يرى محمد مدني، الباحث السياسي وأستاذ القانون الدستوري، أن احتجاجات مجموعة "جيل زد 212" شكّلت في الوقت نفسه مفاجأة وأمرا متوقَّعا. وأوضح أنها كانت مُفاجئة له ولغالبية المراقبين والجمهور الواسع، باستثناء أولئك الذين يردّدون باستمرار مقولة "الضغط يولّد الانفجار"، أو الذين يرجّحون أن تؤدي الأزمة الاقتصادية حتما إلى حراك اجتماعي. وسجّل مدني في تصريح خصّ به موقع "لكم" أنه "في الواقع، لو كان الضغط وحده يولّد الانفجار، لانفجر المغرب قبل عقود طويلة، وقبل نشأة 'جيل زد'، فالمظاهرات الكبرى في المغرب لم تكن وليدة 'الكوكوت مينوت'، بل كانت وراءها – بشكل مباشر أو غير مباشر – تنظيمات سياسية أو نقابية أو شبكات من الأفراد، سرية أو علنية". وأضاف: "كما نعلم، الأزمات الاقتصادية لا تؤدي بشكل آلي إلى الاحتجاج أو التغيير، بل قد تساهم أحياناً في تكريس الخضوع والعبودية، وانتشار نزعات فردانية سلبية، بما يترتب عنها من بيع وشراء للأصوات في الانتخابات". احتجاجات غير متوقعة وأبرز مدني أن الاحتجاجات الشبابية كانت غير متوقعة؛ لأنه حتى المتفائلين بالتغيير كانوا يعتقدون أن بروز احتجاجات جديدة – غير تلك المألوفة – كان من المفترض أن يأتي بعد أن تستنفد "الآلة الإشهارية" مفعولها، وبعد إسدال الستار على منافسات كأس إفريقيا للأمم، نتيجة إحباطات رياضية أو تنظيمية مفترضة. وتابع: "لكنها كانت متوقعة بالنسبة للشباب الذين كانوا وراءها. فالمبادرون الأوائل للاحتجاج كانوا متيقّنين أن النزول إلى الشارع سيتم في الوقت الذي حدّدوه، بغض النظر عن عدد الملتحقين بهم". وقال مدني إن النزول إلى الشارع سبقه تحضير ونقاش على منصة "ديسكورد"، وتكوّن يقين لدى مجموعات غير متجانسة من الشبان والشابات أن النزول سيتم في الموعد المحدد. ونجحوا، بل تحققت "النبوءة نفسها" كما يقول الاقتصاديون. نجاح "جيل زد" واضح وأكد أنه بغض النظر عن مآلات هذه الحركة وتأثيراتها على المدى القريب أو المتوسط، فإن نجاحها على هذا المستوى واضح، مضيفاً: "وأنا أقتصر هنا على مرحلة انطلاق "جيل زد 212″، ولن أتنبأ بتطورها، لأنني لا أخُطّ في الرمل ولا أعلم ما سيأتي به الغد". وأوضح أن النداءات للاحتجاج التي تُطلق على منصات التواصل الاجتماعي في المغرب لا تتحول كلها، أو أغلبها، إلى واقع على الأرض، خصوصا إذا كانت ذات بُعد وطني، لكن هذا أول نجاح لحركة "جيل زد". فمخاوف المنظمين لم تكن من القمع، رغم حضوره كهاجس ونقاش في غرف الدردشة حول كيفية التعامل معه، بل من "فقدان الوجه" (Perdre la face)، أي أن يكونوا وحيدين في الموعد ولا يكترث بهم أحد. وعندما نحيل على النقاشات والتحضيرات – يشرح مدني – فهذا يعني أن الحركة لم تكن عفوية بالكامل، بل لم تنطلق من فراغ، فهي لم تكن من صنع البوليساريو كما يزعم البعض، ولا جهات أجنبية معادية للوحدة الترابية، وإنما وُلدت من شبكات صداقة ومؤانسة سابقة، تضم شباباً متعلّماً مطّلعاً على ما يجري في العالم، متابعاً لممارسات جيله، ليس فقط على مستوى الموسيقى والألعاب الإلكترونية وثقافة المانغا، بل أيضا على مستوى ابتكار أشكال جديدة للاحتجاج، تعتمد المرونة، الصورة، السخرية، التضامن الرقمي، والخروج إلى الشارع. وهي أدوات كانت وراء ما سُمّي ب"ربيع جنوب آسيا" أو حركات احتجاجية أخرى عبر العالم. وشدد مدني على أنه بالرغم من أن أصحاب النداء للخروج يوم 27 شتنبر وما تلاه ظلوا مجهولين، فقد نجحوا في جذب اهتمام الرأي العام، عبر تقديم أنفسهم كحركة جيلية مواطنة سلمية، وبتحديد مطالب واضحة: التعليم، الصحة، العدالة الاجتماعية. إجماع على مشروعية المطالب واعتبر أنه بعد هذا النجاح الأولي، دخلت حركة "جيل زد" مرحلة جديدة من حياتها القصيرة: مرحلة تدبير وجودها في ساحات اجتماعية وسياسية محلية، سواء في المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط ومراكش، أو في المدن الصغرى كسوق السبت، آيت عميرة، بركان، وإنزكان، فكلها ساحات لها تاريخها وذاكرتها الاحتجاجية وأشكالها الخاصة للتعبير. أما توسع قاعدة المشاركين، من فئات وأجيال أخرى، ومع تسلّل المندسين، فقد أدى إلى بروز توترات وخلافات في التقدير، بل ومزايدات، وهذه أمور طبيعية في الحركات الجماهيرية حسب مدني، لكنها تتطلب سرعة في التأقلم وحكمة في التدبير، خصوصا في مواجهة دولة وأجهزة تسعى لعزلها وتقديمها، عند أول انزلاق هنا أو هناك، كحركة تخلى أصحابها عن السلمية وانجرّوا نحو العنف. وأكد مدني أن أبرز ما ميّز هذه الحركة هو الانتقال من احتجاجات ذات طابع سياسي واضح (كما في حركة 20 فبراير التي رفعت شعار إسقاط الحكومة والبرلمان وتغيير الدستور)، إلى احتجاجات اجتماعية الطابع، تستهدف "العلبة السوداء" للقرار السياسي والاقتصادي، وتطرح سؤال الأولويات: من يحددها وكيف؟ وأبرز أن هذا النمط يلتقي موضوعياً مع احتجاجات اجتماعية متكررة في ربوع البلاد، تتعلق بالماء، العلاج، نزاعات الشغل، وهي ملفات غالباً ما تظل محجوبة أو لا تنال حقها من الاهتمام الإعلامي. ولذلك، فإن المطالبة بالحقوق الاجتماعية الأساسية، كالعلاج والتعليم الجيد، تحظى بتأييد شعبي واسع، ولو كانت لدينا استطلاعات رأي ذات مصداقية، لأظهرت أن أغلبية ساحقة من المواطنين متفقة مع مطالب "جيل زد". فرصة حقيقية لصناع القرار ولفت إلى أن هذه الخطورة بالذات هي ما جعلت المشرّع الدستوري يضع الحقوق الاجتماعية في دستور 2011 بصيغة فضفاضة وبرنامجية، وكأن الدولة تحسّبت يوماً ما من أن تؤخذ على محمل الجد، فالفصل 31 من الدستور ينص على أن الدولة، بمعية المؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تعمل على تعبئة الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنين من الحق في العلاج، العناية الصحية، والتعليم العصري الميسر الولوج والجيد. وعبّر مدني عن تضامنه مع المحتجين والمعتقلين، شبابا وغير شباب، ومع كل المطالبين بمغرب تسوده الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مؤكداً أن احتجاجات "جيل زد" قد تمثل فرصة حقيقية أمام صناع القرار، ليس فقط الحكومة، بل على مستوى أعلى، لفتح المجال السياسي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإعادة النظر في طرق اشتغال النظام السياسي. وخلص إلى أنها فرصة لإصلاح دستوري عميق يؤسس لحكومة مسؤولة بالكامل عن السياسات العمومية وتحديد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، حكومة نابعة من انتخابات نزيهة، تقطع مع الممارسات السابقة، وتتكامل مع ملكية تسود وتتمتع بمكانة اعتبارية سامية. وأشار إلى أن تحليله ليس جديدا، بل هو ما نادى به جيل الحركة الوطنية، ثم جيل 20 فبراير، وهو لا يزال مطروحا اليوم لتفادي الشرارة التي قد تندلع فجأة، وتحرق السهل، كما قال ماو تسي تونغ.