بينما كانت عقارب الساعة تتحرك ببطء نحو الخامسة صباحا، لم يكن محيط ساحة الامم قد فقد صوته الليلي، فيما بقي الكورنيش ينبض بمرور السيارات وخطوات المواطنين والزوار في مشهد يقاوم سكون الليل. وفي ليلة بلغت فيها الحرارة 33 درجة مئوية، وهي من اعلى المعدلات المسجلة ليلا هذا الصيف، امتد زمن السهر وانسحب النهار من المدينة مبكرا. - إعلان - الشوارع، لا سيما الواجهة البحرية والمحاور السياحية، بدت وكانها تدار بحيوية الزوار اكثر مما تعبر عن ايقاع سكانها. اذ ان الجزء الاكبر من الحركة الليلية بدا مرهونا بالزوار، من عائلات قادمة من مدن اخرى، وافراد من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وسياح اجانب، اعتادوا السهر كوسيلة للهروب من الحرارة والتمتع بنسمات المتوسط. في المقابل، كان محج محمد السادس يشهد ضغطا مروريا مفاجئا بالنظر الى التوقيت المتاخر. فيما اصطفت طوابير من المنتظرين لسيارات الاجرة في ساحة الجامعة العربية، وسط منافسة على المقاعد، قبل ان تبدا مؤشرات الفجر ترسم ملامحها الاولى. وعلى امتداد الكورنيش، انتشرت عربات بيع المثلجات والحلزون، مقدمة ملاذا لمن قرروا قضاء الساعات الاخيرة من الليل في الهواء الطلق. بعض الشباب فضلوا التمشي بهدوء، بينما جلس اخرون يتابعون المارة من على الحواجز الاسمنتية. وعندما ارتفع الاذان من صومعة مسجد السوريين وسط هذا الزخم الليلي، بدا وكانه يعلن نهاية ليلة طويلة بدل بداية يوم جديد. اما في الاحياء الشعبية، فقد خف النشاط ابتداء من الساعة الثانية، واغلقت المحلات ابوابها، لكن مصابيح النوافذ كانت تشي بان النوم لم يحل بعد. وقالت فاطمة، وهي ربة بيت من حي البرانص القديم: "الجدران تسخن وتتحول الى مصدر حر، ولو صعدت الى السطح لا اجد فرقا… اظل مستيقظة حتى يغلبني النعاس". وفي مشهد مماثل، تكررت مظاهر السهر في حي بنكيران، الذي يتوفر على مساحات خضراء مهمة. هناك، استغلت عائلات الظرف لقضاء سهرة مفتوحة تحت السماء، حيث يلعب الاطفال على جنبات العشب، بينما يتبادل الكبار اطراف الحديث في هدوء. وقال عبد الحق، عامل بناء في عقده الرابع: "في النهار الجدران تلفظ الحرارة، والمروحة لا تكفي. في الليل اخرج فقط لاجد ساعة هواء بارد… وحتى تلك الساعة نادرا ما نجدها". وعند مشارف السادسة صباحا، ومع بدء انحسار الزخم الليلي، ظهر عمال النظافة وهم يواصلون مسارهم بخطى منهكة، في اشارة الى ان المدينة لم تنم تماما، بل فقط بدلت توقيت حيويتها تحت وقع الطقس.