لم تكن صرخة شابة مغربية اقتحمت مطعما بمدينة مرتيل لتحذر الزبائن من تناول وجباته سوى تفصيل صغير في مشهد أوسع يهم سلامة المستهلكين في مدن الشمال خلال موسم صيفي استثنائي. فقد انتشر مقطع الفيديو الذي وثق الواقعة بشكل واسع، ودفع السلطات المحلية إلى التدخل العاجل وإغلاق المطعم لمدة أسبوع، بعد أن رصدت لجنة مختلطة مخالفات في تجهيزاته ومرافقه. - إعلان - لكن الحادثة، رغم طابعها الفردي، أعادت إلى الواجهة إشكالية أعمق حول مدى التزام المؤسسات السياحية والمطاعم بشروط السلامة الصحية، وحول كفاية التدخلات الرقابية في مواجهة ضغط موسمي متزايد. وتخضع المراقبة في هذا المجال لإطار قانوني دقيق، يتمثل في القانون رقم 28‐07 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الصادر بموجب الظهير الشريف رقم 1.10.08 بتاريخ 11 فبراير 2010، والذي يشترط إلزامية الحصول على ترخيص صحي قبل مزاولة أي نشاط يرتبط بالمطاعم أو محلات تقديم المأكولات. ويتوفر القانون للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية "أونسا" على سلطة الإشراف على هذه التراخيص ومراقبة احترام شروطها، بما يشمل جودة المواد الأولية، سلامة التخزين، وصيانة التجهيزات. كما ينص المرسوم رقم 2‐10‐473 الصادر في 6 شتنبر 2011 على تفاصيل المراقبة الدورية، وآليات إصدار الإنذارات، والإغلاق المؤقت عند وجود خطر على صحة المستهلكين. مطاعم تحت المراقبة وبتنسيق بين "أونسا" والسلطات الترابية والشرطة الإدارية التابعة للجماعات، تنفذ اللجان المختلطة مئات الزيارات التفتيشية كل عام، سواء بشكل مبرمج أو استجابة لشكايات. وخلال صيف 2025، شملت هذه التدخلات عدة مدن بشمال المملكة، وأسفرت عن إجراءات حاسمة في بعض الحالات. ففي طنجة، أسفرت حملات تفتيشية شملت مطاعم للوجبات السريعة ومقاهي راقية إلى حجز كميات من اللحوم الفاسدة وضبط تجهيزات تبريد معطلة، ما أسفر عن قرارات إغلاق مؤقتة إلى حين تسوية الوضعيات القانونية والصحية للمؤسسات المعنية. وفي جماعة الملاليين بضواحي تطوان، كشفت جولة تفتيش روتينية عن وجود كميات كبيرة من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك، فتمت مصادرتها فورا مع تحرير محاضر مخالفات ضد أصحاب المحلات. أما في المضيق والفنيدق، فقد ركزت التدخلات الميدانية على المطاعم الساحلية والمقاهي المطلة على الشواطئ، حيث جرى حجز منتجات بحرية غير مطابقة، وإغلاق مؤقت لعدد من المحلات إلى حين مطابقة تجهيزاتها ومعاييرها للضوابط الصحية. وتعكس هذه النتائج، بحسب مصادر مؤسساتية، نهجا وقائيا قائما على المراقبة المسبقة، بعيدا عن الصورة النمطية التي تختزل تحركات السلطات في الاستجابة للحوادث الطارئة. ضغط إعلامي ومواعيد رياضية ورغم هذه الجهود المبرمجة، ما زالت بعض الحوادث الفردية، مثل واقعة مرتيل، تثير انطباعا عاما بأن تدخلات السلطات تتحرك تحت الضغط الشعبي أو بفعل تغطية إعلامية واسعة. غير أن المعطيات الميدانية تفيد بأن مئات الجولات الرقابية تنفذ بشكل دوري، لكنها غالبا لا تحظى بنفس الحضور في النقاش العام. غير أن هذا التفاوت بين حجم العمل الميداني والصورة المتداولة يسلط الضوء على إشكالية تواصلية أكثر مما يعكس خللا في الرقابة ذاتها. لكن التحدي لا يتوقف هنا، إذ تواجه السلطات ضغوطا متزايدة بسبب طبيعة النشاط السياحي في المنطقة، مع توافد أعداد كبيرة من الزوار وارتفاع الطلب على خدمات الأكل. كما يطرح الموسم الحالي تساؤلات إضافية حول ما إذا كانت وتيرة التدخلات المكثفة ترتبط فقط بالضغط الشعبي والإعلامي، أم أن لها صلة أيضا بالتحضير للمواعيد الرياضية المقبلة التي ستحتضنها بعض مدن الشمال. فاقتراب هذه التظاهرات الدولية، وما يرافقها من استقطاب جماهيري، قد يدفع السلطات إلى رفع درجة اليقظة بشكل استباقي لتفادي أي أزمات محتملة يمكن أن تؤثر على صورة المنطقة وسمعتها. رقمنة الرقابة وتعزيز الشفافية من جهة أخرى، تعمل "أونسا" على تحديث آليات المراقبة من خلال إطلاق مشاريع رقمية جديدة، أبرزها منصة SIAS المخصصة لإدارة الإنذارات الصحية في سلاسل التوريد. وتهدف هذه المنصة إلى تسريع معالجة الشكايات، وتحسين التنسيق بين اللجان المختلطة والمصالح الترابية، وضمان تتبع فوري لأي اختلالات قد تهدد الصحة العامة، في مسعى لمواكبة اتساع النشاط السياحي وضغط الاستحقاقات المقبلة. وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن تدخلات السلطات تتحرك على أكثر من مسار؛ فهي تستجيب سريعا للحوادث الفردية ذات الصدى الإعلامي، لكنها تنفذ في الوقت ذاته خططا وقائية مبرمجة تقوم على إطار قانوني صارم وآليات مؤسساتية متطورة. غير أن الرهان الأكبر يظل في تعزيز الشفافية وإطلاع الرأي العام على نتائج المراقبة الاستباقية بقدر ما يتم تسليط الضوء على الاستجابات الفورية. فحماية المستهلك، سواء كان من سكان الشمال أو من زواره، ليست خيارا ظرفيا، بل أولوية دائمة في مواجهة ضغوط الموسم السياحي والتزامات الاستحقاقات الرياضية المقبلة.