مورو يبحث في بكين عن جذب استثمارات صناعية لجهة طنجة    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    ورش الحماية الاجتماعية وتثمين العمل اللائق    أزيد من 3.3 مليون سائح زاروا المغرب خلال السنة الجارية    نشرة إنذارية: أمطار قوية أحيانا رعدية يوم فاتح ماي بعدد من أقاليم شمال المملكة    لندن.. إصابة عدة أشخاص في هجوم بالسيف واعتقال مشتبه به    صدمة جديدة للكابرانات .. "طاس" ترفض طلب الاتحاد الجزائري بإيقاف قرارات "الكاف" وفوز بركان    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    نشرة إنذارية | أمطار رعدية قوية تضرب أقاليم شمال المملكة غدًا الأربعاء    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    ميارة: أعباء ثقيلة ترافق هجرة الأدمغة    أعداد الضحايا تواصل الارتفاع في غزة    سياحة الأعمال.. المغرب يسعى لاستقطاب مليون ونصف سائح سنة 2026    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    ماتش جديد بين المغرب والجزائر.. واش الكابرانات غاينساحبو تاني؟    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    الرباط تحتضن النسخة الثالثة للدورة التكوينية المتخصصة لملاحظي الانتخابات بالاتحاد الإفريقي    ألباريس دخل طول وعرض فالحزب الشعبي: فين تقرير المصير ديال الصحرا اللي كدافعو عليه فبرنامجكم الانتخابي وفيناهو فلقاءات زعيمكم راخوي مع المغرب؟    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    بسبب تكفير أستاذ جامعي ووصفه بالمرتد والملحد.. النيابة العامة ففاس تابعات عضو بالمجلس العلمي وقيادي فالعدل والإحسان    نتانياهو: بالهدنة وللا بلاش الجيش غيدخل لرفح    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    الدار البيضاء.. مناظرة حول محاولات "السطو" على الزليج والقفطان المغربيين    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    أسعار النفط تهبط للجلسة الثالثة ترقبا لمباحثات هدنة في غزة    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    ثلاث وفيات وعشرون حالة تسمم بأحد محلات بيع المأكولات بمراكش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    الوداد يحدد لائحة المغادرين للقلعة الحمراء    ف 5 يام ربح 37 مليار.. ماسك قرب يفوت بيزوس صاحب المركز الثاني على سلم الترفيحة    الموانئ الأوروبية في حاجة إلى استثمار 80 مليار يورو لبلوغ التحول الطاقي    أسترازينيكا كتعترف وتعويضات للمتضررين تقدر توصل للملايين.. وفيات وأمراض خطيرة بانت بعد لقاح كورونا!    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    معاقبة جامعة فرنسية بسبب تضامن طلابها مع فلسطين    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقى الجبلية والعولمة
نشر في تطوان بلوس يوم 10 - 07 - 2014


مدخل
القرن الواحد والعشرون؛ زمن الانفتاح على ثقافات الغير بامتياز. وباصطلاح مصطفى ناصف هو زمن التداخل. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أوصاف التفكيك، والتشظية، وتفجير لغة الفن من الداخل. خلاله غرست العولمة مخالبها في كل شئ. وسؤال هوية الذات والمجتمع والتراث أصبح يُطرح بحدة مصيرية. والموسيقى بالطبع تأثرت بهذا الانفتاح وبكل قائمة الأوصاف، إضافة إلى تأثرها بالتطور التكنولوجي والإلكتروني المتسارع بإيقاع رهيب: تطور شمل حتى تلك الموسيقى العريقة التي تمتد جذورها في أصالة البلد، المتميزة بالمحلية الصرف كالموسيقى المغربية بأنواعها المتعددة. في هذا السياق من التشتيت يمكننا أن نتساءل: كيف واجهت الموسيقى الجبلية لشمال المغرب بمحافظتها وأصولها تيارَ العولمة؟ وما هي التغييرات التي طرأت عليها في خضم التداخل الكبير بين الأشكال الثقافية والتواصلية المتعددة؟.
زمن "العَدَّات" الذي ولَّى
ذات يوم غنت لي جدتي من جهة أمي:
الله يَرْضَى عْليكْ آولِيِدي
مَا دَهْضَرْليشِي مْعَاهَا
رُدْ الكلْبَا نْيِمَّاهَا
الله يَرْضَى عْلِيكْ آولِيدي
* * *
رُشْ النّْدَى عْلَى السّْطَاحْ
وانْتِي يَالاَلاَّ غْزَالِي
وكِيفْ القرُنْفْلْ يِفْتَاحْ
* * *
وطَلْعُوا نْجُومْ القِبْلاَ
هَادِي وَرَا هَادِي
المُوضا مالْحَقْتَاشِي
خَالِّيتَا نُولاَدي
ثم عقبت جدتي قائلة: «كنا نحن الفتيات في سَمْسَة نجتمع مع بعضنا بعض ونبدأ في الغناء؛ كل واحدة منا تقول عَدَّة نحفظها. وتستمر الأمسية وتطول في عدّات غنائية جميلة، تبرز من خلالها كل واحدة قوةَ صوتها، وحلاوةَ أدائها»
كان ذلك في زمن شباب السيدة عائشة اللهلوه. ولعل هذه العادة الموسيقية والغنائية الأصيلة أن تكون قد انقرضت بصورة تامة أو هي في طريق الانقراض. وربما ترجم المقطعُ الأخير في أغنية الجدة الوضعيةَ الراهنة لهذا النمط من الموسيقى حيث اعترفت صاحبة العدَّة أنها لا تقدر على مسايرة "الموضة" ولذلك تركتها لأولادها. أما فتيات اليوم فلهن أنماط غنائية خاصة، و"موضات" موسيقية أخرى. وحتى إن غنين جماعةً لا يعتمدن العدَّات أسلوبا في الأداء؛ الأسلوب الذي يقتضي الجلسة الهادئة، وإيقاع الحياة البطئ، ومتعة الانتشاء بالكلمة الوديعة، وحسن الاستماع، وعدم الضجيج. ويمكن أن نضيف إلى كل ذلك مسألة أخرى تتجلى في تقسيم أدوار الأداء بصورة متناوبة. ومن الواضح جدا أن ظروف العولمة المعاصرة لا تكاد توفر كل ذلك.
وقد سبق لي في العقد الأخير أن حضرتُ في قرية سَمْسَة حفلات أعراس لاحظت خلالها كيف أن الفتيات وهن يغنين بطريقة جماعية عادية كأنهن كورس أو جوق فرقة موسيقية عصرية. أكثر من ذلك لاحظت هيمنة الأغاني الشرقية العصرية بنغماتها، وإيقاعاتها، وأسماء مطربيها التي رسخت في الأذهان بتأثير التلفاز والألبومات. كيف لا يحصل هذا التحول وشاشات التلفاز وصحون الهوائيات المقعرة تملأ قرانا ومداشرنا. إنه قطعا زمن من نوع آخر غير زمن جدتي..
مشاعر أخرى..
طرائق التعبير الفني والإفصاح عن الأحاسيس غناءً تغيرت أيضا في هذا الزمن. أما في الزمن الجميل فقد كانت تأثيرات الموسيقى الجبلية في مستمعيها تصل إلى حد البكاء لما في كلماتها من تصوير مختلفِ تفاصيل الحياة الصعبة ومواقف الصراع التي يعيشها الجبلي يوميا. يقول محمد العروسي أحد رواد الغناء الجبلي:
«في السابق كنا نغني أغنية مثلا فيتحول اللقاء إلى بكاء جماعي. فاختيار الكلمات المؤثرة واللحن المعبر وربط الأغنية بأشياء من صميم الحياة كان يعطي ميزة كبرى للعيطة الجبلية، الآن غاب الكثير من هذا في الأغاني الجبلية»
حتى العروس نفسها كانت تبكي ليلة خروجها من بيت عائلتها إلى بيت زوجها. مثلما يحدث أيضا عشية الحناء؛ فصوت الغيطة وصوت المطرب وهو يغني يُؤثر في العروس مثلما تؤثر في جميع الحضور. لذلك كان بكاء العروس طقسا من طقوس حفل الزفاف الجبلي ولازمة من لوازمه. لكن ذلك قل في أيامنا وأصبحت العروس لا تشعر بنفس الحزن لمغادرتها منزل والديها وإنما ينتابها إحساس مغاير وهو إحساس الفرحة لولوجها بيت الزوجية، وبالاحتفال بها وبليلة عمرها. نفس هذا المثال يؤكده المطرب محمد العروسي قائلاً:
«كل شئ تغير، فالعروس في السابق حين كان يتم إخراجها لتذهب إلى بيت زوجها كان الجميع يبكي لهذا. الآن تغير كل شئ»
بذلك لم يعد للموسيقى الجبلية نفس الارتباط بكثير من مظاهر الحياة وتفاصيل اليومي وقسوة العيش، ومن ثم تراجع تأثيرها الحزين في المتلقين وتصويرها مشاعر إنسانية دقيقة غاية في الرهافة. لقد أصبحت تنشغل اليوم بقضايا عصرية تعكس مشاعر أناس عصرنا من خلال صور فنية وتعابير ترتبط أكثر ببيئة وأجواء مختلفة. صحيح أن قضايا الزواج والطلاق لا تزال حاضرة فيها، لكنها لا تصوَّر بأسلوب المعاناة الحزينة جدا مثلما كان الشأن مع العروس أو اليتيم أو الزواج بامرأة ثانية.
التجديد على مستوى الكلمات
«كان شكل الأغنية عبارة عن (فلاش) لا وجود لوحدة عضوية بين كلماتها، هذا العبد الضعيف، [عبد المالك أندلسي] بعد بحث قررت أن أجعل الكلمات بغير لهجة جبالة لكي لا يبقى هذا الفن محليا محضا، وحتى يستسيغه كل المغاربة بمختلف لهجاتهم، وفي المقابل أعمل على إبقاء بعض الكلمات جبلية باعتبار أنها كلمات عربية فصحى»
عبد المالك أندلسي رائد من رواد الأغنية الجبلية في شمال المغرب. تطلع إلى روح الانفتاح والتغيير وعدم الانحصار في المحلية الضيقة بأن جعل أحد مكونات الأغنية الجبلية؛ "الكلمة" تنسجم مع متطلبات روح العصر. ومن خلال المنظور الفني الصرف نعثر فعليا على تلك الوحدة الموضوعية التي يتحدث عنها عبد المالك أندلسي متحققة في الأغنية الجبلية المعاصرة. فإذا قارنا على سبيل المثال بين مقاطع الأغنية التي غنتها لي جدتي ومقاطع أغنية أخرى استمعتُ إليها حديثا لحاجي السريفي يغني فيها:
جِبْلٍي شِي مْرا جبْلِيَّة
بطْرَابَقْ والشَّاشيَّة
العارْ أيِمَّا ألوَاليدا جِبْلي شِي مْرا جبلية
* * *
جبلي شي مْرا رِيفيَّة
واختار الزِّينْ أيِمَّا
ولاَّ طْفْلَة اغْمَاريَّة
اجْبَالة معْروفِينْ بالصّْفا
والصِّدْقْ والنِّيَّة والوفَا
العارْ أَيمَّا أَلْوَالِيدَا جِبلي شِي مْرا جبْليَّة
* * *
جِِبْلِي شِي مْرا خُمْسِيَّة
واخْتارْ الزِّينْ أيِمَّا
ولاَّ طْفْلة عْرُوسِيَّة
واخْتارْ الزِّينْ أيِمَّا
اجْبَالة مَعْرُوفِينْ بالصّْفَا
والصدقْ والنِّيَّة والوفَا
العَارْ أيِمَّا أَلْوَالِيدَا جِبْلِي شِي مْرَا جبلية
لاحظنا كيف تدور وحدات الأغنية بين البحث عن عروس كرفطية، أوسريفية، أوحمدية، إلى أن تتشكل الأغنية في وحدة تحكمها علاقات موضوعية بين بدايتها ونهايتها ومختلف وحداتها. في أغنية "رُدْ الكلْبا نيِمَّاها" كان النزوع واضحا إلى الاستطراد، وتفريغ الموضوع الواحد، والانسياق وراء التفاصيل التي تبدو منفصلة عن بعضها بتأثر أسلوب توزيع العدّات بين المغنيات المتناوبات على الصياغة. وحدة البيت أو وحدة الصورة كانت هي الأساس الذي تتطلع إليه الأغنية الجبلية وتنبني وفقه ربما بصيغة تلقائية.
أما موضوع أغنية "جِبْلِي شِي مْرَا جبْلية" هو البحث عن عروس في مناطق مختلفة من اجبالة، وحتى من الريف؛ غمارة، والأخماس، وبني عروس، وبني كرفط، وبني سريف، وبني أحمد. هذا البحث المفصل ضمن للأغنية نوعا من الوحدة مادامت هي بدورها مبنية على وحدات. وواضح أن وراء هذا الاختيار اللفظي تقف تأثيرات التلفاز ومتطلبات الترويج التجاري وغيرهما من الغايات التي يقتضيها زمن العولمة.
ومن بين صور التجديد في الموسيقى الجبلية الجديدة انفتاحها على موضوعات خاصة بمشاكل وأحداث العصر. ذلك ما تلخصه عناوين أغاني من قبيل: "الطبيبة بالميني جيب" للحراق عبد السلام، و"يا الشابة العصرية" و "عَدَّلِّي الباسبور يا بابا" لعبد المالك أندلسي. إضافة إلى محاولات هذا الأخير معانقة قضايا عربية من خلال تأليف وتلحين أغنية "عيطة القدس" التي أداها حاجي السريفي. ومن خلال العنوان الأخير يتبين انفتاح كلمات الأغنية الجبلية ليس على الموضوعات المحلية والوطنية فحسب وإنما حتى على ما هو عربي أيضا.
آلات موسيقية بين المحافظة والتجديد
يبقى التجديد المعاصر في الآلات الموسيقية بدوره من مخلفات العولمة والتطور التكنولوجي والفني. ونرى اليوم آلات عصرية تدخل على الموسيقى الأندلسية، وعلى الموسيقى الشعبية المغربية، وعلى موسيقى اجبالة أيضا. ولعل ذلك أن يؤجج الصراع بين دعاة الحداثة، وبين المتشبثين بالأصول وبما هو قديم.
يقول عبد المالك أندلسي مرة أخرى:
«إنهم أشخاص محافظون لا يسمحون بإخراج ما بين أيديهم، اعتبارا منهم أن تجديد هذا الفن وخاصة باستعمال الآلات الحديثة كالأورغ والقيثارة يفقد صبغته الأصلية. وهذه هي نقطة الخلاف بيني وبين الشيخ الكرفطي الذي يرى أن هذه الآلات لا تؤدي النغمة الحقيقية الأصلية. أما بالنسبة لي، فأرى أن الخطأ لا يكمن في استعمال هذه الآلات أو تلك، وإنما في العازف عليها... ولا ننسى أن هذا المحافظ نفسه كان مجددا يوما لأنه بدوره استعمل في بداية مشواره العود والطار والدربكة والتي كانت آلات حديثة في ذلك الزمان»
في كل مرة إذا تنضاف إلى الموسيقى الجبلية آلة موسيقية جديدة حتى تكون مسايرة لروح العصر وللتطور الآلي الحاصل في أيامنا. وما الكمان إلا آلة جديدة استطاعت أن تفرض نفسها على الموسيقى الجبلية. وقد عرف محمد العروسي بإتقانه العزف على هذه الآلة وبتفننه في جرات كمانه. وما دمنا نتحدث عن الآلات الموسيقية نستطيع أن نضيف في هذا المقام أن مصطلح الجوق لم يكن مشهورا في العُرف الجبلي، بل كان يعرف لديهم ما يصطلح عليه بالمعَلْمِينْ، أو فرقة الطبل والغيطة وما "الجوق" إلا مصطلح حديث دخل الموسيقى الجبلية أخيراً.
لباس على الموضة
بالنظر إلى نماذج من صور موسيقيِّي ومطربي الأغنية الجبلية نلمس تغييرَ بعضِهم للباس اجبالة التقليدي إلى بذلات عصرية، وربطات عنق، ووزرة بيضاء، وأحذية عصرية. هو لباس لا يمت بأي صلة إلى التقاليد الجبلية ولكنه حلة عصرية أنيقة تخالف تماما الزي الجبلي المعتاد. أما اللباس الذي ألفناه عند مطربي اجبالة فيمكن تلخيصه فيما يأتي:
«عمامة صفراء طويلة بها زركشة كالرزة الشرقاوية، جلباب قصير وفراجية، وسروال قصير جبلي، وبلغة صفراء، جراب صغير، وأحيانا وعاء بارود. في العادة يلبس الجلباب بإخراج اليد اليسرى وطي كمها تحت الساعد»
لا نستطيع أن نقول إن طريقة اللباس هذه قد اندثرت تماما في أثناء أداء الأغنية الجبلية. لكن تأثيرات العولمة فعلت فعلها من هذا الجانب أيضا حيث أخذ المطربون يتفننون في اختيار أزيائهم وألوانهم، ويقلدون الأجواق العصرية والشرقية.
الموسيقى الجبلية والقوالب العالمية
لم تقف الموسيقى الجبلية في انفتاحها على المجتمعات المغربية أو العربية فحسب، وإنما أصبحت تعانق ما هو عربي وغربي من خلال تداخلها مع مجموعة من القوالب العربية والغربية الأخرى. فهذا أحمد عيدون مثلا يورد مقارنة بين قالب "العيطة" وقالب "التوكاتا" وهو يتساءل:
«ما الذي يمنعنا من مقاربة الطقطوقة بنوع ساد في أروبا خلال القرن الثامن عشر وهو"التوكاتا"؟» .
إضافة إلى تلك المقارنة واستعراض آراء بعض الباحثين حول الصلة بين "الطقطوقة الجبلية" والطقطوقة الشرقية" يقول أحمد عيدون:
«الطقطوقة اصطلاحا هي غناء جبلي منظم ولج المدينة واستقر بها فعلقت به تسمية ليست له أساسا، والتسمية نفسها من الخطأ الشائع الذي لا يرضى عنه المتشبثون بأصالة المفهوم والذين يفضلون كلمة عيطة جبلية. فالطقطوقة كلمة وافدة تعني في اصطلاح المشارقة قطعة غنائية قصيرة وبسيطة التركيب، وأصبحت تدل بعد ذلك على أي مقطوعة شعبية قصيرة، ومن ذلك أن ألصقت هذه الصفة كذلك بالعيطة الجبلية وتبنى الكل هذا النعت لسهولة التعامل به»
إن الموسيقى الجبلية أصبحت مصدر إلهام مؤلفين موسيقيين يبدعون في قوالب غربية عالمية من قبيل الموسيقار مصطفى عائشة الرحماني (1944-2008) الذي كان قد استلهم نغمات الموسيقى الجبلية في كثير من مؤلفاته نذكر منها:
- Tres piezas folklóricas de yebala, para piano, op 41,
impreso en la imprenta Minerva. Tetuán. 1987.
- Canción danza yebeleña, para piano, op 15
- Aire yebeleño, para piano, op 19
- Suite Yebeleña para piano, op 351
حتى المجموعات الشبابية اليوم أصبحت تقتبس من موسيقى اجبالة وتحاول تطعيمها بما هو غربي. يقول أحد المتحدثين باسم فرقة "نوميديا"، وهي مجموعة تعتمد الموسيقى دون الغناء:
«هو لون موسيقي الأساس فيه هو الموسيقى المغربية حيث نقدمها في توزيع جديد، إذن نحافظ على الإيقاعات الموسيقية المغربية الأصيلة أو الفلكلورية مثل الموسيقى الحسانية والطقطوقة الجبلية والعيطة المرساوية والإيقاعات الأمازيغية، ونحاول أن ندخل عليها الأصوات التي تنبعث من الآلات العصرية التي نعتمد عليها في مجموعتنا. النتيجة هي أن ستين إلى سبعين بالمائة من موسيقانا مغربية أما الباقي فهو مزيج من موسيقى عالمية»
انصراف
واضح أننا لن نستطيع إيقاف مد العولمة وتأثيراتها المختلفة في الأغنية الجبلية وفي الموسيقى عامة. لكن تبقى مسألة حفظ التوازنات الفنية وتنظيم التأثيرات في أيدي المسؤوليين والمطربين والمثقفين في المحافظة على هوية وأصول هذا الفن بناء على مقدار وعيهم بأهميته. إن قضايا تدوين التراث القديم وتسجيله وتأليف كتب وأبحاث تؤرخه وتوثق أصوله وتفاصيله أمر ملح لا نقاش حوله. كما أن التجديد والأخذ بما يفيد ليس عيبا. لكن المطلوب في رأيي أن نتسلح بالوعي الفني والثقافي الكافي من أجل إدراك الحقيقة العميقة للأغنية الجبلية، وفي ضوء ذلك الوعي يمكننا أن نفتح تلك الأغنية على آفاق العولمة بخطوات "علمية" وموضوعية مدروسة.
عنوان المقال: الموسيقى الجبلية والعولمة
الكاتبة: سعاد أنقار
ملخص المقال (بالعربية)
يتحدث المقال عن الموسيقى الجبلية بين الحاضر والماضي. ومن خلال مقارنات تشمل عناصر من قبيل: طرائق الأداء، والآلات الموسيقية، والمشاعر الإنسانية، والأزياء الجبلية، وكلمات الأغاني، يحاول المقال رصد أهم نقط التجديد التي وسمت الموسيقى الجبلية، مع الإشارة إلى العناصر الأصلية والقديمة التي ميزتها. ويخلص المقال إلى دعوة كل الباحثين والمسؤولين إلى ضرورة المحافظة على هذا التراث الموسيقي الأصيل مادمنا لن نستطيع إيقاف مد العولمة ولا تأثيرها الجارف.
ملخص المقال (بالإنجليزية)
This article talks about the music of Jbala between the present and the past. Through comparisons include elements such as: methods of performance, musical instruments, human emotions, mountain clothing, lyrics, the article tries to observe the most important points of renewal that caracterized the music of Jbala, with reference to its original items and its old elements. The article ends by inviting researchers and officials to the need to preserve this authentic musical heritage as long as we can not stop the tide of globalization and its impact sweeping.
ملخص المقال (بالإسبانية)
Este artículo habla de la música de Jbala entre el presente y el pasado.
Intenta tambien observar los puntos más importantes de la renovación que caracteriza dicha música, con referencia a sus elementos originales y sus elementos antiguos, y con comparaciones que incluyen elementos tales como: métodos de actuación, instrumentos musicales, las emociones humanas, ropa de montañ y las palabras de las canciones. El artículo termina invitando a investigadores y responsables para reflexionar sobre la necesidad de preservar este patrimonio musical auténtico, siempre y cuando no podemos detener la marea de la globalización y sus consecuencias radicales.
ملخص المقال (بالفرنسية)
Cet article parle de la musique de Jbala entre le présent et le passé. Grâce à des comparaisons comprennent des éléments tels que: les méthodes de la performance, des instruments de musique, les émotions humaines, de vêtements de montagne, les paroles des chansons, l'article tente d'observer les points les plus importants de renouvellement qui caractérise la musique de Jbala, en référence à ses éléments d'origine et de ses éléments anciens . L'article se termine en invitant les chercheurs et les responsables à penser a propos de la nécessité de préserver ce patrimoine authentique de cette musique aussi longtemps que nous ne pouvons pas arrêter la marée de la mondialisation et ses effets de balayage.
الكلمات المفاتيح
الطقطوقة الجبلية - الآلات الموسيقية - العولمة - العيطة - الأغنية الجبلية - الموسيقى الجبلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.