خلصت في مقال " معضلة الديموقراطية الأمريكية" إلى أن أحداث غزة كشفت حقيقة الديموقراطية الأمريكية والغربية العرجاء ، فالشعوب في واد والحكومات في واد أخر، فقطاعات واسعة من الشعب الأمريكي خرجت للإحتجاج وعبرت عبر مختلف الوسائل عن رفضها لجرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بدعم من حكومة بلادهم ..لذلك، فأمريكا في حاجة إلى تغيير سياسي ينسجم مع تطلعات هذا الشعب الذي يستحق حكومة و إدارة سياسية أفضل ، وتجاوز الاحتكار السياسي الذي يمارسه اللون الأحمر أو الأزرق ، و الحد من سطوة المال و الإعلام في صناعة وإختيار النخب السياسية..فصوت المتضامنين مع غزة يعبر عن تطلع لأمريكا خضراء لا حمراء و لا زرقاء، أمريكا المتصالحة مع البيئة والإنسان ، بعيدا عن الثلوث البيئي والسياسي وخرافات غزو المريخ واستيطان الكواكب الأخرى و ضمان السيطرة على مقدرات العالم موارده.. فلا يمكن بناء تجمعات و مستوطنات بشرية على كواكب أخرى و تدمير الكوكب الذي سخره رب العالمين لحياة البشر قال تعالى في محكم كتابه : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} (الملك- 15)، وقوله تعالى : {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ( الأعراف-74). * ترامب و البيئة : فترامب لا يهدد النظام العالمي فحسب، وإنما يهدد البيئة أيضا، فالرجل مصاب بعقدة من الاتفاقيات ذات الصلة بالمناخ و التغيرات المناخية، وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام قصاصة إخبارية تفيد بأن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يجهز للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وللسماح بمزيد من أعمال التنقيب والتعدين في بلاده..وجاء في تقرير الصحيفة، أنه من المتوقع أيضا أن ينهي ترامب الوقف المؤقت المفروض على تراخيص إنشاء محطات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي، وأن يلغي الإعفاء الذي يسمح لولاية كاليفورنيا وولايات أخرى بتطبيق معايير أكثر صرامة لمكافحة التلوث. * العلم الزائف: وقد تبنى ترمب رؤية تقول إن تغير المناخ خاطئ، ولو كان يحدث فإن النشاط البشري لا علاقة له به، وأنكر الرجل أو قلل من أهمية هذه القضية، أو جادل ضد حقيقة وتأثيرات تغير المناخ حتى قبل أن تبدأ حملته الانتخابية السابقة، ووصفه "بالعلم الزائف" و"الخدعة باهظة الثمن" التي تستنزف أموال بلاده. فمثلا في عام 2015، صرح قائلا: "أنا لا أؤمن بالاحتباس الحراري العالمي، ولا أؤمن بأنه من صنع الإنسان". وبعد نشر تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يوضح التأثير المدمر الذي سيحدثه على الاقتصاد الأميركي، قال ترمب إنه قرأه لكنه لم يصدقه. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، غرد ترامب بأن "تغير المناخ من صنع الصينيين"، وروّج أن هناك نظرية مؤامرة تُحاك منذ زمن بعيد، مفادها أن "مفهوم الاحتباس الحراري العالمي تم إنشاؤه لصالح الصينيين من أجل جعل التصنيع في الولاياتالمتحدة غير قادر على المنافسة".. * عقيدة الأوليغارشة: و موقف ترامب تجسيد لعقيدة الأوليغارشية المالية و الاقتصادية المعادية للطبيعة و الانسان ، المستهينة بمقدرات الأرض من ماء وهواء وموارد ، والمعظمة مقابل ذلك، لمقدرات حركات الشاشات و مؤشرات البورصات، ومن يراهن على ترامب و إدارته الجديدة و حلفاءه الجدد وعلى رأسهم "إيلون ماسك" يراهنون على الخراب والدمار .. وفي مقدمة الضحايا العرب وخاصة الفئة المراهنة على عودة ترامب وتعد العدة ل"يوم الزينة" إحتفاءا بزيارة ترامب الرسمية!! فالعالم تغير تماما، ومقبل على تغييرات درامية خطيرة عناوينها الكبرى الزلازل والفيضانات والأعاصير هذا على المستوى البيئي، ونفس الأمر يسري على الاقتصاد و السياسة، فمن المؤكد أن كل تسونامي أو كارثة طبيعة، لها تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية .. * حضارة الحرق و التدمير: فأي نموذج تنموي يفضي إلى تدمير الإنسان او فطرته أو يقود إلى تدمير الأرض و تهديد غلافها واستقرارها الأني والمستقبلي، حتى و إن أثمر على المدى القصير تحسين مؤشرات العيش، فإنه يعد نموذجا مضللا و مسكنا للألآم لا غير، نموذج ترقيعي محدود الأفق و مضر بمستقبل الإنسان و سلامته واستقراره.. لذلك، فإن الباحثين اليوم عن نموذج تنموي مغاير للنماذج السائدة شرقا وغربا، يجب أن يضعوا في مقدمة إهتماماتهم البعد الحضاري والعمراني – الإستخلافي، ليكون بديلا عن ما أنتجته و توقفت عنده الثورات البشرية السابقة وخاصة " الثورة الصناعية" .. * تسليع الإنسان: فالثورة الصناعية تم النظر إليها حينئذ وإلى يومنا هذا، كفتح مبين واكتشاف عظيم لم تحلم البشرية يوما بدخوله، عصر سالت بحديثه الأقلام وأذهلت العقول وتسمرت الأقدام.. ورغم الأثار السلبية لهذه الثورة التي ألحقت بالإنسان والبيئة أضرار بالغة الخطورة، بل وأضرت بالبناء والنسيج المجتمعي، وفككت إستقراره من خلال تسليع الإنسان واعتباره أداة من أدوات الإنتاج لا أقل ولا أكثر، ووسيلة لتصريف المنتجات ومضاعفتها، ومع ذلك هناك عملية تجميل وتضليل متواصلة ومستمرة للثورة الصناعية وما تبعها من ثورات تكنولوجية ورقمية و غيرها .. * النموذج البديل: أن الأوان أن نطرح تساؤلات فكرية وثقافية حول أسس هذه الثورة الصناعية وتوابعها من ثورات، والتي انتهت على أنسنه الألة و مكننة الإنسان، فأصبح الإنسان ينافس الألة للإحتفاظ بمكانه كقوة إنتاج و يخشى أن تطرده الألة من "جنة الأرض ".. * حضارة الإستخلاف: فالأرض التي جعلها الله تعالى مكانا لإستخلاف الإنسان وأودع فيها معاشه تصديقا لقوله تعالى في محكم كتابه : ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 10]..فهذه الأرض صارت اليوم مهددة باستعمار الألة وتحييد الإنسان جانبا، و التفضل عليه بالفتات ولما لا العمل على تحييد الفائض البشري وإنقاصه عبر الأوبئة والحروب وتغيير الفطرة و نشر الشذوذ … * مفرمة الإنسان: ففي عام 1921، وعلى صفحات جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، عُرِض كتاب بعنوان (Will Machines Devour Man)، أو «هل ستفترس الآلات الإنسان؟»، مع رسم كاريكاتوري لشخص يضع إنسانًا في مفرمة اللحم، فيما الحيوانات واقفة تشاهد. بالإضافة لهذا كان هناك رسم بعنوان «رؤية لعصر الآلات»، يُظهر الكثير من الناس بحجم صغير كأنهم نمل، وفي خلفية الصورة تروس تأخذ الحيز الأكبر من الرسم.. وبعد نحو قرن لا زالت المنافسة قائمة، بل أصبحنا نطرح سؤال أيهما أفضل الروبوت أم الإنسان؟ فما السبيل للخروج من هذا المأزق والخلاص من جحيم الألة والعودة إلى الأرض بنموذج تنموي أكثر حضارة وإنسانية، أكثر نبلا وسموا على مستوى الغايات و الوسائل ؟ والسؤال الوجودي و المصيري الذي ينبغي طرحه ما الغاية من وجودنا أصلا على هذه الأرض ؟ لكن قبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي التأكيد على أن تلك " اليد الخفية" التي تسهر على إحلال الألة محل الإنسان وأنسنة الألة و مكننة الإنسان، هي ذاتها تسعى إلى تأليه ذاتها واستعباد باقي البشر ومكننتهم ونزع إنسانيتهم .. * عولمة الحيونة: فهذه الأوليغارشية العالمية العابرة للحدود و القارات و المتعددة الجنسيات، هي التي تقف وراء تعميم النموذج الحيواني و الإتجار بالبشر و شن الحروب النفسية و الإعلامية المنذرة بإندثار الثروات و الموارد من سطح الأرض و نذرتها إلى درجة تتطلب العودة للنظرية المالتوسية و إطلاق يد الحروب و الأوبئة لإنقاص و تحجيم الكتلة البشرية إلى أقصى حد ممكن.. فهل هذه الأقلية أعطت لنفسها سلطة تقرير مصير ملايير البشر؟ هل هي خالقة الكون و ما عليه؟ هل هي المتحكمة في الرقاب و الأرزاق؟ الأكيد أن هذه الأسئلة مجرد أسئلة استنكارية ، لأن الغاية من خلق البشر تكمن في تطلعهم لحياة أفضل ، حياة السعادة و الخلود و العودة إلى جنة الخلد ، فهذا هو الاستحقاق الحقيقي المنشود، فالتحدي الذي يواجه كل إنسان سوي ، و كل ذي عقل سليم و كل مفكر لبيب و كل مثقف عضوي ملتزم بالقضايا العادلة للشعوب –بغض النظر عن اللون او العرق أو الدين- هو تحدي معرفة الخالق و شكر نعمه، فالتحدي الأساسي الذي يواجه الإنسانية ، ليس ندرة الموارد ، فالأرض قادرة على إنتاج مزيد من الطعام و الأرزاق ، لكن الإشكال يكمن في سوء التوزيع و احتكار الثروات و تبذيرها و تدميرها و إخفاءها من قبل قلة من البشر .. هذه القلة التي أصبحت تلهو بالبشر و جناته، فتحلم يوما باستنساخه، و تحلم يوما أخر بإستبداله ، هذه القلة التي ينبغي كشفها و فضح مخططاتها الشيطانية ، و لابد من توسيع دائرة الوعي و تفعيل قانون الكم …و أضرب لكم موعدا في المقال القادم إن شاء الله تعالى .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. كاتب و أستاذ جامعي مغربي