واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    أول تعليق من مدرب نهضة بركان على مواجهة الزمالك في نهائي كأس "الكاف"    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    توقعات طقس اليوم الاثنين في المغرب    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    فريق يوسفية برشيد يتعادل مع "الماط"    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الجهود الدولية تتكثف من أجل هدنة غزة    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضي الوردي يرد على محامي البيجيدي الإيدريسي.. خفة السياسة وثقل القانون


بقلم: حكيم وردي(*)
يستمد القضاة حقهم في التعبير من المادة 111 من الدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة ولاسيما مبادئ بانغالور التي وللمناسبة أضعها رهن إشارة زميلنا المحامي عبد الصمد الإدريسي للاطلاع على متنها وشروحاتها، كما صاغها رؤساء المحاكم العليا وكبار قضاة العالم الحر، عساها ترفع عنه الجهالة وتخرجه من الضلالة هو وصحبه ليراجع أسلوب "تشكامت" الرخيص وتكرار اتهامي بممارسة السياسة ( متلما كان يُتهم الوطنيين زمن الحماية ) الذي دأب على استعماله مؤخرا في الرد على ما أتداوله من أفكار كمواطن أولا وكجمعوي مهتم بمنظومة العدالة باعتباري جزء منها ثانيا.
أما صفتي القضائية كنائب للوكيل العام فلا علاقة لها بما أبديه من آراء وتبقى منحصرة في قاعة المحكمة وأشغال المكتب المنوطة بي إداريا. فبالأحرى أن أنوب في الكلام عن النيابة العامة كسلطة قضائية لها من يتحدث باسمها ولها رجالاتها المبرزين والمفوهين المترفعين عن الجدال السياسوي الضيق.
لذلك أقول لزميلي عبد الصمد الإدريسي ولغيره أنه لا يليق بنا كحقوقيين أن نصادر حق القضاة في التعبير مهما كان صوتهم مزعجا، وأنني قبل أن أكون قاضيا فأنا مواطن تخنقه الوصاية ولا تنال منه الوشاية، يغرد حرا في السماء متلما كان قبل أن يرتدي جبة القضاء، ولي مقالات منشورة منذ أكثر من ربع قرن لذلك أترفع عن الرد على ذ الإدريسي عندما يستصغرني أمام ملفاته الكبرى، و يستخف بي كقلم مأجور لجهة رسمها في مخيلته واستأثر بعلمها لوحده ، وأكتفي بشكره لأنه دعاني إلى الجواب عندما اعتبر أن ردي فج ومبتذل على إشكالية قانونية تورط فيها قاضي التحقيق بفاس.
علما أن الاهتداء في هذا الرد السريع بمقتضيات القانون وأحكام القضاء، غايته الرفع من مستوى النقاش القانوني الرصين، والابتعاد عن خفة رجل السياسة التي طمست هوية ذ الإدريسي كمحامي جدير به أن يناقش القانون، و دون أن يعد ذلك تعليقا على قضية معروضة أمام القضاء حسبما حسم ذلك شراح مبادئ بانغالور الذين ألحوا على وجوب مشاركة القضاة في النقاش العمومي حول قضايا قانونية بشكل أكاديمي مع الاقتصار في النقاش على الجانب الإجرائي الصرف ودون المساس بقرينة البراءة.
أولا: شرود قانوني وتقصير إجرائي
من المعلوم في القانون بالضرورة أن قاضي التحقيق ليس محكمة موضوع لتلقي الطلبات والدفوع، وأن دوره ينحصر في جمع الأدلة عن الجرائم وليس له أن يعمل على تقدير قيمتها، لأن ذلك من صميم سلطة قضاء الحكم (قرارات محكمة النقض المجلس الأعلى سابقا غير منشورة تحت عدد 51 بتاريخ 13/01/2011 في الملف عدد 13310/6/9/2010، وعدد 2425/7 بتاريخ 27/10/2010 في الملف عدد 01/2010، وعدد عدد 962/5 بتاريخ 20/05/2009 في الملف عدد 19634/6/5/2007)،
وأن أمره بالإحالة على غرفة الجنايات لا يقبل سوى الطعن بالنقض مع الحكم الفاصل في الجوهر ( المادة 524 من قانون المسطرة الجنائية )، لذلك يبدو مستغربا التعبير عن الاستنكار في مواجهة القرار بالإحالة في قضية آيت الجيد (الذي للإشارة أصبح متاحا بعدما رفعت السرية عن ملف التحقيق) والحال أن الدفوع المؤسسة على المادتين 4 و 369 من ق م ج وغيرها من الأسانيد ( بعضها جاء في تدوينة معالي السيد وزير الدولة في حقوق الإنسان ذ مصطفى الرميد، والبعض الآخر جاء في بيان الأمانة العامة للحزب، ولفريقه البرلماني...) قدمها دفاع المتهم بمقتضى مذكرة أمام قاضي التحقيق ملتمسا منه عدم قبول الشكاية المباشرة .
فأصدر قاضي التحقيق أمره بقبول الشكاية المباشرة اعتمادا على المادة 95 ق م ج، وبلغه إلى دفاع المتهم الذي استأنفه خارج الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 223 من ق م ج ( الثلاثة أيام الموالية ليوم تبليغ الأمر للمتهم طبقا للمادة 220 ق م ج )، فلم تجد الغرفة الجنحية بدا من الحكم بعدم قبول الاستئناف.
وإذا كان لا يعنيني التساؤل حول كيف لقضية بهذه الأهمية عند أصحابها أن يرتكب فيها هذا الإهمال الإجرائي الخطير ويستأنف أمر قاضي التحقيق خارج الأجل القانوني. فإن الإشكالية القانونية المهمة والجديرة بالمناقشة من طرف المتخصصين هي مدى جواز التقدم بذات الملتمسات بنفس الأسانيد القانونية والواقعية أمام غرفة الجنايات في شكل دفوع شكلية والحال أنه صدر قرار بخصوصها عن قاضي التحقيق وقالت الغرفة الجنحية كلمتها في شأنه بمقتضى قرار هو الآخر لا يقبل الطعن بالنقض منفصلا عن الحكم الصادر في الجوهر. علما أن نتيجة الطعن تبدو معروفة لكون الاستئناف كان خارج الأجل.
وبمعنى آخر هل يمكن استحضار مقتضيات المادة 227 من قانون المسطرة الجنائية على سبيل القياس الجائز بالنسبة لقانون الشكل للقول بعدم قبول إثارة ما سبق إثارته أمام قاضي التحقيق وشمله قرار الغرفة الجنحية.
ولضيق المقام عن تفصيل الكلام في الإشكال، ولكون منتقدي قرار قاضي التحقيق بفاس زميلنا الأستاذ الطويلب جزء منهم أعضاء في الحكومة وجزء في البرلمان أكتفي في الجواب بالإحالة على الأعمال التحضيرية للمسطرة الجنائية التي تضمنت رد الحكومة بمناسبة مناقشة المادة 227 ق م ج في البرلمان عندما أوضح ممثلها أنه لا مجال لمناقشة أعمال قاضي التحقيق أمام هيئة الحكم والحال أن القضية عرضت على الغرفة الجنحية.
وكان هناك المجال الواسع للطعن ببطلان إجراءات التحقيق، وأنه يتعين أن تنصب المناقشات أمام هيئة الحكم بعد الإحالة على جوهر القضية، لا على إجراءات التحقيق ( تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، الجزء الأول ص 185 وما بعدها). وهو نفسه موقف المشرع الفرنسي (الدكتور ميلود الحمدوشي: بطلان إجراءات التحقيق ).
وعلى هذا الأساس فإن التعبير عن الاستياء والاندهاش يبقى مجرد حالة شرود قانونية في تتبع المتذمرين لملفهم واستيعاب إجراءاته القانونية الصرفة التي لا للنيابة العامة ولا قاضي التحقيق يعدان طرفا فيها، مادام أنه انطلق بشكاية مباشرة تقدمت بها عائلة الضحية في إطار المواد 92 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية، وأن الذي يقيم الدعوى العمومية في الشكاية المباشرة ليست النيابة العامة ولكن الطرف المتضرر ( الفقرة 3 من المادة 3 ق م ج ).
ومادام الأستاذ عبد الصمد الإدريسي وصحبه اختاروا التقييم والقدح في عمل قاضي التحقيق خارج أسوار المحكمة فلا بأس من أن نذكرهم بأن قراءة سريعة للجانب الشكلي لملف القضية الذي لم يعد سريا بعد الإحالة على غرفةالجنايات تثبت أن هناك تقصير جسيم من جانبهم في تتبع إجراءاتها مسطريا وربما كانوا يعولون على الضغط والثقل الحزبيين لمعالجتها، بدليل استئنافهم لقرار قاضي التحقيق في ما يعتبرونه دفوعا جدية خارج الأجل القانوني، وهي واقعة يعرف الأستاذين المحترمين مصطفى الرميد وعبد الصمد الإدريسي بصفتهما محاميين أنها تشكل خطأ موجبا للمساءلة التأديبية مهنيا وللتعويض عن التقصير مدنيا.
فماذا إذا عن الدفع بقوة الشيء المقضي والتقادم طبقا للمادة 4 من قانون المسطرة الجنائية وعدم جواز المحاكمة عن فعل واحد مرتين طبقا للمادة 369 من قانون المسطرة الجنائية.
ثانيا: حجية الأمر المقضي: ضعف القراءة القانونية والقفز على مستجدات القضية
تسمح قراءة الأمر بالإحالة إلى استنتاج عدم جدية الدفع بالتقادم تأسيسا على المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على انقطاعه بكل إجراء من إجراءات التحقيق أو المحاكمة ويسري هذا الانقطاع كذلك حتى بالنسبة للأشخاص الذين لم يشملهم إجراء التحقيق أو المتابعة أو المحاكمة، وعليه فحتى ولئن ارتكبت الأفعال في سنة 1993 إلا أن إجراءات المحاكمة عنها بالنسبة لمجموعة من المساهمين لازالت رائجة لحد اليوم أمام غرفة الجنايات بفاس، لذلك قد يصلح ترديد الدفع بالتقادم شعارا للاحتجاج في البيانات الصحفية والبلاغات الحزبية ولكنه أهون من أن يسقط الدعوى العمومية.
وإذا كان من المعروف أن مناط حجية الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي كسبب مسقط للدعوى العمومية عملا بالمادة 4 من قانون المسطرة الجنائية تشترط وحدة في الخصوم والموضوع والسب، فإنه للقول باتحاد السبب ينبغي أن تكون الواقعة الإجرامية المعروضة على المحكمة من جديد اليوم هي نفسها بأركانها المادية وتكييفاتها القانونية كما سبق أن عرضت بالأمس على محكمة أصدرت فيها حكما اكتسب قوة الشيء المقضي به باستنفاذ طرق الطعن العادية.
ومع التسليم بضيق المجال عن تفصيل الكلام في النقاش الذي دار بين الفقه الجنائي بخصوص المقصود بعبارة نفس الأفعال فإن الأمر في نازلة الحال محسوم، فما فصل فيه الحكم الجنائي سنة 1993 هو وقائع تتعلق بجنحة المشاجرة نتج عنها وفاة طبقا للفصل 405 من القانون الجنائي، وأطرافها النيابة العامة والمتهم، أما الوقائع موضوع الشكاية المباشرة ومعها الأمر بالإحالة فتتعلق بالمساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد طبقا للفصول 128- 392-393-394 من القانون الجنائي، والخصوم فيها هما الطرف المدني كمحرك الدعوى العمومية والمتهم. واضح إذا أن شروط الدفع بقوة الشيء المقضي غير مستجمعة على الأقل بالنسبة للوقائع والأطراف أما الموضوع فدائم متوفر مادام أن الغاية كما يقول الفقه هي العقاب.
وبصرف النظر عن كون قرار الحفظ المتخذ من طرف السيد الوكيل العام للملك لدى استئنافية فاس سنة 2012 وقرار قاضي التحقيق بعدم فتح تحقيق سنة 2013 لا يعتبران حكما حائزا لقوة الشيء المقضي ولا سببا ماسا بالدعوى العمومية كمانع من فتح تحقيق طبقا للمادة 93 فق3 من قانون المسطرة الجنائية، فإن ذلك لا ينفي أن مشروعية تعليلهما آنذاك كانت مؤسسة قانونا، ولا أحد قال بتدخل الأستاذ مصطفى الرميد من موقعه كوزير للعدل فيما انتهت إليه.
ولست أدري كيف اختلط الأمر على الزميل عبد الصمد الإدريسي عندما ملأ الغل قلبه وانطمست بصيرته فواصل حملته الاستعدائية ضدي محرفا الكلم عن مواضعه، وناسبا إلي تهمة القدف في حق ذ مصطفى الرميد الذي لا خلاف لنا مع شخصه المحترم ولكن مع تدوينته التي أضحت بنشرها في الفضاء الأزرق مشرعة على النقاش العمومي الحر والمسؤول.
ولا أعتقد أن مناضلا حقوقيا ووزيرا سابقا للعدل والحريات ووزيرا حاليا للدولة في حقوق الإنسان سيشرفه ما يشيعه زميله ذ عبد الصمد الإدريسي من ترهيب وتهديد بالإحالة على مقاصل التأديب، ومصادرة الحق في الإختلاف.
مع التذكير كشهادة للتاريخ أنه وفي عز التجاذب مع الأستاذ الرميد كوزير للعدل والحريات كتبت مقالات عديدة أنتقد بعضا من قراراته في صفحة نادي قضاة المغرب على الفايس بوك تحت عنوان وحي القلم، ولم يصلني منه كوزير أي تهديد أو عتاب، وعندما جرى تهديده من طرف قوى إرهابية ورغم الاختلاف كتبت مقالا تحت عنوان ( مع الرميد ضد الإرهاب )، لذلك يجدر بزميلنا عبد الصمد الإدريسي أن يتحلى بالنزاهة الفكرية عند التعقيب و أن يرقى إلى مستوى مناقشة الأفكار في حد داتها بدل التفتيش عن خلفياتها.
أرجع للقول بأن قرار الحفظ سنة 2012 و عدم فتح تحقيق سنة 2013 مبررين قانونيا وواقعيا لكون شهادة السيد الخمار المؤداة بعد يمين قانونية أمام جهة قضائية لم تكن مطروحة على القضاء سنة 1993 بتفاصيلها، ولم يقع الإدلاء بها حسب الأمر بالإحالة إلا سنة 2016 بمناسبة قضية لا زالت رائجة أما غرفة الجنايات، متلما جرى تأكيد نفس الشهادة عند الاستماع إليه من جديد من طرف قاضي التحقيق واثناء مواجهته مع المشتكى به.
فكانت شهادته دليلا كافيا على الإحالة، ولا يمكن لأي قاضي للتحقيق في العالم أن يستبعدها كدليل أو يقيمها كوسيلة إثبات( أنظر قرارات محكمة النقض أعلاه)، ولو كتب لزميلنا ذ الإدريسي شرف ارتداء جبة القضاء وعرض عليه الملف بوقائعه ووسائل الإثبات التي ضمنت به لما كان قراره غير الإحالة على غرفة الجنايات.
وقد يقول قائل بأنه رغم ذلك لا يجوز محاكمته من جديد تأسيسا على المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية.
نبادر بداية إلى التعبير عن الاندهاش من استشهاد أنصار سبقية البت في ملف الحال بمقتضيات المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية علما أنها لا تنطبق على المشتكى به الذي لم يسبق له أن استصدر حكما بالبراءة أو الإعفاء. في حين أنها وبمفهوم المخالفة تسمح بمتابعته وإحالته وهو ما استدل عليه بمهنية عالية زميلنا ذ الطويلب في حيثيات أمره بالإحالة.
والواقع أن قرار السيد قاضي التحقيق الذي اتهمه السطحيين بالإجتهاد الأخرق، يبقى مؤيدا بالعديد من قرارات محكمة النقض الفرنسية المنشورة لمن أن أراد أن يطلع أو يلقي السمع وهو شهيد، من بينها على الأقل ثلاث قرارات أكدت على أنه ليس هناك ما يمنع من المتابعة من جديد عن القتل العمد رغم سبقية الحكم من أجل القتل الخطأ متى ظهرت أسباب وأدلة جديدة لاحقة تثبت أن موت الضحية ناتج عن فعل عمدي للمتهم دون أن يشكل ذلك ضربا لمبدأ عدم جواز المحاكمة عن الفعل الواحد مرتين ( قرارات الغرفة الجنائية لمحكم النقض الفرنسية منشورة بالمجلة الجنائية ومجموعة داولوز تحت المراجع التالية : Cass.crim.25 mars 1954.Bull.121/ cass.crim.19 mai1983.Bull.121/ d 1984.51 ).
وتبقى قضية الدم الملوث ( affaire du sang contaminé ) التي عرفتها المحاكم الفرنسية أبرز مثال على الاستدلال بإمكانية المتابعة بل والاعتقال من جديد عن فعل سبق أن صدر فيه حكم نهائي، ولكن بوصف جديد منسجم والمعطيات الجديدة التي ظهرت بعد صدور سابق الحكم بالإدانة، دون أن يلقي لا قاضي التحقيق الفرنسي ولا غرفة المحكمة النقض الفرنسية بالا للدفع بسبقية البت وحجية الأمر المقضي وعدم جواز محاكمة الشخص عن الفعل مرتين.
بل وعرض الدكتور Michel GARRETTA (الذي حوكم بداية وأدين بقرار نهائي من أجل الغش تم تقدم الضحايا من جديد بشكاية مباشرة أمام قاضي التحقيق من أجل التسميم، فاعتقل على إثرها وظل متشبتا طيلة مرحلة التقاضي التي دامت حوالي عشرين سنة : يوليوز 1994 يونيو 2003 بسيقية البت، وقوة الحكم المقضي، وعدم جواز المحاكمة مرتين) قضيته على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مواجهة القضاء الفرنسي الذي خرق المادة 4 من البرتكول السابع التي تنص مبدأ عدم جواز الحكم عن فعل واحد مرتين.
فأصدرت المحكمة الأوروبية قرارها المنشور على موقعها في الأنترنيت في القضية عدد 2529/04 بتاريخ 04 مارس 2008، برفض الطعن بعدما شرحت بتفصيل المبدأ المعروف لاتينيا ب non bis in idem والمقصود بعبارة الوقائع التي سبق البت فيها ، وأوجه الاختلاف بين الجنحة الصادر فيها حكم سابق والجناية موضوع المتابعة الجديدة، والمصالح القانونية المحمية من خلال كلا المتابعتين.
وأنصح زميلنا عبد الصمد الإدريسي وصحبه بالإطلاع على هذا القرار للاستفادة من ثرائه القانوني وسخائه المعرفي.
علما أن محكمة النقض المغربية ( المجلس الأعلى سابقا ) سبق أن اعتبرت في قرار لها بأن المحكمة لما قضت بعدم قبول المتابعة بناء على كون المتهم سبق أن توبع من أجل نفس الوقائع كما هو تابت من الحكم القضائي، دون أن تبين أن نوع الجريمة يكون قضاؤها ناقص التعليل " ( قرار رقم 6816 بتاريخ بتاريخ 26/07/1990، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 273).
و أكيد أن فقه المسطرة الجنائية المغربي وهو يناقش الدفع بقوة الشيء المقضي ومقتضيات المادة 369 من ق م ج سيقف على القرار المؤسس لزميلنا ذ الطويلب والذي رسخ المبدأ المعروف في القضاء المقارن من أن ظهور أدلة جديدة للإثبات عن واقعة جرمية لم يحاكم المتهم من أجلها بالبراءة أو الإعفاء، لا يمكن الدفع للإفلات من العقاب عنها بالمادة 4 أو 369 من قانون المسطرة الجنائية.
ومن جامع ما سبق نهمس في أذن كل من هب للنفير في مواجهة قرار قضائي في ملف كباقي الملفات بالقول بأن الدفاع عن استقلال القضاء واحترام قراراته عقيدة وجدانية راسخة ينبغي أن يعكسها سلوك متمدن وتسندها ممارسة فعلية،... فما من شخص يحق له أن يكون قاضيا في دعواه الخاصة.
كما لا يفوتني في الأخير أن أوجه التحية لزميلي الأستاذ عبد الصمد الإدريسي الذي أخرجتني تدويناته بعدوانيتها المستفزة من روتين عطلة قصيرة أقضيها كالعادة مستمتعا بتفاهتي تارة في البيت بين صغاري وتارة أخرى على رصيف المقاهي صحبة أصدقائي، ودفعتني إلى خوض نقاش قانوني صرف بصفتي مواطنا، جمعويا، وقبل ذلك باحثا في صف الدكتوراه، أما صفتي القضائية كنائب للوكيل العام فسرعان ما أنساها بمجرد أن تتخطى قدماي عتبة المحكمة.
وإن عدتم عدنا.
(*) عضو المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب
بالدارالبيضاء، رئيس تحرير مجلته القانونية، وباحت في صف الدكتوراه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.