يتزامن تخليد الشعب المغربي للذكرى الثالثة والأربعين لملحمة المسيرة الخضراء، مع مصادقة مجلس الأمن الدولي على قراره الجديد، القاضي باستئناف المفاوضات بشأن النزاع حول الصحراء المغربية، على أساس بحث مسار الحل السياسي الذي انخرطت فيه المجموعة الدولية ممثلة في منظمة الأممالمتحدة، منذ عام 2007، تاريخ اقتراح المغرب إطار الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع، وبما أن المنتظم الدولي وقرار مجلس الأمن الأخير رقم 2440، قد أعاد التذكير بهذا التاريخ وجعله منطلقا لا رجعة عنه إلى ما قبله، كما أعاد التذكير بموقفه المتكرر من مقترح الحكم الذاتي القاضي بتثمينه والدفع به في اتجاه جعله أرضية للنقاش في المفاوضات، وذلك بوصف جهود المغرب في هذا الاتجاه “بالجدية والمصداقية للمضي قدما بالعملية صوب التسوية”، وبما أنه لا توجد لدى الطرف الآخر المعاكس للوحدة الترابية للمغرب، أرضية مقابلة موصوفة بهذه الصفة من الجدية والمصداقية والواقعية والمقبولية في قرارات مجلس الأمن، فإن ذلك لا يعني في الحقيقة بالنسبة لمتتبعي المفاوضات السابقة، والمستشرفين استئنافها، إلا تذكيرات وإشارات تشجيعية مِن مجلس الأمن لأطراف النزاع، على الرقي إلى مستوى السقف المغربي المتقدم في المبادرة والاقتراح، والمنسجم مع مسارات الحل السياسي الدائم والشامل التي يرعاها المنتظم الدولي، ويبذل جهودا من أجل إرسائها والحث على التفاعل معها. يبدو من خطاب خصوم الوحدة الترابية للمملكة، في ردهم على قرار مجلس الأمن، وعلى تشجيعه لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، وبحسن نية، مع أخذ التطورات اللاحقة منذ 2007 بعين الاعتبار، أن هذا الخطاب لا يزال وفيا لمناوراته القديمة والدائمة في التذكير باستفتاء تقرير المصير المقبور، وبأطروحة الانفصال، علما أن تقرير المصير الذي يشير إليه قرار مجلس الأمن يندرج في إطار بحث سبل لحل سياسي دائم وعادل وواقعي ومقبول للطرفين، وليس مقترح الحكم الذاتي في هذا السياق، وفي غياب مقترح آخر سياسي وواقعي وبناء، يتسم بالجدية وبالانخراط في التشجيعات الأممية على التقدم خطوات أبعد من نزعات الانفصال والجمود عند أطروحتها، إلا شكلا من أشكال تقرير المصير الذي يدعمه المنتظم الأممي سواء في الإشادة به، أو في دفع أطراف النزاع إلى الحركة في اتجاهه. إن الإشارات التي أكدها قرار مجلس الأمن سواء بشأن الإشادة بمقترح الحكم الذاتي المغربي، أو بشأن الأخذ في الحسبان للتطورات اللاحقة في تدبير ملف النزاع، أو دعوة الجزائر إلى الإسهام بفعالية في بناء الثقة وتيسير المفاوضات، لا يترك مجالا للهروب إلى خطاب خشبي جامد ومتكلس يستعيد أسطوانة ما قبل عام 2007، وهي الأسطوانة التي وضع المنتظم الأممي حدا لها بتجاوزه لها، واقتناعه بانسداد أفقها في أكثر من تقرير وقرار، وعدم رغبته في إثارتها، ونشدانه أفق الحل ضمن إطار جديد لمفاوضات سياسية أكثر تفاعلا مع مستجدات واقع ما بعد الانحباس في أطروحة الانفصال. إن مجلس الأمن وهو يشير بشكل مهذب وديبلوماسي إلى الدور الجزائري في مشكل الصحراء، سبق لمبعوثين شخصيين للأمين العام للمنتظم الأممي، أن عبروا عنه بشكل صريح عام 2004 مع السيد ألفاردو دي سوتو المبعوث الشخصي لكوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أظهرت الجزائر للعالم معنى “حيادها” ودورها “الملاحظ”، في مواجهتها له، ورفض أي تعاون معه، إلى حين استبداله، وبمجرد تعيين مبعوث جديد هو السيد بيتر فان والسوم، وهو الخبير بملف النزاع حول الصحراء، أكد عام 2006، في خطابه أمام مجلس الأمن، أن الجزائر تملك مفاتيح هذا النزاع، وأن على المجتمع الدولي أن يقنعها للمشاركة بفعالية وإيجابية في مفاوضات الحل السياسي، فما كان على الجزائر إلا أن تُخْرِج “حيادها” ودورها “الملاحظ” و”حسن الجوار”، لتفتك بالرجل فتكا. اقتناع مجلس الأمن بالحل السياسي يوازيه اقتناعه بأنه لا حل سياسي دون خروج الجزائر من جبة الملاحظ المحايد البريء، للدفع بالمفاوضات في اتجاه الجدية والمصداقية والواقعية، وإسقاط الأقنعة المسرحية عن وجه النظام الجزائري الذي لا يكف عن التدخل في شؤون الصحراء المغربية، بكل ما أوتي من عتاد وعدة ومال وعلاقات دولية يروج بها وفيها الأطروحة الانفصالية، ويمسك رهائن ومحتجزي المخيمات في قبضته، ويحرك لها دمى لا إرادة لها في اتخاذ قرار أو إبداء رأي، لتظهر في مسرح الأحداث بوصفها الطرف المعني بالمفاوضات في مواجهة المغرب. والحال أن الإدانة المبطنة والديبلوماسية للدور الجزائري، هي إشارة تعني استحالة المضي في استئناف المفاوضات بهذه الأقنعة والبراقع، وأن الوجه الجزائري صار مكشوفا للعالم أكثر من أي وقت مضى، وأنه لم تبق إلا خطوة واحدة أمام قرارات مجلس الأمن المقبلة للإعلان الصريح عن كون الجزائر طرفا مباشرا في الصراع، وهي كذلك في الواقع. ما عدا هذا الوعي الأممي بالدور الجزائري، من تفاصيل واردة في قرار مجلس الأمن من مثل دعوة البوليساريو إلى الكف عن القيام باستفزازات في المنطقة العازلة التي أسقط عنها قرار مجلس الأمن الصفات الوهمية التي تسوقها الجزائر وصنيعتها وهي صفات “الأراضي المحررة”، ومن مثل المتاجرة بالرهائن والمحتجزين في تيندوف باسم اللاجئين، الذين يتعين تعدادهم وإحصاؤهم كما نبه إليه القرار الأممي، وكما دعا إليه المغرب لأكثر من مرة وفي أزيد من محفل دولي، فهي تبقى مجرد تفاصيل مكرورة تؤكد صواب الموقف المغربي. إن مجلس الأمن يريد إحراز تقدم في المفاوضات، وما إشراك الجزائر في تحمل مسؤولية الإسهام بفعالية وإيجابية في إنجاح مفاوضات الحل السياسي، إلا تعبير من المجتمع الدولي عن ربط إحراز هذا التقدم بتقدم الجزائر نفسها خطوات أبعد من أطروحتها الجامدة في دعم الانفصال والعدوان والحرب على المغرب، في اتجاه دعم استقرار المنطقة المغاربية التي لم يشر إليها قرار مجلس الأمن عبثا، وهو ينبه إلى أهمية السلام والأمن والتنمية والعيش المشترك لشعوب المنطقة، ويكاد يقول ودعم وحدتها الترابية. فأي تهديد للسلام وللتنمية في المنطقة المغاربية، ولأمن شعوبها ودولها المعروفة والمعترف بها، في ما أسماه القرار ب”الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي”، أشد فتْكا مِن تهديد وحدتها الترابية، بدويلة مفتعلة ووهمية؟