الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    البطولة: اتحاد طنجة المنقوص عدديا ينتصر على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرس الذي تصر إسرائيل على الا تتعلمه!


إبراهيم عبدالله صرصور*
تتفق الأغلبية الساحقة من المحللين الإسرائيليين الذين تحرروا من العقد الخبيثة التي تركها تعصب الصهيونية المقيتة والصهيونية الدينية الفاشية، ومن الاباطيل التي خلَّفها الكذب والتشويه الممنهج للحقائق التاريخية والدينية والسياسية (رغم قلتهم)، على ان احداث 7.10 التي قادتها حركة حماس، أدت الى انهيار سبعة من التصورات/القناعات/المُسَلَّمَات الرئيسية التي هيمنت على المجتمع الإسرائيلي في ظل حكومات اليمين واليمين المتطرف، ولكن ليس فقط، وهي التصورات التي كانت "المُلهِمة" للحكومات الإسرائيلية في صياغة سياساتها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية منذ نكبة فلسطين وقيام إسرائيل وحتى الآن...
(1)
التصور الأول – "ليست هناك حاجة للسلام مع الفلسطينيين. الجيش يستطيع الدفاع عن إسرائيل بدونه". اثبتت احداث السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر فشل المستويين السياسي والعسكري إضافة الى الأجهزة الأمنية وفي قلبها "الشاباك" و "الموساد" في مهمتها الرئيسية، وهي حماية إسرائيل وحدودها ومواطنيها. نسي قادة إسرائيل ان الجيش والأجهزة الأمنية قد تنجح في حماية الدولة لبعض الوقت، لكنها لن تستطيع حمايتها طول الوقت. السلام الحقيقي هو الضمان الوحيد لاستمرار إسرائيل في الوجود! إسرائيل لا يمكنها ان تعيش تحت "ظل السيوف" الى الابد!
الثاني – "استمرار احتلال الشعب الفلسطيني لا يضر بازدهار إسرائيل ولا بعلاقاتها الخارجية". ظن الكثير من القيادات الإسرائيليين ان بقدرتهم "إدارة الصراع" دون التعامل بجدية ومسؤولية مع استحقاقات الحل لهذا الصراع من حيث الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وانهاء الاحتلال. اثبتت احداث 7.10 انهيار الدولة الغنية بالتكنولوجيا وذات الجيش القوي أمام منظمة حماس ذات القدرات العسكرية التي لا تقارن مع قوة إسرائيل، كما ان الاقتصاد الإسرائيلي يوشك على الانهيار لولا الدعم الأمريكي الاقتصادي اللامحدود لإسرائيل. توهم قيادات اسرائيل أن الفلسطينيين في قطاع غزة سيعيشون إلى الأبد بهدوء داخل أكبر سجن على وجه الأرض، مع 4 ساعات من الكهرباء يوميا، مع أكثر من 70% من البطالة، في فقر مدقع، بينما على الجانب الآخر من السياج تعيش البلدات اليهودية حالة ازدهار وتطور ورفاه اسطوري. أصبح واضحا خطأ هذا التصور وسقوط هذا النظرية.
الثالث – "المستوطنات تحمي إسرائيل وتدافع عنها". أثبتت احداث تشرين الأول/أكتوبر عكس هذه الدعوى تماما. يشير هؤلاء المحللون الى انه وبدلا من حماية سكان غلاف غزة، حرص المستوى السياسي الاسرائيلي على التأكد من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ظل منشغلا بحماية خيمة "عيد العرش" الاستيطانية في بلدة حوارة الفلسطينية، وحراسة البؤر الاستيطانية غير القانونية، ومرافقة قطعان المستوطنين في اعتداءاتهم التي لا تتوقف ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، والتأكد من عدم قيام أي فلسطيني بالتجول في الشارع المؤدي الى الاستيطان اليهودي في الخليل المتاح فقط لليهود "الأنقياء"! أصبح واضحا ان المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك مدينة القدس، يشكل "التهديد" الحقيقي لوجود إسرائيل من جهة، والعقبة الأساسية في طريق تحقيق أي حل سلمي مع الشعب الفلسطيني! تشير المعطيات المنشورة اسرائيليا الى أنه في يوم 7.10، كانت هناك 36 كتيبة مقاتلة في الضفة الغربية مقابل كتيبتين فقط في قطاع غزة، الامر الذي يشير – حسب المحللين الإسرائيليين – الى أنه بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي يقودها المستوطنون المتطرفون، ويحدد ايقاعها مؤيدوهم في الميدان، فإن دماء المستوطنين أكثر احمرارا من دماء سكان غلاف غزة.
الرابع – "القوة الغاشمة، وسياسة الأرض المحروقة، والقتل الجماعي سيردع الشعب الفلسطيني، وسيدفعه الى (الركوع) والقبول بالفتات التي تعرضه إسرائيل"... اثبتت احداث 7.10 وما قبلها من الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة (الرصاص المصبوب/معركة الفرقان (2008)، حرب عمود الغمام/حجارة السجيل (2012)، حرب الجرف الصامد/ العصف المأكول (2014)، حارس الأسوار/سيف القدس (2021)، إضافة الى حرب الجدار الواقي (2002) في الضفة الغربية المحتلة، اثبتت كلها ان الشعب الفلسطيني وخصوصا اجياله الشابة التي ولدت في ظل الاحتلال الاسرائيلي، خرج من كل هذه الحروب اكثر إصرارا على رفض الاحتلال والاستعداد لمواجهته مهما كانت التكاليف. من الواضح ان نظرية إسرائيل بشأن "القوة الغاشمة" كوسيلة لتركيع الشعب الفلسطيني ليست أكثر من وهم لا صلة له بالواقع!
الخامس – "المجتمع الدولي سيظل داعما لإسرائيل مهما كان حجم انتهاكها للقانون الدولي"... ما من شك في ان الغرب وفي قلبه الولايات المتحدة الامريكية الذي أقام إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني ووطنه الذي لا وطن له سواه، ظل داعما لإسرائيل وحاميا لها منذ قيامها وحتى الآن سياسيا وعسكريا وماليا، إلا ان الشعوب في الغرب بدأت تتململ وهي ترى أموالها تذهب لذبح الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه المشروع في الاستقلال وكنس الاحتلال! احداث 7.10 وما تلاها من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة المحاصر منذ سبعة عشر عاما، والمشاهد المأساوية التي تبثها وسائل الاعلام حية على الهواء على مدار الساعة، فجرت موجة شعبية وإعلامية عاتية من الاعتراض الصاخب ضد إسرائيل وجرائمها في عدد كبير من العواصم والمدن حول العالم وبالذات في أوروبا، ودفعت بالكثير من الدول الى إعادة النظر في علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي الامر الذي يمكن ان يشكل ضغطا حقيقيا يوقف الحرب ويدفع في اتجاه البحث عن حلول جذرية للصراع في الشرق الأوسط.
السادس – "الرأي العام الإسرائيلي سيظل من وراء حكوماته مهما كانت تضحياته، وسيثق فيها مهما كانت أخطاؤها".... صحيح ان الراي العام الإسرائيلي ظل من وراء حكوماته المتعاقبة منذ العام 1948 وحتى الآن، الا ان احداث 7.10 خلقت وضعا جديدا كسر هذا "الطابو" المتوارث وبدأ الحديث العلني عن "فقد الثقة" في القيادة السياسية والأمنية التي لم تستطع ان تحمي مواطنيها، حتى ذهب احد ممثلي أهالي الاسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس (افيتاي بروديتس) الذي زوجته واولاده الثلاثة مخطوفون في غزة، الى القول في برنامج قناة 12: "عائلتي اختطفت ليس بسبب حماس، ولكن بسبب انه لم يكن هنالك جيش للدفاع عني وعن عائلتي!"، مُحَمِّلا الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عما حدث، ورافضا تحميل حركة حماس المسؤولية مؤكدا على ان حماس نفذت عملية "نوعية/مميزة" وقفت إسرائيل "العظيمة" امامها عاجزة عن حماية جنودها وضباطها ناهيك عن حماية رعاياها ومواطنيها! المتابع للمشهد الإسرائيلي يلاحظ من غير كثير عناء دور الرأي العام وبالذات (أهالي الاسرى) في الضغط على حكومة إسرائيل من اجل القبول بصفقة لتبادل الاسرى مع حماس وان كان بثمن وقفٍ كاملٍ لإطلاق النار، ودعوة بعضهم الى الاعتراف بان الحلول العسكرية لم تعد هي الحل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي زاد عمره على المائة عام، وانه قد آن الأوان للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال أسوة بكل شعوب العالم.
التصور السابع – "اليهود ينتمون الى الحضارة الأوروبية كما ان إسرائيل جزء من الغرب، وليس من الشرق، وان الغرب هو الضمان لأمن ووجود اسرائيل". اثبتت احداث 7.10 بطلان هذا الزعم، ودفعت الكثيرين من المحللين الإسرائيليين لمداهمة الحقيقة التي نسيها الكثير من اليهود بسبب عملية "غسيل المخ" التي مارستها الصهيونية الفاشية ضد اليهود فأفسدت عليهم حياتهم! الحقيقة انه لم يعش اليهود عصورهم الذهبية الا مع المسلمين وفي ظل الدولة الاسلامية على مدار 1400 عام، بينما ذبحتهم اوروبا على مدى الاف السنين. لم يجد اليهود ملاذا آمنا من بطش اوروبا الا في بلاد المسلمين! الصهيونية افسدت كل شيء، وانست اليهود تاريخهم الحقيقي!
(2)
أتصور ان دولة إسرائيل تقف في هذه المرحلة الدقيقة أمام أهم مفترق طرق منذ وجودها. إن الإصرار على إلى استمرار الاحتلال بكل ما يجسده من وحشيةٍ وشراسةٍ واعتداءٍ على أبسط حقوق الانسان الفلسطيني والعربي، وانتهاكٍ لكل قرارات الشرعية الدولية، وتحدٍّ للإرادة الأممية، وتَعَدٍّ على القيم الدينية والأعراف والتقاليد الإنسانية، سيأخذها حتما إلى حِقَبٍ أخرى من الصراع الدموي الذي سيجبي أثمانا باهظة من كل أطراف الصراع، وسيعجل النهاية الفعلية لدولة إسرائيل.
إذا واصلت اسرائيل احتلال فلسطين وطنا وشعبا ومقدسات حتى لو دمرت قطاع غزة فوق رؤوس اهله وهي تفعل ذلك بامتياز امام سمع وبصر العالم بما في ذلك العالم العربي والاسلامي، فلن تنجح ابدا في قتل إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني وإصراره على انتزاع حقوقه المشروعة بأي طريق. حماس وغيرها من التنظيمات لا تمثل فصائل فلسطينية مقاتلة فقط، وإنما هي فكرة متغلغلة في المجتمع الفلسطيني ستجد من يحملها ويمضي بها حتى تحقق أهدافها في الاستقلال وكنس الاحتلال وإن تغيرت الأسماء وتبدلت العناوين.
ليست فلسطين وليس الشعب الفلسطيني بِدْعاً في هذا الشأن، وإنما هو حال كل الشعوب التي خاضت معركة التحرير ضد كل محتل مهما بلغت سطوته وقسوته ووحشيته، وفي التاريخ القديم والحديث من الوقائع والاحداث ما يثبت ذلك بما في ذلك تاريخ اليهود أنفسهم.
(3)
انهاء الاحتلال لا يجب ان يكون فقط مهمة الشعوب التي تعيش تحت نيره وتعاني من ويلاته، وإنما يجب ان يكون مهمة المجتمع الدولي الذي يدعي حماية حقوق الانسان وحرية الشعوب، والذي وضع القوانين والمعاهدات التي تكفل هذه الحقوق وتدعو الى صيانتها وحمايتها والوقوف في وجه من تُسَوِّلُ له نفسه انتهاكها. مما يؤسف له ان هذا المجتمع الدولي الذي وضع نفسه حاميا للشرعية الدولية يعاني من امراض مزمنة في قلبها الكيل بمكيالين، وتغليب المصالح على المبادئ، والانحياز الى القوي وإن كان على الباطل المحض، والوقوف في وجه الضعيف وإن كان على الحق المحض... ليس هنالك من مثلٍ يثبت هذه الحقيقة أكثر من الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر أطول احتلال في التاريخ المعاصر. كتب الباحث ديفيد هيوز مقالا في هذا الصدد بعنوان "التكتيكات والاحتلال غير المشروع وحدود القدرة القانونية"، أكد فيه انه فوق ان الاحتلال هو إجراء غير قانوني، فإن إنهاءه هو واجب قانوني.
السلام العادل والشامل والدائم القائم على حق الشعوب في الحرية والاستقلال لا يخدم الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال فقط، وإنما يخدم الذين يمارسون الاحتلال أيضا. انهاء الاحتلال معناه تحرير من يعيش تحت الاحتلال بنيله الحرية من جهة، وتحرير من يمارس الاحتلال من عبئه الثقيل ومن أثره في إفساد النفس البشرية وشؤم طغيان الغرائز الوحشية، ناهيك عن تحريره من تبعات جرائمه ضد الإنسانية وانتهاكه لكل الأعراف الدينية!
(4)
الفلسطينيون قيادة وشعبا موحدون اجمالا في رؤيتهم نحو الحل مع إسرائيل. الكل الفلسطيني بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي وفتح وباقي الفصائل يبحثون عن حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله بناء على القرارات الدولية ذات الصلة، أي دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل التراب الوطني الفلسطيني المحتل عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الى وطنهم. لا أحد يختلف على هذا المبدأ. الفصائل الفلسطينية التي لم تكن جزءا من اتفاق أوسلو بما في ذلك حماس اكدت في أكثر من مناسبة للرئيس الفلسطيني أبو مازن انها ستبارك أي جهد يحقق للشعب الفلسطيني حريته واستقلاله وعودة لاجئيه، ولن تكون هذه الفصائل يوما حجر عثرة في طريق هذا الهدف. فماذا كانت نتيجة المفاوضات التي مر عليها ثلاثون عاما تقريبا؟ لا شيء!
لم تكن الدولة الفلسطينية المستقلة يوما أبعد عن ان تصبح واقعا منها اليوم! حكومات إسرائيل وخصوصا الحالية (نتنياهو – سموتريتش – بن غفير) سعت بشكل ممنهج وعلني للقضاء على أية فرصة للتوصل الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة كما يحلم بها الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال تشديد قبضة احتلالها وتوسيع استيطانها وإطلاق يد عصابات مستوطنيها والتضييق على الشعب الفلسطيني، وتهويد القدس والتخطيط لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، كل ذلك دفع الشعب الفلسطيني بكل فصائله الى نفض اليد من اتفاق أوسلو والبحث عن طرق لحماية الوطن وتحريره حسب ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية. ليس ادل على ذلك من ان الحكومة الإسرائيلية لم تفرق في تعاملها الاحتلالي الغاشم بين رام الله وغزة، بين السلطة الفلسطينية التي يقف على رأسها أبو مازن وبين غزة التي تديرها حماس! كل الشعب الفلسطيني في نظر الحكومة الاسرائيلية "عدو" يجب العمل على استئصاله واستئصال إرادة الحرية فيه، والقضاء على حلمه في الاستقلال خدمة للمشروع الصهيوني الحالم في إقامة "إسرائيل الكبرى" من البحر الى النهر، وربما ابعد من ذلك!
كما حرصت الحكومة ورؤساء المستوطنين على شيطنة حماس وفصائل المقاومة، فإنها أعلنت بأنه لا يوجد شريك، وأنه ليس لديها خيار سوى العيش بحد السيف فقط. وأي زعيم فلسطيني يمكن أن يشارك في حلم السلام يُصَوَّرُ على الفور في إسرائيل على أنه إرهابي بما في ذلك الرئيس أبو مازن. تنفيذا لهذه الرؤية لم يكن غريبا ان نسمع من يطالب ب-"محو" حوارة، وإن "القاء قنبلة ذرية على غزة أمر محتمل"، و "يجب انهاء ما ظل ناقصا في مشروع بن غوريون" يعني طبعا استكمال نكبة فلسطين من خلال تهجير من تبقى من الشعب الفلسطيني من وطنه، و "الحديث عن انقطاع الأنترنت يعني اننا لم نتعلم شيئا. المطلوب حرق غزة الان"، إضافة الى إطلاق حملات لإطلاق سراح قتلة إرهابيين يهود! لم تخرج هذه التصريحات من أناس هامشيين، هؤلاء وزراء وقادة أحزاب وأعضاء كنيست كبار في الائتلاف.
الحرب على قطاع غزة لا علاقة لها بأمن إسرائيل واستقرارها ولا بمستقبلها. على العكس تماما، فهذه الحرب اثبتت هشاشة الأسس التي يتخيل قيادات إسرائيل انها الضامنة لبقائها بينما هي المعجلة في فنائها.
(5)
لماذا لم ينجح قادة إسرائيل في تعلم الدرس من تجربة نحو 75 عاما منذ الاستقلال (نكبة فلسطين)؟ لماذا لم يصل قادة إسرائيل ان انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل هو المخرج من هذا النفق المظلم، وان استمرار إسرائيل في العيش في ظل الحراب سيؤدي الى الفناء؟ البحث في الإجابة على هذا السؤال تأخذ بأيدينا الى ان أحدا من هؤلاء القيادات الصهيونية المتطرفة لا يفكر في مستقبل اليهود وان ادعوا ذلك، وانما يفكرون فقط في مصالحهم. هذا من جهة. اما من الجهة الأخرى، فغياب الصوت الشجاع من دول العالم التي تدعي وصلا بإسرائيل القادر على ان يصرخ في وجه قيادتها بانه لا حل الا بإنهاء الاحتلال واستقلال فلسطين.
استمرار الحرب على غزة من عدمه مثلا، مرتبط بموقف المجتمع الدولي الحاسم من هذا الصراع، وممارسته الضغط على إسرائيل للتعامل المسؤول مع جذور الصراع وليس مع اعراضه! إذا ظل قرار الحرب في يد نتنياهو وقادة الجيش فأخشى ان مصلحتهما تتقاطع بإطالة أمد الحرب! نتنياهو يعرف ان نهاية الحرب تساوي نهايته السياسية، بينما لا يستطيع قادة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأقل من هزيمة كاملة لحماس بعد الفشل الكبير الذي منيت به في 7 أكتوبر، ما قد يؤدي إلى استمرار الحرب لفترة طويلة.
فماذا يتوقع العالم من الفلسطينيين قيادة وفصائل وشعبا ان يفعلوا حيال هذا الوضع؟! الاستسلام! طبعا لن يكون! الحل بيد المجتمع الدولي فقط، فقادة إسرائيل ليسوا العنوان لذلك!
*الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني/1948


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.