لا أهمية للوقت في حياتنا المعاصرة، نحن العرب، وقد نستثني بعض الدول القليلة. فنحن نعيش خارج الزمن، ويبدو إيقاع حياتنا متوقفا للأسف، فهربت بذلك قاطرة التقدم علينا وبقينا نستهلك الماضي على مضض، ننتظر معجزة من السماء لتخرجنا من سباتنا ونلتحق بالآخر الذي أصبح بالنسبة إلينا، مجرة من مجرات هذا الكون لا يظهر منه إلا شعاع بعيد، وأصبح الالتحاق به غير ممكن ويتطلب وقتا إضافيا لا نتوفر عليه الآن؟ الوقت كما نعرفه اليوم، اختراع حديث العهد .فمعنى الوقت اليوم قديم قدم الولاياتالأمريكية. فهو منتوج مواز للعهد الصناعي. حيث أصبح الوقت طاغية. فنحن واعون بالحركة الزمنية للعقرب المشير للدقائق، بل وحتى عقرب حركة الثواني. ويجب أن نكون كذلك. فهناك قاطرات ينبغي آن نكون في مواعيدها، وساعات حائطية ينبغي تتبع ومراعاة عقاربها. ومآرب ينبغي أن تنجز في حينها. وأرقام قياسية مرتبط تحطيمها بثوان معدودة فقط. وعينا اليوم بأصغر وأدق وحدة للوقت أصبح حادا. فإن الساعة 08:17صباحا، تعني شيئا مهما جدا إذا كانت تعني وقت انطلاق قاطرة اليوم. بالنسبة لأجدادنا مفهوم التوقيت هذا، يبقى اعتباطيا وغير ذي معنىيذكر، ولم يكن متواجدا. لما اخترعا القاطرة (وات) (watt) و"ستنفسن"Stephenson"، ساهما بشكل كبير في اختراع الوقت. شئ آخر وجوده وكيانه مرتبط ارتباطا وثيقا بالوقت، انه المصنع والمكتب. المصانع موجودة وهدفها هو إنتاج كميات محددة من السلع في وقت محدد. إن الصانع القديم كان يعمل كما يحلو له و ذلك حسب الكميات المطلوبة منه من طرف الزبائن. فالمصنع وسيلة لجعل العمال يسرعون في عملهم. فإن للآلة لوالب عدد دوراتها كل دقيقة تساوي عدد القطع المنتجة خلال ساعة واحدة، نتيجة لكل هذا فإن العمال في المصنع أو المكتب مطلوب منهم جميعا أن يكونوا على بينة من الوقت في أدق تفاصيله. ففي العهود ما قبل الصناعية لم يكن هناك مثل هذا الاهتمام الإجباري بالدقائق و الثواني. فوعينا بالوقت وصل إلى مرحلة شديدة حيث أننا نعاني معاناة كبيرة عندما نسافر إلى أمكنة أخرى من العالم، حيث أناس لا يهتمون بالدقائق و الثواني.فإن عدم احترام الوقت في الشرق جد مفاجئ للقادم الجديد في مكان فيه أوقات الوجبات الغذائية محددة، إضافة إلى مواقيت خدمات القاطرات.بالنسبة للأمريكي أو البريطاني الحديث، فإن للانتظار معاناة سيكولوجية حادة. فإن الإنسان الهندي يقبل ساعات فراغه كاستقالة من العمل برضا وارتياح. لأنه لا يزال يحتفظ بفن التمتع بعدم القيام بأي شيء. فمفهوم الوقت عندنا يشبه اقتناء دقائق و ملؤها بشيء من الحركة و العمل أو التسلية. وهذا يخالف تماما مفهوم غريب على الإنسان الشرقي و الإغريقي.لأن الإنسان الذي يعيش في الزمان ما قبل الصناعي، فالوقت لديه يتحرك ببطء وبساطة شديدتين. فالدقيقة لا تهمه ولا يعيرها أي اهتمام لسبب واحد، هو أنه لم يكن يوما ما، مكرها على الوعي بتواجد الدقائق و الثواني. *النص ل 'الدوس هكسلى" " 1963/1894" huxsly aldous *المترجم: صالح لعروصي أستاذ اللغة الانجليزية. ترجم عدة نصوص منشورة في بعض المنابر الإعلامية له قيد الطبع كتاب بعنوان" سؤال الهجرة في الإعلام والسينما" كتاب مشترك ألفه الدكتور الحبيب الناصري والروائي عبدالرحمان مسحت ترجمة: ذ صالح لعروصي