الفصل الثاني: بين إعلان الحرب وابتداء القتال وقفنا في الفصل السابق عند إعلان دولة إسبانيا للحرب رسميا على دولة المغرب، بعدما أثبتنا نصوص الرسائل والأجوبة التي تبادلها الإسبانيون مع المغرب من جهة، ومع الإنجليز من جهة أخرى، تلك المكاتبات القيمة التي نرى أن فيها للمثقفين عموما، وللمبتدئين في ميدان السياسة والدبلوماسية الدولية بصفة خاصة، دروسا مفيدة، لما فيها من سعة الصدر والدفاع عن الحق والعدل والمصالح المشروعة من جهة، والدس والخديعة والطيش وضيق الصدر وقلب الحقائق من جهة أخرى. وقد قضت بين إعلان الحرب وابتداء المعارك الكبيرة بين القوتين، المغربية والإسبانية، فترة يجمل بنا أن نثبت هنا ما وقفنا عليه من أخبارها، وما كان يحوم حولها من اتجاهات وأفكار، ويقع فيها من أقوال وأفعال. وينبغي أن نستحضر هنا – قبل الانغماس في المعمعة – أن السلطان مولاي عبد الرحمن كان قد انتقل إلى رحمة الله، وان الذي خلفه على عرش المغرب، هو ولده سيدي محمد، وأن الشخصين اللذين كانا متصديين للكلام في الشؤون الخارجية مع الإسبانيين وغيرهم من الأجانب، هما السيد محمد الخطيب من أعيان تطوان، وهو الذي كان نائب السلطان بطنجة منذ بضع عشرة سنة، وقائما مقام وزير الخارجية للدولة المغربية إلى ذلك الحين. والسيد الحاج محمد الزبدي من أعيان الرباط، وهو الذي عينه السلطان الجديد سيدي محمد حديثا، لمباشرة قضية الخلاف الإسباني المغربي بالتعاون مع الخطيب النائب القديم. والوزير الأول الذي كان في ذلك العهد يعتبر كالساعد الأيمن للسلطان، هوالسيد الطيب بن اليماني (بوعشرين) وهو من وجوه مكناس. أما الأمير مولاي العباس أخو السلطان، فإنه كان إلى تاريخ إعلان الحرب، بعيدا عن الميدان، ولكن أخاه السلطان دعاه عقب ذلك إلى التعاون معه وعرض عليه أن يتولى رئاسة القوات المغربية المتهيئة للجهاد، فقبل المهمة، وتولى الأمر وتقدم إلى ميدان العمل والكفاح والجهاد كما سيأتي لنا بيانه بحول الله. ودونك ما جمعناه من هنا وهناك في الموضوع، وهو لا يخلو من فائدة حتى لدى القارئ العادي الذي يقتصر على ما في السطور، فأحرى القارئ النبيه الذي يدرك ما بين السطور، وبالأحرى الذكي الذي يتجاوز ذلك إلى ما وراء السطور. *كلام المؤرخ الناصري في الاستقصا: وهاك ما قاله مؤرخ المغرب أبو العباس الناصري في كتابه "الاستقصا"(1) وهو تلخيص حسن، ونصه "كان السبب في انتقاض الصلح مع جنس الصبنيول، أن العادة كانت جارية مع أهل سبتة من النصارى وأهل اللانجرة(2) من المسلمين، أن يتخذ كل من الفريقين محلا للحراسة على المحدة التي بينهما، وكان النصارى يتخذون هنالك بيوتا صغارا من اللوح، والمسلمون يتخذون اخصاصا من البردى ونحوه، فلما كان آخر دولة السلطان المولى عبد الرحمن رحمه الله، بنى نصارى سبتة على المحدة بيتا من حجر وطين، وجعلوا فيه علامة طاغيتهم المسماة عندهم بالكرونة، فتقدم إليهم أهل الانجرة وقالوا لهم، لابد أن تهدموا هذا البيت الذي لم تجر العادة ببنائه، وترجعوا إلى حالتكم الأولى من اتخاذ بيوت الخشب، فامتنع النصارى من ذلك، فعمد أهل اللانجرة إلى ذلك البيت فهدموه، وإلى تلك الكرونة فنجسوها بالعذرة، وقتلوا منهم أناسا وضيقوا على أهل سبتة بالغارات حتى كانوا يصلون إلى السور، فرفع أهل سبتة أمرهم إلى كبيرهم بطنجة، فكلم كبيرهم نائب السلطان بها وهو يومئذ أبو عبد الله محمد بن الحاج عبد الله الخطيب التطاوني، وشكا إليه ما نال أهل سبتة من عيث أهل اللانجرة، فدافعه الخطيب فلم يندفع وقال لابد من حضور اثني عشر رجلا منهم بطنجة، وسماهم بأسمائهم، ولابد من قتلهم جزاء على فعلهم، فعظم الأمر على الخطيب، وربما كلم في ذلك باشدور النجليز، فقال له، أحضر هؤلاء المطلوبين على عين الأجناس، وإذا حضروا وظهر حق الصبنيول، فأنا ضامن أن لا يصيبهم شيء، فأعجب الخطيب ذلك وعزم عليه، فاتصل الخبر بأهل اللانجرة، وأن الخطيب عازم على أن يكتب إلى السلطان في شأن اثني عشر رجلا منهم بأعيانهم، فمشوا إلى الشريف سيدي الحاج عبد السلام بن العربي الوزاني وقالوا له، إن الخطيب لا ينصح السلطان ولا المسلمين، وان كل ما قاله النصارى يساعدهم عليه حتى جسرهم علينا، ونحن جئناك لتعلم السلطان بأمرنا وتسأله أن يمدنا بالقبائل المجاورة لنا ونحن نكفيه هذا المهم. وفي أثناء هذه المدة، توفي السلطان المولى عبد الرحمن رحمه الله، وولي ابنه سيدي محمد وقدم مكناسة واجتمعت كلمة أهل المغرب عليه، فكتب له الشريف سيدي الحاج عبد السلام بأمر أهل اللانجرة وقرر له مطلبهم، فشاور السلطان في ذلك بعض حاشيته فمال إلى الحرب(3) وذلك كان الراجح عند السلطان(4)، لأنه عظم عليه أن يمكن العدو من اثني عشر رجلا من المسلمين وفق اقتراحه واختياره بقتلهم بمحضر الملأ من نواب الأجناس، ورأى رحمه الله أن لا يمكنه من مطلبه حتى يعذر فيه، فاستخار الله تعلى وبعث خديمه الحاج محمد ابن الحاج الطاهر الزبدي الرباطي إلى الخطيب بطنجة، وأمره أن ينظر في القضية ويستكشف الحال، وأن لا يجنح إلى الصلح إلا إذا لم يجد عنه محيصا. وكثر المتنصحون لدى السلطان وهونوا عليه أمر العدو جدا(5)، مع أنه ليس من السياسة تهوين أمر العدو وتحقيره ولو كان هينا حقيرا، فوصل الزبدي إلى طنجة واجتمع بالخطيب وفاوضه في القضية، فوجد الخطيب جانحا إلى السلم(6) فأبى أن يساعده على ذلك، وأظهر كتاب السلطان بتفويض النظر إليه في النازلة، فتأخر الخطيب عنها وترك الخوض والكلام فيها. وآخر الأمر أن الزبدي انفصل مع نائب الصبنيول على الحرب وذهب إلى حال سبيله، وأزال الاصبنيول سنجقه من طنجة وركب إلى بلاده في الحين، وكتب الزبدي إلى السلطان بالخبر، فكتب السلطان إلى الثغور يخبرهم بما عقده مع الصبنيول من الحرب، وأمرهم أن يكونوا على حذر، وأن يأخذوا أهبتهم للجهاد، وفتح السلطان بيت المال وأبدأ وأعاد في تفريق المال والسلاح والكسي، وقدم أولا القائد المأمون الزراري إلى تطاوين في نحو مائة فارس وخمسمائة من رماة العسكر فرابطوا خارج تطاوين إلى جهة سبتة". ا. ه. ------------------------------------ (1)- الاستقصا، ج 4 ص 213. (2)- الناصري يسمي هذه القبيلة بالانجرة، بأل، وأهل تطوان وغيرهم من بقية المدن والقبائل الجبلية يسمونها "أنجرة" بدون أل. (3)- كانت فرنسا تغازل المغرب، والمغرب يكاد يطمئن إليها بعد أن تكبد حربها، وكانت فرنسا تحرض على محاربة الإسبانيين، لأنها لا تريد أن يتسع الإسبان في المغرب، وكانت إنجلترا أميل إلى المهادنة، أما فرنسا فكانت واثقة بالربح، سواء ربح أو خسر أحد الطرفين أو كلاهما، فإن في الكل اضعافا لمن تود اضعافهما، وهي واثقة في حال انتصار إسبانيا، من أنها لن تتركها تتسلط على المغرب، وهي وإنجلترا متفقتان على ذلك. ت.و. (4)- علق الفقيه الوزير سيدي أحمد الغنمية التطواني رحمه الله على هذه الفقرة بقوله "إنما رجحه لأمر سياسي، وما أظن المؤلف رحمه الله يجهله". (5)- كتب الفقيه الوزير سيدي أحمد الغنمية على هذه العبارة ما نصه: "ذلك لجهلهم بحال غيرهم، مع ما كان في صدر بعضهم من الغش والخديعة كي يبقوا في مراتع خياناتهم والتمتع بلذاتهم والانغمار في شهواتهم، ظنا منهم أن ما يرونه في قوتهم لا تتجاوزه قوة غيرهم، حسبما أفصح عنه الوفد الذي توجه لنصحهم وإنذارهم وتحذيرهم مغبة جهلهم". الغنمية. (6)- صحيح لثقته بوعد نائب الإنجليز كما علمت ذلك من مصدر يوثق به، ولم يكن يرضى بحكم المقابل لولا ثقته بالنائب المذكور. الغنمية. انتهى ذ.محمد الشودري عن كتاب "تاريخ تطوان" للفقيه العلامة المرحوم محمد داود – تطوان 1384- 1964 القسم الأول من المجلد الرابع (من: ص 74 إلى 77) المقال أيضا مأخوذ من ركن مقالات في كلمات لكاتبه محمد الشودري على هذا الرابط http://www.presstetouan.com/news18004.html وكانت هذه المعارك تشمل كلا من: - قبيلة أنجرة. - بليونش. - واد مرتيل. - الفنيدق. - نيكرو. - تطوان. - واد راس.