مع بداية الموسم الصيفي، تعود الى الواجهة في مدن شمال المغرب اشكالية السلامة الصحية في الفضاءات العمومية، وسط ضغط متزايد على الشواطئ والمرافق السياحية، وارتفاع في وتيرة الانشطة الموسمية التي تشتغل في الغالب خارج الاطر القانونية. وبينما تكثف السلطات من حملاتها الرقابية خلال هذه الفترة، تبدو التدخلات المنفذة اقرب الى رد فعل موسمي منها الى سياسة وقائية منتظمة. في مدينة طنجة، لم تمر سوى ايام قليلة على انطلاق الموسم حتى قررت السلطات اغلاق مقهى "لافوكا" وملحقه "نيكرا"، بعد ضبط مواد غذائية منتهية الصلاحية ومخزنة في ظروف غير مطابقة لشروط السلامة. وقررت اللجنة المختلطة التي اشرفت على العملية اغلاق المحلين المملوكين لشخصية سياسية معروفة في مدينة طنجة، لمدة اسبوع، مع امكانية تشديد العقوبة في حال تكرار المخالفة. في الشطر الساحلي للمدينة، وتحديدا بمنطقة بوهندية وأشقار على الواجهة الأطلسية، استهدفت حملة اخرى مجموعة من المقاهي المنتصبة بشكل غير قانوني فوق الملك البحري العمومي. وقد جاء التدخل بهدف فرض احترام القانون وتحرير الفضاءات الساحلية، لكن طبيعته الظرفية تؤكد ان التحرك جاء تحت ضغط الموسم وليس ضمن خطة استباقية محكمة. وفي مرتيل، كشفت عملية مراقبة ميدانية عن نشاط غير مرخص داخل حي الديزة، حيث تم ضبط وحدات سرية تحضر مادة "البيني" في ظروف صحية متدهورة، لتسويقها لاحقا على الشواطئ عبر باعة متجولين. وقد قامت السلطات بحجز المنتوجات واتلافها، لكنها لم تخف ان ما تم ضبطه لا يمثل سوى جزء من شبكة اوسع يصعب تتبعها في ظل غياب المراقبة الدائمة. الوقائع المسجلة في طنجةومرتيل لا تبدو معزولة، بل تؤشر الى اختلال اعمق يتعلق بضعف المنظومة الرقابية في مواجهة دينامية اقتصادية موسمية لا تراعي غالبا شروط الجودة والسلامة. كما ان عددا من الانشطة غير المهيكلة، خصوصا على الشواطئ، تنشط خارج كل اطار قانوني، وتفتقر للتكوين الاساسي او التاطير الصحي، مما يجعل المستهلكين عرضة لمواد مجهولة المصدر او محفوظة بشكل عشوائي. وتؤكد السلطات عزمها مواصلة الحملات طيلة الصيف، وتعوّل على تدخل اللجان المختلطة لتعزيز الردع، الا ان هذه المقاربة تبقى محدودة في غياب سجل موحد للرقابة، ونظام تتبع قبلي، وموارد بشرية كافية تغطي شريطا ساحليا طويلا متعدد الجماعات والاختصاصات. في ظل هذا الواقع، يظل سؤال السلامة الصحية مطروحا بقوة في مدن الشمال خلال فترة الاصطياف. ومع كل حالة اغلاق او حجز، تتجدد الدعوة الى مراجعة شاملة لطرق تدبير الفضاءات العمومية والانشطة الموسمية، بما يضمن التوفيق بين الحق في العيش الكريم، وواجب حماية الصحة العامة.