الدمناتي: مسيرة FDT بطنجة ناجحة والاتحاد الاشتراكي سيظل دائما في صفوف النضال مدافعا عن حقوق الشغيلة    تيزنيت: الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ينظم تظاهرته بمناسبة فاتح ماي 2025 ( صور )    عندما يهاجم بنكيران الشعب.. هل زلّ لسانه أم كشف ما في داخله؟    وزراء خارجية "البريكس" وشركاؤهم يجتمعون في ريو دي جانيرو    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يدشن مشاركته بفوز صعب على كينيا    في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينتصر على كينيا ويشارك الصدارة مع نيجيريا قبل المباراة المرتقبة بينهما    أمطار طوفانية تغمر زاكورة.. وسيول كادت تودي بأرواح لولا تدخل المواطنين    الشرطة الإسبانية تعتقل زوجين بسبب احتجاز أطفالهما في المنزل ومنعهم من الدراسة    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فرنسا.. ضبط 9 أطنان من الحشيش بعد سطو مسلح على شاحنة مغربية قرب ليون (فيديو)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    باحثة إسرائيلية تكتب: لايجب أن نلوم الألمان على صمتهم على الهلوكوست.. نحن أيضا نقف متفرجين على الإبادة في غزة    اتحاد إنجلترا يبعد "التحول الجنسي" عن كرة القدم النسائية    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    تراجع طفيف تشهده أسعار المحروقات بالمغرب    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    العثور على جثة مهاجر جزائري قضى غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    الإسباني لوبيتيغي يدرب منتخب قطر    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    الإعلان في "ميتا" يحقق نتائج أرباح ربعية فوق التوقعات    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرس الذي تصر إسرائيل على الا تتعلمه!


إبراهيم عبدالله صرصور*
تتفق الأغلبية الساحقة من المحللين الإسرائيليين الذين تحرروا من العقد الخبيثة التي تركها تعصب الصهيونية المقيتة والصهيونية الدينية الفاشية، ومن الاباطيل التي خلَّفها الكذب والتشويه الممنهج للحقائق التاريخية والدينية والسياسية (رغم قلتهم)، على ان احداث 7.10 التي قادتها حركة حماس، أدت الى انهيار سبعة من التصورات/القناعات/المُسَلَّمَات الرئيسية التي هيمنت على المجتمع الإسرائيلي في ظل حكومات اليمين واليمين المتطرف، ولكن ليس فقط، وهي التصورات التي كانت "المُلهِمة" للحكومات الإسرائيلية في صياغة سياساتها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية منذ نكبة فلسطين وقيام إسرائيل وحتى الآن...
(1)
التصور الأول – "ليست هناك حاجة للسلام مع الفلسطينيين. الجيش يستطيع الدفاع عن إسرائيل بدونه". اثبتت احداث السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر فشل المستويين السياسي والعسكري إضافة الى الأجهزة الأمنية وفي قلبها "الشاباك" و "الموساد" في مهمتها الرئيسية، وهي حماية إسرائيل وحدودها ومواطنيها. نسي قادة إسرائيل ان الجيش والأجهزة الأمنية قد تنجح في حماية الدولة لبعض الوقت، لكنها لن تستطيع حمايتها طول الوقت. السلام الحقيقي هو الضمان الوحيد لاستمرار إسرائيل في الوجود! إسرائيل لا يمكنها ان تعيش تحت "ظل السيوف" الى الابد!
الثاني – "استمرار احتلال الشعب الفلسطيني لا يضر بازدهار إسرائيل ولا بعلاقاتها الخارجية". ظن الكثير من القيادات الإسرائيليين ان بقدرتهم "إدارة الصراع" دون التعامل بجدية ومسؤولية مع استحقاقات الحل لهذا الصراع من حيث الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وانهاء الاحتلال. اثبتت احداث 7.10 انهيار الدولة الغنية بالتكنولوجيا وذات الجيش القوي أمام منظمة حماس ذات القدرات العسكرية التي لا تقارن مع قوة إسرائيل، كما ان الاقتصاد الإسرائيلي يوشك على الانهيار لولا الدعم الأمريكي الاقتصادي اللامحدود لإسرائيل. توهم قيادات اسرائيل أن الفلسطينيين في قطاع غزة سيعيشون إلى الأبد بهدوء داخل أكبر سجن على وجه الأرض، مع 4 ساعات من الكهرباء يوميا، مع أكثر من 70% من البطالة، في فقر مدقع، بينما على الجانب الآخر من السياج تعيش البلدات اليهودية حالة ازدهار وتطور ورفاه اسطوري. أصبح واضحا خطأ هذا التصور وسقوط هذا النظرية.
الثالث – "المستوطنات تحمي إسرائيل وتدافع عنها". أثبتت احداث تشرين الأول/أكتوبر عكس هذه الدعوى تماما. يشير هؤلاء المحللون الى انه وبدلا من حماية سكان غلاف غزة، حرص المستوى السياسي الاسرائيلي على التأكد من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ظل منشغلا بحماية خيمة "عيد العرش" الاستيطانية في بلدة حوارة الفلسطينية، وحراسة البؤر الاستيطانية غير القانونية، ومرافقة قطعان المستوطنين في اعتداءاتهم التي لا تتوقف ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، والتأكد من عدم قيام أي فلسطيني بالتجول في الشارع المؤدي الى الاستيطان اليهودي في الخليل المتاح فقط لليهود "الأنقياء"! أصبح واضحا ان المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك مدينة القدس، يشكل "التهديد" الحقيقي لوجود إسرائيل من جهة، والعقبة الأساسية في طريق تحقيق أي حل سلمي مع الشعب الفلسطيني! تشير المعطيات المنشورة اسرائيليا الى أنه في يوم 7.10، كانت هناك 36 كتيبة مقاتلة في الضفة الغربية مقابل كتيبتين فقط في قطاع غزة، الامر الذي يشير – حسب المحللين الإسرائيليين – الى أنه بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي يقودها المستوطنون المتطرفون، ويحدد ايقاعها مؤيدوهم في الميدان، فإن دماء المستوطنين أكثر احمرارا من دماء سكان غلاف غزة.
الرابع – "القوة الغاشمة، وسياسة الأرض المحروقة، والقتل الجماعي سيردع الشعب الفلسطيني، وسيدفعه الى (الركوع) والقبول بالفتات التي تعرضه إسرائيل"... اثبتت احداث 7.10 وما قبلها من الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة (الرصاص المصبوب/معركة الفرقان (2008)، حرب عمود الغمام/حجارة السجيل (2012)، حرب الجرف الصامد/ العصف المأكول (2014)، حارس الأسوار/سيف القدس (2021)، إضافة الى حرب الجدار الواقي (2002) في الضفة الغربية المحتلة، اثبتت كلها ان الشعب الفلسطيني وخصوصا اجياله الشابة التي ولدت في ظل الاحتلال الاسرائيلي، خرج من كل هذه الحروب اكثر إصرارا على رفض الاحتلال والاستعداد لمواجهته مهما كانت التكاليف. من الواضح ان نظرية إسرائيل بشأن "القوة الغاشمة" كوسيلة لتركيع الشعب الفلسطيني ليست أكثر من وهم لا صلة له بالواقع!
الخامس – "المجتمع الدولي سيظل داعما لإسرائيل مهما كان حجم انتهاكها للقانون الدولي"... ما من شك في ان الغرب وفي قلبه الولايات المتحدة الامريكية الذي أقام إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني ووطنه الذي لا وطن له سواه، ظل داعما لإسرائيل وحاميا لها منذ قيامها وحتى الآن سياسيا وعسكريا وماليا، إلا ان الشعوب في الغرب بدأت تتململ وهي ترى أموالها تذهب لذبح الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه المشروع في الاستقلال وكنس الاحتلال! احداث 7.10 وما تلاها من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة المحاصر منذ سبعة عشر عاما، والمشاهد المأساوية التي تبثها وسائل الاعلام حية على الهواء على مدار الساعة، فجرت موجة شعبية وإعلامية عاتية من الاعتراض الصاخب ضد إسرائيل وجرائمها في عدد كبير من العواصم والمدن حول العالم وبالذات في أوروبا، ودفعت بالكثير من الدول الى إعادة النظر في علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي الامر الذي يمكن ان يشكل ضغطا حقيقيا يوقف الحرب ويدفع في اتجاه البحث عن حلول جذرية للصراع في الشرق الأوسط.
السادس – "الرأي العام الإسرائيلي سيظل من وراء حكوماته مهما كانت تضحياته، وسيثق فيها مهما كانت أخطاؤها".... صحيح ان الراي العام الإسرائيلي ظل من وراء حكوماته المتعاقبة منذ العام 1948 وحتى الآن، الا ان احداث 7.10 خلقت وضعا جديدا كسر هذا "الطابو" المتوارث وبدأ الحديث العلني عن "فقد الثقة" في القيادة السياسية والأمنية التي لم تستطع ان تحمي مواطنيها، حتى ذهب احد ممثلي أهالي الاسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس (افيتاي بروديتس) الذي زوجته واولاده الثلاثة مخطوفون في غزة، الى القول في برنامج قناة 12: "عائلتي اختطفت ليس بسبب حماس، ولكن بسبب انه لم يكن هنالك جيش للدفاع عني وعن عائلتي!"، مُحَمِّلا الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عما حدث، ورافضا تحميل حركة حماس المسؤولية مؤكدا على ان حماس نفذت عملية "نوعية/مميزة" وقفت إسرائيل "العظيمة" امامها عاجزة عن حماية جنودها وضباطها ناهيك عن حماية رعاياها ومواطنيها! المتابع للمشهد الإسرائيلي يلاحظ من غير كثير عناء دور الرأي العام وبالذات (أهالي الاسرى) في الضغط على حكومة إسرائيل من اجل القبول بصفقة لتبادل الاسرى مع حماس وان كان بثمن وقفٍ كاملٍ لإطلاق النار، ودعوة بعضهم الى الاعتراف بان الحلول العسكرية لم تعد هي الحل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي زاد عمره على المائة عام، وانه قد آن الأوان للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال أسوة بكل شعوب العالم.
التصور السابع – "اليهود ينتمون الى الحضارة الأوروبية كما ان إسرائيل جزء من الغرب، وليس من الشرق، وان الغرب هو الضمان لأمن ووجود اسرائيل". اثبتت احداث 7.10 بطلان هذا الزعم، ودفعت الكثيرين من المحللين الإسرائيليين لمداهمة الحقيقة التي نسيها الكثير من اليهود بسبب عملية "غسيل المخ" التي مارستها الصهيونية الفاشية ضد اليهود فأفسدت عليهم حياتهم! الحقيقة انه لم يعش اليهود عصورهم الذهبية الا مع المسلمين وفي ظل الدولة الاسلامية على مدار 1400 عام، بينما ذبحتهم اوروبا على مدى الاف السنين. لم يجد اليهود ملاذا آمنا من بطش اوروبا الا في بلاد المسلمين! الصهيونية افسدت كل شيء، وانست اليهود تاريخهم الحقيقي!
(2)
أتصور ان دولة إسرائيل تقف في هذه المرحلة الدقيقة أمام أهم مفترق طرق منذ وجودها. إن الإصرار على إلى استمرار الاحتلال بكل ما يجسده من وحشيةٍ وشراسةٍ واعتداءٍ على أبسط حقوق الانسان الفلسطيني والعربي، وانتهاكٍ لكل قرارات الشرعية الدولية، وتحدٍّ للإرادة الأممية، وتَعَدٍّ على القيم الدينية والأعراف والتقاليد الإنسانية، سيأخذها حتما إلى حِقَبٍ أخرى من الصراع الدموي الذي سيجبي أثمانا باهظة من كل أطراف الصراع، وسيعجل النهاية الفعلية لدولة إسرائيل.
إذا واصلت اسرائيل احتلال فلسطين وطنا وشعبا ومقدسات حتى لو دمرت قطاع غزة فوق رؤوس اهله وهي تفعل ذلك بامتياز امام سمع وبصر العالم بما في ذلك العالم العربي والاسلامي، فلن تنجح ابدا في قتل إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني وإصراره على انتزاع حقوقه المشروعة بأي طريق. حماس وغيرها من التنظيمات لا تمثل فصائل فلسطينية مقاتلة فقط، وإنما هي فكرة متغلغلة في المجتمع الفلسطيني ستجد من يحملها ويمضي بها حتى تحقق أهدافها في الاستقلال وكنس الاحتلال وإن تغيرت الأسماء وتبدلت العناوين.
ليست فلسطين وليس الشعب الفلسطيني بِدْعاً في هذا الشأن، وإنما هو حال كل الشعوب التي خاضت معركة التحرير ضد كل محتل مهما بلغت سطوته وقسوته ووحشيته، وفي التاريخ القديم والحديث من الوقائع والاحداث ما يثبت ذلك بما في ذلك تاريخ اليهود أنفسهم.
(3)
انهاء الاحتلال لا يجب ان يكون فقط مهمة الشعوب التي تعيش تحت نيره وتعاني من ويلاته، وإنما يجب ان يكون مهمة المجتمع الدولي الذي يدعي حماية حقوق الانسان وحرية الشعوب، والذي وضع القوانين والمعاهدات التي تكفل هذه الحقوق وتدعو الى صيانتها وحمايتها والوقوف في وجه من تُسَوِّلُ له نفسه انتهاكها. مما يؤسف له ان هذا المجتمع الدولي الذي وضع نفسه حاميا للشرعية الدولية يعاني من امراض مزمنة في قلبها الكيل بمكيالين، وتغليب المصالح على المبادئ، والانحياز الى القوي وإن كان على الباطل المحض، والوقوف في وجه الضعيف وإن كان على الحق المحض... ليس هنالك من مثلٍ يثبت هذه الحقيقة أكثر من الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر أطول احتلال في التاريخ المعاصر. كتب الباحث ديفيد هيوز مقالا في هذا الصدد بعنوان "التكتيكات والاحتلال غير المشروع وحدود القدرة القانونية"، أكد فيه انه فوق ان الاحتلال هو إجراء غير قانوني، فإن إنهاءه هو واجب قانوني.
السلام العادل والشامل والدائم القائم على حق الشعوب في الحرية والاستقلال لا يخدم الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال فقط، وإنما يخدم الذين يمارسون الاحتلال أيضا. انهاء الاحتلال معناه تحرير من يعيش تحت الاحتلال بنيله الحرية من جهة، وتحرير من يمارس الاحتلال من عبئه الثقيل ومن أثره في إفساد النفس البشرية وشؤم طغيان الغرائز الوحشية، ناهيك عن تحريره من تبعات جرائمه ضد الإنسانية وانتهاكه لكل الأعراف الدينية!
(4)
الفلسطينيون قيادة وشعبا موحدون اجمالا في رؤيتهم نحو الحل مع إسرائيل. الكل الفلسطيني بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي وفتح وباقي الفصائل يبحثون عن حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله بناء على القرارات الدولية ذات الصلة، أي دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل التراب الوطني الفلسطيني المحتل عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الى وطنهم. لا أحد يختلف على هذا المبدأ. الفصائل الفلسطينية التي لم تكن جزءا من اتفاق أوسلو بما في ذلك حماس اكدت في أكثر من مناسبة للرئيس الفلسطيني أبو مازن انها ستبارك أي جهد يحقق للشعب الفلسطيني حريته واستقلاله وعودة لاجئيه، ولن تكون هذه الفصائل يوما حجر عثرة في طريق هذا الهدف. فماذا كانت نتيجة المفاوضات التي مر عليها ثلاثون عاما تقريبا؟ لا شيء!
لم تكن الدولة الفلسطينية المستقلة يوما أبعد عن ان تصبح واقعا منها اليوم! حكومات إسرائيل وخصوصا الحالية (نتنياهو – سموتريتش – بن غفير) سعت بشكل ممنهج وعلني للقضاء على أية فرصة للتوصل الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة كما يحلم بها الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال تشديد قبضة احتلالها وتوسيع استيطانها وإطلاق يد عصابات مستوطنيها والتضييق على الشعب الفلسطيني، وتهويد القدس والتخطيط لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، كل ذلك دفع الشعب الفلسطيني بكل فصائله الى نفض اليد من اتفاق أوسلو والبحث عن طرق لحماية الوطن وتحريره حسب ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية. ليس ادل على ذلك من ان الحكومة الإسرائيلية لم تفرق في تعاملها الاحتلالي الغاشم بين رام الله وغزة، بين السلطة الفلسطينية التي يقف على رأسها أبو مازن وبين غزة التي تديرها حماس! كل الشعب الفلسطيني في نظر الحكومة الاسرائيلية "عدو" يجب العمل على استئصاله واستئصال إرادة الحرية فيه، والقضاء على حلمه في الاستقلال خدمة للمشروع الصهيوني الحالم في إقامة "إسرائيل الكبرى" من البحر الى النهر، وربما ابعد من ذلك!
كما حرصت الحكومة ورؤساء المستوطنين على شيطنة حماس وفصائل المقاومة، فإنها أعلنت بأنه لا يوجد شريك، وأنه ليس لديها خيار سوى العيش بحد السيف فقط. وأي زعيم فلسطيني يمكن أن يشارك في حلم السلام يُصَوَّرُ على الفور في إسرائيل على أنه إرهابي بما في ذلك الرئيس أبو مازن. تنفيذا لهذه الرؤية لم يكن غريبا ان نسمع من يطالب ب-"محو" حوارة، وإن "القاء قنبلة ذرية على غزة أمر محتمل"، و "يجب انهاء ما ظل ناقصا في مشروع بن غوريون" يعني طبعا استكمال نكبة فلسطين من خلال تهجير من تبقى من الشعب الفلسطيني من وطنه، و "الحديث عن انقطاع الأنترنت يعني اننا لم نتعلم شيئا. المطلوب حرق غزة الان"، إضافة الى إطلاق حملات لإطلاق سراح قتلة إرهابيين يهود! لم تخرج هذه التصريحات من أناس هامشيين، هؤلاء وزراء وقادة أحزاب وأعضاء كنيست كبار في الائتلاف.
الحرب على قطاع غزة لا علاقة لها بأمن إسرائيل واستقرارها ولا بمستقبلها. على العكس تماما، فهذه الحرب اثبتت هشاشة الأسس التي يتخيل قيادات إسرائيل انها الضامنة لبقائها بينما هي المعجلة في فنائها.
(5)
لماذا لم ينجح قادة إسرائيل في تعلم الدرس من تجربة نحو 75 عاما منذ الاستقلال (نكبة فلسطين)؟ لماذا لم يصل قادة إسرائيل ان انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل هو المخرج من هذا النفق المظلم، وان استمرار إسرائيل في العيش في ظل الحراب سيؤدي الى الفناء؟ البحث في الإجابة على هذا السؤال تأخذ بأيدينا الى ان أحدا من هؤلاء القيادات الصهيونية المتطرفة لا يفكر في مستقبل اليهود وان ادعوا ذلك، وانما يفكرون فقط في مصالحهم. هذا من جهة. اما من الجهة الأخرى، فغياب الصوت الشجاع من دول العالم التي تدعي وصلا بإسرائيل القادر على ان يصرخ في وجه قيادتها بانه لا حل الا بإنهاء الاحتلال واستقلال فلسطين.
استمرار الحرب على غزة من عدمه مثلا، مرتبط بموقف المجتمع الدولي الحاسم من هذا الصراع، وممارسته الضغط على إسرائيل للتعامل المسؤول مع جذور الصراع وليس مع اعراضه! إذا ظل قرار الحرب في يد نتنياهو وقادة الجيش فأخشى ان مصلحتهما تتقاطع بإطالة أمد الحرب! نتنياهو يعرف ان نهاية الحرب تساوي نهايته السياسية، بينما لا يستطيع قادة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأقل من هزيمة كاملة لحماس بعد الفشل الكبير الذي منيت به في 7 أكتوبر، ما قد يؤدي إلى استمرار الحرب لفترة طويلة.
فماذا يتوقع العالم من الفلسطينيين قيادة وفصائل وشعبا ان يفعلوا حيال هذا الوضع؟! الاستسلام! طبعا لن يكون! الحل بيد المجتمع الدولي فقط، فقادة إسرائيل ليسوا العنوان لذلك!
*الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني/1948


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.