رحم الله سمحمد جسوس. رحل السوسيولوجي دون أن يتمكن من العثور على أجوبة لأسئلته العديدة كالعادة. على لسان الراحل نعيد طرح السؤال الأساسي في مغرب اليوم: ما علاقة الانتاج السوسيولوجي المغربي بطموحات المغاربة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي مجال العقلنة، وتغيير النسق المجتمعي ككل؟ وبلغة صريحة فإن العديد من البحوث التي تمت في إطار علم الاجتماع حول ظواهر اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية افتقدت إلى بريق الخطاب التحليلي النقدي الذي يتميز به السوسيولوجي، فتحولت إلى مجرد بحوث ودراسات تراكم خلاصات رقمية وتقدم معطيات سطحية عن موضوع البحث. على الدراسة السوسيولوجية أن تؤثر في القرار السياسي والتنموي للبلاد، وعلى خلاصاتها أن تكون لاذعة انطلاقا من معطيات يتم تحليلها بشكل علمي، ثم طرح الأسئلة المحرجة والعميقة على صناع القرار وعلى المجتمع نفسه كأفراد وتنظيمات. ألم يكن تدريس هذا العلم ممنوعا ببلادنا في يوم من الأيام؟ ما ذكرناه سابقا هو سبب هذا المنع لأن الباحث السوسيولوجي لا يكتفي بطرح الأسئلة بل يخترق كل الطابوهات سواء كانت سياسية أو اجتماعية ويفكك كل البنيات والرموز والعلاقات ليس من أجل فهم المجتمع فقط، بل من أجل إعادة بناء هذه العلاقات على أسس متينة، وإزالة شوائب الزبونية والريع عنها. من هذا المنطلق ماذا استفاد المغرب من علم الاجتماع؟ لاشك أن الحصيلة ستكون ضعيفة وهذا يتجلى بالأساس في تفكك مدننا وحواضرنا وفي ضعف مردودية برامج التنمية الحكومية. فمثلا عملية إيواء سكان الأحياء الصفيحية تتم حاليا بشكل عشوائي هدفها فقط هو إزالة بيوت القصدير التي تشوه جمالية المدن، لكن في غياب دراسة «التربة» التي سيتم فيها إعادة زراعة الأجيال التي يتم اجتثاثها من التجمع الصفيحي، ودون أن تهيأ لها المرافق الأساسية، ويبدو من ذلك أن هاجس الدولة هو سياسي بالأساس يتعلق ببناء صناديق إسمنتية وتحويلها إلى دوائر انتخابية جديدة في مناطق نائية من حواضرنا، دون أية دراسة سوسيولوجية حول الواقع الجديد للساكنة ولا عن تحدياته الاجتماعية والأمنية والاقتصادية. إن دور عالم الاجتماع ليس إعداد التقارير والدراسات السطحية التي لا تخدم المجتمع، بل المساهمة في بناء مجتمع متماسك عن طريق دراسات علمية تحرج السياسيين وصناع القرار وتدفعهم لاتخاذ القرارات الصائبة خدمة للمجتمع وأفراده.