ترامب: قريبا سيفرج عن 10 أسرى في غزة    إصابة 19 شخصا في حادث ألعاب نارية خلال مهرجان شعبي بألمانيا    الرئاسة السورية تعلن وقفا فوريا لإطلاق النار في محافظة السويداء    خورخي فيلدا .. المنتخب الوطني المغربي مستعد لأي فريق في نصف نهائي    طقس السبت    أكثر من 20 عاما في فرنسا ويرفض منحه تصريح إقامة    76 في المائة من الأسر المغربية صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة    كيوسك السبت | المغرب الأفضل بشمال إفريقيا في مؤشر الحرية    محمد المهدي بنسعيد        أرسنال يضم مادويكي من تشلسي بعقد لخمس سنوات وسط احتجاج جماهيري    المهدي حيجاوي    اعتقال مغربي مطلوب دوليا على متن سفينة بين مالقة ومليلية    القوات الملكية الجوية تنفذ عملية إنقاذ ناجحة لمواطنين فرنسيين على متن زورق شراعي قبالة أكادير    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. المنتخب المغربي يعبر لنصف النهائي بفوز مقنع على مالي    أنفوغرافيك | ⁨جامعة محمد الخامس تقود سفينة البحث العلمي في المغرب خلال 2025⁩    تفاصيل دعم مشاريع إنتاج أعمال سينمائية برسم الدورة الثانية من 2025    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق تحتضن مناقشة رسائل تخرج الطلبة الفلسطينيين    فيلدا: فوز "اللبؤات" على مالي مستحق    سيدات نيجيريا إلى نصف نهائي "الكان"    استئناف موسم صيد الأخطبوط بالمغرب    فتاح العلوي: مونديال 2030 فرصة تاريخية لتحقيق نمو اقتصادي كبير    حملة هندية تستهدف ترحيل آلاف المسلمين .. رمي في البحر وهدم للمنازل    "القسّام": إسرائيل تعطّل المفاوضات    أسعار النفط تتكبد خسارة أسبوعية ب1%    تعاون مغربي فلسطيني في حقوق الإنسان    السغروشني: تكوين الشباب رهان أساسي لتحفيز التحول الرقمي بالمغرب    سائقو النقل بالتطبيقات يطالبون بترخيص السيارات المستعملة عبر دفتر تحملات    الدفاع الجديدي يتعاقد مع حارس موريتانيا    "الأشجار المحظورة" .. الشاعر المغربي عبد السلام المَساوي ينثر سيرته أنفاسًا    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. المغرب يبلغ المربع الذهبي بفوزه على مالي    أخنوش: تنظيم مشترك لكأس العالم 2030 يسرع التحول الاستراتيجي للمغرب    زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات        رياض مزور يكشف التحول الصناعي نحو الحياد الكربوني    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    أخنوش: التنظيم المشترك لمونديال 2030 عامل تسريع لتحول استراتيجي للمغرب    اتحاديو فرنسا يرفضون إعادة إنتاج "الأزمة" داخل الاتحاد الاشتراكي    البيت الأبيض يكشف: ترامب مصاب بمرض مزمن في الأوردة الدموية    "أطاك" تستنكر الإعتداءات على المهاجرين المغاربة بإسبانيا وترفض تحويل المغرب "لشرطي حدود"    "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    مدينة تيفلت تفتتح سهرات المهرجان الثقافي الخامس بباقة موسيقية متنوعة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات المغرب.. تيار الإصلاح في مواجهة القوى السلطوية
نشر في نون بريس يوم 23 - 09 - 2016

أيام قليلة تفصلنا عن الموعد الرسمي المحدد لانطلاق الحملة الانتخابية لثاني انتخابات برلمانية تشهدها المغرب بعد إقرار دستور 2011، والأولى من نوعها في ظل حكومة يرأسها الإسلاميون.
طيلة فصل الصيف والاستعدادات جارية على قدم وساق، كل طرف من موقعه؛ في سياق مشحون يطبعه الاصطفاف، وترتفع فيه حدة القطبية تدريجيا مع اقتراب هذا الاستحقاق النوعي في تاريخ المغرب المعاصر، فالرهان على نتائج السابع من أكتوبر/تشرين أول مصيري وحاسم بالنسبة للقوى الكبرى الفاعلة في البلاد.
ومما يزيد حرارة التوتر تباين رؤى هذه الأطراف، فالتيار الأول ممثلا في حزب العدالة والتنمية بمعية عدد من الأحزاب؛ داخل وخارج الإتلاف الحكومي، وبعض القوى الديمقراطية يحدوه طموح مواصلة الإصلاح، وإدامة الربيع المغربي ومن خلاله الاستثناء الإسلامي في أوج مد الخريف العربي.
أما التيار الثاني فيضم أحزابا من المعارضة في مقدمتها حزب الأصالة والمعاصرة الذي يرى أن البلاد على سكة الإفلاس، ولا بديل لها عن خطة إنقاذ لإعادتها إلى ما قبل الحراك المغربي. وتصطَّف وزارة الداخلية في التيار الثالث؛ كوكيل عن الدولة العميقة بحساباتها الخاصة، فهي ترى أن قوس الربيع العربي طال عليه الأمد في المغرب، وهذه فرصة تاريخية لإغلاقه بطريقة تمنح الاستثناء من جديد للمغرب.
فكيف كانت استعدادات هذه الأطراف لهذا النزال الانتخابي؟ وما هي عدة وعتاد كل طرف لحسم
المعركة لصالحه؟ وهل الدولة العميقة تلتزم فعلا الحياد، وتتقيد بمسافة الأمان تجاه الجميع، أم أن تحركها قائم لطرف دون البقية؟ وهل الصورة واضحة بما يكفي للحديث عن سيناريوهات ما بعد السابع من أكتوبر؟
مواصلة الإصلاح
يتطلع الإسلاميون ومن يدور في فلكهم إلى محطة السابع من أكتوبر بمعنويات مرتفعة، ففي جعبتهم حصيلة خمس سنوات من التدبير الحكومي يراها مراقبون إيجابية في مجملها -بالرغم مما حملته من قرارات قاسية وغير شعبية أحيانا- مع ما تتخللها من إخفاقات في بعض القطاعات. وفي رصيدهم أيضا نتائج الانتخابات المحلية التي شهدها المغرب قبل سنة، والتي كانت مفاجئة وغير متوقعة حتى داخل صفوف العدالة والتنمية. ما يزكي طموحهم في مواصلة مسلسل الإصلاح من داخل المؤسسات، والاستمرار في كسب معركته بالنقاط وليس بالضربة القاضية.
لأجل ذلك هبوا مبكرا لترتيب البيت الداخلي بتأجيل المؤتمر الوطني الثامن للحزب إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، ما يعني ضمنيا الرغبة في ولاية ثانية للأمين العام الحالي عبد الإله بنكيران على رأس الحكومة في حالة ظفر الحزب بالمرتبة الأولى، وفي ذلك رسالة واضحة لأكثر من جهة. ورصَّ الحزب صفوفه بإعلانه عن تحالف إستراتيجي قبل إجراء الانتخابات مع حزب التقدم والاشتراكية ذي المرجعية اليسارية المشارك في الحكومة حاليا.
وأقدم الاسلاميون، وفي سابقة من نوعها في تاريخهم على ترشيح أسماء في كافة اللوائح الانتخابية (الوطنية، النساء، الشباب) من خارج قواعدهم، منهم من له انتماء حزبي (الأصالة والمعاصرة، الاتحاد الدستوري، العهد..) قبل الالتحاق بسفينة العدالة والتنمية، ومنهم القادم من خارج الحقل السياسي (التيار السلفي).
تباينت القراءات إزاء ذلك بين من يرى فيه توجها براغماتيا لحصد أكبر عدد من المقاعد، مادامت السبل القانونية والواقعية تسمح بذلك. ومن يعتبر الأمر ترحالا سياسيا طالما ندد به الحزب، وطالب بمنعه أيام كان في المعارضة. ويقرأ آخرون المسألة من زاوية الانفتاح على الكفاءات الوطنية، وتفنيد كل المزاعم التي تُروج عن السعي نحو الهيمنة والرغبة في أسلمة الدولة.
بعيدا عن كل التأويلات، يفسر قادة حزب المصباح (حزب العدالة والتنمية) هذا القرار برغبتهم في إقامة جبهة وطنية يشارك فيها الجميع ضد ما يسميه الحزب ب"قوى التحكم"؛ فالمعركة ضد "الدولة العميقة" لا يقدر عليها حزب أو تيار بعينه، وإنما تحتاج جبهة موحدة تلتئم فيها كل القوى الديمقراطية يمينية كانت أو يسارية أو علمانية. وهو ما نجح إخوان بنكيران في تحقيقه نسبيا، إذ جاهر مثقفون يساريون وعلمانيون (المعطي منجب، محمد الناجي، حسن طارق..) بدعمهم ومساندتهم لهذه الجبهة، علاوة على إعلان قوى شبابية يسارية عزمها على التصويت للعدالة والتنمية.
لا بديل عن الإنقاذ
تتطلع أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الأصالة والمعاصرة، إلى هذا الموعد الانتخابي كفرصة مواتية لإبعاد الإسلاميين ورفاقهم من الحكومة، مستغلين تتالي الضربات على الإسلاميين (القصر، وزارة الداخلية، رجال الأعمال..) مما دفع زعيمهم إلى الصمت كأسلوب ينهي به آخر أيامه في الحكومة بعد النقد الحاد والمباشر الذي تلقاه من عاهل البلاد في خطاب العرش الأخير.
وكان حزب الأصالة المعاصرة قد استثمر كثيرا الجانب الإعلامي (جرائد ورقية، مواقع إلكترونية، إذاعات خاصة..) للهجوم على الحكومة وأدائها منذ شروعها في الإصلاحات القطاعية الكبرى (الصحة، العدل، المأذونيات، المقاصة، التقاعد..)، وكثف من هجومه بعد اكتساح الإسلاميين في الانتخابات المحلية الأخيرة، ما مكنه من تشكيل رأي شبه عام يرى بأن الأداء الحكومي محبط في مجمله.
وتُوج هذا التكتيك بطرح أوراق حزبية لتقييم حصيلة الحكومة، كانت آخرها "القراءة النقدية للحصيلة الحكومية 2012-2016" التي حرص فيها على عرض وتقديم مضامين البرنامج الحكومي، قبل أن تتولاها القراءة بالنقد على ضوء الحصيلة النهائية، دون استحضار للسياق والظروف التي أفرزت هذه الحصيلة. إضافة إلى برنامج انتخابي بمضمون شديد اللهجة، إذ يستهل تقديم البرنامج بالتأكيد على أن الحصيلة كارثية للتجربة الحكومية المنتهية ولاياتها، ولحزبها الأغلبي على مختلف مستويات تدبير الشأن العام.
وفي غمرة الاستعدادات اهتدى الحزب من أجل كسب هذا النزال، إلى الاستعانة بتجربة الأعيان المعروفة في تاريخ الممارسة الانتخابية بالمغرب لضمان أصوات المجال القروي. وفي المجال الحضري بينما نشطت آلية التوسع والاستقطاب في دوائر رجال الأعمال حيث أعلنت أسماء معروفة في عالم المال والأعمال بالمغرب نيتها خوض الاستحقاقات المقبلة ضمن لوائح حزب الجرار (حزب الأصالة والمعاصرة).
لكل هذا يرفع الحزب "إنقاذ البلاد" كشعار في الانتخاب، ويسطر عشر التزامات ذات الأولوية في برنامجه الانتخابي، من أغرب ما فيها مواصلة بعض ما انتقده عند تقييم الأداء الحكومي، وكمثال إصلاح صندوق المقاصة الذي ينوي استكماله برفع الدعم عن السكر وغاز البوتان.
ولَّى زمن الربيع
حضور الدولة بحساباتها الخاصة بدا جليا في هذه الانتخابات، فتكرار سيناريو 2011 و 2015 أمر غير مرغوب فيه. فرض هذا الطموح على الدولة العميقة تنويع أساليب تدخلها، وتصريف رغبتها درءا لأية مفاجئة قد تحملها الصناديق في انتخابات السابع من أكتوبر القادم.
اتسمت هذه العودة لضبط المشهد السياسي والتحكم فيه بالتدريج، على مستويين يتعلق أحدهما بنوعية التدخل ومضمونه، والآخر بأدوات تنفيذه و"أجرأته".
فعلى المستوى الأول، توالى منع الأنشطة التواصلية لبعض الوزراء في الحكومة بمبرراته غير مقنعة في معظم الحالات، وبعدها تقرر منع المهرجانات التواصلية للأحزاب مع المواطنين، ثم تلته حملة توقيفات متفرقة من رجال الداخلية في حق بعض منتخبي العدالة والتنمية في المجالس البلدية والإقليمية (الرباط، مراكش، تاوريرت، أسفي..)، أغلبها حسمه القضاء الإداري ضد الوزارة. إضافة إلى حركة انتقالية واسعة وطنيا لإعادة توزيع مسؤولي الإدارة الترابية (القواد، العمال، الولاة..) في الدوائر التي تحتاج إلى مزيد من الضبط أو قد تحمل مفاجئات. وأخيرا قررت الداخلية بدعوى حرصها على شفافية أجواء الانتخابات منع تنظيم استطلاعات الرأي في مواضيع ذات الصلة بالانتخابات.
ارتفعت الوتيرة في المستوى الثاني الذي عرف قرارات نوعية، تعيد الذاكرة إلى ما قبل مغرب 2011، برفض كمّ من المقترحات الحزبية الرامية إلى تأهيل المشهد السياسي، وتجويد قواعد العملية الانتخابية، ومواصلة إصلاح ذات البين بين المغاربة والسياسية.
وتضمنت لائحة المرفوضات تباعا، رفض طلب إعادة النظر في القوانين الانتخابية؛ خاصة ما يتعلق بنمط الاقتراع، ومقترح وضع قوائم انتخابية جديدة، وكذا تقليص عدد مكاتب التصويت (39 ألف مكتب)، ومطلب إقرار البطاقة الوطنية بدلا عن بطاقة الناخب، وملتمس خلق لجنة وطنية تسهر على تنظيم الانتخابات بعيدا عن أيدي وزارة الداخلية، وقبل ذلك كله نشر الأرقام التفصيلية للانتخابات المحلية ليعرف الجميع عدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب.
وعكس كل التوقعات تم تغيير بعض القواعد التي كانت مؤشرا على بداية عقلنة الممارسة الحزبية والبرلمانية بالمغرب، فتم تخفيض العتبة الانتخابية من 6% إلى 3 %، ما يعني بلقنة البرلمان بكيانات سياسية لها تمثيلية ضعيفة منعا لأي فرصة من شأنها فرز تحالفات قوية، والسعي لعرقلة التسجيل الإلكتروني في اللوائح الانتخابية، ما نقل معدل التسجيلات من مليون و900 ألف طلب في سبتمبر الماضي إلى 500 ألف طلب تسجيل جديد هذه السنة. دون إغفال مسألة إطلاق يد السلطة الإدارية المحلية للتصرف في اللوائح الانتخابية، بإعطائها حق التشطيب دون قيد أو شرط، ما يعني ضمنيا التحكم في الفئة الناخبة، وتوجيه النتائج حتى قبل فرز الصناديق.
أخيرا فإن صورة المشهد السياسي لما بعد السابع من أكتوبر تكاد تكون واضحة في ظل الاستقطاب الثنائي القائم حاليا بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، فالمرتبة الأولى من نصيب أحدهما. هذا المعطى دفع ببقية الأحزاب إلى التموقع صراحة أو الانحياز ضمنا إلى إحدى الجبهتين، حتى وإن كانت موازين القوى بينهما مختلة نسبيا؛ جراء إسناد الدولة العميقة لطرف على حساب الآخر، لكن آمال الطرف "المظلوم" معلقة على المواطنين كي ينصفوه في صناديق الاقتراع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.