في شاطئ المضيق، يجلس مصطفى على كرسي بلاستيكي بسيط، واضعًا مبردا أزرق إلى جانبه، يراقب البحر بلا استعجال. "هادي هي العطلة بصح… بلا زحام، بلا صداع"، يقولها مبتسما. مع بداية شتنبر، يتغير المشهد على شواطئ تمودة باي. الأصوات المرتفعة تختفي تدريجيا، ورائحة شواء الذرة تختفي من الممرات الرملية، بينما تعود الطبيعة إلى وتيرة أكثر هدوءا. كأن الساحل يستعيد نفسه من الصخب الجماعي لذروة الصيف. في مرتيل، التي كانت خلال يوليوز وغشت تضيق بروادها، يظهر المشهد مختلفًا. يفرش شاب عشريني منشفة على الرمال في زاوية بعيدة، ثم يسحب قنينة ماء وبعض الفاكهة من حقيبته. يقول وهو يبتسم: "الصيف ديال الناس سالا، ودابا جا صيفنا حنا. البحر بلا منافسة، بلا صور جماعية، بلا هرج". ملامح المصطافين في هذه الفترة تكشف عن تركيبة بشرية أخرى. معظمهم متقاعدون يبحثون عن الاسترخاء بعيدا عن ضجيج الأطفال، أو أسر صغيرة بلا التزامات مدرسية، أو شبان لا يلاحقون إيقاع الموسم السياحي المعتاد. يأتون في سياراتهم الخاصة، محملين بكراسٍ قابلة للطي، ومظلات بسيطة، وحاجيات تكفي ليوم كامل على الشاطئ. خديجة، ربة بيت من مكناس، جاءت مع زوجها المتقاعد إلى شاطئ قرب كابو نيكرو. وهي تفتح مظلتها، تقول: "في هذا الوقت البحر كيولي عندو معنى آخر… ما كيبقاش مجرد مكان للسباحة، كيرجع فضاء ديال راحة نفسية. بلا أسعار مبالغ فيها، وبلا سلوكيات كتشوه المتعة". من بين هؤلاء أيضا أسر شابة فضلت تأجيل عطلتها لاعتبارات مالية وتنظيمية. تقول نادية، موظفة في شركة خاصة بالدار البيضاء، إنها اختارت شتنبر لأنها لا تستطيع مجاراة تكاليف الذروة: "فالصيف كلشي غالي… الكراء، الأكل، حتى موقف السيارات. فهاد الوقت نقدر نجي مع عائلتي ونرتاح بلا ما نحسب كل درهم". في المقاهي القريبة من البحر، ينعكس هذا التغيير الاجتماعي. طاولات قليلة مشغولة، وزبائن يتابعون هواتفهم أو يتبادلون أحاديث هادئة. الأجواء يغلب عليها الطابع العائلي، بعيدا عن الضجيج المعتاد في ذروة الصيف. في الفنيدق، يوضح حميد، أستاذ متقاعد، سبب اختياره لهذه الفترة: "ما كيعجبنيش نتعامل مع البحر كأنه سباق. فالصيف الناس كيجيوا يتسابقوا على البلاصة، على الأكل، حتى على الضحك. أنا كنجي فهاد الوقت باش نهضر مع البحر بوحدو". وهو يضع إبريق شاي فوق موقد صغير، يعكس صورة مختلفة للعلاقة مع المكان. الأزقة الخلفية تعكس بدورها هذا الإيقاع. محلات تغلق مبكرا، مطاعم تقلّص ساعات العمل، وأجواء أشبه بقرى ساحلية صغيرة، أكثر من مدن مكتظة. وفي بليونش، يبدو المشهد أوضح: القرية شبه خالية من الزوار، باستثناء أطفال المنطقة يلعبون على الرمال، ورجال يجلسون فوق الصخور العالية يتابعون الموج. الواجهة البحرية تستعيد طابعها الطبيعي، بلا عروض ترفيهية ولا نشاط موسمي. هذا التغيير في تركيبة المصطافين ينعكس أيضًا على نوعية السلوك. أحد العاملين في كراء المعدات بالمضيق يقول: "صحيح الإقبال ضعيف بزاف، ولكن كاين فرق. الناس اللي كيجيو فهاد الوقت مؤدبين، ما كيديروش مشاكل، وكيخليوك تخدم بالمهل". بالنسبة له، شتنبر ليس فقط نهاية موسم، بل بداية نمط آخر من العمل. ورغم أن بعض الفاعلين يعتبرون هذا التراجع مؤشرا على ركود، إلا أن زوار شتنبر يرونه فرصة نادرة للاستمتاع بالبحر كما كان في الماضي، قبل أن يتحول الاصطياف إلى موجة جماعية صاخبة. بالنسبة لهم، العطلة ليست عدد الأنشطة ولا حجم العروض، بل تلك اللحظة التي يجلسون فيها في صمت، يسمعون الموج دون أن يطغى عليه صراخ أو موسيقى مرتفعة. على امتداد ساحل تمودة باي، من مرتيل إلى بليونش، تبدو الصورة واحدة: صيف متأخر بطعم شخصي، يعيشه كل واحد على مقاسه الخاص. عطلة بلا بهرجة ولا ازدحام، لكنها مليئة بما يبحث عنه أصحابها: لحظة هدوء وسط زمن صاخب.