احتضن المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة، يوم الثلاثاء، ندوة علمية حول موضوع "الإعاقة بالمغرب: عنف التمثلات وممكنات التغيير"، وذلك في إطار الحملة الوطنية الأولى لإذكاء الوعي بالإعاقة، بشراكة مع جمعية الشروق لدعم مركز التربية والتكوين للمكفوفين وضعاف البصر. وشكل هذا اللقاء العلمي، المنظم بقاعة الندوات بتكنوبارك طنجة، مناسبة لتسليط الضوء على أهمية مراجعة التمثلات الاجتماعية السائدة تجاه الإعاقة، والدفع في اتجاه تكريس ثقافة دامجة تعترف بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وتمنحهم المكانة المستحقة في المجتمع ومجال السياسات العمومية. وفي كلمة افتتاحية، أكد مدير المعهد الوطني للعمل الاجتماعي، السيد هشام بالمعطي، أن التحديات المرتبطة بالإعاقة تتجاوز الإطار التشريعي والمؤسساتي، لتلامس عمق التصورات المجتمعية، مبرزا أن المعهد يسعى من خلال هذه المبادرات إلى المساهمة في بناء وعي جماعي جديد يعزز الإدماج والكرامة. من جهته، أشار الأستاذ يوسف مزوز، منسق الندوة وأستاذ باحث بالمعهد، إلى أن مقاربة موضوع الإعاقة تستلزم تفكيك البنيات الذهنية التي تعيد إنتاج الإقصاء الرمزي، مع التركيز على أدوار التربية والخطاب العمومي والإعلام في تغيير هذه الصور النمطية. وقد عرفت الجلسة الافتتاحية تقديم عرض فني موسيقي من أداء فرقة تابعة لجمعية الشروق، مكونة من أشخاص في وضعية إعاقة بصرية، عبروا من خلاله عن رمزية الإدماج الثقافي والفني، في تجسيد عملي لمبدأ الاعتراف بالقدرات بدل اختزال الإعاقة في محدودية الجسد. وفي مداخلة علمية بعنوان "التمثلات الاجتماعية كحاجز غير مرئي أمام الإدماج"، أوضح الدكتور رشيد الكنوني، أستاذ علم النفس الاجتماعي، أن الإعاقة غالبا ما تكون محاطة بسلسلة من التصورات الموروثة التي تؤدي إلى تهميش الأفراد داخل محيطهم الأسري والمدرسي والمهني، داعيا إلى تفكيك هذه الصور الذهنية عبر مقاربات تربوية وتواصلية شاملة. بدوره، قدم الأستاذ محمد البقالي، مستشار في التنمية الدامجة، مداخلة حول تطور نماذج مقاربة الإعاقة، من النمط الطبي والخيري إلى النموذج الحقوقي، مؤكدا أن الإدماج الحقيقي يمر عبر الاعتراف بالمواطنة الكاملة للأشخاص في وضعية إعاقة، وليس من باب الشفقة أو الإحسان. وسلطت الأستاذة أسماء منتصر، أستاذة علم النفس التربوي، الضوء على الصعوبات التي يواجهها الأطفال في وضعية إعاقة تعليمية داخل المنظومة التربوية، مشيرة إلى محدودية التكوين المتخصص لدى الأطر التعليمية وغياب أدوات ملائمة للتشخيص والمواكبة. أما الأستاذ عماد بلغالي، أستاذ القانون العام، فقد تناول الإطار القانوني المتعلق بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة في مجال الشغل، مبرزا التفاوت القائم بين النصوص والممارسات، ومقترحا تعزيز الآليات التحفيزية والمراقبة القانونية لضمان فعالية إدماج هذه الفئة داخل سوق الشغل. إلى جانب المداخلات الأكاديمية، تميزت الندوة بتقديم شهادات حية لأشخاص في وضعية إعاقة، استعرضوا من خلالها تجاربهم اليومية في مواجهة العراقيل المرتبطة بولوج الخدمات والتعليم والتشغيل، مما منح الكلمة للمستفيدين أنفسهم لتقديم مرافعات ذاتية تعبر عن عمق المطالب وانتظارات التغيير. واختتمت أشغال الندوة بعرض شريط تحسيسي قصير يوثق ممارسات ناجحة في مجال الإدماج المجتمعي للأشخاص في وضعية إعاقة، حيث لقي تفاعلا واسعا من قبل المشاركين لما حمله من رسائل داعمة لقيم الإنصاف والمساواة، وسعي جماعي لبناء مجتمع متضامن ومتعدد.