تُحدث مؤسسات الأعمال الاجتماعية بموجب قوانين تهدف إلى تقديم خدمات ذات طابع اجتماعي وثقافي وترفيهي لفائدة الموظفين، من أجل التخفيف من الأعباء المالية وتحسين جودة الحياة. غير أن بعض هذه المؤسسات بدأت تنحرف عن فلسفة وجودها الأصلية، واتجهت نحو منح امتيازات لا تنسجم مع طبيعة أدوارها ولا مع مبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الموارد. من أبرز الأمثلة على هذا الانحراف، صرف منح مالية كبيرة لفائدة الموظفين الذين يؤدون مناسك الحج، إذ يصل مبلغ هذه المنح في بعض الحالات إلى 35.000 درهم للفرد، يُمنح بعد أداء المناسك. وقد يُمنح هذا التعويض حتى لمن حصل على فرصة الحج مجانًا، سواء من خلال القرعة الرسمية أو من مبادرات خيرية أو في إطار مجاملات دبلوماسية أو مهنية. وهذا الوضع يطرح إشكالات قانونية وأخلاقية عميقة، لأنه يجعل من الحج، وهو عبادة مشروطة بالاستطاعة، مناسبة للحصول على دعم مالي من المال العام، في حين أن الأصل أن تُؤدى هذه الفريضة من المال الخاص لمن توفرت فيه شروطها. يتحول بذلك البعد الديني الفردي إلى مورد شبه ريعي، ويُغلف بمنطق الدعم الاجتماعي دون مبرر موضوعي، في الوقت الذي تتحفظ فيه نفس المؤسسات عن تقديم دعم كافٍ أو متكافئ في خدمات أساسية يستفيد منها الجميع، مثل الترفيه أو العطلة الصيفية، حيث يُفرض على العديد من الموظفين أداء مبالغ مالية لا تتناسب مع دخولهم، في مقابل استفادة فئات أخرى من دعم سخي دون معايير واضحة أو شفافة. تُثار في هذا السياق أيضًا مسألة الشفافية، إذ لا تُنشر لوائح المستفيدين من عدد من المنح، سواء تعلق الأمر بالتقاعد أو العيد أو الاصطياف أو غيرها، ما يزرع الشك في نفوس عدد من المنخرطين، ويدفعهم إلى التشكيك في مدى نزاهة وعدالة توزيع هذه المخصصات. غياب نشر المعلومات يفتح الباب أمام التمييز والمحسوبية، ويقوض الثقة المفترضة في هذه المؤسسات التي من المفترض أن تُدار وفق قواعد الحكامة الجيدة. من جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن أن بعض المنح الموسمية، رغم محدودية قيمتها، تظل ذات رمزية اجتماعية قوية، وتُعبّر عن التزام هذه المؤسسات بمساندة الموظفين في مناسبات خاصة تُشكل عبئًا على ميزانيات الأسر، خاصة من ذوي الدخل المحدود. لكن المقارنة بين هذه المنح المحدودة وبين مبالغ الدعم المقدمة لأداء مناسك الحج تكشف عن خلل واضح في ترتيب الأولويات، وتضع علامات استفهام حول منطق التدبير ومدى التزامه بمرجعية الإنصاف والتكافل الجماعي الحقيقي. الواجب اليوم يفرض إعادة النظر في طريقة اشتغال هذه المؤسسات، من خلال مراجعة معايير الاستفادة، وربط كل دعم اجتماعي بحاجيات واقعية وذات أثر مباشر على جودة حياة الموظف وأسرته، بدل تبديد الموارد في منح لا تخدم العدالة الاجتماعية، ولا تُسهم في تقليص الفوارق داخل أسلاك الوظيفة العمومية.