السلام عليكم و رحمة الله وبركاته، سيدتي الكريمة،أنا رجل حكمت عليه الأيام بالحزن والأسى، فبعد أن وُلدت وأنا أجهل نسبي، رضعت من الهمّ والمرارة الكثير على يد عائلتي بالتبنّي التي أعتقد أن أفرادها يمارسون عليّ إسقاطا لما بينهم من خلافات وانشقاقات، فراح كل فرد فيهم يقذفني كالكرة التي لم تجد لها مرمى.فعلى الرغم من أني في الربيع 24 من العمر، إلا أن حياتي لم تعرف سوى الأسود لونا والشتاء فصلا، كما تغيّرت نظرتي إلى الحياة لدرجة بتّ أمقت فيها السعادة التي هي من نصيب آخرين؛ في حين حُرمت أنا منها.فلا طفولتي سيّدتي كانت عادية، ولا حتى شبابي كان كباقي أترابي، لدرجة أني لا أريد أن أمضي في حياتي أو حتى أن أتزوّج وأُنجب، لا لشيء إلا لعدم مقدرتي على منح أبنائي، ما لم أحصل عليه أنا، والذي لا يعدو إلا أن يكون حقّا مشروعا من الحنان والحب والرأفة.ولأنني في بعض الأحيان أتذكّر أنني بشر، وأنه من حقي أن أحِب وأحَبّ، ها أنا أراسلك سيدتي، علّني أجد لديك دعما معنويا، خاصة وأن معنوياتي محطمة وفي الحضيض، فأنا في صراع دائم مع نفسي والماضي الأسود الذي عشته، إذ تطفو في ذكرياتي صور الحرمان والأسى ورغبتي الملحّة على الانتقام من كل من أساؤوا إليّ من جهة، وبين حلمي في أن أسعد ولو لمجرد يوم في حياتي، حتى لا أحسّ بأنني إنسان لا حظ له، ولا أمل لديه.فماذا بوسعي فعله سيدتي، فأنا أريد أن أخرج من قوقعة الجحيم ونسيان الماضي الأليم. المعذّب م.ك الرد: هون عليك بني، ولا تجعل للوساوس منفذا حتى لا يتسلّل إلى قلبك اليأس، فما أنت فيه من فقدان للأمل وإلحاح على الانتقام ممن أساؤوا إليك لهو الضعف بعينه، فلا تستمر على هذه الحال حتى لا تخسر أكثر مما فاتك.ليس الذنب ذنبك أخي، في أن تكون ثمرة علاقة غير شرعية أو زواج عرفي، كما أن الواحد منا لا يختار ذويه بميزات حسنة كانت أو سيئة، لنستمرّ ونحن نلعن الأقدار؛ لأنها قست علينا ولم تمنحنا ما نريده، لم يكتب على أحد منّا الشقاء، كما أن كل ما نكابده لا يعدو إلا أن يكون امتحانا من الله عزّ وجلّ، فلا تجهل واعتبر من غيرك أخي، ففي الوقت الذي وجدت فيه أنت بيتا يأويك، هناك من لا يزالون في دور الطفولة المسعفة يتخبّطون من دون أن يكون لهم حاضر أو مستقبل.تأمّل أخي في الدنيا وأحوالها، وتمعّن في الآيات التي يمنحها الله لنا واتّعظ بها حتى تبعث في قلبك الطمأنينة، ستظلم نفسك أخي إن أنت حكمت على نفسك بالحزن الأبدي، فالدنيا مستمرة ولا يجوز لك أن تنغلق على نفسك بهذه الطريقة، فالماضي الذي عشته بآلامه، قد يتحوّل إلى سعادة واستقرار إن أنت أحسنت اختيار السبيل الأنسب من زوجة صالحة تريحك وتُعينك على تحمّل أعباء الحياة، وتمنحك الولد الذي ستعوّض به كل الأسى الذي عشته ،وهذا حتى تُبيّن لكل من أراد بك السوء أو تمنى لك الفشل، بأنك أهل في اختيار ما ترضاه ويرضاه أي شخص في حياته.خروجك من القوقعة والماضي الأليم، لهو التحدّي الذي ستشنّه ضد نفسك وخوفك، وكل الأمور السلبية التي لاقيتها في حياتك، والتي سرعان ما ستتحوّل إلى صفحة ستطويها من كتاب؛ الأجدر بك أن تضعه جانبا.أملي فيك كبير أخي، حتى تتجاوز كل ما كنت عليه، فلا تُضيّع فرصة قد تندم عليها لاحقا، ووفقك الله إلى كل ما فيه خير لدينك ودنياك.