لم يكن الجدل الأخير الذي أثارته قناة الجزيرة بالانجليزية بشأن خريطة منسوبة لمنظمة التعاون الإسلامي حالة معزولة، بل يندرج ضمن سلسلة من محاولات إعلامية متكررة تهدف إلى التشويش على الموقف المغربي في قضية الصحراء. فالمغرب، الذي يعتبر وحدته الترابية خطًا أحمر، اعتاد مواجهة حملات إعلامية خارجية تتلاعب بالرموز السيادية وتقدّم قراءات منحازة للملف. ففي السنوات الأخيرة، برزت عدة حوادث مشابهة، سواء عبر نشر خرائط مبتورة للصحراء المغربية في بعض وسائل الإعلام الدولية، أو من خلال تقارير تصف الجبهة الانفصالية وكأنها "ممثّل شرعي"، متجاهلة التحولات الدبلوماسية العميقة التي عرفها الملف بعد اعتراف الولاياتالمتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ودعم قوى أوروبية ولاتينية متزايد لمقترح الحكم الذاتي. هذه الممارسات لم تكن مجرد "أخطاء تحريرية"، بل عكست في كثير من الأحيان اصطفافات سياسية واضحة. قناة الجزيرة، التي وجدت نفسها اليوم في قلب هذا الجدل، سبق أن تعرضت لانتقادات مماثلة حين منحت حيزًا واسعًا لأصوات مناوئة للمغرب، في وقت التزمت فيه الصمت إزاء مواقف دولية داعمة للرباط. وهو ما يعزز الانطباع بأن الأمر يتجاوز الإعلام المهني إلى هندسة سردية تسعى إلى إضعاف الموقف المغربي في محافل إقليمية ودولية. إن أخطر ما في هذه الحملات هو توظيف الخرائط، فهي ليست مجرد رسومات جغرافية، بل وثائق سياسية ترمز للسيادة والوحدة الوطنية. أي تحريف فيها يتحول إلى رسالة سياسية مشحونة، هدفها التشكيك في الحقوق التاريخية والقانونية للمغرب على صحرائه. من هنا، يطرح السؤال نفسه: هل ما تقوم به بعض المنابر الإعلامية، ومنها الجزيرة، يدخل في خانة "الخطأ التحريري" أم أنه جزء من استراتيجية إعلامية أوسع؟ المؤكد أن المغرب، الذي نجح دبلوماسيًا في حشد دعم غير مسبوق لقضيته، يجد نفسه في مواجهة جبهة إعلامية لا تقل خطورة عن الجبهة السياسية. وبينما يواصل تعزيز حضوره على الساحة الدولية، تظل معركة السرديات والتأويلات الإعلامية واحدة من أكبر التحديات التي تستوجب مواجهة يقظة ومسؤولة.