المدير العام للأمن الوطني يتقلَّد وسام الصليب الأكبر للاستحقاق للحرس المدني الإسباني    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة يندرج ضمن دينامية إصلاحات عميقة تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك (أخنوش)    مونديال الناشئين: المنتخب المغربي يواجه أمريكا في دور ال32    مستشارو جلالة الملك يعقدون اجتماعا مع زعماء الأحزاب الوطنية لتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي    عمالة طنجة-أصيلة : لقاء تشاوري حول الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبية مفتوحة امام وسائل الاعلام المعتمدة بملعب طنجة الكبير    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    الجزائر ‬تجرب ‬جميع ‬أوراقها ‬في ‬مواجهة ‬الانتكاسات ‬الدبلوماسية ‬    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    350 يورو مقابل التقاط صورة ومقعد على مائدة والدة النجم يامال    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتريه قناة الجزيرة القطرية
نشر في ناظور سيتي يوم 02 - 11 - 2010

لا يعتمد الإعلام المعاصر أية مرافعات موضوعية لتنفيذ مهماته الإعلامية. لقد حل الضغط السيكولوجي السريع على الوعي والعقل والذاكرة، مكان الضغط على ثقافة المتلقي. أصبحت وسيلة السيطرة المثلى عليه هي الطرق على الباب السيكولوجي للحاجة والعادة والغريزة لديه، بشكل مباشر. وأصبح إخراج المشهد الإعلامي في الصوت والصورة وهوامش العرض الإيحائية الصامتة، هو الذي يتكفل بإنتاج المضمون أو المشاركة المباشرة والعملية في إنتاجه. أي أن الإعلام تحول إلى وجبة دعائية سريعة كالدعاية التسويقية يخاطب السلوك الارتدادي، وليس المنطق العقلي والمعرفي.
وتحمل فضائية الجزيرة الناطقة بالعربية، فضل أو لعنة الريادة في هذا الفن الإعلامي المتمكن في المنطقة العربية. فالطاقم المرئي فيها متناغم مع فسيفساء النوايا الإعلامية للمشاهد المعروضة. ولكن هذا الإختيار المتقن للقطع البشرية المكوِنة، من حيث الخامات، والموضعة، والجهد التهذيبي الفائق الذي بذل فيها، يلفت النظر أيضا، إلى أن في الأمر ما يتجاوز البراءة. فأنت أمام آلة فريدة في أناقتها التصنيعية ونجاعتها وكلفتها، تلغي أي افتراض للعفوية. وفيما عدا قطعة واحدة، لا بد من ذكرها للموضوعية، تبدو مهلهلة ومريضة الصنعة، ورديئة الخامة، فإن العقل ليحتار في ذلك الجهد التأسيسي الذي استطاع أن يجمع تلك النجوم المرهقة الجمال، أو المرهقة الندرة في مكان واحد.
بالطبع لم أكتب هذه الكلمات للتغني بالذوق الرفيع للمؤسسين. فالخبراء الأجانب، لا يحفلون بقضايا الذوق والقيمة إلا كآليات توظيفية في الوصول لأهدافهم، ولا يستحقون منا كضحايا لهم، سوى الحذر. لذلك فإن مقالب قناة الجزيرة الإعلامية، هي التي يجب الإنتباه إليها أولا. وعلى سبيل التذكير، تعلمون عن ذلك المقلب العريق، الذي شربه الكثيرون ذات يوم، عندما أعلن مجلس الأمن القومي الأمريكي، التعبئة العامة على كل المستويات، للقيام بقصف مقر قناة الجزيرة من الفضاء الخارجي.
وأنا شخصيا أحب هذه المقالب، وبرنامج حصاد اليوم، وما وراء الخبر، لأني أحاول من خلالها قراءة، نوايا أمريكا السياسية في موقع ما، للمرحلة الجارية. وأنصح المعنيين بمتابعة هذه البرامج بعقولهم وليس بعيونهم، ليستغنوا عن التخمينات بشأن الوجبة الإعلامية المقدمة. ستموت في يوم من الأيام السبعة، ولا يهم أي يوم، ولكن لماذا تموت مخدوعا؟ مت وأنت تعرف قاتلك إذا قتلت. وعلى الأخص حاول ألا تموت بوجبة إعلامية مسمومة. إنها ميتة غبية، تقيد ضد مجهول، وتكون أنت المجهول الوحيد في القضية! أنا حنظلة، كما تعلمون، قتلوا الذي خلقني ( يعني ناجي العلي )، ولكنني ما زلت حيا! لماذا؟ لأني في حياتي ما أكلت وجبة لم أقم أنا بإعدادها. كنت أتضور جوعا أحيانا، وأحيانا آكل هوا، ولكن هوا نظيف، وليس هوا شوارع ومقاهي وسراديب فضائية. هذا هو الذي يسمونه الوعي! أفكر بنفسي ولا آكل من أفكار غيري وخاصة الأفكار التي توزع مجانا على الناس، من قبل الذين قتلوا ناجي العلي.
ومع أن الجزيرة تشبه بحيرة يسبح فيها كل البجع الأمريكي في المنطقة، إلا أن المهم في كل المشهد الجميل، هو الرقصة التي يؤديها البجع. فمن الواجب الإنتباه بشكل خاص، للأداء الفني الذي يؤديه، وللجهة التي يميل إليها برقابه الطويلة الرائعة. فهذه الحركات الموجهة، هي المؤشر على التعليمات الصادرة من وراء الكواليس. لا تهتموا بالبرامج المزمنة، فهي برامج ذات نفس إيديولوجي واستراتيجي معروف، ترمي إلى خلق التراكمات، واحتضان الإشكالات المقيمة، والمحافظة على آفات النفس العربية العريقة، ورفدها بآفات إضافية. وهذه كلها يمكن اختصار دوافعها في شعار سياسي غربي مزمن وأبدي " ألموت لعروبة الشرق الأوسط!". فهي برامج إستراتيجية، ولا تخدم معرفة اليومية السياسية الميدانية، بل تخدم إشاعة الدمار البنيوي. فبرنامج " حفار القبور " و " مسامير فكاهية " و " الشريعة والموت "، هي برامج دخانية لنشر البلبلة والتعمية على الواقع الذميم، وحفظ التخلف السياسي والثقافي والوعيوي عموما.
وقد اعتادت فضائية الجزيرة تنويع مقالبها، بين مقالب بيئية تخص الصيانة، هدفها تجديد المصداقية والشرف الإعلامي للفضائية. وهي عادة مقالب ذات طبيعة إما تهويلية مثل نفخ البالونات، وإما تلفيقية من أساسها. وتنصب غالبا على تذمر أمريكا، أو بعض الدول الأخرى من ثورية الإلتزام الإعلامي وصراحته لدى الجزيرة، مما يجعل أمريكا وتلك الدول، تقوم باعتقال مراسلي الجزيرة على خلفيات سياسية تخص أمن الرأي العام، أو تتجاوز ذلك إلى التفكير بإجراءات عسكرية قتالية ضدها، كما كادت أمريكا تفعل لولا رأفة القدر.
أما النوع الثاني من المقالب فهو المقالب التعبوية. وهي التي تخص تدمير بنية "العدو" النفسية، وفتح القماقم المعمورة بجن التعددية المذهبية والطائفية والعرقية، أو إغلاقها حسب الأمر اليومي للحملة الإعلامية. وكوني لا أكشف مستورا بهذا الشأن، فإن ذلك لا يقلل من أهمية الإنتباه الدائم، والحذر من شياطين القماقم الذين يسرقون الإنتباه والحذر بألاعيبهم العريقة والمستحدثة. فقد كان سليمان عليه السلام قد دربهم كما تدرب حيوانات السيرك على طاعة أوامره، قبل أن يحبسهم في القماقم. ومهما بلغت فضائية الجزيرة من إحكام الصنعة، والقدرة على الحقن الناعم، فإن العطر الإعلامي مثل العطر النسائي مهمته أن يفوح. كما أن تراكمات التجربة وطول العهد بها، لا يمكن إلا أن توحي بالسياق. فالمهارات المكررة، تفضحها الألفة مع الوقت. فلو أخذنا القضية العراقية على سبيل المثال، لوجدنا أن أرشيف الذاكرة بما يخص هذه القضية وحدها، يكفي لوعي الجائحة الإعلامية التي تنفذها الجزيرة في الخلاء العربي الواسع، بحذافيرها.
تأسست قناة الجزيرة بين يدي اتخاذ قرار غزو العراق الأخير، وطرح قضية الشرق الأوسط الجديد بكل ثقلها التنفيذي. وقد تساوق اختيار الموقع، مع كون قطر ملكية أمريكية صهيونية، سياسية وعسكرية واقتصادية كاملة. أي أنها دولة إعلامية فقط مثل قناة الجزيرة سواء بسواء، ولها وزير خارجية وداخلية واحد. ومنذ ذلك الحين التأسيسي وقناة الجزيرة، ملتزمة تعبويا بالتمهيد لما سيجري في العراق، وبقضية الشرق الأوسط الجديد، ومفاوضات التسوية، والتطبيع السياسي والإقتصادي والثقافي. وعندما وقع الغزو الأخير للعراق، كان مراسلو الجزيرة وكأنهم يركبون الصواريخ الموجهة، أو ينتظرونها في أماكن الحجز. وكانت النغمة الإعلامية التي اتبعتها الجزيرة، هي ذات نغمة إعلام الغزاة الدبلوماسي المباشر، وليس الإعلامي الفضائي. فلم تكن لها كما يبدو استقلالية السي إن إن أو المحطات البريطانية أو الإسرائيلية. وكانت عبارة عن سيمفونية إعلامية تتكون من مقدمة " الرئيس المخلوع " ( بقيادة الطبل البلدي، مع جمل أوركستراوية متناثرة على السياق )، وجرائمه بحق الشعب العراقي، (على خلفية أوركسترا ناعمة وحزينة ، بمشاركة متوترة للكمان في المقدمة، تتخللها تدخلات درامية متأزمة للسكس( اختصار ساكسوفون ) )، واحتلاله للكويت وحربه ضد إيران وحزب الدعوة والأكراد وأسلحة الدمار الشامل، ( ردح جماعي للجوقة، ثم تدخل غير مفهوم للكمان يشبه عواء الكلاب )، علاوة على مفاسده الشخصية ( ثلاث حركات شرسة وغليظة، القيتارة، والسكسوفون والطبل البلدي على التعاقب ثم انكسار عنيف ). وكان إسقاط تمثاله يعرض كفاصلة بين الجمل المنطوقة مع كل توابعه وهوامشه المثيرة. ولم تتغير تلك السيمفونية الإعلامية حتى اليوم إلا على مستوى الوتيرة وتقلبات درجة الحرارة السياسية.
يقولون القدم تعرف حذاءها. وهي قضية فلسفية مركبة، انتبه إليها أجدادنا بحس التجربة، واستغرقت الغرب مراحل معرفية وفلسفية طويلة لينتبه إليها، من خلال نظريات الحداثة الفلسفية، في كون التضاد يساوي التطابق، والتشابه يساوي الإختلاف، وأن البنية تحس جوهرها التطابقي عند رؤية مضادها الذي هو مطابقها. وحينما يكون الوعاء الكرتوني مضادا للمنتج بتفاصيله المتعددة، فمعنى ذلك أنه صنع خصيصا له، أي صنع مضادا ليكون مطابقا. وقناة الجزيرة هي تركيب بنيوي حداثي من حيث المضمون المعماري، مختلفة ذاتيا من حيث الهدف عن وعائيته ولكنه في النهاية متطابق بنيويا حول الأداء. صحيح أنها تكون مباشرة في أدائها أحيانا على الطريقة التقليدية للإعلام، ولكن ذلك يكون تعديلا مؤقتا لملائمة ميدانية الحدث وبنية المتلقي، ولكنها على الأغلب تتبع طريقة (السم والسمن ) التطابقية. والتطابق بين المنحى الإعلامي للجزيرة والأهداف المرحلية لأمريكا، بغض النظر عن المنهج المتبع لتحقيق الهدف،، هو تطابق مثالي مكشوف للعين والأذن والعقل. تتصاعد الحملة الدولية الأمريكية ضد إيران، فيتصاعد معها الموضوع الإيراني في إعلام الجزيرة على مستوى الدس والتحريض والحقن والإستعلام بنفس الوتيرة من الانغماس. ويصبح ثلاثة أرباع الوقت الإعلامي في الجزيرة مخصصا للشأن ( الإيراني ) لتفجير العبوات الإعلامية الناعمة أو الخشنة في وجه النظام الإيراني. وتتحرى قناة الجزيرة " الموضوعة الإعلامية " لثورة الهرمونات المخابراتية في أوساط الطلبة الإيرانيين بوصفها العفوي، وكأنها زلزال إيديولوجي متوقع يلخص الأزمة السائدة بين الشعب الإيراني وقيادته. تلغي من عقل المتلقي أولا، أي احتمال بكون القضية (ثورة هرمونات أمريكية مضادة عن طريق التحكم عن بعد)، ثم تبدأ في التوسع في تحري الدوافع السياسية والإقتصادية والاجتماعية وراءها. وينتج عن ذلك أن النظام الإيراني هو نظام آيل إلى السقوط بسبب المحافظين الخمينيين الذين ينفقون خبز الشعب على شراء اليورانيوم والأبحاث الذرية. كذلك يحصل الآن بالنسبة للسودان. لم يبق طوطم أو طابوا طائفي لم تقلبه الجزيرة في جنوب السودان. تحاور وتشاور وتداور وتناور، ويتحول الإعلام الإخباري إلى إعلام بحثي مصحوب بالأرشيف والتحريات، فتنتعش الذاكرة الطائفية، وتنفتح القماقم، وتسرب التوجيهات من خلال رقصات البجع إلى آلياتها الميدانية المعتمدة، فتنضج النوايا، وتتفجر الغرائز، وتدمر مشاريع التنمية، وتتمزق القوى الوطنية، وتبيع أمريكا وإسرائيل الأسلحة للأطراف المتنازعة مقابل إتباع إرشاداته السياسية، وفتح المجال أمام رجال ونساء المخابرات، بوظائفهم السياسية والإقتصادية والحقوقية المختلفة. وهكذا أيضا في فلسطين، تناصر حماس ضد عباس عندما تريد إسرائيل وقف المفاوضات، وتفعل العكس حينما تريد إسرائيل العكس. وفي العراق تدعم العملية السياسية وعلاوي والمالكي وطارق الهاشمي والحكيم والسيستاني، ثم تأخذ بالتقلب مع السياسات الميدانية لهؤلاء بمقياس التزامهم بالسياسة الأمريكية , فتؤيد المالكي على طول الخط - كأمريكا، ثم تنقلب عليه على طول الخط – كأمريكا، ثم تنضم إلى حملة ويكيليكس الأمريكية ضد المالكي وإيران في العراق، وتصبح فجأة صديقة لروسيا العدوة الجديدة لإيران، والعضو الأوروبي الجديد في النادي الدولي الصهيوني. وهكذا.... لا تدري أين سيضيء فانوسها السحري في المرة القادمة لأن السياسة الأمريكية لا تدري أين تضع قدمها في هذه المرحلة. وأعتقد أن دائرة الضوء السحرية للجزيرة، إذا تشكلت حكومة في العراق موالية لأمريكا، ستتركز على دولة الأكراد في شمال العراق، الذين يقول بعض شعرائهم أنهم سبط يهودي كان ضائعا في كهوف شمال العراق. ولو أخذنا المرحلة الحالية للمناخ العالمي، فإن قناة الجزيرة قد تبدو مثل أم العريس، أشد انهماكا بالشأن العراقي من انهماك ميكي الأفرو سكسوني بالشأن السوداني.
لم يعد خافيا على أحد أن هناك خلافا بين ليبرمان ونتنياهو وبين وزارة خارجية قناة الجزيرة. والأمر هو انعكاس مباشر للخلاف بين هذين، وبين الخط الصهيوني الأوبامي والخط الصهيوني المحافظ في أمريكا. ومن المعلوم أن الخط الصهيوني الأوبامي يكاد يخسر، أو هو قد خسر المعركة داخل أمريكا. ولكن الأوبامية لم تعد شأنا أمريكيا داخليا. لقد أصبحت خطا دوليا بامتياز، يتعلق به كل حلفاء وأتباع أمريكا من دوليي العالم، لمواجهة الخط المترفع والصارم للبوشية تجاههم. أوروبا المنبوذة شرق أوسطيا من جانب إسرائيل والبوشية، تؤيد الأوبامية بارتياح سياسي كبير، لأنها تضمن لها مواجهة السياسة الأمريكية التي تؤكد على علاقة التبعية الأوروبية للسياسة الأمريكية، وتؤيد النبذ الإسرائيلي لها من التدخل المباشر في قضية الحل الشرق أوسطي، وتضمن لها مع ذلك استمرار ولائها للصهيونية العالمية والشعب اليهودي. وقد تبلور هذا في السياسة الدولية على شكل حملة أوروبية تشمل روسيا، وتجمع عجائز النظام العربي ما عدا الأردن، ويقودها العثماني أردوغان في المنطقة، لإشاعة النهج الأوبامي الدمث في العلاقات الدولية من ناحية، وتحقيق الإجماع البوشي الأوبامي حول وجوب سحق إيران من ناحية أخرى. ولذل توجب على قناة الجزيرة أن تنضم إلى موقع ويكيليكس، وتسريباته الأمريكية، والدعم الدولي الصهيوني الأوبامي له، لأنه لم يعد هناك ما يمنع المالكي من تشكيل الحكومة العراقية الذي سيصبح عمقا استراتيجيا لأيران، سوي إعادة الفوضى الطائفية والحرب الأهلية وتقسيم الساحة العراقية.
باختصار، يجب الحذر الشديد في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ العالمي ومنطقتنا بوجه خاص، من قناة الجزيرة، و مقالبها الإعلامية الإجرامية. لم يسهم أي موقع إعلامي في العالم، في دمار بيئته الإعلامية وعيويا واجتماعيا وسياسيا كما فعلت قناة الجزيرة في المنطقة العربية. إن الإعلام في عالم اليوم الأمريكي الصهيوني، له بعد استراتيجي أكثر من الحرب والسياسة. فالحرب والسياسة ليس لهما غاية غير دمار العدو ماديا ومعنويا. ولكن الغاية الأساسية في الصراع بين أمريكا والصهيونية وبقية العالم، هي إحداث الإنقلاب في العينة البشرية وتوجيهها نحو الدمار الذاتي، لتتحول إلى عبوة إعلامية مسيرة تخدم أهداف العولمة بسلوكياتها طوعا. وهذا ما يفعله الإعلام اليوم، في عصر إبادة الهوية. لقد أصبحت الحرب والسياسة تخدمان الإعلام، لأنه أصبح نص القوة الأكثر تأثيرا ونجاعة في تحريك عقل وسلوك البشر، الذين تحولوا إلى أعضاء مباشرين في دورة اقتصاد عالمية تملكها أمريكا والصهيونية. في عالمنا الحديث الأعلام هو الآلية الأكثر مساهمة في تهميج العصر. هو الأكثر مساهمة في الدمار والخراب والتخلف والدم البشري، بما يثيره من حروب أهلية وفتن دينية وطائفية وعرقية بالتحكم عن بعد في العالم. إنه مسهم مباشر في قتل ملايين الأطفال وجرائم العنف المختلفة في العالم الثالث والرابع. والفضائيات والإنترنت والخلوي، علاوة على الوسائل التقليدية المحدّثة والفاخرة كما وكيفا، أصبحت هي الشيطان المعاصر الذي سيخرج النوع البشري من مقهى الأحلام السعيدة، ويأخذه إلى ملهى الوقائع السعيدة كما تدعي العولمة. مسخ تكنولوجي يحمل جمال المسوخية الشيطانية، يعلق جماجم الأطفال الرضع الرائعة الجمال حول عنقه، ويرتدي ربطة عنق، ويقبل أطفاله قبل النوم، ويحب فيروز وأم كلثوم وموزار وبتهوفن، ويبتسم، ويلقي التحية بدماثة، ويقص أظافره بعناية، ويحلق ذقنه ست مرات، ويساهم في قتل أطفال ونساء ورجال العالم والمنطقة وإماتتهم جوعا، ليس لأنه قاتل، ولكن لأنه يريد أن يربي أطفاله تربية جيدة، ويشتري لهم الألعاب، ويرسلهم إلى المدرسة بالسيارة، فهل هذا حرام؟ كلا! إنه ليس حراما! إنه جريمة وشلل إنساني وأخلاقي. إنه يمثل نموذج الكائنات الدودية من البشر التي تخرب معنى الحياة الإنسانية وشرفها لتعيش. هكذا وُجد اللصوص والمجرمون والساقطات والعملاء والخونة في المجتمع. أرادوا فقط أن يعيشوا ويربوا أطفالهم بمستوى أعلى من مستوى بقية الناس من العمال والمزارعين ومعلمي المدارس وأساتذة الجامعات وأصحاب الدكاكين، فأصبحوا عدوا لهم جميعا، فعملوا كفيروسات قاتلة، ليحصلوا على ما يريدون. أليس هذا من حقهم؟ من قال ذلك؟........


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.