حظي وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، بإشادة واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عقب ظهوره مساء الاثنين على القناة الثانية ضمن برنامج "لقاء خاص"، حيث أثنى كثيرون على جرأته في طرح الحقائق واعترافه بشفافية بما يعتري المنظومة الصحية من أعطاب مزمنة، رغم أنه لم يمضِ وقت طويل على توليه المنصب. واعتبر المعلقون أن حديث الوزير يعكس دراية دقيقة بواقع القطاع. في رده على الجدل الذي أثاره مقطع الفيديو الذي قيل فيه "طلع للرباط ودير احتجاج"، أوضح التهراوي أنه كان خلال زيارة ميدانية لأحد المستشفيات يقف بنفسه على اختلالات تتعلق بنقص الأدوية وتعطل تجهيزات طبية أساسية، وهو وضع وصفه ب"غير المقبول"، مؤكدا أنه لا يمكنه السكوت عنه لا كوزير ولا كمواطن ولا كمهني في قطاع الصحة. وأضاف أن المسؤول المحلي برر الوضع بمراسلات وتقارير لم تجد طريقها إلى الحل، ما دفع الوزير إلى التأكيد على أن المراسلات وحدها لا تحل المشاكل داعيا إلى التواصل المباشر مع الإدارة المركزية بالرباط في حال عدم تجاوب المصالح الجهوية. وفي معرض حديثه عن التحديات الهيكلية، كشف وزير الصحة عن وجود اختلالات مزمنة في تدبير عملية التحاق الأطباء الاختصاصيين بمناصبهم خلال السنوات الماضية، إذ كانت الدفعات الجديدة تعاني من تأخر قد يصل إلى سنتين قبل مباشرة مهامها، مما أدى إلى تراكم العجز في عدد من التخصصات والمناطق. وأوضح أن هذا الخلل ظل قائما منذ سنة 2019، حيث لم تكن الوزارة تستقبل سوى ما بين 200 و250 طبيبا في السنة، وهو رقم لا يستجيب للحاجيات الفعلية ولا يواكب المعايير الدولية. وأبرز الوزير أن سنة 2025 شكلت منعطفا حاسما باعتماد مقاربة استعجالية لتسريع وتيرة الالتحاق، إذ تمكنت الوزارة من تسوية ملفات دفعات متأخرة وضمان التحاق 300 طبيب من خريجي 2023 خلال فبراير، و400 طبيب من خريجي 2024 بين أبريل وماي، إضافة إلى 500 طبيب من خريجي العام الجاري خلال أكتوبر، ليصل المجموع إلى نحو 1200 طبيب اختصاصي التحقوا بمناصبهم خلال سنة واحدة، أي ما يعادل سبعة أضعاف المعدل السنوي السابق. وأكد التهراوي أن هذا الجهد يندرج ضمن خطة إصلاح شاملة تستهدف معالجة "مشكل التدبير" الذي عرقل فعالية الموارد البشرية لسنوات، مشيرا إلى أن الوزارة وضعت خريطة صحية دقيقة لتوجيه الأطباء الجدد نحو المناطق الأكثر خصاصا، خصوصاً القروية والنائية، سعياً إلى تقليص الفوارق المجالية في التغطية الصحية. وبينما أقر الوزير بأن بعض الأطباء لا يلتحقون فعليا بمراكزهم لأسباب مختلفة، أوضح أن نسبة الالتزام بلغت 95 بالمائة، وهي نسبة اعتبرها مشجعة وتعكس جدية الإصلاح الجاري. لكنه شدد على أن التحدي الحقيقي هو الاستدامة، قائلا إن "التحاق الأطباء في وقته هو مفتاح استرجاع الثقة في منظومة الصحة وتحقيق الفعالية الميدانية". وفي محور آخر من الحوار، كشف التهراوي أنه تدخل شخصيا لوقف منح الدعم الاستثماري لعدد من المصحات الخاصة التي كانت ملفاتها قيد الدراسة داخل لجنة الاستثمارات، موضحا أن عددها بلغ سبع مؤسسات. وقال إن اللجنة متعددة القطاعات تدرس طلبات الدعم، لكنه ارتأى تعليق العملية مؤقتا لإعادة تقييم العلاقة مع القطاع الخاص خاصة على مستوى التحفيزات المالية. وأوضح الوزير أن الإشكال لا يكمن في مبدأ دعم القطاع الخاص، بل في مدى الحاجة إلى تحفيز قطاع مربح بطبيعته مضيفا أن "المصحات الخاصة لا تواجه مخاطرة استثمارية عالية، لأن أغلب مرضاها مؤمنون ويتلقون تعويضاتهم من صندوق الضمان الاجتماعي". كما أكد على ضرورة أن يكون أي دعم مشروطا بتقديم إضافة حقيقية للمنظومة، لا سيما في المناطق التي تعاني خصاصا حادا ، مشددا على أن المستثمر الراغب في فتح مصحة في منطقة معينة يجب أن يوفر أطقمه الطبية، لا أن يستقطب أطباء المستشفيات العمومية المجاورة. وأعلن رفضه الصريح لأي مشروع لإنشاء مصحات خاصة قرب المستشفيات الجامعية، معتبرا ذلك "منافسة غير عادلة واستنزافا للأطر العمومية". وبنبرة واقعية تجمع بين الصراحة والمسؤولية، اختتم التهراوي حديثه بالتأكيد على أن إصلاح القطاع الصحي لن يتحقق بقرارات فوقية فقط، بل بالمتابعة الميدانية وتغيير ثقافة التدبير داخل المنظومة. وهو الموقف الذي جعل الكثير من المتابعين يصفونه ب"الوزير العملي" الذي نزل إلى الميدان ليشخص الواقع ويقترح حلولا واقعية دون تبريرات أو تجميل.