أصبح الحزب في المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات العربية، عبارة عن زاوية يتوافد إليها الموردين ولكن هذه المرة ليس هدفهم التقرب إلى الله وإنما من أجل قضاء أغراض شخصية مرتبطة بحاجات الفرد، ويترأس هذا الحزب شيخ كل ما يقوله هذا الأخير يجب على الموريدين (القواعد) التنفيذ دون مناقشتها لأنه لا سبيل للاختلاف داخل الحزب بالمغرب، رغم أن في الاختلاف رحمة وأن الاختلاف هو الذي يؤدي إلى التطور وهذا ما يؤدي في المغرب نحو لا شيء، لأنه ليست هناك أهداف محددة ومرسومة يجب بلوغها وبالتالي ننطلق من نقطة الصفر لنصل إليها في نهاية المطاف (في كل استحقاق) ، وهذا ليس رهين الظرفية الحالية كما يروج لها البعض وإنما له تراكم تاريخي خاصة أن الحزب لم ينبع من واقع المغاربة ولم يخرج من الأحياء الشعبية والمنسية في المغرب أو جاء نتيجة تحولات وتزحزح في بنية المجتمع المغربي ، وإنما جاء نتيجة استراد كما تستورد المواد الضرورية لأنها لا تكفي لسد الحاجيات الداخلية للبلاد، وجاء في ظرفية تاريخية أو لنقل فرض لأن مجموعة من الأشياء فرضت على المغاربة خلال هذه الفترة لا نهم لم يستوعبوا ما يقع من حولهم من التطورات التي يعرفها العالم في جميع الميادين وحتى نخبة المجتمع في هذه الفترة لم يستسيغوا أن الحزب له أليات وميكانيزمات غير تلك التي أنبنى عليها الحزب المغربي ولذلك كانت للحزب رؤية ضبابية على المدى القريب، وهي خروج المستعمر دون تقديم إجابات قبلية (وهذا هو دور الحزب ) للمرحلة التي بعد الاستقلال ومنذ تلك اللحظة بدأت تتضح أن القيادات في الحزب كانت لها أغراض شخصية وهذا اتضح جليا في معاهدة ايكس لبان لأن الرؤى لم تكن موحدة وتهدف إلى غرض واحد رغم أن المصير واحد وإنما كان هناك تضارب في الآراء أدى في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرارات لازال المغرب يعاني من ويلاتها إلى يومنا هذا. مما يؤكد أن الأحزاب المغربية لم تنبع من واقع المجتمع المغربي ولم تفرزها التحولات والخصوصيات المحلية للمغرب ما يقع في كل محطة انتخابية سواء التشريعية أو الجماعية، حيث أصبحت هذه المناسبة مثل موسم لزيارة والي صالح، لدرجة أن بعض الأحزاب غير معروفة حتى بالاسم عندما تعطاها الفرصة تتحدث بنوع من الارتجالية على أنها صانعة أمجاد المغاربة مع العلم أن صناع الأمجاد أهملهم التاريخ المغربي مثل موحى اوحمو الزياني، عسو اوبسلام، احنصال وغيرهم ،في حين أن الذين استفادوا أقل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم وظفوا ظرفية تاريخية لصالحهم وأحسنوا التوظيف. أعود إلى الحزب لأقول أنه ليس هو الشعار والأسماء الرنانة والبرامج الفارغة، التي كل ما يمكن أن يقال عنها أن الإنسان العاقل لا يمكنه تصديقها، بل الحزب أفكار ومبادئ ومرجعيات يجب على الكل أن يحفظها عن ظهر قلب من الشيخ إلى أخر مريد صغير وان يدافعوا عنها، لكن ما يحز في النفس أن الحزب في المغرب لم يعد مبدأ وفكر واديولوجية وإنما أصبح يساوي الكرسي والحقائب وتحسين الوضعية الاجتماعية وهذا ما أفرغه من معناه الحقيقي حيث أصبح كلعبة حظ وكرهان من اجل التغيير وهذه المرة ليس التغيير الجماعي لتطوير المجتمع وإنمائه وإنما تغيير في حياة الفرد ورفع شعار “أنا ومن بعدي الطوفان” . جميع الأحزاب في المغرب من أقصى اليمين مرورا بالوسط وصولا لأقصى اليسار تتبجح بالحداثة، مع العلم أن الحداثة ليست كلمة وفقط، وإنما لها مدلول يحمل في طياته التجديد والتطوير وقد تضم الديمقراطية والعلمانية ولكن ليس القطع مع الماضي، وإنما بناءا على تراكمات الماضي لأنه لاشيء يأتي من فراغ و حتى الطبيعة لا تقبل الفراغ، لكن للأسف الأحزاب المغربية لا تعرف من الحداثة سوى الاسم (لأنه مستورد كما استورد الحزب)، وهو ما يرفع بشكل لافت للنظر خلال الحملات الانتخابية (سوق الدلالة)، فجميع الأطياف السياسية في هذا البلد الحبيب تقول عن نفسها أنها لها هدف هو توطيد الديمقراطية ودولة الحق، لكن شتان بين القول والفعل لان فاقد الشيء لا يعطيه، فالممارسات والسلوكات تظهر وبالملموس أن المصلحة الشخصية حاضرة سواء عند المترشح أو الناخب فمثلا عندما تسأل أحد عن الهدف من المشاركة في الانتخابات تجد الإجابة ” تحسين الوضعية” : توظيف شخص من العائلة، التوسط للاستفادة من رخصة في ميدان ما…، وهنا يتضح أن الوضعية التي يتحدث عنها ليس الجماعية وإنما الشخصية وعندما يتم تغليب الثانية على الأولى يغيب التطور والازدهار بدءا من الحي ثم المدينة وصولا إلى البلد ككل، وهذا هو الدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه الحزب.