تحتضن مدينة أكادير يومي غد وبعد غد الثلاثاء ملتقى دوليا تنظمه الحكومة حول "التنمية البشرية: التجربة المغربية من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، بمشاركة نخبة من الشخصيات الوطنية والدولية وممثلين سامين للحكومات والمنظمات الدولية والأوساط العلمية والنسيج الجمعوي العالمي. وسيشكل هذا الملتقى حول التنمية البشرية، فرصة لتبادل التجارب والخبرات الدولية، والاستفادة من النماذج الناجحة، وبحث تحديات التنمية البشرية وضرورة التعبئة والتضامن الدولي لمواجهتها. وأفادت ورقة تقديمية للملتقى أن تنظيم هذه التظاهرة يستند على ثلاثة بواعث، أولها الأهمية التي يوليها الشركاء الدوليون للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وخاصة بلدان الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا واليابان والصين وغينيا الاستوائية، ومؤسسات البنك الدولي، وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية، وبرنامج تحدي الألفية، ومنظمة الدول المصدرة للبترول. ويتمثل الباعث الثاني في الاستجابة للاقتراح المعبر عنه من طرف العديد من ممثلي الدول الإفريقية المشاركة في الملتقى الإفريقي الخامس للجماعات والحكومات المحلية المنعقد بمراكش خلال شهر دجنبر 2009، والذين أبدوا الرغبة في الاستفادة من فلسفة وقيم ومنهجية وحكامة هذا الورش عبر تخصيص ملتقى للتنمية البشرية. أما الباعث الثالث، فيتمثل في إرادة السلطات العمومية المغربية في إثارة النقاش حول المواضيع المرتبطة بقضية تحتل أهمية قصوى وتعد من قضايا الساعة على المستوى الدولي، مما من شأنه أن يساهم في إغناء التجربة المغربية، خصوصا وأن المملكة بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مشروع برنامج الشطر الثاني من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للفترة 2011-2015. ويعود اعتماد المقاربة الجديدة للتنمية ، المرتكزة على القضاء على الفقر، إلى التسعينيات من القرن الماضي، في سياق دولي يطبعه تفاقم حدة الفقر على المستوى العالمي، وصدور تقرير دولي حول التنمية البشرية من قبل برنامج الأممالمتحدة للتنمية. وتتجلى أهمية هذه المقاربة في كونها تجعل من التقدم الاقتصادي الوسيلة الأساسية لتحقيق رفاهية الإنسان عبر الاستجابة لحاجياته داخل محيطه الاجتماعي والطبيعي. ومنذ ذلك الحين، انعقدت العديد من المؤتمرات الدولية لتبني وتأكيد أولوية تنمية بشرية، عادلة ومستدامة. وتم اعتماد برامج هامة من قبل بعض الدول والمنظمات الدولية، ومنها أهداف الألفية من أجل التنمية، التي تسعى إلى بلوغ عالم أكثر عدالة يسوده السلام، وجعل الشعوب الفقيرة تنعم في أفق 2015 بحياة أفضل، وبالأخص الحصول على الطعام والدخل المناسبين، والتعليم، وخدمات الصحة الأساسية، والماء الصالح للشرب، والتطهير، ودعم استقلالية المرأة. ولبلوغ نفس الأهداف، أطلق صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، منذ خمس سنوات ، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي حققت إنجازات جلية وواعدة في إطار شطرها الأول. غير أن الأزمة العالمية الراهنة قد حدت من وتيرة التقدم المسجل على مستوى البرامج التنموية الدولية والوطنية على حد سواء، وهو ما يعرقل تحقيق أهداف الألفية للتنمية. وأمام هذه الوضعية، اعتمدت هيئات الأممالمتحدة تدابير وبرامج عمل دولية، تنصب على دعم الشرائح التي تعاني من الفقر والهشاشة وتتلاءم وضرورة تيسير تعبئة الموارد المتاحة، مع الحفاظ على وتيرة الاستثمارات والجهود المبذولة من أجل تقليص مستوى الفقر. وفي هذا الإطار، اعتمدت العديد من الدول سياسات مختلفة، أثبت البعض منها نجاعتها، ومنها التجربة المغربية من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي اعتبرت مطابقة لروح وأهداف الألفية. وباعتبارها أحد الأوراش الملكية الكبرى، فإن المبادرة تعد مشروعا مجتمعيا جديدا يضع الإنسان في صلب الأولويات والسياسات العمومية الوطنية ومركز الرهانات الديمقراطية والتنموية. واقتناعا بكونها تشكل محركا حقيقيا للتحولات الاجتماعية المرجوة، فقد مكنت هذه المبادرة الوطنية الكبرى من إعطاء دينامية إضافية، وابتكار أنماط جديدة في أساليب حكامة الشأن العمومي، وإحداث تحول في طرق معالجة قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشير الورقة التقديمية للملتقى إلى أن هذه المبادرة ترتكز على مجموعة من العوامل، ومنها منظومة قوية من القيم المتمثلة ، أساسا ، في احترام كرامة الإنسان، وتقوية الشعور بالمواطنة، وتعزيز الثقة والانخراط المسؤول للمواطن. كما تركز على حكامة متجددة عصرية وشفافة، ومنهجية تشاركية تمكن الساكنة ومنظمات المجتمع المدني من التعبير عن الحاجيات والمساهمة في اتخاذ القرارات، وكذا اعتمادها على آليات الافتحاص والتقييم والمراقبة الصارمة، إضافة إلى التزامها بمنطق الرفع من المردودية وديمومة المشاريع. وتعد حصيلة الشطر الأول من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للفترة الممتدة من 2005 إلى 2010 جد إيجابية، إذ تم خلالها فتح 22 ألف مشروعا استفاد منها مباشرة حوالي 5 ملايين شخص، شملت مجالات مختلفة ترتبط بتيسير ولوج الخدمات والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات الجماعية، وتحسين ظروف وإطار العيش، وتنمية القدرات، والتكوين المهني، ودعم إحداث أنشطة مدرة للدخل، والحكامة. وفضلا عن ذلك - تضيف الوثيقة - أفرزت الممارسة الميدانية والعملية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بعض الصعوبات المرتبطة خصوصا باستهداف الأشخاص والمجالات، وديمومة المشاريع ومدى وقعها، وتسخير المؤهلات والطاقات، وكذا تشجيع وتطوير الأنشطة المدرة للدخل. وتروم الأرضية المعتمدة في تدبير الشطر الثاني من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ترسيخ استمرارية هذا الورش المجتمعي في إطار الالتزام بالقيم الجوهرية للشطر الأول، مع الحرص على الاستفادة من مواطن قوتها ومكتسباتها ومعالجة مكامن ضعفها، والعمل على إعادة تأطير الأهداف والأنشطة المتوخاة، وتسريع وتيرة التنفيذ، والرفع من الخبرات، وتحسين النتائج والوقع الاقتصادي والاجتماعي لمختلف العمليات. وباتخاذها لمبادرة تنظيم ملتقى حول التنمية البشرية بأكادير، تسعى الحكومة إلى تمكين المسؤولين والخبراء المهتمين بهذه الإشكالية من فرصة جديدة للنقاش وتبادل الآراء حول هذا الموضوع الذي يعتبر من أهم مواضيع الساعة الشائكة على المستوى الدولي. كما تتوخى الحكومة اقتسام تجربة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، على الرغم من حداثتها ، مع مختلف الأطراف المهتمة، ومقارنتها بالسياسات المعتمدة في دول أخرى، وطرحها للنقاش من طرف شخصيات بارزة من عوالم السياسة والاقتصاد والعلوم حرصت على المساهمة في إغناء هذا الملتقى الهام. وسيبحث الملتقى مواضيع تهم "التنمية البشرية وإعادة توزيع الثروات" و"التنمية البشرية والتنمية المستدامة" و"دور الجهات في مكافحة الفقر والهشاشة"، ويتضمن ورشات تبحث "البرامج المستهدفة أو السياسات العالمية : أية اختيارات وأية مقاربات" و"المقاربة التشاركية عامل للنهوض بالتنمية البشرية" و"مؤشرات قياس التنمية البشرية" فضلا عن "الشراكة والإدماج" و"الأنشطة المدرة للدخل".