وفد قضائي وطني رفيع يزور جماعة الطاح بطرفاية تخليداً للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء واستحضاراً للموقع التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    هنا المغرب    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النزوح القروي و عواقبه على البيئة
نشر في الوجدية يوم 10 - 12 - 2009

كلية الآداب الرباط
...................................
جماعة لبصارة
بالسفح الجنوبي
لجبال بني يزناسن إقليم وجدة.
دوار أولاد البالي نموذجا.
لبصارة جماعة قروية حديثة النشأة( 1992) تتكون من أربعة دواوير هي: أولاد البالي و أولاد بوتشيش،أولاد عيسى و أولاد بوفرة. وحسب الإحصاء 1994 بلغ عدد سكانها 2311 نسمة. وعدد الأسر 350 أسرة. وهي تابعة لدائرة أحواز وجدة عمالة وجدة أنجاد( مديرية الإحصاء 1995، الرباط.ص.192).أما قبل التقسيم الإداري لسنة 1992 كانت لبصارة جزءا من جماعة عين الصفاء، كفخضة تابعة لدائرة أحواز وجدة تضم خمسة دواوير وتحتوي (وفق إحصاء 1982 ) على 11.133 نسمة و 1509 أسرة وتعتبر عين الصفاء من الجماعات التي عرفت تراجعا ديموغرافيا خلال الإحصائيات التي أجريت بالمغرب من 14.498 نسمة سنة 1960 إلى 13.500 نسمة سنة 1971 إلى 11.133ن وفق إحصاء 1982 و هكذا فقد سجل معدل النمو الديموغرافي العام (0.64-) بين إحصائي 60-71 و (1.73-) بين إحصائي 71-82
(.Direction de la statistique, 1955p.71)
و يعتبر دوار أولاد البالي أحد الدواوير الرئيسية الواقعة في السفح الجنوبي لجبال بني يزنا سن التبعة للجماعة القروية لبصارة، بل هو مركز القرية فيما مضى ولكن حدثت تطورات أدت إلى تفرع دوار ملحق في السهل عن الدوار الأصلي في الجبل، سكنه متفرق،و هو الرستاق المكمل لاقتصاد الجبل، و يعتمد على الري العصري بالضخ. ويبلغ متوسط التساقطات السنوية بسيدي بوهرية 321 ملم كما أن المناخ متوسطي. وإلى السهل أنكاد انتقل مركز الثقل البشري والاقتصادي. و كان دوار أولاد البالي في سنة 1982 يحتل المرتبة الثانية من حيث أهمية السكان (963ن )و الأسر (122 أسرة). إلا أن الدوار الأصلي في الجزء الجبلي، عرف تناقصا للسكان بل إفراغا بحيث لم تتجاوز تقديرات عدد ساكنته في أبريل 1994 الخمسين نسمة، و عدد الأسر حوالي عشرة فقط. وهو ما يعني أنه لم يعد حاليا يمثل سوى ( ٪ 5.6) من ساكنته سنة 1982 و (٪8)فقط من عدد أسره. و هدا ما سنعالجه في هده المداخلة مركزين في دراستنا على حالة دوار (دوار أولاد البالي) الواقع في قلب جماعة لبصارة بجبال بني يزناسن بالسفح الجنوبي. فخدة لبصارة : سكان الدواوير حسب الإحصائيات السكانية.
كانت دواوير لبصارة إلى عهد قريب دواوير جدا يمكن تحديده بفترة بداية الخمسينات من بين أهم التجمعات البشرية الريفية، في السفح الأوسط الجنوبي لجبال بني يزنا سن المطلة على سهل أنجاد ‹‹شكل1››. و من مظاهر التعمير ة الازدهار أنداك يمكن الإشارة فقط إلى حيوية معمل الدوم و الحلفاء الذي كان يشغل عشرات العمال و العاملات بصفة مباشرة، و مئات السكان في مختلف الدواوير لنقل مادة الخام إلى مكان التحويل¹.
(¹)«« يمكن تقدير من كان يشتغل داخل المعمل المذكور بحوالي 200 عامل و عاملة و هو رقم تقريبي لأننا لا نتوفر على وثائق مكتوبة في هدا الشأن. كما يصعب ضبط عدد السكان الدين كانوا يعملون بطريق غير مباشر من مختلف الدواوير في نقل المواد الخام على البهائم و أساسا قطع و نقل الدوم»».
لكن هده الدواوير تعيش في الوقت الحاضر‹‹1960›› سكونا ينبئ بأفولها التدريجي إدا استمرت الأمور على ما هي عليه الآن. و لا شك أن ‹‹الخراب›› الذي لحق بها يرجع أساسا إلى النزوح القروي الذي زادت وتيرته حدة مباشرة بعد استقلال البلاد، وكذلك على التحولات التي عرفتها البادية المغربية. فمن السكان من هاجر إلى الخارج، إلى فرنسا خاصة، و منهم من رحل على سهل أنكاد لكن معظمهم فظل شد الرحال إلى مدينة وجدة.
و سنحاول في هده المداخلة المعتمدة على دراسة ميدانية، أن نسلط الأضواء
في نقطة أولى على وضعية القرية قبل أن تتعرض إلى الهجرة المكثفة.
وفي نقطة ثانية سنعالج الآليات التي تحكمت في التطور لاحق.
و في نقطة ثالثة سنتطرق إلى بعض الآثار المترتبة عن هده الحركة السكانية الأفقية.
#
وضعية القرية قبل أن تتعرض إلى الهجرة المكثفة
فيما مضى استطاعت قرية لبصارة- التي لتفصلها عن مدينة وجدة سوى 36 كلم- أن تربط اتصالات متعددة، و يمتد اشعاعها إلى نواحي تازة. و تربطها بوجدة وبركان و النواحي و الأسواق وسائل اتصال، و المواصلات العمومية المنتظمة.
و أهم عنصر اقتصادي كانت تعتمد عليه ساكنة القرية هو معمل في ملك أحد المعمرين الأوروبيين، يستعمل الحلفاء و الدوم كمواد خام محلية لصنع الحبال. و كان يشغل عشرات العمال و العاملات سواء داخل المعمل أو خارجه لجلب الدوم و الحلفاء من جبال بني يزناسن و السهوب المجاورة.
و كانت الفلاحة- بما فيها تربية الماشية- مزدهرة مع تعرضها في فترات القحط على التقلص و الهلاك، وبارتباط مع زراعة الحبوب، كانت ظاهرة ‹‹الحصادين›› تخلق دينامية اقتصادية محلية ملفتة للنظر في موسم الحصاد، حيث يباع لهم يوميا في القرية المذكورة، الخبز المصنوع في مخابز وجدة، وسلع أخرى و كان الحصادون يأتون من جهات نائية كنواحي تازة و مقدمة الريف. ومما سهل استقطابهم، توفر وسائل النقل، فبالإضافة إلى سيارة الجرة المجندة للنقل العمومي يوميا كانت تستخدم أيضا حافلة للنقل العمومي تتسع لأزيد من 50 مسافرا بين القرية و وجدة.
أما النباتات الشوكية ‹‹الهندية›› فكانت تغطي مساحات كبيرة تدعى ‹‹أقوير›› تحيط بالمنازل ‹‹لحواش جمع حوش››كسياج ز مورد للتغذية، وقسط من منتوجها يسوق في وجدة. و من البساتين و المغروسات التي كانت تعطي ثمارا ذات جودة عالية في قدم الجبل ببني يزناسن و على بعض سفوحه،أشجار التين و الزيتون و اللوز. وتستعمل المياه المنسابة من العين ‹‹الصهريج›› في سقي أحواض النعناع والخضر و بعض الأشجار.
ومن التقاليد المعروفة في القرية على غرار البوادي المغربية الأخرى، الادخار و الخزن لمواجهة المحتملة كالقحط و ندرة المواد في السنوات العجاف. ويمكن الإشارة في هدا الصدد إلى خزن الحبوب في حفر تدعى‹‹مطامير جمع مطمورة›› في مكان يدعى‹‹المرس››. إضافة إلى تجفيف ثمار كالتين و اللوز و تعليب الزيتون و عصره، و حفظ السمن في جرار ‹‹جمع جرة›› أو خوابي ‹‹جمع خابية›› لعدة سنين. وهدا يمكن أن نطلق عليه مفهوم العصر ‹‹ الآن الغذائي›› و فعلا كان يستعمل هدا المخزون في وقت الشدة.
إن القرية كانت تحتوي على طاحونة للحبوب، ومصلح للدراجات و لكرائها أيضا و اسكافي، وجزار و مقتلع الأسنان. و تتوفر أيضا عل وكالة بريدية، ومجرسة بملحقاتها من مطبخ لتهيئ الوجبات الغذائية للتلاميذ، وسكن لائق لإيواء المعلمين، إضافة إلى مسجد و كتاب تخرج منه مئات الطلبة حفظة القرآن الكريم و العلوم الدينية خاصة على يد أحد علماء الزاوية الكرزازية سيدي علي. و نظرا لدينامية اقتصاد القرية كانت التجارة رائجة من خلال سبع حوانيت،إضافة إلى ما بروج داخل الأسواق الأسبوعية المجاورة لها كسوق ‹‹عين الصفاء››و ‹‹النعيمة››.
و نظرا للزيادة الديموغرافية المرتفعة و ما نتج عنها من ضغط متزايد على الأرض في فترة الخمسينات و الستينات، كانت تنشب باستمرار نزاعات و صراعات بين السكان خول الحدود الفاصلة بين مشارات ملكياتهم، و توزيع الماء، و الاستفادة من المراعي، و جني ثمار ‹‹الهندية››.
#
العوامل و الآليات التي تحكمت في التطور اللاحق
وقعت عدة تطورات في القرية نجم عنها نزوح قروي نحو جهات أخرى. و يمكن حصر العوامل المحددة للهجرة في ثلاثة أسباب:انعدام الشغل و قلته بالقرية؛ متبعة الدراسة في المدينة، و جاذبية الهجرة نحو الخارج لتحسين مستوى المعيشة. ولابد من الإشارة إلى أن الجفاف في الفترة الممتدة بين 1975 و1995 قوي بشكل مثير تيار النزوح القروي. ومن الآليات المتحكمة في المسار الذي اتجهت فيه، يمكن الإشارة إلى اختفاء بعض النشطة الاقتصادية وتحول في البادية المغربية بعد الاستقلال.
#
إحراق معمل الدوم و الحلفا ضربة قاضية لدينامية القرية.
إن أحد العوامل التي ساهمت في إفراغ القرية من ساكنتها هو إحراق أهم منشأة صناعية بها في مطلع الاستقلال باعتباره ملكا لأحد المعمرين. ووضع بذلك حد لمداخيل عشرات السر في القرية و الدواوير المجاورة لها. و أخمد أهم قطب للتنمية المحلية الذي كانت تعتمد عليه لبصارة.
و منذ جلك الحين نشطت الهجرة، و شد الرحال عدد من الشباب على الخارج وأساسا إلى فرنسا، و عدد من الأسر هاجرت إلى مدينة وجدة ثم إلى مدن أخرى كفاس و الدار البيضاء؛ كما رحل إلى أنكاد قسم من الساكنة المالكة للأراضي بالسهل- في قدم الجبل- و المستعدة للعمل الفلاحي.
وتوسعت المكننة في السهل و عوضت الحصادين؛ كما ارتفعت نسبيا أجرة اليد العاملة الفلاحية و تحول التعمير و النشاط الاقتصادي من القرية على سفح الجبل إلى السهل الذي أصبح يمثل مركز الثقل وأفرغت الدواوير من معظم ساكنتها وفي مقدمتها دوار أولاد البالي حيث المسجد الرئيسي و الزاوية و المدرسة و الطاحونة و الضريح، و العين ‹‹الصهريج›› و البشر.
و لابد من التذكير أيضا بأن الهجرة الدولية لعبت دورا أساسيا في إفراغ القرية:
أولا: بطريق مباشر عندما كانت وجهة الهجرة نحو الجزائر ثم فرنسا-أساسا قبل إغلاق الباب الأوربية، ثم إلى إسبانيا و الدول الاسكندنافيا.
ثانيا: بطريق غير مباشر حيث لعبت هده الحركة السكانية الدولية دورا مهما في الهجرة الداخلية عندما يشتري المهاجرون المقيمون في الخارج المنازل بأحياء وجدة و يرحلون أسرهم إليها. و رغم صعوبات الهجرة فإن المحاولات متكررة في الظرف الراهن لبلوغ أوروبا، حتى ولو أدى دلك إلى المجازفة بالحياة في مضيق جبل طارق.
#
أسباب أخرى ساهمت في إفراغ القرية:
لاشك أن تدهور التجهيزات و ضعف الخدمات ساهم في رحيل عدد من السكان من دواويرهم، كاختفاء الهاتف، و وسائل النقل العمومية و المرافق الصحية و التعليمية.
يضاف إلى هدا الضغوطات السياسية وروح الانتقام بعد الانتخابات القروية و التشريعية، إذ يشعر المنهزم ب القهر و يفضل الرحيل على المدينة، ذلك لأن الديمقراطية بهذه الوسط لاتزال هشة و حسب تصريحات أحدهم فإن ممثلي السكان في الجماعة يشعرون بأنهم يمثلون السلطة وليس من صوتوا عليهم؛ إضافة إلى المحسوبية في المعاملة منها مثلا عملية توزيع العلف و النخالة.
و الملاحظ أن الهجرة قد اتخذت طابعا موسميا في مرحلة أولى، بحيث أن المهاجر يشتغل في الداخل أو الخارج لمدة محدودة (شهرين أو ثلاثة)، و سرعان ما يفكر في الرحيل النهائي خصوصا بعد أن يتوفر على عمل و سكن بالمدينة أو ضاحيتها.
وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى حي بن حيوان و هو أحد الأحياء في ضاحية وجدة يقصده النازحون القرويون للاستقرار به، نظرا لقربه من المدينة و سهولة الحصول فيه على سكن بثمن مناسب.
و كثير ما دفعت المرأة زوجها للرحيل إلى وجدة، وخصوصا إذا كان لها فتيات ترغب في تعليمهن الخياطة و الطرز و صنع الحلويات؛ أو متابعة الدراسة بالنسبة للأبناء الذكور. و في حالات متكررة يتبع المهاجر مسلسلا متشابها، يبدأ بكراء منزل لأبنائه التلاميذ في وجدة، فترتفع المصاريف العائلية و يضطر الوالدين الالتحاق بأبنائهم في مرحلة ثانية. و رغم أن الدولة قد وفرت إعدادية بالسهل في سيدي بوهرية فهي بعيدة عن القرية ب 12 كلم تقريبا.
و أحيانا يوظف الابن، فيهجر أسرته لاحقا. ولاشك أن عامل قلة الأرض مع توسع العائلة يؤدي عادة إلى رحيل أحد أو مجموعة من أفرادها في اتجاه المدينة.
#
بعض الآثار المترتبة عن هده الحركة السكانية الأفقية.
نجمت عن الهجرة الريفية المغادرة عدة نتائج، سواء على مستوى المجال المهجور أو على مستوى اندماج المغادرين له، الوافدين على مدينة وجدة. إن النزيف المستمر للهجرة أدى إلى: فقدان العناصر الدينامية و خاصة منها فئة الشباب القادرة على العمل بقرية لبصارة. تراجع الأنشطة الاقتصادية: تمثل ذلك في تراجع النشاط الفلاحي و الرعوي ومعه تقلص المجال الفلاحي بعد تعرضه للتصحر.فنتيجة إهمال البساتين و نزوح الفلاحين و الأسر المالكة لها، و القحط الذي عم المغرب الشرقي، تعرضت هي الأخرى للتدهور في المرحلة الأولى، و اليبس و الاقتلاع في مرحلة ثانية، لتستخدم حطبا وتعدو رمادا في نهاية المطاف. نجمت عن الهجرة الريفية المغادرة عدة نتائج، سواء على مستوى المجال المهجور أو على مستوى اندماج المغادرين له، الوافدين على مدينة وجدة..
إن النزيف المستمر للهجرة أدى إلى:.
* فقدان العناصر الدينامية و خاصة منها فئة الشباب القادرة على العمل بقرية لبصارة.
* تراجع الأنشطة الاقتصادية: تمثل ذلك في تراجع النشاط الفلاحي و الرعوي ومعه تقلص المجال الفلاحي بعد تعرضه للتصحر.فنتيجة إهمال البساتين و نزوح الفلاحين و الأسر المالكة لها، و القحط الذي عم المغرب الشرقي، تعرضت هي الأخرى للتدهور في المرحلة الأولى، و اليبس و الاقتلاع في مرحلة ثانية، لتستخدم حطبا وتعدو رمادا في نهاية المطاف.
و أمام تلاشي تقاليد الادخار، و غياب صيانة المنشآت الاقتصادية و العمرانية التي كانت تحتوي عليها القرية،اندثرت هذه الأخيرة في غالبيتها العظمى أو أصبحت أطلالا و عدا السكان يعتمدون في تموينهم بالخضر و مواد أخرى على الجهات المجاورة لهم كسهل أنجاد « لغرسات » و سوق « عين الصفا » 7 كلم و سوق « النعيمة » حوالي 14 كلم و وجدة.
و كنتيجة مباشرة للنزوح القروي و التحولات التي عرفتها القرية وقع اختفاء أنشطة أخرى و منها الصناعة التقليدية و بعض الحرف. لقد اختفت حرف الصانع التقليدي و الاسكافي، و الجزار و مقتلع الأسنان، و الحلاق، و تقلصت التجارة فأضحى حاليا سنة (1996) حانوت واحد بدل سبع حوانيت في دوار أولاد البالي وحده مع بداية الاستقلال (1956) و اختفت طاحونة الحبوب و محل الدراجات، و ظاهرة الحصادين.
تدهور التجهيزات الأساسية التي كانت متوفرة في القرية: في هذا الصدد يمكن الإشارة اختفاء الهاتف و وسائل المواصلات العمومية ( الحافلة العمومية و سيارة الأجرة الكبيرة) و تدهور البنيات التعليمية التي بنيت في عهد الاستعمار بملحقاتها السكنية للمعلمين و مطبخ التلاميذ.
بل تدهورت حتى بعض الأقسام الملحقة بها و التي بنيت بعد الاستقلال، و أصبحت أطلالا تنذر بخراب تدريجي للقرية.بل تدهورت حتى بعض الأقسام الملحقة بها و التي بنيت بعد الاستقلال، و أصبحت أطلالا تنذر بخراب تدريجي للقرية.
#
آثار الهجرة على مكان الوصول:
أين يقطن السكان الوافدون على وجدة و في أي أنشطة يشتغلون؟
بتركز النازحون من قرية لبصارة في الحياء الهامشية بمدخل مدينة وجدة عن طريق «الغرب» كأحياء «المير علي»، «سي الخضر» و «واد الناشف» (موسى كرزازي، 1992 ص. ص. 285-309).
و أحياء يلاحظ حوار ملفت للنظر بين أسر كانت تقطن نفس الدوار، ذلك أن «الهجرة تنادي على الهجرة».
و معظم المهاجرون يشتغلون في قطاع البناء كمياومين في مرحلة أولى، و بنائين في مرحلة ثانية.و يشغلهم عادة مقاول من العائلة أو من الدوار و ينقص معظمهم التكوين المهني و التعليم من مستوى عالي، و بالتالي يكتفون بالاشتغال في قطاعات لا تحتاج إلى تكوين أو تأهيل مهني و منها القطاع الغير مشكل و يحاول الشباب التمرن على مهن أخرى مرتبطة بالبناء كوضع الفسيفساء ، و الجبس و الزليج و التعاطي لمهن أخرى كالحلاقة و التجارة خاصة بيع الخضر و يضل العمل موسمي في غالب الأحيان.
#
الأفاق المستقبلية بدواوير لبصارة
نتساءل هل كانت هذه التحولات تطور عادي من كل أرياف البلاد، أم كان يمكن التخفيف من حدة النزيف البشري في قرية لبصارة لو لم تقع بعض الأحداث التي عجلت بخرابها؟
تفسر الوضعية المتدهورة لقرية لبصارة و انعدام الصيانة، و كذا تفكير غالبية ساكنتها في الرحيل إلى المدينة أو إلى الخارج عندما لاتتوفر لديهم أراضي بسهل أنكاد. و لذا لا يرون ضرورة في الترميم و الإصلاح.
و قد بلغ عدد سكان الجماعة المحلية الفتية 2311 نسمة في إحصاء 1994 بعد انفصالها على الجماعة الأم «عين الصفا» تمثل الدواوير المحتضرة أصلا، و حتى إن أرادت ذلك، يصعب عليها تمرير ميزانية تجهيزها، نظرا لقلة الساكنة وضعف مداخبل و إمكانيات القاطنين بها، إذ لا يمكنهم المساهمة في تحمل جزء من أعباء التجهيزات الأساسية.
و لذلك يلاحظ انتقال مركز الثقل و الاهتمام من القرية في الجبل إلى سهل «أنجاد»، حيث بنيت عدة منشآت اقتصادية وخدماتية كمصلحة الهاتف و مستوصف جديد سنة 1997،و بناية للجماعة، كما تمت كهربة عدد من المنازل و أدخلت عدة خطوط هاتفية إلى منازل الفلاحين الميسورين و شيدت تعاونية لجمع الحليب، و معمل لتفريخ الكتاكيت ( الدجاج). ورغم الإمكانيات المحدودة بالجبل، يمكن مع ذلك بذل مجهود للتنمية المحلية لتشغيل السكان و تشجيع من أراد العودة للقرية. و من بين المشاريع الممكن انجازها حسب بعض أطر« جمعية قدماء تلاميذ لبصارة»: إمكانية تربية النحل، و تربية الدواجن و فتح مقالع للحجر و صنع حصى البناء، و بناء معمل للأجور، تأسيس أندية نسوية للخياطة و الطرز و الزرد ‹tocirT›، و تشجيع صناعة الحصير و الأطباق. إضافة إلى إنعاش الفلاحة عن طريق غرس الأشجار المثمرة كاللوز و التفاح و التين و الزيتون.و قد يساعد هذا على العودة إلى القرية و جلب سكان جدد لإعادة تعميرها و إحياء أرضها.
و دور إنعاش القرية موكول إلى لعدة أطراف في مقدمتها الجماعة المحلية و الأجهزة المسؤولة، و كذا الجمعيات المحلية المهتمة بالتنمية القروية مثل جمعية ‹قدماء تلاميذ لبصارة›. و هكذا يمكنها تحريك الطاقات الموجودة و استغلال الموارد المتاحة ( رساميل المهاجرين بالخارج، و اليد العاملة، و الأرض) . ويبقى مع ذلك مشكل الماء في المنطقة عائقا للتنمية الصناعية أو الفلاحية، و لذا يجب التفكير في مصادر جديدة لجلبه إلى الدواوير المعنية. و لاشك أن التساقطات الغزيرة الأخيرة في مطلع 1996 ستنعش النشاط الفلاحي بالمنطقة.
إن الهجرة عامل سلبي بالنسبة للقرية المهجورة، و مع ذلك يمكن التفاؤل بحذر لمستقبل القرية، ففي ضوء التطورات المطبوعة عادة بحدة الجفاف في المناطق الهشة، فقد فتحت الآفاق في القرية، بعدما أصبحت مجال « استقطاب» لمجموعات بشرية كانت تشتغل بالرعي فيما قبل ( بني كيل).. وهكذا تم « استقبالها» لمجموعة من الأسر من النجود العليا فرت من الجفاف فارتحلت من عين بني مطهر و تاندرارة لتستقر ببعض الدواوير، منها أسرتان بدوار أولاد البالي، و ثماني أسر بأولاد بوتشيش.
إلا أن الملاحظ هو عدم عودة المهاجرين إلى دواويرهم الأصلية، باستثناء بعض الحالات المحدودة منها امرأة واحدة من الدوار عادت من الخارج رفقة زوجها الأجنبي، و استثمر أموالهما في الفلاحة باستعمال الضخ من الفرشة، و لكنها رحلت عن الدوار لتستقر بفرنسا بعد وفاة زوجها، وهي حالة استثنائية.
و يمكن تفسير عدم العودة بكون أحوال معظم المهاجرين قد تحسنت في أماكن استقرارهم، مما يحول دون التفكير في العودة إلى دواويرهم تفتقر إلى أبسط التجهيزات. و على سبيل المثال، فإن عامل الهجرة كان إيجابيا بالنسبة لمستوى معيشة الوافدين على مدينة وجدة، بحيث تحسنت أحوالهم نسبيا بصفة عامة إذ شيد العديد منهم منازلهم و علموا بعض أبنائهم أو أهلوهم مهنيا، و حسنوا مستوى معيشتهم من تغذية و لباس و تمريض و نظافة. كما تحسنت أيضا مستوى معيشة الفلاحين الذين انتقلوا إلى السهل، إذ اشترى بعضهم الأراضي فأصبحوا مالكين متوسطين بعد أن كان بعضهم رعاة غنم أو خماسة فيما مضى. و بدون شك، فإن تمويل شراء الأرض كان مصدره أساسا من عائدات الأبناء في الخارج.
#
خلاصة عامة
إن الهجرة المغادرة ساهمت في تدهور البيئة بدواوير لبصارة بصفة عامة، و دوار أولاد البالي بصفة خاصة، و من بين عواقبها، تعرية السطح و انجراف التربة، وعدم استصلاح الأراضي القابلة للفلاحة، و نقص التعمير و خراب السكن و المنشآت الاقتصادية و الاجتماعية.²
(²)«« مجموعة من الأفكار تم التطرق إليها في أطار ندوة نظمت بمناسبة الذكرى الألفية لمدينة وجدة تحت شعار «وجدة و المنطقة الشرقية بين أصالة التراث و الانفتاح على المستقبل». « أنكاد المغرب الشرقي» أيام 08 – 10 مارس 1996 . و معظم المعلومات مستقاة من الميدان و قد تم انجاز البحث على مراحل. و أهم مرحلة أنجزت كانت في شهر مارس 1994، و بهذه المناسبة نشكر كل اللذين قدموا لنا معلومات و معطيات حول لبصارة و دوار أولاد البالي و في مقدمتهم نائب الكاتب العام ل « جمعية قدماء تلاميذ لبصارة» و المعلم و الشيخ بالبصارة. و كذا الزميل محمد جمال الدين أستاذ بكلية علوم التربية بالرباط الذي تفضل بمراجعة المقال قبل طبعه»».
إن العوامل التي عجلت بإفراغ الدواوير متعددة و متداخلة، و هو أمر طبيعي و حتمي إن عاجلا أو آجلا، نظرا للتطورات التي عرفتها البادية المغربية و احتكاكه بالمدينة و الخارج، و طموح أفراده للعيش في إطار حياة كريمة لا توفرها لهم قرية منتصبة في سفح الجبل، محدودة الموارد الاقتصادية، تدهورت إمكانياتها تدريجيا بعد إحراق مصنع الدوم بعد استقلال البلاد و اختفاء عدة أنشطة اقتصادية و منشآت.
و لاشك أن حرية حركة المواطنين بعد رحيل الاستعمار، و توسع التعليم و الإقبال عليه كمصدر للترقية الاجتماعية، و اهتمام الدولة بالمدينة مع إهمال شبه تام للبادية، كلها عوامل متداخلة سهلت النزوح نحو المدينة، و أساسا نحو وجدة و الخارج، أو النزول إلى السهل حيث إمكانية السقي بالضخ.
و لكن كان يمكن مع ذلك اتخاذ بعض الاحتياطات و التدابير للحفظ على البيئة و البنيات التحتية القائمة و ذلك بصيانتها و تجديدها و خلق أنشطة متنوعة لإنعاش اقتصاد القرية، كما كان عليه الحال في فترة سابقة.و لكن كان يمكن مع ذلك اتخاذ بعض الاحتياطات و التدابير للحفظ على البيئة و البنيات التحتية القائمة و ذلك بصيانتها و تجديدها و خلق أنشطة متنوعة لإنعاش اقتصاد القرية، كما كان عليه الحال في فترة سابقة.
فهل ستجدد الحياة في القرية أم أن مستقبل ساكنتها حتمي في المراكز الجديدة النامية في أنكاد و المدن المجاورة لها؟ هذا ما ستكشف عنه الأبحاث المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.