نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرا مطولا حول شخصية مروان البرغوثي، الذي ما زال يقبع في السجون الإسرائيلية منذ أكثر من عقدين، وتساءلت الصحيفة ما إذا كان يعتبر إرهابيا مدانا أم أنه "نلسون مانديلا الفلسطيني" الذي قد يشكل في المستقبل بديلا للرئيس محمود عباس. وقدمت الصحيفة عرضا شاملا لمسيرة الرجل منذ بداياته وحتى اللحظة الراهنة، متطرقة إلى خلفيته السياسية والشخصية، وإلى كيفية نظر الفلسطينيين والإسرائيليين له، وكذلك إلى أسباب إصرار حركة حماس على إدراج اسمه ضمن المطالب المطروحة في أي صفقة تبادل محتملة.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن مروان البرغوثي ولد عام 1959 قرب مدينة رام الله، وينتمي إلى عائلة سياسية بارزة تضم شخصيات عديدة منخرطة في العمل الوطني، ومن بينهم ابن عمه البعيد مصطفى البرغوثي، رئيس حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية. وانضم في سن الخامسة عشرة إلى حركة فتح بقيادة ياسر عرفات، وكان من المؤسسين لحركة الشبيبة الفتحاوية في الضفة الغربية. واضاف التقرير أنه في عام 1978 اعتقلت السلطات الإسرائيلية مروان البرغوتي وهو في التاسعة عشرة من عمره بتهمة الانتماء إلى تنظيم مسلح، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وخلال تلك الفترة أنهى دراسته الثانوية وتعلم اللغة العبرية. وأشارت "هآرتس" إلى أن صعود البرغوثي السياسي بدأ في الانتفاضة الأولى أواخر الثمانينيات، حيث لعب دورا قياديا في المواجهات ضد القوات الإسرائيلية. ونتيجة لذلك اعتقل بتهمة التحريض ثم أبعد إلى الأردن، حيث قضى سبع سنوات قبل أن يعود في إطار اتفاقيات أوسلو عام 1994. واوضحت أن عودته إلى الضفة الغربية مثلت نقطة تحول في مسيرته، إذ سرعان ما انتُخب عام 1996 عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني، وبدأ حملة علنية ضد الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن التابعة لعرفات، مما عزز شعبيته بشكل لافت. وأكدت الصحيفة أنه في سنوات التسعينيات كان البرغوثي من أبرز الداعمين لمسار التسوية السلمية، وقد أقام علاقات مع سياسيين إسرائيليين وأعضاء في حركة السلام الإسرائيلية. لكن بعد فشل قمة كامب ديفيد عام 2000 شعر بخيبة أمل، ومع اندلاع الانتفاضة الثانية أصبح في واجهة الأحداث، يقود المظاهرات عند الحواجز الإسرائيلية ويلقي خطبا حماسية تحرض على المواجهة. وأضافت "هآرتس" أن البرغوثي تولى قيادة حركة فتح في الضفة الغربية ورئاسة جناحها المسلح "التنظيم"، وأصبحت خطاباته تدعو بشكل صريح إلى استخدام القوة لطرد إسرائيل من الضفة وغزة. وتروي الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي حاول اغتياله لكنه نجا، وفي أبريل 2002 اعتقل في رام الله ووجهت له لائحة اتهام تشمل المسؤولية عن مقتل 26 شخصا والانتماء إلى تنظيم إرهابي. وفي المحاكمة التي جرت لاحقا أدين بخمس جرائم قتل تخص أربعة إسرائيليين وراهبا يونانيا، بالإضافة إلى تهم بمحاولة قتل والتآمر على القتل. وصدر بحقه في يونيو 2004 حكم بخمس مؤبدات متراكمة إضافة إلى أربعين سنة أخرى. ورغم وجوده في السجن، تقول "هآرتس" إن البرغوثي ظل يحتفظ بثقله السياسي، وشارك من خلف القضبان في محاولات الوساطة بين فتح وحماس عام 2007، كما انتخب لقيادة حركة فتح في مؤتمرها السادس عام 2009 وهو في الأسر. وأشار التقرير إلى أن الكثيرين في إسرائيل حذروا منذ البداية من أن اعتقاله سيمنحه مكانة أكبر، ومن بينهم إيهود باراك الذي صرح بعيد اعتقاله أن العملية كانت "عديمة المعنى" من الناحية الأمنية لكنها "مخطط عبقري" لتحويله إلى زعيم فلسطيني مستقبلي، مضيفا: "سيخوض معركته من داخل السجن ولن يكون مضطرا لإثبات أي شيء، والأسطورة ستكبر من تلقاء نفسها". وذكرت الصحيفة بأن البرغوثي قاد عام 2017 إضرابا جماعيا عن الطعام في السجون الإسرائيلية، كما أعلن عام 2021 عزمه الترشح للانتخابات التشريعية ضمن قائمة مشتركة مع ناصر القدوة تحت اسم "الحرية". وكان ذلك يُنظر إليه كمقدمة لمنافسته محمود عباس على الرئاسة، لكن الانتخابات أُلغيت بقرار من عباس بحجة رفض إسرائيل السماح بمشاركة القدس الشرقية. وأشارت "هآرتس" إلى أن زوجته فدوى البرغوثي شرعت العام الماضي بحملة دبلوماسية واسعة لدى عواصم عربية وغربية من أجل الإفراج عنه، معتبرة أنه البديل الطبيعي لعباس الذي تجاوز الثامنة والثمانين من العمر. وأبرز التقرير أن حماس وضعت شرط الإفراج عن البرغوثي ضمن مطالبها في المفاوضات المتعلقة بصفقة التبادل، إذ قال قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية، إن الحركة تريد أن تظهر أنها ليست حركة منغلقة بل تمثل جزءا من المجتمع الفلسطيني وتسعى إلى الظهور بمظهر المسؤول. وبحسب "هآرتس"، فإن شعبية البرغوثي واسعة جدا في أوساط الفلسطينيين، إذ أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر 2023 أن 55 بالمئة من الفلسطينيين في الضفة وغزة سيصوتون له في مواجهة إسماعيل هنية أو محمود عباس. ولفت التقرير إلى أن إسرائيل رفضت سابقا إطلاق سراحه في صفقة شاليط عام 2011 رغم إصرار حماس، لكن بعض الأصوات الإسرائيلية الوازنة ترى اليوم أن الإفراج عنه قد يخدم مصلحة إسرائيل. فقد قال الرئيس السابق لجهاز الشاباك آمي أيالون في تصريح لصحيفة "هآرتس" الشهر الماضي: "كجزء من صفقة شاملة تتضمن عودة جميع الرهائن، يجب أن نطلق سراح مروان البرغوثي، فهو الوحيد القادر على قيادة قيادة فلسطينية موحدة وشرعية نحو مسار انفصال متفق عليه مع إسرائيل". وأضاف: "السبب مزدوج، أولا لأن عودة الرهائن هي أقرب ما يمكن لصورة انتصار لإسرائيل في حرب غزة، وثانيا لأن مروان هو الزعيم الفلسطيني الوحيد القادر على أن يُنتخب ويقود". وبيّن التقرير أن صورة البرغوثي تبقى معقدة ومتأرجحة بين الاعتدال والتشدد، إذ أصدر في دجنبر الماضي بيانا من السجن بمناسبة ذكرى الانتفاضة الأولى دعا فيه الفلسطينيين إلى المشاركة في "حملة التحرير الجارية"، وحثهم على تحويل كل بيت إلى "قلعة للثورة" وعلى إثبات أن الشعب الفلسطيني "قوة لا تقهر في هذه المسيرة البطولية الطويلة التي صنعتها المقاومة وأطلقت مرحلة جديدة في تاريخ أمتنا"، على حد تعبيره. وترى الصحيفة أن مثل هذه التصريحات تزيد من الجدل حول ما إذا كان الرجل يمثل خيار السلام أم الاستمرار في المواجهة. وأفادت "هآرتس" أن الإفراج عن البرغوثي يبدو أمرا غير مرجح في الظروف السياسية الحالية، لكن شعبيته بين الفلسطينيين تجعله الخيار الأبرز لخلافة عباس في أي استحقاق مقبل. ونقلت عن قدورة فارس قوله إن حماس تدرك أهمية التوافق الوطني الفلسطيني، وأنها أكثر قوة وذكاء من أي وقت مضى، ولذلك تصر على إدراج اسمه لإظهار أنها معنية بإيجاد قيادة فلسطينية جامعة. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن هناك شريحة فلسطينية واسعة ما زالت ترى في البرغوثي "مانديلا الفلسطيني" الذي قد يوحد صفوف حماس وفتح وبقية الفصائل إذا ما أُفرج عنه.