المغرب العربي الاسلامي كان ميدان الانجاز الاكبر لنيكولا ساركوزي رئيس فرنسا وقد يكون في الوقت نفسه ميدان سقوطه بطريقة مدوية في انتخابات الاعادة يوم الاحد المقبل حيث تتراجع حظوظه امام منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند في استطلاعات الرأي. عندما نقول انجازه الاكبر فاننا نشير الى تزعمه للتدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا الذي اطاح بنظام العقيد معمر القذافي الجاثم على صدر ليبيا والليبيين لاكثر من اربعين عاما متواصلة، فالطائرات الفرنسية هي التي منعت حدوث مجزرة كانت دبابات كتائب القذافي بصدد ارتكابها في مدينة بنغازي لدعم الثورة اثناء بداياتها السلمية. الانجازات العسكرية تتبخر بسرعة امام المصاعب والازمات السياسية، فالرئيس الامريكي جورج بوش الاب الذي اخرج قوات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من الكويت عام 1991 خسر انتخابات الرئاسة بعدها باشهر، ولم ينجح بالفوز في ولاية رئاسية ثانية امام خصمه الديمقراطي بيل كلينتون، ولن يكون مستبعدا ان يواجه ساركوزي المصير نفسه خلال الايام المقبلة، اي خسارة الانتخابات الرئاسية. عقبتان اساسيتان تقفان في طريق فوز ساركوزي، ومن المفارقة ان لهما علاقة مباشرة بشمال افريقيا: ' الاولى: ما نشره احد المواقع الالكترونية المحترمة في فرنسا من وثيقة تقول ان العقيد معمر القذافي دعم حملة ساركوزي الرئاسية الانتخابية الاولى بحوالي 50 مليون يورو، سلمها له السيد بشير صالح مدير مكتب العقيد القذافي. ' الثانية: شكوى الرئيس ساركوزي مما اعتبرها كثرة زائدة في عدد المهاجرين في بلاده، وادلاؤه بتصريحات تنطوي على شبهة عنصرية عندما قال في مقابلة مع محطة 'بي.اف.ام' الاخبارية 'ان النموذج الذي تعتمده فرنسا لادماج مهاجريها في المجتمع قد فشل، لان مهاجرين آخرين يصلون قبل ان يتم دمج الذين يعيشون على ارضنا بالفعل' وقال قبلها 'ان هناك مهاجرين اكثر من اللازم في فرنسا'. الرئيس ساركوزي نفى ان يكون القذافي دعم حملته الانتخابية وهدد بمقاضاة الموقع الالكتروني الذي نشر هذه المزاعم، كما نفاها ايضا كل من بشير صالح المتهم بنقل هذه الاموال وموسى كوسا رئيس المخابرات الليبية السابق الذي وقع الوثيقة لكن الموقع الالكتروني يتمسك بمزاعمه وسواء كانت هذه المزاعم صحيحة ام لا فان تداعياتها انعكست بشكل سلبي على ساركوزي وحملته الانتخابية، ولن يكون مفاجئا اذا ما كانت ليبيا مصدر صعوده وافوله في آن. اما تعرض ساركوزي لمسألة المهاجرين الاجانب في فرنسا ومعظمهم من ابناء الاتحاد المغاربي (هناك اربعة ملايين من اصل جزائري فقط) فانه يعكس محاولة يائسة لكسب اصوات اليمين الفرنسي المتشدد وبالذات انصار الجبهة الوطنية العنصرية بزعامة مارين لوبن، ولكن قد تأتي النتائج عكسية تماما، لان زعيمة الجبهة الوطنية لم تنصح انصارها بالتصويت لصالح ساركوزي في مواجهة خصمه الاشتراكي اليساري، مضافا الى ذلك ان الغالبية الساحقة من المهاجرين ستعطي صوتها للمرشح الاشتراكي الذي وعد بتشريع وجود حوالي ربع مليون مهاجر اجنبي يقيمون حاليا في البلاد بصورة غير قانونية ووعد بايجاد فرص عمل لسكان الضواحي من الفقراء. الرئيس الفرنسي في وضع صعب للغاية ولعنة القذافي تطارده وتنغص عليه عيشته وقد تحرمه من الفوز في الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية.