في خضم النقاش العمومي المتجدد حول تدبير الشأن المحلي، يطفو على السطح سؤال جوهري: من يسير فعلاً دواليب الجماعة الترابية؟ أهو رئيس المجلس الجماعي، المُنتخب بإرادة الساكنة؟ أم الباشا، ممثل السلطة المحلية الذي تُسند إليه مهام المراقبة والتنسيق؟ هذا التداخل بين الصلاحيات يفتح الباب واسعاً أمام ممارسات تُوصف أحياناً ب"تجاوزات السلطة"، ويثير جدلاً قانونياً ومجتمعياً متزايداً. اختصاصات رئيس المجلس الجماعي: إرادة الساكنة في الواجهة بحسب القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، فإن رئيس المجلس الجماعي يتمتع باختصاصات تنفيذية واسعة، تُمكنه من ترجمة إرادة الناخبين إلى قرارات ومشاريع تنموية. من بين أبرز هذه الاختصاصات: إعداد برنامج عمل الجماعة وتدبير الميزانية. التوقيع على الصفقات العمومية. السهر على تدبير الممتلكات الجماعية. إصدار الرخص المتعلقة بالتعمير والأنشطة الاقتصادية. تمثيل الجماعة أمام القضاء وفي العلاقات الرسمية. الرئيس هو المسؤول الأول عن تنفيذ مقررات المجلس، وهو من يتحمل تبعات الفشل أو النجاح في التسيير، أمام الساكنة وأمام القانون. تجاوزات الباشا: عندما تتحول الرقابة إلى وصاية رغم أن الباشا، بصفته ممثل وزارة الداخلية، يُفترض أن يضطلع بدور رقابي وتنسيقي دون المساس باستقلالية المنتخبين، إلا أن الواقع يكشف عن ممارسات تتجاوز هذا الدور. في عدد من الجماعات، تم تسجيل تدخلات للباشا في ملفات من صميم اختصاص الرئيس، من قبيل: رفض التأشير على بعض الرخص أو القرارات رغم قانونيتها، بدعوى "الاحتياط الإداري". فرض أجندات اجتماعات أو تأخيرها دون مبررات مقنعة. استدعاء الموظفين أو المقاولين دون علم الرئيس. الضغط على بعض الأعضاء أو استغلال النفوذ للتأثير على قرارات المجلس. هذه التصرفات لا تعرقل فقط عمل المؤسسات، بل تمس جوهر الديمقراطية التمثيلية، إذ تعكس هيمنة المقاربة الأمنية على حساب التنمية المحلية. التوازن المطلوب: رقابة دون تدخل لا أحد يجادل في أهمية دور السلطة المحلية في الحفاظ على النظام العام والتأكد من احترام القوانين، لكن هذا الدور يجب أن يُمارس في إطار احترام استقلالية المؤسسات المنتخبة. الرهان اليوم هو إعادة الاعتبار للشرعية الانتخابية، وتحصين قرارات الجماعات من التدخلات التي تعيدنا إلى زمن الوصاية الإدارية. إن التحدي الحقيقي ليس في الصراع بين الرئيس والباشا، بل في تفعيل الديمقراطية المحلية، وضمان شراكة متوازنة بين المنتخب والسلطة الإدارية، قائمة على الاحترام المتبادل، لا على منطق فرض السيطرة. ما تعيشه بعض الجماعات الترابية من صراعات خفية أو معلنة بين الرئيس والباشا، ليس مجرد خلاف شخصي، بل يعكس اختلالاً مؤسسياً يتطلب تدخل الجهات الوصية لإعادة الأمور إلى نصابها. فالديمقراطية لا تكتمل إلا باحترام إرادة الناخب، وممارسة السلطة وفق ما يمليه الدستور والقانون، لا وفق ما تمليه الحسابات الضيقة أو النزعات الفردية. أنوار العسري العرائش 21 يونيو 2025