الشهيد موحى والحاج إلى مقر للدرك بضواحي مكناس، التقى هناك بأخويه حمو، الذي كان يعمل بالقوات المساعدة بالحاجب، وبوعزة الذي كان يعمل بالجيش بإفران، ومن ثم حملوا جل أفراد أسرة الفقيد موحى والحاج أمحزون على متن طائرة عسكرية باتجاه “الكوربيس” بالدار البيضاء، ومنه نقل بعضهم إلى درب مولاي الشريف، حيث التقوا بالوالد وبالشهيد عمر بنجلون وآخرين، وقضوا 11 شهرا ب “الكوربيس” تحت أشكال مختلفة من المعاملات اللاإنسانية والحاطة بالكرامة، ومن هنا إلى السجن المدني بمكناس حيث زاد فقضى مدة سنة ونصف، وكانت أمينة وباقي أفراد أسرتها المعتقلة قد نقلوا وقتها إلى خنيفرة المدينة، حيث توالت لعنة الاستنطاق والتعذيب، وقام الجلادون بتسليم رضيع أمينة لجده بقاسم سلاك لتظل أمه رهن الاعتقال لمدة أربعة أشهر تحدتها بصبر وصمود وإصرار من أجل البقاء.
اختطفوها بأبنائها وهي حامل
كل حديث عن نساء سنوات الجمر والرصاص وآلامها، يحضر اسم يطو محا، أرملة المناضل والمقاوم أمهروق أمزيان، هذه التي تجالسها فتستعيد بمرارة جارحة تفاصيل سنوات اعتقالها إبان موجة أحداث مارس 1973 بمولاي بوعزة، إقليم خنيفرة، هي وأبناؤها الثلاثة، المهدي، فاظمة وجميلة، ورابعهم كان وقتها في رحمها، والذي ستضعه فيما بعد وليس سوى أنثى اختارت لها من الأسماء مريم، إذ بعد مداهمة بيتها وتفتيشه من طرف قوات الرعب، تم اقتيادها إلى مركز “عين نوال” بالكعيدة، حيث تم استنطاقها في ظروف لا إنسانية، لم تسلم فيها من أشكال التعذيب المرير أمام أعين أبنائها، قبل نقلها نحو مركز مولاي بوعزة حيث مكثت به عدة أيام من القمع النفسي والجسدي، ليتم تحويلها باتجاه مدينة خنيفرة حيث تم الاحتفاظ بها، رفقة أبنائها الثلاثة في حياة يمتزج فيها الجحيم بالبرودة.
بعد ذلك نقلت يطو محا إلى مدينة فاس ليستمر اعتقالها تحت شتى أنواع التعذيب (الشيفون، الطيارة، الكهرباء…)، في محاولة من الجلادين لانتزاع معلومات تجهلها، ومنها النشاط السياسي لزوجها، وبعد أربعة أشهر وسبعة أيام خلف الزنازن والظلمات، مكبلة اليدين ومعصبة العينين، تم الإفراج عنها دون محاكمة، وحتى وهي خارج أسوار المعتقلات المعتمة التي لم تتخلص من آثارها النفسية والجسدية، فرضوا عليها الإقامة الجبرية ببيت والدها، بعيدة عن أبنائها الذين ظلوا أشبه ما يكون باليتامى، عرضة للتيه بين بيوت بعض الجيران والمعارف، قبل اعتقال زوجها وإحالته على المحكمة العسكرية بالقنيطرة، حيث تم الحكم عليه بتاريخ 30 غشت 1973 بعشرين سنة سجنا نافذا، قضى منها سبع سنوات وستة أشهر، كانت فيها يطو محا بدون معيل وهي امرأة ضعيفة مكسورة الجناح.
(*) إعلامي وحقوقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.