شهدت أسعار الدجاج خلال الأسابيع الماضية ارتفاعا حادا، إذ تراوحت في عدد من الأسواق المغربية ما بين 25 و30 درهما للكيلوغرام الواحد، وهو ما أثقل كاهل الأسر وأشعل غضب المستهلكين، خاصة مع تزامن هذه الزيادة مع فصل الصيف وما يرافقه من مناسبات وأفراح. وفي ظل هذا الجدل، قدم عبد الحق البوتشيشي، المستشار الفلاحي المعتمد من طرف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ل"رسالة24″ قراءة شاملة لوضعية قطاع الدواجن بالمغرب، مسلطا الضوء على مكامن القوة والاختلالات التي تحكم هذا السوق الحيوي. قال البوتشيشي إن قطاع الدواجن بالمغرب يعد من أكثر القطاعات الفلاحية تنظيماً وهيكلة، حيث يستند إلى استثمارات ضخمة وإلى فيدرالية بيمهنية "فيفيبا" التي تتولى الإشراف على تدبير شؤونه. وأوضح أن سلسلة الإنتاج مترابطة بشكل يجعلها شبيهة بدائرة مغلقة، تبدأ من المحاضن وتمر عبر الضيعات ومزارع التربية وتنتهي بالتسويق، مما مكن البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي بل وتصدير الكتاكيت إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء بمعدل مليون وحدة أسبوعيا. وأبرز أن هذه الدينامية انعكست على عدة مستويات، من تشغيل اليد العاملة إلى تعزيز الأمن الغذائي، مذكرا بأن الفيدرالية أحدثت تجمعات وطنية متخصصة في إنتاج الكتاكيت، لحوم الدواجن بيض الاستهلاك، فضلا عن مجازر صناعية عصرية وبفضل ذلك تجاوز الإنتاج الوطني 695 ألف طن سنويا منها حوالي 560 ألف طن من لحوم الدجاج و135 ألف طن من لحوم الديك الرومي، بينما بلغ إنتاج البيض أكثر من 5.1 مليار وحدة. أما الاستهلاك الفردي فقد وصل سنة 2023 إلى 20.6 كلغ من لحوم الدواجن وقرابة 169 بيضة للفرد. لكن في مقابل هذه الصورة الإيجابية على مستوى "العالية" أو الإنتاج الكبير، يواجه القطاع اختلالات في "السافلة" أو التسويق، حيث لا تزال الرياشات المنتشرة في الأسواق الأسبوعية والأحياء الشعبية تشتغل في ظروف تفتقر إلى المعايير الصحية والجودة ما يشوه صورة القطاع ويضر بسمعته. وفي ما يخص كلفة الإنتاج، أوضح البوتشيشي أن الأعلاف مستوردة بالكامل ما يجعل الأسعار رهينة بتقلبات السوق الدولية. وأضاف أن العوامل المناخية تلعب دورا مؤثرا فالكثافة العالية داخل الضيعات قد تساهم في انتشار الأوبئة، بينما تدفع موجات الحر في الصيف كثيرا من المربين إلى تفادي الإنتاج لتجنب الخسائر. وأكد أن أسعار الدجاج خلال شهر غشت تكاد تكون مماثلة للسنة الماضية بفارق بسيط لا يتجاوز درهما أو درهمين. ولفت إلى أن الشائعات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تربك السوق بشكل ملحوظ، قد تؤدي صور أو مقاطع عن دجاج مريض أو نافق إلى بث الهلع لدى المستهلكين، في الوقت الذي يتكبد فيه المربون خسائر بسبب بيع الدجاج أحيانا بأقل من كلفة الإنتاج فتكلفة الكيلوغرام الواحد، حسب قوله، تتراوح بين 11 و16 درهما، بينما يباع في بعض الفترات ب13 أو 14 درهما، وهو ما يعني أن المربي قد يضطر لتعويض الخسائر من ماله الخاص. وأشار البوتشيشي أيضا إلى الدور السلبي للوسطاء والسماسرة، الذين يحددون الأسعار في الضيعة ويحققون أرباحا أكبر من المربين أنفسهم، سواء في تسويق الدجاج أو في برمجة بيع الكتاكيت. وضرب مثالا ببيع البيض المخصب، حيث قد يتراوح سعر البيضة بين 5 و8 دراهم، ما يدر أرباحا طائلة للوسطاء دون أي ضوابط رقابية. وختم بالقول إن وزارة الفلاحة مطالبة بتعزيز آليات التنظيم والرقابة، وضبط عمل الوسطاء، والارتقاء بظروف الذبح والتسويق حتى تعكس الصورة الحقيقية لقطاع استثمر فيه المغرب الكثير وحقق فيه إنجازات مهمة، معتبرا أن الطريقة التقليدية التي يباع بها الدجاج في بعض الأسواق الشعبية لا تليق بحجم هذه الإنجازات ولا بمكانة القطاع في تحقيق الأمن الغذائي الوطني.