حموشي يشارك في احتفالات شرطة إسبانيا    "البام" يدعو الحكومة لمزيد من التواصل حول الدعم المباشر وإعادة دراسة بعض الحالات    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر    وزارة الحج والعمرة السعودية تشدد في إجراءات دخول أداء المشاعر المقدسة    نيروبي.. اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    "تيك توك" ستضع علامة على المحتويات المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي    المغرب ينقذ مرشحين للهجرة السرية    زعيم المعارضة في إسرائيل يدعو "نتنياهو" إلى إقالة "بن غفير"    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد كبير لحماس في غزة    أخنوش أمام مجلس المستشارين: الحوار الاجتماعي حسن دخل 4 ملايين و250 ألف شخص في نصف الولاية الحكومية    أخنوش يفتتح المعرض الدولي للكتاب    الإنزال الجوي الخاطئ للمساعدات في غزة يودي بحياة 21 فلسطينيا    بالصور.. استقبال حار لبعثة الزمالك المصري بمطار وجدة    بوريطة: الأمن الغذائي، أولوية استراتيجية ضمن السياسة الإفريقية لجلالة الملك    أخنوش يرد على الشامي: تقريرك لم يأت بجديد وحلولك غير مقنعة    المجلس الاقتصادي يوصي بإنشاء نظام معلوماتي وطني لرصد الشباب وتتبع مساراتهم    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    بايتاس… عدد الطلبات المتعلقة بالدعم المباشر للسكن تناهز 64 ألف طلب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بمنح بطاقة شخص في وضعية إعاقة    الداخلية تشرف على تجاوز تعثر منطقة الأنشطة الاقتصادية بتطوان    درك الحسيمة يُوقف شابا بسبب التحرش الجنسي بسائحة    الشباب السعودي يضم بشكل رسمي نجم مغربي لصفوفه    إدارة نهضة بركان تلعب ورقة "المال" في مواجهة الزمالك المصري    الحكومة ترد على جدل أسترازينيكا.. اللقاحات في المغرب لا يتم العمل بها إلا بعد الترخيص    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    تندوف تغلي بعد جريمة قتل طفل .. انفلات أمني ومطالب بتدخل دولي    245 ألف ليلة مبيت سياحية بوجهة طنجة    الأمن يمنع ترويج آلاف "الإكستازي" بطنجة    "كارثة" في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا وتوخيل يصب غضبه على التحكيم    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه نظيره البلجيكي وديا استعدادا لأولمبياد باريس    فرار 80 ألف شخص من رفح خلال ثلاثة أيام    سابقة.. حكم قضائي ينصف مشتكية مغربية في ملف "مضاعفات لقاح كورونا"    كونفرنس ليغ | أستون فيلا يحل ضيفا على أولمبياكوس في مهمة انتحارية بعد هاتريك الكعبي    رسميا.. وزارة بنموسى تعلن مواعيد الامتحانات الإشهادية وتاريخ انتهاء الدراسة    سلطات مراكش تواصل مراقبة محلات بيع المأكولات بعد حادث التسمم الجماعي        توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة        مرضى السكتة الدماغية .. الأسباب والأعراض    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية    تراجع أسعار السيارات الكهربائية لهذا السبب    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    المغرب يدخل القطيع المستورد من الخارج الحجر الصحي قبيل عيد الأضحى    بعد اعترافها بآثاره الجانبية المميتة.. هيئة أوروبية تسحب ترخيص لقاح كورونا من أسترازينيكا    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل يفتتح فعاليات دورته الخامسة عشرة    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحسين شعبان – "السفير": اعتراف هولاند الخجول بجرائم قتل الجزائريين
نشر في مغارب كم يوم 11 - 11 - 2012

بعد نصف قرن من الصمت الرسمي اعترف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخراً بمذبحة ارتكبت بحق عدد من الجزائريين أثناء مسيرة في باريس تطالب فرنسا باستقلال الجزائر وتندّد بالاستعمار الفرنسي. كان ذلك قد حدث في العام 1961 خلال التحضير لمباحثات إيفيان بين القادة الجزائريين والمسؤولين الفرنسيين. جاء الاعتراف الرسمي في بيان موجز صدر عن قصر الايليزيه في ظل مساعي لتحسين علاقات فرنسا مع الجزائر، قبل زيارة مقرّرة للرئيس الفرنسي في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2012، وبذلك تكون هذه الرسالة أول اعتراف رسمي بوقوع أعمال قتل ضد جزائريين. ولعل هذه الخطوة تطرح على بساط البحث مدى استعداد فرنسا واستجابتها للاعتراف بباقي جرائمها أبان الحقبة الاستعمارية، وهو الأمر الذي لا يزال يلقى معارضة شديدة.
أصل الحكاية يعود إلى الأوامر التي أصدرها موريس بايون قائد شرطة باريس إلى قواته بقمع آلاف الجزائريين المحتجّين الذين تحدّوا حظر التجوّل المفروض عليهم، ليواجهوا قمعاً دموياً منفلتاً. وقد ورد في رسالة هولاند أن «الجمهورية (المقصود الفرنسية) تقر بهذه الحقائق بوضوح» وقام بتقديم الاحترام للضحايا (الإعتذار) بعد 51 عاماًَ من الصمت والإغفال.
الاعتراف الفرنسي وإن جاء خجولاً بارتكاب جرائم ضد مواطنين جزائريين أبرياء كانوا يعبّرون عن رأيهم من أجل استقلال بلادهم بصورة سلمية واستناداً إلى مبادئ حرية التعبير التي يقرّها الدستور الفرنسي، وتكفلها اللوائح الدولية لحقوق الإنسان، إلاّ أنه بادرة إيجابية تدلّ على حسن نيات بالنسبة للعلاقات الجزائرية - الفرنسية، لكنه لا ينبغي نسيان الضحايا وتعويضهم أو تعويض عوائلهم المادي والمعنوي وجبر الضرر، والسعي لكشف الحقيقة كاملة، ومن ثم المساءلة، خصوصاً وأن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وسبق لفارنان ميسونيي، وهو أحد الجلادين الفرنسيين، أن اعترف بقيامه بتعذيب مناضلين جزائريين، وهو الأمر الذي لا بدّ من وضعه في سياقه، لا سيما ما قامت به بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية للمطالبة باعتذار المرتكبين، وأولاً وقبل كل شيء اعترافهم بوقوع الحدث، ومن ثم التوجه إلى الضحايا لطلب المغفرة منهم بعد الاعتذار، وواجب السلطات في التعويض، كما هو واجب الجميع، دولة ومجتمعاً في كشف الحقيقة والمساءلة، وبالطبع في نشر الثقافة الحقوقية وتعزيز الوعي الديمقراطي والحقوقي، ولاسيما تقوية الشعور بالمسؤولية، خصوصاً الحساسية إزاء أية انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقد طالب مؤتمر ديربن ضد العنصرية الدول والحكومات التي استعمرت القارة الأفريقية بالاعتذار والتعويض، لبناء علاقات جديدة أساسها الاحترام، حيث يمكن لجبر الضرر المادي والمعنوي أن يسهم في تخفيف آلام الضحايا أو عوائلهم أو للشعوب المستعمَرة بشكل عام، التي دفعت أثماناً باهظة جرّاء ما تعرّضت له، ناهيكم عن نهب ثرواتها ومواردها وتعطيل تنميتها وتقدّمها. وقد سبق لبلجيكا أن اعتذرت من الكونغو، مثلما كان من البيض في الولايات المتحدة الاعتذار من سكان البلاد الأصليين (الهنود الحمر) أو من السود الأفارقة خلال عقود من التمييز العنصري.
لقد كانت ضحية المجزرة الفرنسية أكثر من 200 جزائري وظلّت مسألة الاعتراف بالمسؤولية تلقى تهرّباً من جانب القوى اليمينية في فرنسا التي وقفت ضد استقلال الجزائر، بل وانتقدت ديغول عندما اضطر للاعتراف باستقلالها وإن كان قد جرّب جميع الوسائل للاحتفاظ بها دون جدوى، بما فيها أنواع العنف والاستلاب. وحتى اليوم، هناك من لام هولاند على اعترافه، وجاء في انتقاد كريستيان جاكوب زعيم حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، الرئيس الاشتراكي هولاند، بأنه يريد إثارة الانقسامات في فرنسا وتوريطها على ما يبدو بمسؤولية المذبحة.
وعلى الرغم من ذلك فقد اعترف جاكوب بمجزرة 17 تشرين الأول (أكتوبر) العام 1961، لكنه حاول التملّص من مسؤولية شرطة باريس، ومن خلاله رفض إلقاء اللوم على الجمهورية الفرنسية بأكملها.
وقد حاولت جهات كثيرة متنفذة في فرنسا خلال الأعوام الخمسين والنيّف الماضية عدم تسليط الضوء على ما حدث، مراهنة على النسيان، لكن دائرة الاعتراف أخذت تتسع، وبدأت الصور القليلة الملتقطة والشهادات المحدودة، تنتشر وتوّلت عدداً من الجهات الحقوقية رفع المطالبة بالاعتذار. وحتى الآن لم ينشر كتاب عن المجزرة وتفاصيلها، فقد حظرت السلطات الفرنسية في وقت سابق نشر مثل هذا الكتاب الذي يوثّق للمجزرة.
لقد تعرّض الجزائريون لحرب ضد الهوّية وركنيها اللغة والدين واستمرت هذه الحرب لمدة 132 عاماً في إطار استعمار استيطاني، سعى بكل ما استطاع من قوة وجبروت من فرض وجوده الإحلالي، وفي الوقت نفسه تعاملت «الكولونيالية» الفرنسية على نحو عنصري استعلائي مع السكان الأصليين، لكن ذلك لم يثنِ الجزائريين عن نضالهم من أجل حقوقهم واستقلالهم، حتى اندلعت ثورتهم المعاصرة في العام 1954 ولم تنته حرب الاستقلال الاّ في العام 1962 حين اعترفت فرنسا باستقلال الجزائر، وأجلت قواتها ومواطنيها عن الأرض الجزائرية ووقعت مع الجزائر المستقلة وممثليها اتفاقية دولية عُرفت ب«اتفاقية إيفيان»، حيث انضمت الجزائر إلى هيئة الأمم المتحدة كدولة جديدة مستقلة بعد أن كانت جزءًا لا يتجزأ من فرنسا.
لم تتحرّر الجزائر فحسب، بل ساهمت في تحرير أفريقيا والعالم، عندما تمكّنت بسبب كفاحها ومثابرتها على المستوى الديبلوماسي كجبهة تحرير ومناضلين من أجل الاستقلال من اقناع الأمم المتحدة إصدار القرار 1514 في العام 1960 وهو الإعلان العالمي لتصفية الكولونيالية. وقد ساهم هذا الاعلان في تحرير العديد من شعوب آسيا وأفريقيا التي نالت استقلالها وحريتها.
وقد استقبلت الجزائر ذكرى إعلان تصفية الكولونيالية قبل عامين باحتفالية كبيرة حضرها مثقفون ومفكرون وفقهاء وديبلوماسيون وزعماء باعتباره حدثاً بارزاً كان للجزائر وكفاحها بما فيه على المستوى الديبلوماسي الدور الكبير، وقد تشرّف كاتب السطور بحضوره وتقديمه بحثاً عن دينامية حق تقرير المصير والقانون الدولي، وكان ذلك آخر اجتماع يحضره الزعيم الجزائري أحمد بن بلّه قائد الثورة، حيث أقيم الاحتفال في 15/12/2010، وبعده ببضعة أشهر ودّع الجزائر والعالم العربي احدى أبرز شخصيات حركة التحرر الوطني.
وإذا كانت الجزائر قد احتفلت بعيد استقلالها الخمسين في شهر تموز (يوليو) 2012، فمن حقها اليوم أن تحتفل بإعلان فرنسا اعتذارها عن مسؤولية قتل مواطنين جزائريين سلميين، وذلك خطوة أولى أمام اعتراف كبير بمسؤوليتها عن الاحتلال والاستعمار، وعمّا لحق بالشعب الجزائري من تدمير مادي ومعنوي طيلة 132عاماً، الأمر الذي يستوجب طي صفحة الماضي من جهة وتعويض الجزائر عمّا نالها من غبن وأضرار، وفي الوقت نفسه سيكون مثل هذا الاعلان تطهيراً لفرنسا الديموقراطية وموطن أول إعلان لحقوق الإنسان والمواطن في العالم، أي قبل ما يزيد على قرنين من الزمان، من أدران الماضي وكوابيسه السوداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.