تتصدر لعبة "Roblox" عناوين النقاش حول المخاطر الخفية للألعاب الإلكترونية، بعدما أظهرت تقارير متزايدة أنها لم تعد مجرد وسيلة للترفيه، بل قد تتحول إلى بوابة لإدمان رقمي له انعكاسات نفسية وسلوكية عميقة على الأطفال والمراهقين. خطورة هذه اللعبة لا تكمن فقط في طبيعتها الافتراضية القائمة على بناء عوالم لا نهائية، بل أيضا في تفاعلها مع حاجيات نفسية واجتماعية حساسة عند فئات عمرية هشة، مما يجعلها واحدة من أكثر التحديات التربوية والأسرية المعاصرة. ليست لعبة Roblox مجرد ترفيه عابر على الإنترنت، بل هي منصة رقمية هائلة تحولت إلى ما يشبه "كونا افتراضيا " يتيح للأطفال والمراهقين بناء عوالمهم الخاصة وخوض تجارب لا محدودة. أطلقت سنة 2006 بالولاياتالمتحدة وسرعان ما انتشرت لتصبح من بين أكثر الألعاب شعبية في العالم إذ تجمع بين خصائص اللعب والإبداع والتواصل الاجتماعي في فضاء واحد. ما يميزها عن باقي الألعاب هو أنها لا تقدم محتوى جاهزا، بل تمنح مستخدميها إمكانية تصميم ألعابهم الخاصة عبر أدوات بسيطة للبرمجة والتصميم، وهو ما يجعلها أشبه بورشة مفتوحة تتداخل فيها المغامرات والسباقات والمحاكاة الحياتية. وإلى جانب اللعب توفر المنصة قنوات للدردشة والتواصل المباشر بين ملايين المستخدمين، لتصبح بذلك شبكة اجتماعية موازية تجذب الصغار والمراهقين بشكل لافت. ورغم هذا الجانب الإبداعي، تقوم اللعبة على اقتصاد داخلي يعتمد على شراء عملة افتراضية تسمى "Robux"، تستخدم لاقتناء عناصر وشخصيات ومزايا إضافية، الأمر الذي يضفي عليها طابعا استهلاكيا قد يثقل كاهل الأسر. ومع الشعبية الجارفة التي تحظى بها برزت مخاوف متزايدة من مخاطرها، خاصة ما يتعلق بالإدمان التنمر الرقمي، الاستغلال المالي، وحتى التحرش، وهو ما دفع بعض الحكومات إلى اتخاذ إجراءات صارمة إما بحظرها أو بفرض رقابة مشددة عليها. في هذا السياق، قالت يسرى اسباعي، طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين وعضوة متطوعة في الجهاز الوطني للصدمات النفسية للطفل في تصريح ل"رسالة 24 ": "الألعاب الإلكترونية اللي عبارة عن منصات لإنشاء اللعاب مثل Roblox تحتوي على عوامل تُسهل الانغماس: نظام المكافآت الفوري، التفاعل الاجتماعي "دردشة، أصدقاء"، وإمكانية خلق عوالم لا نهائية. هذا قد يؤدي عند بعض الأطفال إلى نمط سلوكي شبيه بالإدمان، خصوصا إن توفرت عوامل de vulnérabilité" أخرى "شخصية الطفل، ضغوط نفسية، ضعف رقابة أهلية." وأوضحت اسباعي أن هناك علامات مبكرة لاضطراب الألعاب عبر الإنترنت "internet gaming disorder" يجب أن ينتبه لها الآباء من أبرزها الانشغال الدائم بالتفكير في اللعب أو التخطيط للعودة إليه، زيادة الوقت المخصص للعب تدريجيا مع الحاجة لوقت أطول لنيل نفس المتعة الغضب أو التوتر عند محاولة تقليص وقت اللعب، إهمال الواجبات المدرسية والنوم والطعام، الكذب بشأن عدد الساعات التي يقضيها الطفل أمام الشاشة وفقدان الاهتمام بالأنشطة الواقعية والاجتماعية. كما نبهت إلى أن الأطفال قد يواجهون تراجعا في التحصيل الدراسي وفي السلوك الاجتماعي، مؤكدة في المقابل أن اللعبة قد توفر مزايا محدودة مثل تطوير مهارات تقنية وإبداعية أو تعزيز التعاون والعمل الجماعي عبر الإنترنت، لكنها لا تعوض التمارين الاجتماعية الواقعية، فالتفاعلات الرقمية السطحية لا تكفي لتطوير مهارات التعاطف ولغة الجسد وقد يؤدي الاعتماد فقط على صداقات افتراضية إلى خطر العزلة الاجتماعية. أما عن الآثار قصيرة المدى فهي تتجلى في القلق، الكوابيس اضطراب النوم، فقدان الشهية، آلام جسدية بلا سبب واضح، إضافة إلى الانسحاب العاطفي. وعلى المدى المتوسط والطويل قد تنعكس هذه الممارسة في شكل اكتئاب، عزلة اجتماعية مزمنة تراجع احترام الذات، شعور بالذنب، خوف من الثقة بالآخرين، أو حتى تعلم سلوكيات عدائية نتيجة التعرض للعنف اللفظي أو التنمر عبر اللعبة. وتزداد خطورة الأمر عندما يتعرض الطفل إلى استغلال مادي أو جنسي، مما قد يخلف صدمات نفسية خطيرة تتطلب تدخلا طبيا وقانونيا عاجلا. ولمواجهة هذه التهديدات، شددت اسباعي على ضرورة وضع قواعد واضحة لوقت اللعب الإلكتروني، مثل تخصيص نصف ساعة فقط في أيام الدراسة مع مرونة أكبر خلال العطل إلى جانب وضع قواعد ثابتة: لا لعب أثناء الواجبات أو قبل النوم بساعة، واعتماد مناطق خالية من الأجهزة أثناء الوجبات أو اللقاءات العائلية. كما أوصت بضرورة إشراف الأهل ومشاركتهم أطفالهم أحيانا في اللعب، عبر ما يسمى "co-play"، لأنه يمنح فرصة للتعلم المشترك ومراقبة المحتوى. وأكدت على أهمية إبرام اتفاق عائلي رقمي، يوضح السلوكيات المقبولة وغير المقبولة والعقوبات والمكافآت. ومن الناحية التقنية، دعت إلى الحرص على إعدادات الخصوصية والأمان: ربط الحسابات ببريد أو رقم الأهل، تقييد التواصل مع الغرباء إغلاق الدردشة غير المرغوب فيها، والتأكد من تعطيل الشراء المباشر داخل اللعبة. كما شددت على تعليم الطفل كيفية التعامل مع الإساءات الرقمية، وحماية بياناته الشخصية، إضافة إلى تدريبه على قراءة الإشارات الاجتماعية والتمييز بين الصداقة الحقيقية والسطحية. وفي موازاة ذلك، يظل تنويع الأنشطة الواقعية أمرا ضروريا: تشجيع الهوايات، ممارسة الرياضة، تخصيص وقت أسبوعي للعائلة بعيدا عن الشاشات، ومراقبة استخدام الألعاب بشكل غير متسلط أي عبر إشراك الطفل في العملية دون تحويلها إلى تجسس مباشر مع الاعتماد على أدوات مراقبة وقت الشاشة كدعم تربوي وليس كعقاب دائم. جدير بالذكر أن عدة دول عبر العالم قد اتخذت خطوات صارمة إزاء لعبة "Roblox" ومثيلاتها، إذ قامت الإمارات مثلا بحظرها مؤقتا بعد ورود شكايات من الأهالي حول مخاطرها على القصر، كما أقدمت الأردن على اتخاذ تدابير رقابية مشددة بخصوصها، فيما حذرت سلطات كوريا الجنوبية و الصين بشكل متكرر من تبعاتها، بل إن بعض المدارس في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة خصصت ورشات توعوية للأسر حول كيفية التعامل مع هذه المنصة. هكذا، لا يمكن التعامل مع لعبة Roblox كوسيلة تسلية بريئة فقط، بل كظاهرة مركبة تتقاطع فيها المتعة الرقمية مع المخاطر النفسية والاجتماعية، ما يجعل تدخل الأسرة، المدرسة والمجتمع ضرورة ملحة لحماية الأجيال الصاعدة من آثارها المدمرة إذا تركت بلا ضوابط.