خلقت الرياضة لتوحدنا لا لتفرقنا... فلنكن في الموعد ولم تُخلق الرياضة يوماً لتكون ساحة صراع، ولا وُجدت لتغذية الأحقاد أو تقسيم القلوب، بل وُلدت حقا من رحم الفرح الإنساني، من حاجة البشر إلى اللقاء والتنافس النبيل، وإلى اختبار الذات دون إقصاء الآخر. إن الرياضة، في جوهرها العميق، لغة كونية لا تحتاج إلى ترجمة، يفهمها الطفل قبل الشيخ، والفقير قبل الغني، لأنها والحال انها تخاطب ما هو مشترك فينا: الجسد، الروح، والحلم. حين نعود إلى المعنى الأول للرياضة، نجدها فعلاً جماعياً قبل أن تكون إنجازاً فردياً، وقيمة أخلاقية قبل أن تتحول إلى أرقام وكؤوس. هي مدرسة تعلمنا احترام القواعد، وقبول الخسارة كما نفرح بالفوز، وتربينا على أن الخصم ليس عدواً، بل شريك في صناعة المتعة والمعنى. لولا الخصم، لما كان للنصر طعم، ولولا التنافس الشريف، لما كانت للرياضة رسالة. لكن المؤلم أن الرياضة في عالمنا المعاصر كثيراً ما اختُطفت من معناها النبيل، وحُملت أكثر مما تحتمل. تحولت في أحيان كثيرة إلى امتداد للتعصب، وإلى مرآة لصراعات سياسية أو اجتماعية أو هوياتية ضيقة. فبدل أن تجمعنا المدرجات، فرّقتنا، وبدل أن يكون القميص رمز انتماء جميل، صار ذريعة للشتائم والعنف، وكأننا نسينا أن اللاعب الذي نلعنه اليوم، قد يكون غداً زميلاً أو صديقاً أو حتى بطلاً نفتخر به. إن أخطر ما يهدد الرياضة ليس الخسارة، بل فقدان الروح الرياضية. حين يغيب الاحترام، تتحول المباراة إلى معركة، ويتحول الجمهور إلى قاضٍ وجلاد في آن واحد. وهنا نفقد جميعاً: نخسر متعة اللعبة، ونخسر إنسانيتنا قبل أي لقب أو بطولة. الرياضة قادرة على ما تعجز عنه السياسة أحياناً؛ قادرة على جمع الشعوب، وكسر الصور النمطية، وبناء جسور بين المختلفين. كم من مباراة صنعت سلاماً مؤقتاً بين خصوم، وكم من لاعب صار رمزاً لوطنه لا لأنه انتصر فقط، بل لأنه لعب بشرف واحترم الجميع. في تلك اللحظات، ندرك أن الرياضة ليست ترفاً، بل ضرورة أخلاقية وثقافية. فلنكن في الموعد... موعد استعادة المعنى. موعد أن نُشجع دون سبّ، ونختلف دون كراهية، ونفوز دون غرور، ونخسر دون تحقير للذات أو للآخر. لنكن في الموعد مع رياضة تُربّي أبناءنا على القيم، لا على العنف، وعلى الانتماء الإنساني قبل أي انتماء ضيق. خلقت الرياضة لوحدتنا، لتقول لنا إن الاختلاف لا يفسد اللقاء، وإن التنافس لا يلغي المحبة، وإن الملعب يمكن أن يكون درساً في الأخلاق بقدر ما هو ساحة للعب. فإذا كنا حقاً نحب الرياضة، فلنحب معها الإنسان... ولنكن جميعاً في الموعد.