إن المغاربة كلهم يعرفون أن الملك يشرف شخصيا، وببتوجيهاته وتعليماته، على ورش الحماية الاجتماعية، وعلى الدولة الاجتماعية التي يفترض أن تضمن لكل مواطن الحق في العلاج والتعليم والعمل والحماية، لكن كل يوم يكتشف المواطن العادي أن هذه الدولة الاجتماعية تبدو حلما بعيدا، وأن التعليمات الملكية لا تتحول دائما إلى مؤسسات قوية تحمي الكرامة، هنا يطرح السؤال نفسه: هل يمكن اعتبار الدولة اجتماعية حقا إذا كانت أزمات المواطنين تُحل غالبا بالصدقات والهبات الفردية، والمنطق التكفل! بعيدا عن المؤسسات التي يفترض أن تكون الضمانة الأولى للحقوق؟ ما حدث اليوم واقع يجيب عن هذا السؤال بطريقة مؤلمة، كما لو أن الهامش أصبح هو المساحة الوحيدة لحياة المواطن، أن يتكفل وزير بعلاج طفلة بعد احتجاجات أݣادير على الوضع الصحي لم يعد حدثا استثنائيا، بل هو تأكيد يومي على أن الدولة، كما نعرفها على الورق، لا تلمس حياة المواطنين إلا حين تمتد يد الشخص القادر على الإحسان، هذا الواقع يكشف غياب مقومات الدولة الحقيقية: دولة المؤسسات، ودولة التعاقد الاجتماعي، دولة يحتكم فيها الجميع إلى دستور يحمي الحقوق ويؤكد الواجبات، هنا لا تُعالج الخلل بالسياسات العمومية، بل بالأيادي التي تمتد من جيوب المسؤولين لتضمد جرحا بينما تظل الجروح الكبرى مفتوحة، فهل هكذا نتجاوب مع الاحتجاجات نقمعها في البداية ونتكفل في النهاية؟ أتذكر موقفا في مكتب رئيس مجلس جماعي، حين حضر مواطن يشتكي حرمان ابنه من شهادة مدرسية بسبب ديون بسيطة لم يؤدها، لم تُحل المشكلة بالقانون أو بالمؤسسات، بل ببساطة أخرج الرئيس ألفي درهم من جيبه وقال: "كفى من إحراجنا مع الحاج، حل علينا المشكل." لحظتها شعرت بالمرارة؛ أزمة التعليم لا تُحل بمنطق الدولة، بل بمنطق الصدقة التي يُلقيها صاحب النفوذ، هذا دون أن نناقش كيف لجأ مواطن بسيط للتعليم الخاص، فهل هكذا تحل أزمة التعليم؟ وفي سوق السبت، مدينة بسيطة بهامش المغرب، المدينة المهمشة، جلست بجانب مواطن مقهور يعمل موسما ويعيش على فُتات الدخل الموسمي، لم يجد مائتي درهم يومها، كان ذلك اليوم يصادف السوق الأسبوعي، فظل طوال الصباح في مقهى ينتظر أحد البرلمانيين بالمدينة يجلس بنفس المقهى كل صباح، يرى فيه يدا تُنقذه من قسوة الفقر. لم يكن لديه سوى الانتظار، كأن حياته معلقة على الصدفة، كأن الفقر صديق دائم يُلازم الشباب المقهور، والمواطن المسحوق سياسيا، يراقب الدولة وهي تتحرك بعيدا عنهم. هكذا تُدار أزمة البطالة والفقر، وهكذا يُصنع الأدب اليومي للمهمشين، في صمت مأساوي، هكذا تحل أزمة البطالة من طرف من يدبر الشأن العام، فهل هكذا تحل أزمة البطالة؟ في نشاط ثقافي آخر، اقتربت سيدة من نائبة برلمانية، قبلت يدها وناشدتها: "ما زلت أنتظرك من أجل عملية المرارة." أجابتها النائبة كأنها تمنح وعدا شخصيا: "اذهبي نحو "أݣديطال ببني ملال"، وسأساعدك في إكمال المبلغ." هنا يتجلى التناقض بين الدستور الذي يكفل الحق في الصحة وبين واقع المواطن الذي يظل رهينة منة المسؤول، لا حقا ثابتا، المأساة هنا ليست فقط في المرض، بل في انتظار الحق الذي لا يصل إلا عبر رحمة شخص، لا عبر مؤسسات الدولة، فهل هكذا تحل أزمة الصحة؟ وفي دوار بعيد بأحد الأقاليم، خرج العامل لتدشينات، فارتفعت أصوات الناس عطشى، تدخل برلماني قائلا: "أنا سأتكفل بحفر بئر." ابتسم العامل وفرحت الساكنة، وانتهت أزمة العطش. لكن حين طالبوا بإصلاح بضع كيلومترات من الطريق، اعتبر العامل المطلب مبالغا فيه، ولم تُحل إلا بتدخل رئيس الجهة بشكل شخصي من ماله الخاص حسب ما ظنه الناس لكنه مما نُهب، هنا يظهر الهامش بوضوح: المواطنون ينتظرون الحلول الفردية، والواقع يتشكل من هبات عابرة، بينما المؤسسات الكبرى تقف عاجزة. فهل هكذا تحل أزمة الماء؟ وأزمة البنية التحتية؟ كل الأزمات في وطني تُحل خارج المؤسسات، لا بمنطق المسؤولية، بل بمنطق الشخص الذي يمتلك القدرة على الإحسان، هنا يتوه الحق بين "الواجب" و"المنة"، وتُختزل الدولة في وجوه أفراد، لا في قوة مؤسسات. هذا الوطن، بكل أسف، لا يسير وفق الدولة الاجتماعية كما يُعلن عنها رسميا. يسير بمنطق الهبة والصدقة والموهبة الشخصية، بينما المواطنون يعيشون الحزن اليومي بين يد تمنح لهم دواء ويد أخرى ترمي لهم فتاتا يسد رمقهم، الشباب المقهور، المسحوق سياسيا واجتماعيا، يعيشون مأساة الهامش والحرمان، بين صمت الدولة على الورق ووعودها الكبيرة. الإصلاح يبدأ حين تعود الدولة لهيبتها، وحين يصبح الحق حقا لا هبة، والواجب واجبا لا إحسانا. فاعل سياسي وحقوقي