"لا لأي حل لقضية الصحراء، خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها". من خطاب جلالة الملك في ذكرى المسيرة الخضراء 2017
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس ضدا على التحولات والتطورات الإيجابية التي تشهدها القارة الإفريقية، ما تزال بعض مكونات (جغرافيتها المغاربية) تصر على مواصلة تطويق بلدان القارة بألغام الصراعات والنزاعات المختلقة، وعلى الاختباء وراء (متاريس) غرور الهيمنة المناقضة لكل مبادئ احترام الشرعية و قواعد حسن الجوار واستتباب الأمن والاستقرار بين بلدان وشعوب المنطقة. وللأسف، هذا الاستنتاج، أو الانطباع على الأقل، فرض نفسه مرة أخرى في كواليس وبعض أطوار أشغال الدورة 30 لقمة الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، وهو ما تم تسجيله، بالخصوص، من خلال الدور الذي قام به المندوب الجزائري في إعداد ما سمي ب (تقرير مجلس الأمن والسلم الإفريقي)، والذي تصرف وكأنه يريد إقناع القادة الأفارقة بأن معالجة قضايا قارتهم لابد وأن تمر عبر إرضاء النزعات الانفصالية والانسياق مع مناوراتها التي لا منطق ولا سند جدي لها، تماما كما كان سائدا خلال عقود وأزمنة الانقلابات والحروب القبلية التي طالما أنهكت بلدان القارة السمراء وعبثت بأمنها ووحدتها الوطنية والترابية. لكن، ومهما بلغت الوقاحة السياسية بالمندوب الجزائري، إسماعيل شرقي، في استغلال موقعه بمجلس (الأمن والسلم الإفريقي)، فإن الجيل الجديد من القيادات الإفريقية بلغ من الحكمة ومن الرصانة السياسية ما يحول دون العودة إلى الوراء، وما يحصن العمل الإفريقي المشترك من عوامل وأسباب الفشل. واليوم قد تصطدم بعض الخطوات بتعثرات ظرفية، لكن لا يمكن إعادة فتح المجال أمام العبث الذي يرهن صحوة إفريقيا ويعرض مستقبلها للمجهول. وإذا كانت تلك هي قناعة المغرب وعقلاء إفريقيا، فالواضح أن الجهات الراعية لأطروحة الانفصال والتفتيت، لا يبدو أنها قد جنحت إلى منطق العقل ورؤية الأشياء على حقيقتها الموضوعية والتاريخية والسياسية. فبخصوص قضية الصحراء المغربية، وفي الأسابيع الأخيرة فقط، ظهرت علامات هذا (التخلف) المركب في سلوك تلك الجهات وفي تحركات الزمرة الانفصالية. فمن الاستفزازات التي مارستها في المنطقة العازلة (الكركرات) إلى التلويح بالعودة إلى لغة الحرب وحمل السلاح، ومن الحملات والمناورات التي تتجند لها الجهة الراعية لأطروحة الانفصال، داخل الاتحاد الإفريقي وفي المحافل الدولية وخاصة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ضد مصالح المغرب، إلى محاولة استغلال أو توظيف بداية مهمة المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام الأممي ودعوته لعقد اجتماعات مع الأطراف المعنية بنزاع الصحراء، بما فيها الجزائر وموريتانيا. والمحقق أن تعنت خصوم القضية الوطنية وتماديهم في حبك المناورات والدسائس، قد يزداد شراسة وعدوانية كلما شعروا بحجم الخطوات التي يحققها المغرب على طريق ترسيخ مشروعية استعادة أقاليمه الجنوبية وإنهاء النزاع المفتعل ووضع حد للأطماع والمخططات العبثية التي لا طائل ولا فائدة من ورائها. وهذا هو الحاصل اليوم، فالمغرب أكثر وضوحا وانسجاما في موقفه، وفي تعاطيه مع القرارات الأممية، إذ أنه، وتجاوبا مع مساعي المنتظم الدولي، ومنذ سنة 2007، بادر باقتراح مشروع الحكم الذاتي، وذلك تفاعلا مع دعوة مجلس الأمن إلى (حل سياسي مقبول من جميع الأطراف)، بعدما وقف على استحالة تطبيق المقترحات السابقة. وبعد كل هذه السنوات، وللتأكيد على توضيح مسار التسوية ومرجعياته، أعاد جلالة الملك السنة الماضية، في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، الأسس التي ينبني عليها التصور المغربي للتسوية، كالتالي: أولا: لا لأي حل لقضية الصحراء، خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها. ثانيا: الاستفادة من الدروس التي أبانت عنها التجارب السابقة، بأن المشكل لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه، لذا يتعين على جميع الأطراف التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، من أجل إيجاد حل نهائي له. ثالثا: الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، باعتباره الهيئة الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية. رابعا: الرفض القاطع لأي تجاوز أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة. هكذا، وبهذه المرجعيات التي تجمع بين التجاوب مع دعوة المنتظم الدولي وبين حفاظ المغرب وتمسكه بحقوقه المشروعة، وانفتاحه على مسار التسوية، بل ويتقدم بمقترح الحكم الذاتي الذي يعتبره كحل توافقي، وكآلية ستمكن كل مواطني الأقاليم الصحراوية من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، وعلى أساس هذا المقترح، الذي يحظى بدعم المجموعة الدولية، أبدى ويبدي المغرب استعداده الدائم للتعاون مع الأمين العام الأممي ومبعوثه الشخصي، وحضور اللقاءات التي تنظم تحت الإشراف الأممي سواء في برلين أو غيرها. أما عندما نتحدث عن الاتحاد الإفريقي ووضعه من قضية الصحراء، فلابد من استحضار بعض الحقائق والمعطيات، ومنها أساسا: * أن عودة المغرب إلى موقعه الطبيعي داخل الاتحاد الإفريقي يعني، في ما يعنيه، أن هذه العودة لها اعتبارها، ولها تأثيرها الملموس والوازن على مستوى التوجه واتخاذ قرارات هيئات الاتحاد. * أن قضية الصحراء كانت في كل أطوارها، وماتزال من القضايا التي تحظى بتتبع ورعاية الأممالمتحدة، وأن هذه الأخيرة ما تزال منكبة، بواسطة أمينها العام ومجلس الأمن الدولي والمبعوث الشخصي للأمين العام على العمل من أجل الوصول إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف. * أن الأممالمتحدة، ومنذ وقف إطلاق النار، انتدبت بعثة أممية لعين المكان، يتم تقديم تقرير سنوي بشأن عملها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويشرف عليها مفوض من لدن الأمين العام الأممي. ومن ثمة فليست هناك أية حاجة أو ضرورة لانتداب (مفوض إفريقي)، لاسيما وأن الأممالمتحدة هي الجهة الوحيدة المكلفة بمهمة تتبع مسار التسوية. * أن معطيات الظرفية الحالية، وتراكمات التجربة التنظيمية للاتحاد الإفريقي نفسها، تجعل من العبث إقحام هذه المؤسسة في (ازدواجية) مصطنعة، وفي ملف تتولاه منظمة دولية تتوفر فيها شروط القيام بذلك. تلك بعض العناصر والوقائع التي لا يمكن لخصوم القضية الوطنية نكرانها أو تجاهلها، كما ليس أمامهم ما يخالف ذلك، أو ما يدعم اعتقادهم بأن الاتحاد الإفريقي سيظل جامدا في قوالب الماضي، فحتى وإن تمكن اللوبي الجزائري من تمرير بعض الجمل المستمدة من أطروحته إلى البيان الختامي للقمة، فليس هناك ما يفيد بأن القادة الأفارقة غير منتبهين للأمر، وخير دليل على ذلك ما جاء في كلمة رئيس المفوضية الإفريقية، في نهاية الجلسة الختامية، حيث حرص على تذكير الحضور بأن هناك قرارا للقمة السابقة يلزم رئيس المفوضية ورئيس الاتحاد الإفريقي ب (التشاور مع الطرفين ومع الأممالمتحدة ومع القادة الأفارقة) في شأن ما يهم قضية الصحراء. كما أن تعمد هذا اللوبي اقتناص بعض الهفوات، واستغلال ترسبات فترة سيطرة خطابه داخل المنظمة الإفريقية، لا يغير شيئا من جوهر الملف وحقائقه الثابتة، بل إن المعطيات والتطورات الجديدة، على الساحة الإفريقية، تؤكد ما يفيد حصول شبه إجماع دولي على أن موقف المغرب يزداد قوة ويتعزز يوما عن يوم ليس فقط بفضل جهوده الديبلوماسية والسياسية في الدفاع عن مشروعية قضيته الوطنية، ولكن أيضا بفضل عناصر أخرى نخص منها بالذكر ثلاثة: * خياره الديمقراطي المتفرد والنموذج بالنسبة للدول الصاعدة، بما يقدمه من إصلاحات ومكاسب في مجال بناء المؤسسات الديمقراطية، وضمان الحريات الفردية والجماعية واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز العمل من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية. * ما يحظى به من مصداقية على الصعيد الدولي، كدولة تحترم تعهداتها والتزاماتها، وكشريك فاعل في التعاون الدولي، وفي التصدي للتحديات والمشاكل التي تواجه الإنسانية وتتهدد حق الشعوب في الأمن والاستقرار. * توجهه الإفريقي الذي بفضله تم الشروع في بناء إفريقيا الصاعدة، والذي قال عنه جلالة الملك، في رسالته السامية إلى منتدى كرانس مونتانا (مارس من السنة الماضية) : "إن توجهنا الإفريقي الصادق، نابع من إيماننا العميق، بقدرة إفريقيا على رفع التحديات التي تواجهها، كما يجسد حرصنا على المساهمة إلى جانب إخواننا الأفارقة في النهوض بقارتنا".