أرد بالك هذا راه واد فاس، ماشي ذاك البحير ديالكم: رد بالك، فإن هذا هو واد فاس، لا البحير الذي لديكم، أي أن هذا النهر الذي أمامك وهو واد فاس، نهر عظيم، أما بحيركم الذي هو البحر الأبيض المتوسط، فإنه بالنسبة لواد فاس شيء صغير. قال ذلك أحد سكان فاس لأحد أهل تطوان. يقال على سبيل التندر والدعابة، عندما يبالغ بعض الناس في استعظام أمورهم واستصغار أمور غيرهم، ويريدون أن يفرضوا ذلك على الناس فرضاً، ويرغمونهم على اعتقاده إرغاماً. والحقيقة أن بعض الناس يبالغون في ذلك مبالغة تتعدى الحدود، لدرجة تلفت أنظار الناس وتجعلهم يتغامزون ويستهزئون إذا يريد أولئك الناس أن يردوا كل فضل ومزية لبلدهم أو لعائلتهم أو لجماعتهم أو لحزبهم، وقد يخونهم الذكاء فيقولون من الكلام أو يتخذون من المواقف ما يشعر بأن الناس كلهم عالة عليهم في كل شيء، مما يدل على أنهم من الغباوة بمكان، وأنهم ليسوا من الدهاء في شيء، والله در بعض الظرفاء من أهل فاس، إذا قال ذات يوم لجلسائه: ما بقي لبني فلان إلا أن يزعموا أن سيدنا جبريل من قبيلتهم. ولعل جل ما يصدر من هذا القبيل، ناشئ عن اقتصار بعضهم على المكث ببلدهم، وعدم السفر والتجول في بلد غير بدلهم، وقلة الاجتماع بالناس، من مختلف الأقطار والأجناس. أما مدينة فاس بالخصوص، فإن لها من المجد الأثيل، والفضل الجزيل، ما يغنيها عن أن يتولى الإشادة بها بعض الذين لا يحسنون القول والكلام، ولا يجلبون لها إلا الاستهزاء والملام، مثل هذا الذي يعتقد أن واد فاس أعظم من البحر الأبيض المتوسط. ارطب ويعرج: يقال في الشخص الذي يدل مظهره وحاله على ليونة وضعف، ويكون في الحقيقة والواقع ثابتا رزينا صلبا لا يخضع ولا يخنع، ولقد كان بتطوان أناس من هذا القبيل. للمؤلف: محمد داود تحقيق: حسناء محمد داود منشورات باب الحكمة )بريس تطوان( يتبع...