تزامنت دعوة الملك محمد السادس إلى فتح "حوار أخوي وصادق" مع الجزائر حول القضايا العالقة، وفي مقدمتها ملف الصحراء، مع جولة قام بها مبعوث دونالد ترامب الخاص إلى شمال إفريقيا، مسعد بولس، الذي زار الجزائر في 27 يوليوز، ثم المغرب في 29 يوليوز، يوم خطاب العرش، وفق ما أورده موقع "افريك.كوم". وحسب ما جاء في مقال للصحفي علي عطار، المتخصص في الشأن المغاربي، فإن هذا التزامن بين الخطوة الملكية والتحرك الدبلوماسي الأمريكي ليس مجرد مصادفة، بل يعكس ربما بداية تحرك منسق نحو تجاوز الجمود السياسي في ملف الصحراء، من خلال صيغة جديدة للحل تتجاوز الخيارات التقليدية بين السيادة الكاملة والانفصال، وتقوم على "حكم ذاتي حقيقي" بصلاحيات موسعة.
وأشار المصدر إلى أن مسعد بولس، المبعوث المعروف بقربه من دونالد ترامب، أمضى وقتا أطول في الجزائر مقارنة بالرباط، في ما فُهم على أنه إقرار أمريكي بأهمية الجزائر في أي تسوية قادمة. ونقل الموقع أن بولس يسعى إلى إعادة فتح قناة اتصال غير مباشر بين الجزائر والمغرب، بهدف الدفع نحو حل سياسي يسمح بعودة النشاط الاقتصادي والاستثماري في المنطقة. ويرى التقرير أن هذا الخيار الجديد للحكم الذاتي من شأنه منح الصحراء الغربية سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة، إضافة إلى التحكم في مواردها الطبيعية، خاصة الفوسفاط والثروات البحرية والطاقة المتجددة، مع إمكانية إقامة علاقات دولية محدودة، ما يمثل تحولا نوعيا مقارنة بمقترح الحكم الذاتي المغربي لعام 2007. ووفقا للتقرير، فإن هذا السيناريو يسمح للمغرب بالحفاظ على استثماراته الاستراتيجية الكبرى في المنطقة الجنوبية، لا سيما في مشاريع الطاقة والموانئ، من خلال صيغ شراكة طويلة الأمد تضمن الاستقرار المالي وتحترم الإطار الذاتي الجديد، وهو ما قد يخفف أيضا من حدة الضغوط القضائية الأوروبية بعد أحكام محكمة العدل الأوروبية بشأن الاتفاقيات الاقتصادية مع الصحراء. وفي المقابل، قد يشكل هذا المقترح بالنسبة للجزائر مخرجا سياسيا يحفظ موقفها التاريخي الداعم للبوليساريو، ويتيح لها توجيه دبلوماسيتها نحو ملفات إقليمية أخرى، مع إمكانية تحسين العلاقات مع الرباط واستئناف المشروع المغاربي المتعثر. وأشار التقرير أيضا إلى أن الولاياتالمتحدة ترى في هذا السيناريو فرصة لضمان مصالحها الاقتصادية في مجالات الطاقة والمعادن النادرة، وتأمين بيئة مستقرة في منطقة استراتيجية تربط بين إفريقيا وأوروبا، خصوصا في ظل التحديات الأمنية والهجرات غير النظامية. ويخلص تقرير "أفريك.كوم" إلى أن تزامن دعوة الملك محمد السادس مع تحرك مسعد بولس يشير إلى توفر ظروف جديدة قد تفتح الباب أمام تسوية واقعية ومتوازنة، تضع حدا لأحد أقدم النزاعات في إفريقيا، وتعيد ترتيب العلاقات في شمال القارة ضمن مقاربة براغماتية تستند إلى المصالح والتوافق الإقليمي والدولي.