لاشك في أن الآفات والمعضلات المجتمعية المتولدة عن المنظومة الاستبدادية والأمنية في اكثر من دولة عربية لن تجد لها حلا تلقائيا بمجرد إجرا ء انتخابات أو إقرار دساتير , بما لها وما عليها , فنهاية الاستبداد وإرثه وثقافته وسيكولوجيته يتطلب معركة من طبيعة أخرى، تشكل الواجهة الثقافية والتربوية أهم ميادينها التنويرية، فبدون تنمية قيم المواطنة,التي تشكل اليوم جوهر أي مشروع مجتمعي ديمقراطي وتنموي أقوم مسالك القطع مع الإستبداد فكرا وممارسة , ستظل ثقافة الاستبداد ورواسبها الموروثة عن قرون من تاريخ استبداد الدولة العربية والإسلامية العائق الأكبر لأي تقدم على طريق الدمقرطة والتحديث والتنمية الاقتصادية والسياسية,فلا دمقرطة للدولة ولا للمجتمع دون التحرر من تلك الرواسب الراسخة في الأذهان والمسلكيات ,و في"البنيات اللاشعورية"، والتي لها حضور ومفعول قويين في الأسرة والمدرسة والمقاولة والحزب والنقابة والجمعية… إن تحرير الذات الفردية والجماعية من المستبد الذي يسكنها، ويحتل مساحات في وعيها ,ولاوعيها، سيبقى الشرط اللازب للتأسيس الدستوري والمؤسسي والسياسي لنظام الدولة الديمقراطية والحديثة حقا , وبغيابه ستبقى الديمقراطية هشة , معرضة لانتكاسات تعري عن عطبها البنيوي الكامن في " ذلك المستبد " الذي يسكن الذات الفردية , وعن كونها ليست شيئا آخر غير استبداد مقنع . هكذا , فليس غريبا أن تفشو مسلكيات لا أخلاقية داخل مؤسسات الدولة كالريع والمحسوبية و تضارب المصالح والتلاعب بالمال العام , وأن يعم الحقل الاعلامي الكذب والنفاق والدسائس من طرف " المستبدين الصغار" . لذلك فإن مواجهة رواسب إرث ثقافة الاستبداد هي في الدرجة الأولى مسألة ثقافية وتربوية وإعلامية ..,تستدعي انخرا ط المثقفين فيها , بمختلف أصنافهم وتخصصاتهم ورمزياتهم , أما دون ذلك , فسيتكرس الاستبداد بشكليه الناعم و الأمني الخشن إضافة إلى السلوكات اللاأخلاقية " المستبدين الصغار" الانتهازيين في مختلف المجالس والمؤسسات واللجان .. , وسيبقى ,بالتالي اي خطاب حول المكتسبات الديمقراطية , وحول التنوير , وحول حقوق الانسان ووو, مجرد تطبيل في الماء , وديماغوجيا المستفيدين من الامتيازات الريعية , المفسدة للمجال السياسي برمته والمدمرة .للثقة بين الدولة والمجتمع .