طنجة.. توقيف المتورط الرئيسي في سرقة قبعة "كوتشي" بحي بئر الشعيري    "كان فوتسال السيدات" يفرح السايح    عادل الفقير    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    حكومة أخنوش تُطلق أكبر مراجعة للأجور والحماية الاجتماعية    الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة للسيدات بمناسبة فوزه بكأس إفريقيا للأمم 2025    نواب بريطانيون عن الصحراء المغربية: مخطط الحكم الذاتي محفّز حقيقي للتنمية والاستقرار في المنطقة بأكملها    سيدات القاعة يفلتن من فخ تنزانيا في ليلة التتويج بلقب كأس إفريقيا    افتتاح فندق فاخر يعزز العرض السياحي بمدينة طنجة    ترامب يستقبل رئيس الوزراء الكندي    انطلاقة أشغال المركز الفيدرالي لتكوين لاعبي كرة القدم بالقصر الكبير    منتخب المغرب لأقل من 20 سنة يدخل غمار كاس افريقيا للأمم غدا بمصر    بهدف قاتل.. منتخب السيدات للفوتسال يتوج بلقب الكان في أول نسخة    زخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تتصدر تعيينات الأطباء المتخصصين لسنة 2025 ب97 منصباً جديداً    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    خبير صيني يحذر: مساعي الولايات المتحدة لإعادة الصناعات التحويلية إلى أراضيها قد تُفضي إلى نتائج عكسية    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إدريس لشكر …لا ندين بالولاء إلا للمغرب    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    دراسة.. الأوروبيون مستعدون للتخلي عن المنتجات الأميركية    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقابر المنسية أو عشر سنوات في السجون السرية للبوليساريو - 1 -
نشر في الوجدية يوم 12 - 01 - 2011


شهادة حيّة على مجازر البوليساريو
الصراع القبلي وراء محاولة الإغتيال
أقصى درجات التّعذيب
زيارة ملكية إلى الجزائر
انتفاضة أكتوبر

صدرت الطبعة الأولى من كتاب محمد أحمد باهي «المقابر المنسية عشر سنوات في السجون السرية للبوليساريو» في جزئين سنة 1996، مباشرة بعد عودة المؤلف إلى أرض الوطن. وبعد عشر سنوات من الاعتقال الظالم في السجون السّرية للجزائر الممتدة من صحراء الهكار في مقبرة برج عمر إدريس إلى صحراء حمادة تيندوف في مقابر سجن الرشيد. وهاهي ذي الطبعة الثانية من هذا الكتاب تصدر وقد مرت على قضية الصحراءأزيد من ثلاثين سنة وعاد إلى أرض الوطن فراراً من جحيم معسكرات تيندوف الآلاف من المواطنين من مختلف الفئات والأعمار والقبائل، والواجب «يفرض علينا جميعاً بذل المزيد من الجهد والإلحاح من أجل إطلاق سراح الباقين هناك تحت الاحتجاز من المدنيين والعسكريين على السواء، والواجب يفرض على الدولة دعم جمعيات المجتمع المدني والنشطاء الفاعلين من أبناء المناطق الصحراوية المغربية للعمل في إطار حملات مستمرة وشاملة لكسب الرأي العام الدولي وممارسة كل الضغوط الممكنة لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين وطي هذا الملف المأساوي طيا نهائيا.
فما زلنا في حاجة إلى تعبئة أكبر وعمل أكثر وتضافر أقوى لكل الجهود لفضح الممارسات اللاإنسانية التي تمارس من طرف البوليساريو في مخيمات تيندوف.
وفي هذا الإطار يدخل هذا الكتاب الوثيقة التي تعتبر شهادة حية على الجرائم التي ترتكب ضد أهل الصحراء ولمعاكسة الحقوق المشروعة للمغرب في وحدته الترابية والوطنية.
ولقد بات من الواضح اليوم أن البوليساريو التي ترفض أي حل سلمي للنزاع وترفض السماح للصحراويين بالعودة الطوعية لبلادهم وأهلهم، عاجزة في الواقع عن اتخاذ أي قرار ما لم يكن صادراً وموجها من طرف السلطات الأمنية والعسكرية الجزائرية التي تدير هذا النزاع المفتعل وتحرك بيادقها في الاتجاه المعاكس لأن هناك مبادرة سلمية يقترحها المغرب بما في ذلك مشروع الحكم الذاتي الذي يؤيّده كل أبناء الصحراء المغربية.
وهاهي هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن رغم المبادرات والمحاولات المتعددة تجد نفسها عاجزة عن الخروج من النفق وتواجه جداراً من الرفض الذي لامبرر له..
سيجد القارىء في صفحات هذا الكتاب الوثيقة جرداً سريعاً لتطوّرات القضية الصحراوية، كما سيجد فيه صورة عما يعانيه المحتجزون في مخيمات تيندوف.
وسوف يتركز جزء هام منه في محنة سجن الرشيد الذي وضعته أجهزة الأمن العسكري الجزائري بعيدا عن الأنظار لتمارس فيه كل أنواع التعذيب والترهيب والانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان.
وسجن الرشيد في تينذوف عبارة عن قبور تحت الأرض، حفرها المعتقلون والأسرى لتكون مأواهم الأخير، والمئات منهم لقوا حتفهم في تلك القبور تحت التعذيب، والمئات شوّهت أجسامهم بالكي بالنار والبتر والتشويه، كما فقد المئات قواهم العقلية بعد الجسدية.
شهادة حيّة على مجازر البوليساريو
وليس هناك في سجن الرشيد كما يقول المؤلف زمن معروف أو محدد للاعتقال والتعذيب، إنه زمن مستمر على الدوام ليلا ونهاراً ولسنوات بدون رحمة ولا شفقة ولا مراقبة ولا أيّ اعتبار إنساني أو قانوني أو ديني، في تلك القبور قضى محمد أحمد باهي عشر سنوات بتهمة باطلة أطلقتها المخابرات الجزائرية لاتهام المغرب بممارسة الإرهاب، والتقطتها البوليساريو فيما بعد لتصفية الحسابات بين الأجنحة المتصارعة داخلها على المستوى الشخصي وعلى المستوى القبلي.
وخلال تلك السنوات العشر الرهيبة تمكّن المؤلف من زيارة كل المخيمات والتقى بالأسرى المغاربة وعاشر الحراس والمجندين والجلادين الذين كانوا في البداية مجرد أشباح لايرى وجوههم ولا يسمع سوى صراخهم وصوت سياطهم وضربات أخذيتهم وخشونة أيديهم التي كانت تتنافس في شد القيود والربط إلى الأعمدة والتعليق بالحبال في الهواء لعدة ساعات.
وبسبب ما خلفه هذا الكتاب الوثيقة من أصداء اضطرت جبهة البوليساريو إلى إغلاق سجن الرشيد وتغيير أماكن المعتقلين إلى جهات أخرى.
ويضيف المؤلف محدّدا طبيعة هذا الكتاب:
«ليست هذه مذكرات أدبية أو استطلاعات وتحقيقات صحفية، وإن كانت لاتبتعد عن ذلك وليست يوميات معتقل قضى عشر سنوات قاسية في الاحتجاز والعزلة، والإقامات الإجبارية وما يسبق ذلك، وما يتبعه من تفاصيل حزينة.
كما أنها ليست ذكريات محدودة في الزمان والمكان والناس. وإنما هي أو ما أطمح إليه من خلالها شهادة حية، بكل التفاصيل المملة، تفضح المناورات والدسائس التي مورست، وتمارس ضد بلادنا، وضد وحدتنا الترابية، وضد مواطنينا من الجنوب إلى الشمال...
مواطنون مغاربة أبرياء طيبون، ذهبوا ضحية التضليل والمغالطات، والممارسات الغريبة الدنيئة من خطف واعتقال وتعذيب وتقتيل واحتجاز .. لا أجد لها تشبيها إلا بعصابات قطاع الطرق، وأحقاد وحروب الجاهلية الأولى التي يمارسها ضدنا اليوم .. أشخاص تعشش في أدمغتهم نزعة العداء والغزو والقبلية البائدة.. هذه الشهادة الوثيقة هي كذلك كشف لزيف الادعاءات الانفصالية، تبرز بجلاء حقيقة جبهة البوليساريو من التأسيس إلى الإفلاس..
الصراع القبلي وراء محاولة الإغتيال
أوضح المؤلف ظروف اعتقاله، حيث قال: «كنت أعرف والكل يعرف ذلك أن أجهزة الأمن العسكري الجزائري، تتحيّن الفرص ليس بالنسبة لي فقط، ولكن بالنسبة لأيّ مواطن مغربي من الشمال أو من الجنوب يمكن أن يقع بين أيديهم، أو يرتبون له ذلك بمختلف الوسائل والطرق.
وكنت أعرف أنني، شخصيا، على رأس قائمة سوداء، وتحتفظ لي أجهزة الأمن في الجزائر بملف ضخم، يعود إلى سنوات مضت، مليئة بالحركة والعمل والكتابة حول قضية وحدتنا الترابية.
لم أكن أجهل العواقب، ولكنني كنت أملك ثقة كبيرة في النفس، وإيمانا قويا بأنني قادر على الدفاع عن موقفي وعما أومن به مهما كانت الظروف.
لقد كنت دائما وأبدا فيما يتعلق بقضية الصحراء واضحا ومدافعا عن مغربيتي دون أيّ التباس. فالتاريخ لا يمكن تزويره.. إنه لا يستسيغ الخطأ أو المغالطة.
إن التاريخ كما قال جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني: «ليس كتلك السيدة التي تحتاج إلى تجميل لتبدو أكثر جمالا، فالتاريخ يبقى دوما هو التاريخ، وهو يظهر كما يجب، ومتى يجب، وأين يجب».
هذا التاريخ هو الذي كنت أحمله، وأعتز به.. وأستشهد به وأدافع عنه. وإذا استطاع البعض تزوير التاريخ، فكيف يفعل مع الجغرافيا؟
عندما كانت سيارة الأندروفر تسير بهدوء، وأنا تحت المعطف لا أرى شيئا.. كنت أفكر في كل ذلك وأرتب أفكاري وتاريخ بلادي لمعركة قادمة.. كان الاتجاه مجهولاً.. والمصير مجهولاً.. والأشخاص الثلاثة مجهولين كذلك. وكنت أعرف خلال تلك الدقائق البطيئة ما سألاقيه.. سواء من طرف الأمن الجزائري.. أو من طرف المرتزقة.
الأول بسبب الأحقاد المجانية والعداوة التي لا مبرر لها والحسابات الخاطئة ونزعة السيطرة والزعامة. الثاني بسبب الصراعات الداخلية، والانقسامات والخلافات القبيلة، والأطماع والمصالح الشخصية.
بالنسبة لجهاز الأمن العسكري الجزائري، أو على الأقل جزء منه، كان يخطط منذ مدة للعثور علي، وبأي وسيلة، لأسباب عديدة سنعود إليها.
وبالنسبة للبوليساريو كان البعض من القيادة يحارب البعض الآخر.. وكان عمر الحضرمي يشكل خطراً على تلك المجموعة من الدمى المتحركة، باعتباره المثقف والمفكر والمحلل الوحيد البارز في البوليساريو وباعتباره المؤسس والمؤهل منذ مقتل الوالي مصطفى السيد للقيادة، وباعتباره ينتمي لقبيلة الركيبات البيهات ،، الأكثر رفضا لأطروحات الانفصاليين والأكثر معارضة لتصرّفاتهم والأكثر عدداً وعتاداً. وكان لابد من توجيه ضربة لعمر الحضرمي وقبيلته باعتقال أحد أفراد القبيلة الشيء الذي سيثيره شخصيا وسيثير بقية أفراد القبيلة التي ستوجه لها تهمة: القبلية.
نزعة الصراع القبلي كانت وسيلة محمد عبد العزيز ومن يدورون في فلكه، من أجل تحقيق مكاسب ظرفية لبقاء الحال على ماهو عليه. خاصة وأن الاحتجاجات والرفض بدأ يطفو على السطح من طرف المحتجزين في المخيمات مدنيين وعسكريين، وكان عمر الحضرمي يبدي تبرمه من الممارسات الخاطئة ويتحدث علانية عن الطريق المسدود الذي تسير فيه قيادة الجبهة التي لم يستطع أفرادها فهم الرسالة التي وجهها لهم الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بنجديد والذي قال لهم في اجتماع في العاصمة الجزائرية: «يجب أن تفكروا في حل جديد يكون في إطار المملكة المغربية».
وللتذكير أيضا فقد استطاعت أجهزة الأمن العسكري الجزائري، وعصابة محمد عبد العزيز، أن تشغل الناس وتهدئ الوضع المتفجر بإعلانها اكتشاف محاولة اغتيال محمد عبد العزيز سنة واحدة فقط حيث انفجرت الأوضاع وقامت انتفاضة سكان المخيمات في أكتوبر 1988، التي تعتبر نهاية الأسطورة الخرافية الوهمية للبوليساريو» (ص 16 17).
كانت التهمة الموجهة للمؤلف على سبيل الاستدراج محاولة اغتيال الرئيس محمد عبد العزيز: «أنت الباهي جئت مرسولاً من المغرب قصد اغتيال الرئيس محمد عبد العزيز يوم 27 فبراير. عليك الآن أن تقول لنا من أرسلك؟ وكيف سيتم الاغتيال؟ ومن هم الأشخاص الذين ينتظرونك في المخيمات والذين يتعاملون مع الأجهزة المغربية؟» (ص 20).
أقصى درجات التّعذيب
وتوالى التعذيب: الضرب بالأحزمة والهراوات وقطع الخشب والحديد ومختلف الأدوات المتاحة والممكنة يتبعها استعمال الغطس في الماء، واستعمال خيوط الكهرباء في مناطق الجسم الحساسة، والكيّ بأعقاب السجائر، والتهديد بقلع الأظافر والأسنان إلخ. بعدجولة حامية من التعذيب الجنوني، أصيب المؤلف بالإغماء الكامل. عندما استيقظ من الإغماء الأوّل، الذي لا يدري كم استغرق زمنه، وجد طبيبا برتبة عسكرية يضمد الجراح ويصبغها بالألوان، ويسعفه بحقن مهدئة ومسكنة استعدادا لجولة جديدة أخطر من الأولى....
رغم ذلك رفض بكل قوة تهمة «محاولة اغتيال محمد عبد العزيز» ولم يستطع لا العقيد ولا أركان حربه ولا الذين فوقه أو تحته فيما بعد وفي مختلف المراحل المقبلة، إجباره على ذلك، رغم كل الوسائل المادية والنفسية التي استعملوها بكل وحشية وحقد.
يقول المؤلف: «محاولة اغتيال محمد عبد العزيز» خرافة صنعتها فئة من جماعات الأمن العسكري الجزائري التي تعاني صراعات داخلية بهدف تحقيق انتصار وهمي على حساب جماعات وفئات أخرى والحصول على مزيد من النياشين والرتب العسكرية.» (ص 22). يتحدث المؤلف، بعد ذلك، عن مقتل الوالي مصطفى السيد، أمين عام جبهة البوليساريو السابق، في الأراضي الموريتانية، ودخول العقيد القذافي اللعبة، وحملة الاعتقالات الواسعة وعمليات التعذيب الرهيبة والاختطافات والاغتيالات التي شملت الرجال والنساء على السواء ومن كل القبائل
الصحراوية التي قامت بها أجهزة البوليساريو عقب اغتيال الوالي مصطفى سنة 1976 وإقدام العصابة في نفس الفترة على إهانة النساء واسترقاقهن عندما بدأت أصواتهن ترتفع منددة بتلك الممارسات المنحرفة والمناورات والدسائس. وفيما يتعلق بالعلاقات المغربية الجزائرية كانت مراكز القوة تلوح باستمرار بقضية الصحراء لتغطية عقدتها وتناقضاتها وصراعاتها ومصالحها.
وفي سنة 1987 فجرت أجهزة الأمن الجزائرية قنبلة دعائية، الهدف منها اتهام المغرب بممارسة الإرهاب وذلك ردّاً على الاحتجاجات الهادئة والحجج المادية التي قدمها المغرب ضد هذه الأجهزة.
ويستعيد المؤلف شريط الذكريات بما فيه مجزرة التعذيب التي قاساها، واستقبال القذافي لممثلي الأحزاب المغربية، ولقائه الأوّل بالبوليساريو.
ويصف صنوف التعذيب التي مورست عليه، والظروف النّفسية والبدنية الخطيرة التي مرّ منها، دون أن يجعله ذلك يستسلم لهؤلاء الجلاّدين.
وأخيراً جاء الوعد الأول بالإفراج عنه ومغادرة الجزائر.
قال: «كانت الأجهزة في الجزائر تتصارع فيما بينها حول طريقة التخلص من هذه الورطة بعدما ورطت بعضها البعض في محاولة الاغتيال الكاذبة.
بعضهم كان يريد حل المشكل بإبعادي إلى أيّ بلد أختاره، باريس أو أتينا، وبعضهم كان يتخوف من ذلك ويريد إبقائي معتقلا محتفظا به في الجزائر، ربما إلى الأبد وآخرون كانوا يريدون أسهل الطرق، العودة إلى المغرب عبر الحدود البرّية كأي مهرب.
ولم تتفق هذه الأطراف على حل، كما لم تتفق في البداية على الجريمة.
وبين هذا أو ذاك.. فضيت في تلك القاعدة العسكرية بالعاصمة... تسعة أشهر كاملة من يونيو 1987 إلى فبراير 1988.
تسعة أشهر في عزلة تامة عن العالم وعن الناس، كل ما أطل من خلاله على العالم هو المحروسة جريدة «الشعب» وشقيقتها الصغرى «المجاهد» في أيامها زمن لسان الخشب وأخبار الحزب الواحد ومنجزات الثورة الزراعية التي كانت سبب مجاعة الشعب الجزائري، والصناعة الثقيلة التي أفلست بسببها خزينة الدولة وأغرقتها في ديون خارجية تزيد اليوم عن 40 مليار دولار.
تسعة أشهر بين أربعة جدران نارية في الصيف، مثلجة في الخريف.. وباب حديد بأقفال حديدية صوتها يثير الرعب ثلاث مرات كل يوم. وضابط غريب الأطوار لم ينطق بكلمة سلام أو تحية طيلة تلك الأشهر التسعة التي ذقت خلالها شدة الحرّ الذي لايطاق خلال الصيف، حيث كنت أسكب الماء القليل على أرض الغرفة على الأفرشة علها تبرد قليلا، لدقائق فقط.. وذقت خلالها شدة البرد القارس في الليالي الباردة من فصل الخريف والشتاء حيث لم يكن هناك ما يقي قساوة ذلك البرد رغم البطانيات التسع التي قدمت لي كغطاء يقي من البرد» (ص 79 80).
وبعد مرور سنة كاملة على هذا الاعتقال، بين تيندوف وبشار والجزائر، نُقل المؤلف لأسباب أمنية إلى مكان آخر بعيد وسط الصحراء الجزائرية على بعد حوالي 1000 كلم جنوب العاصمة، وسط الصحراء، حيث تقع ولاية وركلة جنوب غرداية.. مدينة صحراوية.. تعتبر ملتقى الطرق الصحراوية من الجنوب والشمال والشرق والغرب... وكانت الإقامة الجديدة إجبارية محروسة داخل فيلا صغيرة من طابقين تقع وسط حي سكني عادي، والغريب أن هذا الحي الذي هو عبارة عن فيلات صغيرة متشابهة تحتجز أجهزة الأمن العسكري نصفه للأعمال والإقامات السرية الخاصة والنصف الآخر لسكان مدنيين وعسكريين بعائلاتهم.
كانت هذه الإقامة الجديدة مرحلة جديدة من مراحل المحنة.
زيارة ملكية إلى الجزائر
وتحدّث المؤلف بعد ذلك عن زيارة جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني للجزائر، ووصفها بأنها «كسرت حواجز نفسية كثيرة بيننا ومنحت للكثير من الناس في الجزائر فرصة التعبير الحر عن آرائهم تجاه المغرب وشعبه وملكه.
وأعلنوا علانية حبهم للمغرب وأهله وعاهله.
واستقبال جلالة الملك في الجزائر لم يكن عادياً وكان حديث كل الناس بإعجاب واحترام.
بعدها وعندما فتحت الحدود بين البلدين هرع المواطنون الجزائريون الطيبون الأبرياء إلى المغرب بشكل أثار الأجهزة في الجزائروبلغ عدد الجزائريين الذين زاروا المغرب بعد منتصف 1989 و 1991حوالي ثلاثة ملايين مواطن ودون الحديث عن الجزائريين القاطنين في أوربا الذين اختاروا المغرب طريقا إلى الجزائر.
ومنحتني تلك الزيارة في ذلك الوضع الغامض وفي تلك المنطقة النّائية حقنة جديدة من الدعم المعنوي والثقة والاعتزاز بالوطن والأمل في المستقبل.. ونحن نتابع عبر التلفزيون النقل المباشر لوصول جلالة الملك إلى الميناء والاستقبال المتميز الذي خصص له ونشاهد رايات المغرب خفاقة في سماء الجزائر كنت أردد «سلاما أيها الوطن الطيب الذي لم تعرف رايته الذل أبداً».
ويروي المؤلف كيف نجا المرحوم محمد يحيا من استدراج محمد عبد العزيز قال: «وأنا في برج عمر إدريس من غشت 1988 إلى يوليوز 1989 حدث ما يلي: مبعوثا من إذاعة فرنسا الدولية (IFR) قام الزميل الصحفي المرحوم محمد بن يحيا، مدير جريدة البلاغ سابقا بزيارة إلى الجزائر سنة 1988 لإجراء تحقيقات ولقاءات هناك وخلال إقامته في الجزائر التقى بمحمد عبد العزيز، رئيس جمهورية الوهم، وسأله عني، فقال له محمد عبد العزيز:
«يمكنك رؤيته، إذا أردت أن تذهب معي غدا إلى تيندوف هو موجود هناك» «سنة 1992 قامت الزميلة الصحفية
فريدة الإدريسي موحا بزيارة خاصة للجزائر، وأثناء لقائها بالرئيس الراحل محمد بوضياف طلبت منه طلبا واحدا هو العمل على إطلاق سراحي، ووعدها المرحوم بوضياف بتحقيق ذلك ولكنه خلال تلك الأيام اغتيل بمدينة عنابة»
وفي ذلك التاريخ كنت في البرج، على بعد أكثر من 2500 كلم عن تيندوف فماذا كان يريد محمد عبد العزيز بمحمد بن يحيا؟
عندما روى لي محمد بن يحيا هذه الرواية ، حمدت له الله . لأنه لم يقم بتلك الزيارة الفخ وإلا لكان تعرض لما تعرض له زميلنا الصحفي المغربي مصطفى بزويط سنة 1975 عندما كان مبعوثا من إذاعة سويسرا لتغطية لقاء الراحل هواري بومدين والعقيد القدافي في حاسي مسعود، فقد اعتقلته أجهزة الأمن الجزائري وقضى في معتقلاتها خمس سنوات كاملة رغم تدخل الإذاعة السويسرية ومنظمة العفو الدولية والجهود الكبيرة التي بذلتها السيدة زوجته السويسرية وعائلتها «ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين» صدق الله العظيم» (ص 86).
وقدم المؤلف صورا مؤلمة للاضطهاد والتعذيب الذي كان يعانيه معتقلو البرج «في هذا البرج العجيب كنا سبعة مواطنين مغاربة من مختلف مناطق المغرب، لايعرف أحدنا الآخر... وبحكم الظروف القاسية التي نمر منها جميعا كونا فريقا واحدا موحدا متماسكا، وأسرة واحدة لمواجهة كل الأخطار والاحتمالات.
ومن حسن الحظ أننا التقينا في هذا المكان حتى نكون جميعا شهودا على تلك الظروف وحتى إذا قدر الله وفاة أو قتل أي واحد منا يكون الآخرون شهودا على ذلك...» (ص 94).
«خارج السور الكبير على بعد أمتار قليلة... هناك مقبرة صغيرة تضم عددا من القبور التي تغطيها الرمال وتنبش ثراها الذئاب والثعالب... ولاتحمل تلك القبور علامات ولا أسماء ولاتواريخ... وتضم تلك المقبرة ما يشبه بناء صغيرا على قبر متميز، لعله عمر إدريس ، الذي سميت المنطقة باسمه والله أعلم.
تلك المقبرة اثارت الشكوك والتساؤلات والنكت والحكايات الغريبة لدى المعتقلين ولدى الجنود أيضا، وقفت أنا والعربي أمام تلك المقبرة، كان العربي يتلو آيات بينات من القرآن الكريم، ويدعو لسكان تلك المقبرة بالرحمة والمغفرة. وسألته: «ألا تظن أن سكان هذه المقبرة هم سكان هذا البرج سابقا ممن تشبه حالتنا حالتهم؟» نفس الافتراض والتساؤل كان عند بقية المعتقلين، وأصبح ذلك شبه مؤكد بواسطة الحكايات والأساطير والخيال الخصب لسكان البرج، حتى الجنود سكنهم ذلك الهاجس «الزميل الصحفي المغربي مصطفى بزويط اعتقل، في الجزائر سنة 1975، وكان يأمل بحفر قبره قرب معتقله مرارا...».
وقضينا ليالي تحت القمر والنجوم نرشح الضحايا الأوائل ...
«اعتقدنا يقينا، أن تلك المقبرة ستكون سكننا ومثوانا الأخير في هذا العالم.
وأقنعنا أنفسنا ان لا أحد يختار مكان قبره واستشهد العربي على ذلك بالآيات القاطعة. وأصيب الذين يخشون الموت بالذهول والقلق والخوف الحقيقي. وهذه قبورنا تملأ الأرض» (ص 95).
انتفاضة أكتوبر
وانتقل المؤلف للحديث عن انتفاضة 5 أكتوبر في الجزائر حيث « خرجت جموع الشعب في انتفاضة عارمة، لتسقط ثلاثين عاما من التسلط والديكتاتورية وهيمنة مراكز القوة على الشعب وخيراته ثلاثون سنة فقد فيها المواطن الجزائري حريته وكرامته تحت إرهاب السلطة وأجهزة الأمن التي كانت تضرب بيد من حديد كل من يعارض او يبدي رأيا مخالفا أو حتى شكاية.
أسقط الشعب في انتفاضة مباركة ثلاثين سنة من المغالطات والأكاذيب والسلب والنهب والمزايدات السياسية ودعايات الحزب الحاكم وأصنامه.
وكان أكتوبر 88 أيضا في نفس الوقت مؤامرة ومناسبة لتصفية كل الحسابات بين مختلف الأجهزة ومراكز القوة... مافيا المال والنفط والأعمال، ومافيا العسكر والسلاح والأمن، ومافيا الحزب الواحد وسلطة الإدارة وتسلطها.
استعمل البعض أكتوبر للضغط على رئيس الدولة وتوريطه باستعمال القوة المسلحة لمواجهة الانتفاضة واستعملها آخرون للتخلص من هيمنة الجيش على شؤون البلاد والعباد، وآخرون كانوا يريدون التخلص من قبضة الأمن العسكري الذي زج بآلاف من أبناء الجزائر في المعتقلات السرية والعلنية.
في الجزائر توجد أكبر سجون إفريقيا وأخطرها نظاما واكتظاظا سجن لامين ناحية باثنة الذي كان يثير الخوف في نفس كل من يسمعه ، سجن البرواكية، أكبر السجون في إفريقيا الشمالية سجن سركاجي بالعاصمة كان يضم أكثر من 400 سجين محكوم بالإعدام.
سنة 1992 هجمت مجموعة مسلحة على سجن لامبيز، وأفرجت عن 1000 سجين من بينهم 250 محكوما بالإعدام، وتكررت نفس العملية في سجون أخرى. وكانت الجزائر تقود حملة لمناصرة حقوق الإنسان وإدانة الأنظمة البوليسية والسجون...الخ.
في أكتوبر خرج الشعب يحتج لأول مرة ضد الفساد والرشوة واستغلال النفوذ وعجز الدولة عن مواجهة المتطلبات الأساسية والضرورية، الغلاء والبطالة وانعدام السكن وانتشار مدن الصفيح وكان الناس يتخوفون من الإفلاس الذي بدأت مظاهره تبدو واضحة»
(ص 97)
أما في مخيمات المحتجزين في تندوف ، فقد كان أكتوبر 1988 ايضا نقطة تحول هامة والانتفاضة كانت عارمة وحاسمة.
انتفاضة 1988 في البوليساريو كانت حصيلة خلافات وصراعات بدأت منذ سنة 1976 وكانت نهاية لمرحلة المغالطات والأوهام والإرهاب والقمع والاختطاف والتقتيل .
أكتوبر 1988 في المخيمات أسقط الأقنعة وكشف زيف شعارات الثورة ووهم الجمهورية، وفضح العملاء والمرتزقة الذين اعتقدوا أنهم يستطيعون الى الأبد ممارسة الاستعباد والاستبداد والاستمرار في مغالطة الناس.
لقد كان تأسيس البوليساريو غلطة من غلطات التاريخ المعاصر لم يتحمل الاستمرار فيها. واكتشف الجميع في أكتوبر 1988 ان البوليساريو هو عبارة عن تركة ثقيلة من ماضٍ غير محمود واكتشفوا أن البوليساريو كله كذب في كذب فعدد المخيمات كذب وطريقة التسيير التي يقدمونها للصحافة وطريقة توزيع المواد الغذائية كلها كذب في كذب، إن البوليساريو استمر في الكذب على العالم لدرجة أنه بدأ يصدق الكذب الذي اختلقه (ص 100)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.