طغت سياسة التقشف على المذكرة التأطيرية الخاصة بإعداد مشروع قانون المالية 2015، عبر رزمة من الإجراءات الرامية إلى تقليص النفقات. واستنادا إلى المذكرة التي وجهها بنكيران إلى المسؤولين بالوزارات ومختلف القطاعات ، والتي تتوفر"رسالة الأمة" على نسخة منها، فإن عجز الميزانية الذي يتعين الالتزام به خلال السنة المقبلة، يجب أن يكون في حدود 4.3 بالمائة، وذلك في إطار ما سبق أن أوصى به صندوق النقد الدولي، خلال مصادقته على منح المغرب خط السيولة الوقائي الثاني، إذ طالب بضرورة مواصلة استعادة التوازنات الماكرواقتصادية، من خلال الاستمرار في إصلاح نظام المقاصة وضبط نفقات التسيير وتحسين مناخ الأعمال. إن اعتراف رئيس الحكومة بعمق الأزمة الاقتصادية دليل إضافي على أن أقصى ما أنجزته حكومته هو تشخيص الوضعية، حيث أصبحت عبارة عن مكتب دراسات لا تزيد مهمته عن رسم معالم الأزمة، أما سبل الخروج منها فقد تركتها لوصفات صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإن الانجاز الذي يمكن أن "يفخر" به بنكيران هو تحطيمه للرقم القياسي في المديونية، الذي تجاوز 16 مليار دولار كما أوصل الدين الداخلي الى حافة 450 مليار درهم وهو "إنجاز"تاريخي لم تحققه أي من الحكومات التي تعاقبت على المغرب منذ 53 عاما . ومن الانجازات التي لن ينكرها أحد لرئيس الحكومة ، قدرته الفائقة على كيل الضربات المتوالية للقدرة الشرائية للمواطنين، ففي عهده باتت أسعار المحروقات ترتفع بوتيرة شهرية و أصبح المغاربة وجها لوجه أمام تقلب الأسعار الدولية وسلسلة الزيادات التي شهدتها أسعار المحروقات في السنتين الماضيتين رفعت السقف عاليا فوق طاقة أغلب المواطنين، ومنذ مجيء حكومة بنكيران سجل ارتفاع قياسي في معدل البطالة وهو معدل مازال في ارتفاع مستمر تشهد عليه التطورات الأخيرة لسوق الشغل، كما حققت الحكومة "انجازا" آخر بتوجيهها لضربة موجعة لجيوب المغاربة عند قرارها توقيع عقد البرنامج مع المكتب الوطني للماء والكهرباء للفترة الممتدة بين 2014 و2017 ، حيث سيكون المغاربة على موعد مع زيادات هامة مرتقبة في أسعار الكهرباء والماء الخاصة بمستهلكي أكثر من 100 كليواط و6 أمتار مكعبة شهريا من الماء. وبناء على ذلك، فإن بنكيران يبدو أن لديه وجهة نظر مغايرة لما يجب أن يكون عليه التقشف، فهو ينصح وزراءه بالاستفادة من كل الامتيازات التي يمنحها لهم منصبهم وألا يسمحوا في أي حق من حقوقهم، "طالما أنها حقوق قانونية ممنوحة من طرف الدولة"، ومن ثم فإن التبجح بسن بتطبيق سياسة التقشف، كما هي متعارف عليها في الدول الديمقراطية، تبقى هي شعارات تمويهية، بدليل أنه لو كانت لديه هذه النية فعلا لشرع في تطبيقها بدءا من وزراء حكومته، حيث ستوفر ميزانية الدولة ما مجموعه 468 مليون سنتيم سنويا لو أن كل وزير من الوزراء 39 تنازل عن 10 آلاف درهم من راتبه.