تحل اليوم الثلاثاء، الذكرى الثالثة ل"مأساة مليلية" التي حدثت في 24 يونيو 2022، والتي راح ضحيتها أزيد من 20 قتيلا في صفوف المهاجرين وطالبي اللجوء، وعشرات الجرحى والمفقودين، خلال محاولة اقتحام السياج الحدودي في معبر "باريو تشينو" بين الناظور ومليلية المحتلة. ومع حلول الذكرى الثالثة للفاجعة، جدد فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور مطالبته بالكشف الفوري عن مصير جميع المفقودين، وضمان حق العائلات في المعلومة والإنصاف، وفتح تحقيق مستقل ونزيه في كافة الانتهاكات التي وقعت قبل وأثناء وبعد الحادث، ومساءلة المسؤولين عنها، إلى جانب إطلاق سراح المهاجرين الذين جرت محاكمتهم في سياق لا يحترم الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة.
وقال حقوقيو الجمعية في بيان إن هذه الفاجعة هي إحدى أفظع المآسي الجماعية التي عرفتها المنطقة، وأحد أبرز تجليات العنف المؤسساتي الناتج عن السياسات الأمنية المتشددة في تدبير ملف الهجرة. واعتبرت الجمعية أن هذه الفاجعة كشفت أن منطق السيادة والأمن تغول على منطق الحقوق، وأدى إلى شرعنة العنف المؤسساتي ضد مهاجرين وطالبي لجوء، أغلبهم فارون من نزاعات مسلحة وأزمات إنسانية حادة. تعاملت الدولة معهم ليس كأشخاص في حاجة إلى الحماية، بل كتهديد جماعي ينبغي احتواؤه، بغض النظر عن مشروعية مطالبهم، أو المعايير الدولية التي تصون وضعهم القانوني. وأضاف البيان "بدل فتح تحقيق شفاف، وجاد، ومستقل في ظروف الوفاة والاختفاء، والوقوف على المسؤوليات الفردية والمؤسساتية، اختارت الدولة توجيه الاتهام للناجين من الفاجعة، وتقديمهم للمحاكمة في ظروف تفتقر للحد الأدنى من الضمانات القانونية، مما حول الضحايا إلى متهمين، وكرس الإفلات من العقاب في جريمة تمس جوهر الحق في الحياة". وانتقد ذات المصدر تصاعد التنسيق المغربي الأوروبي في مجال مراقبة الحدود، وتحويل المغرب إلى منطقة عازلة، تؤدي وظيفة دركي الحدود لأوروبا، في إطار اتفاقيات ثنائية تنعدم فيها الشفافية والمحاسبة، وتنزع عنها الطابع الطوعي والحقوقي، وتكرس منطق الردع على حساب مبدأ المسؤولية المشتركة في حماية المهاجرين واللاجئين. وقال حقوقيو الناظور إن السياق السياسي والأمني بعد الفاجعة لم يذهب في اتجاه الاعتراف بالمسؤولية أو تصحيح الاختلالات، بل استمر في إنتاج نفس الآليات الاعتقالات الجماعية، الترحيلا القسرية للقاصرين والشباب والإهمال الطبي، وغياب الاعتراف بصفة اللجوء، وتوظيف القضاء لتبرير المقاربة الزجرية. كما تم تجاهل مطالب أسر الضحايا والمفقودين، وتغييبهم من مسار البحث والحقيقة، بما يشكل انتهاكا مضاعفا للكرامة الإنسانية. وشددت الجمعية على أن الصمت الرسمي، واستمرار غياب المساءلة، يعمق الجرح، ويكرس منطق الإفلات من العقاب، ويبعث برسائل سلبية بشأن نجاعة منظومة العدالة في التعامل مع القضايا ذات الطبيعة الحقوقية العابرة للحدود. وإلى جانب المطالبة بالخقيقة والمحاسبة في هذه الفاجعة، دعت الجمعية إلى وضع حد للترحيلات القسرية والممارسات المهينة، واحترام الالتزامات الدولية للمغرب، وخاصة ما يتعلق بوضعية المهاجرين وطالبي اللجوء، رافضة منطق الحراسة الحدودية بالوكالة عن أوروبا. وخلص البيان إلى التأكيد على أن الذاكرة الحقوقية لا تغلق بالتقادم، ومجزرة 24 يونيو تظل عنوانا لمرحلة من الإخفاق الحقوقي يجب تفكيكه ومراجعته، لا التطبيع معه أو نسيانه، وضمان عدم تكرار ما جرى.