أفادت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بأن المعايير والإجراءات المتبعة في اختيار مديري المؤسسات التعليمية، إلى جانب الانحيازات الاجتماعية والمهنية، تؤثر بشكل كبير في طبيعة من يتولى هذه المناصب القيادية، وفي مردودهم التربوي وعلاقاتهم بالمجتمع المدرسي، وبالتالي في النتائج التعليمية للمتعلمين. في التقرير الذي يحمل عنوان "القيادة في التعليم"، يظهر المغرب كمثال على دولة ذات معدلات منخفضة من حيث التأهيل الأكاديمي للمديرين بالمقارنة مع عدد من الدول الأخرى. ففي الدراسة التي أجرتها اليونسكو استنادا إلى معطيات دراسة الاتجاهات في الرياضيات والعلوم (TIMSS) لعام 2019، تبيّن أن أقل من 10 بالمائة فقط من تلاميذ الصف الرابع في المغرب يدير مدارسهم مدير حاصل على شهادة دراسات عليا في القيادة التربوية، وهي نسبة تعد من بين الأدنى على الصعيد العالمي، جنبا إلى جنب مع دول مثل مصر والسعودية والبوسنة والهرسك وفرنسا.
وأكد تقرير اليونسكو أن البلدان التي استثمرت في إعداد جيد ومهني للمديرين، مثل الولاياتالمتحدة، شهدت تحسنا ملموسا في النتائج التعليمية وانخفاضا في معدل دوران المديرين، كما حدث في ولاية كنتاكي الأمريكية حيث انخفض معدل دوران المديرين بنسبة 70 بالمائة بين عامي 2005 و2010. ويقصد بالدوران الوظيفي معدل تغير الموظفين في المؤسسة خلال فترة زمنية محددة، أي عدد الموظفين الذين يغادرون مناصبهم سواء بالاستقالة أو الإقالة أو التقاعد أو غيره ويُستبدلون بآخرين. أظهرت دراسة الاتجاهات في الرياضيات والعلوم أن 68 بالمائة من تلاميذ الصف الرابع و71 بالمائة من تلاميذ الصف الثامن يدرسون في مدارس يديرها مدير حاصل على رخصة أو شهادة قيادة مدرسية رسمية. فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة التلاميذ الذين يدير مدارسهم مدير حاصل على هذه الشهادة في الصف الرابع 10 بالمائة في كرواتيا و26 بالمائة في صربيا، بينما وصلت إلى 79 بالمائة في الجبل الأسود، و90 بالمائة في شمال مقدونيا، و92 بالمائة في أرمينيا وجورجيا، و94 بالمائة في سلوفاكيا، و97 بالمائة في هنغاريا. في السياق المغربي، يواجه النظام التربوي تحديا إضافيا يتمثل في الفجوة بين المركزية والتفويض، إذ رغم اعتماد المغرب لإصلاح لامركزي سنة 2011، منح بموجبه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين صلاحيات واسعة في مجالات الموارد والبنيات التحتية وتكييف المحتوى، إلا أن غياب الكفاءات والموارد الكافية جعل هذا الإصلاح محدود الأثر. ويؤكد التقرير أن استمرار تحكم الوزارة المركزية في اتخاذ القرار يضعف من قدرة المسؤولين الجهويين على ممارسة أدوار قيادية فعالة في المنظومة. وفي الجانب المرتبط بالقيادة التربوية غير الرسمية، يشير التقرير إلى أن المدرسين في المغرب يضطلعون بأدوار قيادية من خلال مجتمعات التعلم المهني التي تنشأ بمبادرات ذاتية، حيث أظهرت دراسة أن ثلاثة أرباع أساتذة اللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي يشاركون في هذه المجتمعات، ويتولون أدوارا مثل إجراء البحوث وتقاسم المعرفة وبناء روح جماعية. كما أشار التقرير إلى أن جائحة كوفيد-19 كشفت عن أهمية الكفايات الرقمية في أوساط الكوادر التعليمية المغربية، حيث شهدت نسبة التلاميذ في مدارس يعتبرها مديروها مجهزة بأساتذة يمتلكون هذه الكفايات زيادة من 41 بالمائة عام 2018 إلى 82 بالمائة عام 2022، مما يعكس تحسنا ملموسا في مهارات الكادر التعليمي الرقمي، مع بقاء التحدي في ضمان الانتقال من التوافر إلى الاستخدام الفعّال والمستدام داخل الفصول الدراسية.