تتوهّج واجهة ملعب ابن بطوطة الكبير بألوان متبدّلة تحت سماء طنجة، لتكشف عن معلمة رياضية اكتست حلة جديدة بعد أشهر من الأشغال، استعدادًا لاحتضان مباريات كأس إفريقيا للأمم 2025. من الأعلى، تبدو هندسة الواجهة وقد التفت بإضاءة حمراء وخضراء وبنفسجية، بينما تنعكس خطوطها على الأرض الرطبة في مشهد بصري يختزل تحوّلًا عمرانيًا وتقنيًا عميقًا. هذا المشهد الليلي الجذاب ليس سوى الواجهة الظاهرة لمشروع إعادة تأهيل شامل لتحويل الملعب إلى فضاء رياضي متكامل مخصص لكرة القدم، مطابق للمعايير المعتمدة لدى الكونفدرالية الإفريقية والاتحاد الدولي. فقد تم رفع الطاقة الاستيعابية إلى نحو 75 ألف متفرج، مع إزالة مضمار ألعاب القوى الذي كان يفصل المتفرجين عن أرضية اللعب، في خطوة هندسية هدفت إلى تحسين الرؤية المباشرة وتعزيز التفاعل الجماهيري. وخضعت الهياكل المعدنية الحاملة للسقف لتجديد كامل، واستُعمل نسيج هندسي مقاوم للحرارة والرطوبة والرياح، يغطي كافة المدرجات دون أن يحجب الضوء الطبيعي. ويُعد هذا السقف من بين الأكبر في القارة، وفق ما أفاد به المهندس المعماري أنور عمراوي المشرف على المشروع، الذي أوضح أن "السقف صُمّم بتقنيات متطورة تضمن الحماية والتهوية في آن واحد، مع مراعاة الحمولة الريحية ومقاييس السلامة". كم تم تغطية أرضية الميدان بعشب طبيعي مدعّم بألياف اصطناعية دقيقة تُحقن رأسيًا في التربة، وهو نظام يُستخدم لتحسين ثبات العشب وتحمله للاستخدام المكثف، خاصة خلال المنافسات القارية. واعتبر عمراوي أن "هذا النوع من التهيئة هو الأكثر ملاءمة للملاعب الكبرى، ويمنح سطحا عالي الجودة طيلة الموسم دون الحاجة لصيانة مكثفة". الإضاءة بدورها خضعت لتحديث كامل، حيث تم تركيب منظومة ضوئية موفرة للطاقة، تُمكّن من تحقيق إضاءة عمودية تزيد عن 2000 شمعة لكل متر مربع، وهو الحد المطلوب في لوائح الاتحاد الدولي لتصوير المباريات بجودة عالية الدقة. كما تمت إضافة شاشتين كبيرتين داخل الملعب وشاشات ملاحية خارجية لخدمة الجمهور، فضلا عن منظومة صوتية احترافية عالية القدرة، تُدار من غرفة تقنية مركزية. وفي جانب الاستقبال، تم تجهيز البنية الداخلية ب142 مقصورة خاصة موزعة على ثلاث مستويات، إلى جانب قاعات للضيافة وصالونات مخصصة لكبار الشخصيات، ومنصة شرفية تتسع لأكثر من 200 مقعد، ونحو 1300 مقعد إضافي للضيوف الرسميين. وتم تخصيص ممرات مؤمّنة لهذه الفئات، إلى جانب مصاعد ومرافق تتوافق مع حاجيات الأشخاص في وضعية إعاقة. المكون الإعلامي نال بدوره مراجعة شاملة، حيث تم إنشاء قاعة ندوة بسعة تفوق 200 صحافي، ومنطقة مختلطة بمواصفات البث المباشر، ومكاتب مجهزة لهيئات النقل التلفزيوني، إلى جانب فضاءات اتصال تقني مباشر مع غرف التحكم والإخراج. ويُدار هذا الفضاء الرياضي من خلال مركز عمليات رقمي يضم نحو 900 كاميرا مراقبة موزعة على المداخل والمرافق الحيوية، إلى جانب منظومة كهربائية احتياطية تضمن استمرار الخدمات التقنية أثناء الطوارئ أو الانقطاعات المفاجئة. ويندرج هذا المشروع، الذي تشرف عليه الشركة الوطنية لتدبير الملاعب "سونارجيس"، ضمن برنامج وطني لإعداد الملاعب المغربية لاستضافة التظاهرات الكبرى. وبعد انتهاء الأشغال قبل أسابيع قليلة من انطلاق كأس إفريقيا، يعود ملعب ابن بطوطة إلى الواجهة، كأحد أبرز الملاعب المؤهلة لاستقبال منافسات القارة والعالم.