جلالة الملك يعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات المدمرة    تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية من غد الجمعة إلى الأحد المقبل بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    الحكومة تصادق على 11 مرسوما لبدء عمل المجموعات الصحية الترابية    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات جديدة في مناصب عليا    الركراكي يكشف لائحة " الأسود" لكأس إفريقيا 2025 .. بحثا عن التتويج الثاني من قلب المغرب    تساقطات مطرية مهمة بعدة مدن مغربية    الحسيمة.. الجنايات الاستئنافية تؤيد الأحكام الصادرة في حق ستة قاصرين على خلفية أحداث إمزورن    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يؤكد على دستورية الحق في السكن اللائق ..    المغرب يقتنص بطاقة نصف نهائي كأس العرب بفوز صعب على سوريا    البنك الإفريقي للتنمية يمنح 150 مليون أورو لصندوق التجهيز الجماعي    المنتخب المغربي يتأهل إلى نصف نهائي كأس العرب على حساب سوريا    المنتخب المغربي يتجاوز سوريا.. ويتأهل إلى نصف نهائي كأس العرب 2025    بمبادرة صينية.. المغرب ينضم إلى الدول المؤسسة لمجموعة "أصدقاء الحوكمة العالمية"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    حركة "جيل زد" تلتمس من مندوبية السجون تقريب المعتقلين من عائلاتهم وضمان مواصلة تعليمهم    بطولة فرنسا.. نانت يعيّن المغربي القنطاري مدربا في مهمة محفوفة بالمخاطر    تلك البراري    هكذا يكبُر الخَوف        الإمارات تعزّي المغرب في "فاجعة فاس"    تصنيف "فيفا" للسيدات.. المغرب يحتل المركز 66 عالميا والخامس إفريقيا    الدار البيضاء.. معرض "خمسون" يحتفي بأعمال 50 فنانا    منظمة الصحة العالمية تؤكد عدم وجود صلة بين تلقي اللقاحات والإصابة بالتوحد    إسرائيل تتمسك بنزع سلاح حماس غداة اقتراح الحركة "تجميده" مقابل هدنة طويلة الأمد في غزة    انتعاش النقل عبر التطبيقات يخيّم على استعداد الطاكسيات لل"كان" بالمغرب    النفط يتجه لمزيد من الارتفاع وسط قلق بشأن الإمدادات    إطلاق ميزة البث المباشر من غوغل عند الطوارئ عبر أندرويد    قبل مواجهة سوريا.. رئيس اللجنة المنظمة لكأس العرب يزور مقر بعثة المنتخب المغربي    انطلاق فعاليات الدورة الرابعة عشرة للجامعة السينمائية بمكناس    تتويج الذهبي بجائزة "الأثر الإنساني"    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    أطر التدبير الإداري بالوزارة تصعّد وتطالب بإنصاف مالي وتعويض عن المخاطر    تقرير: السياسات الفلاحية بالمغرب تستنزف الماء وتهمل الأمن الغذائي وتهمش الفلاحين الصغار    شباب "جيل زد" يحتجون في الدار البيضاء للمطالبة بالإصلاح وإطلاق سراح المعتقلين    جامعة "الأخوين" تدعم التحول الرقمي    هذا الزوال بقطر: ربع نهائي ملغوم بين المغرب وسوريا..    البرد القارس يقتل رضيعة جنوب غزة    المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يقر برنامج عمل وميزانية 2026    بمناسبة اليوم العالمي للتطوع..المغرب يكرّم المبادرات المحلية والوطنية ومغاربة العالم        تراجع استخدام اليافعين الألمان لمنصات التواصل الاجتماعي خلال 2025        أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    مارسيل خليفة يوجه رسالة شكر إلى المغرب والمغاربة    غزة.. تنظيم حملة "شتاء دافئ" لفائدة نازحين فلسطينيين بتمويل مغربي    أمريكا تطلق تأشيرة "ترامب الذهبية" لجلب أموال الأثرياء الراغبين في بطاقة الإقامة    "ميتا" تمنح مستخدمي "إنستغرام" أدوات تحكم جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي    الثلوج تغطي الطريق في "آيت تمليل"    اليونيسكو يصادق على تسجيل القفطان تراث مغربي على قائمته التمثيلية    ادراج القفطان المغربي ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لليونسكو    حوار مع شاب مصاب بالهيموفيليا: رحلة معاناة لا تعترف بها القوانين    ضعف حاسة الشم قد يكون مؤشرا مبكرا على أمراض خطيرة    دراسة تكشف فوائد الذهاب للنوم في التوقيت نفسه كل ليلة    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة دار الشعر بمراكش "الشعر والفلسفة: حوارية الجوار"
نشر في طنجة الأدبية يوم 03 - 03 - 2021

إدريس كثير وفاطمة الزهراء وراح وعبدالصمد الكباص يستقصون علاقة الجوار لحوار دائم يستشرف اللانهائي
سلسلة ندوات: مقاربات وقراءات في الخطاب الشعري وتقاطعاته المعرفية
نظمت دار الشعر بمراكش، ضمن سلسلة "ندوات" والخاصة ببرمجتها للموسم الرابع 2020/2021، ندوة علمية موسومة ب"الشعر والفلسفة: حوارية الجوار"، والتي عرفت مشاركة النقاد والباحثين: إدريس كثير وعبدالصمد الكباص، والطالبة الباحثة فاطمة الزهراء وراح، للحوار والنقاش واستقصاء سمات هذا الحوار الدائم المفتوح بين الشعر والفلسفة. وقد احتضن مقر دار الشعر بمراكش (المركز الثقافي الداوديات)، فعاليات هذه الندوة العلمية المهمة عصر يوم الجمعة 26 فبراير، والتي تبث تفاصيلها كاملة على منصات التواصل الاجتماعي للدار(قناة دار الشعر بمراكش (يوتوب) وبصفحتها على الفايسبوك).
وقد واصلت دار الشعر بمراكش، من خلال هذه الندوة، استقصاء الخطاب الشعري استكمالا لسلسلة الندوات التي برمجتها الدار، خلال مواسمها السابقة: الشعر والترجمة، الشعر وأسئلة الهوية، مسرحة القصيدة، الدرس الافتتاحي "الشعر والمشترك الإنساني"، "الشعر وأسئلة التلقي"، "الشعر وأسئلة التحولات"، "الشعر وأسئلة التوثيق والرقمنة"، "النقد الشعري في المغرب"، "وظيفة الشاعر اليوم"،(…). وسعت ندوة "الشعر والفلسفة: حوارية التجاور"، الى الوصول الى سمات ممكنة، وليس محددة، بين الخطابين الشعري والفلسفي. ونظرا لأن هذا الاستقراء، ليس لحظيا ولا يرتبط بالجدة في إثارة موضوعاته، بحكم أنه ظل ديدن العديد من المناظرات والأبحاث والكتابات، ارتأت الدار أن هناك حاجة اليوم، وعلى ضوء العديد من التحولات التي مست العالم، الى إثارة هذا النقاش الأولي لما فيه من حداثة الرؤى، ومحاولة الوصول الى أسئلة مركزية، تهم هذه "الحوارية التجاورية" والتي ظلت محكومة بمفارقات الأطاريح.
إن هذه العلاقة، الحوارية والتجاورية، قد استطاعت أن تبلور أفقا للنص المفتوح، والذي يعي معرفيا، إدراكه للأشياء والأمكنة والكينونات والأفكار والمسوغات وحالات التشظي والأسئلة وفعل المحو والبناء، الخ من المتواليات التي لا تنتهي.. هي ممارسة واعية، تتكأ على هذا المعطى لحركية الفكر الفلسفي، كما هي تعي صيرورة تشكل النص الشعري على امتداد تواريخه المتعددة. هذه الإقامة في القصيدة، وكنا قد أطلقنا في دار الشعر بمراكش هذه الفقرة، كيف يمكن أن تصيغ لنا وعيا جديدا بطبيعة هذا الحوار "الممكن"، وفق ما يستند عليه فعل الاستقراء بين مجال استطيقي محض وآخر يستند على تفكير فلسفي عميق؟
المفكر إدريس كثير: هناك حوارا جواريا دائما بين الشعر والفلسفة، وهما ينفتحان على أفق يستشرف المدى اللانهائي
أعتبر المفكر إدريس كثير أن عنوان الشعر والفلسفة قديم قدم الشعر، ولكن العنوان الفرعي، والتي اقترحته دار الشعر بمراكش "حوارية التجاور"، هو عنوان موفق إذ أن هناك حوارا جواريا دائما بين الشعر والفلسفة. انطلق الباحث كثير، في مقاربته، من مقولة لهيدغر، والتي يشبه فيها الفلسفة والشعر بقمتين متقابلتين في عليائهما، لكل واحد منهما طريقه الخاص والمؤدي الى ماهيته، وبينهما حوار بين القمتين المجاورتين، تارة عن قرب وتارة من بعد. ليتساءل عن ماهية الشعر وماهية الفلسفة ليقدر بالتالي طبيعة الحوار بينهما. وإذا كانت ماهية الشعر شعريته، وماهية الشيء هي شيئته. فالشعرية هي ما يجعل الشعر شعرا، والشيئية هي ما يجعل الشيء شيئا. لكن ما الذي يجعل الشعر شعرا؟ ليقف الباحث عند عمق شعرية الشعر، وزع تساؤله لضربين، مستوى أدبي شعري ومستوى فلسفي.
في المستوى الأول، توقف الباحث كثير، عند التعاريف المعتادة والمعروفة (كالشعر كلام موزون مقفى..الخ)، هذا الكلام الشعري الذي يخضع للتفعيلة، وله قواعد وعلل وزحافات، وتطورت هذه العروضية الى الشعر الحر، فتغيرت القواعد، فتم التركيز على الإيقاع والصورة.. ثم ظهرت قصيدة النثر والهايكو والومضة في التأمل، فأبعدت التفعيلة كليا وتم التركيز على البلاغة وبديع الكلام، وأخذ الشاعر كامل حريته، مبقيا على جذر واحد هو اللغة، اللغة كأساس الشعر. استدعى الباحث مقولة بورخيس، حين يقول جذور اللغة لا عقلانيةلكن طابعها سحري، سحرية اللغة رغم جذريتها لاعقلانية هي ماهية الشعر.
أما التعريف الأدبي والتقني للفلسفة، بما هي تاريخ الفلسفة (هيغل)، والبحث عن الحقيقة بصورة مطلقة (أفلاطون)، والبحث عن الوجود بما حيث هو وجود (أرسطو). لكن هناك من يعرفها بأنها تلخص في خصائصها: الفلسفة هي الشمولية، وهي النقد والمفهومية والتساؤل، بل وهناك من يعتبرها إبداع (دولوز)، فهي تبدع المفاهيم، فمع الكوجيطو نتذكر ديكارت، الدزاين هيدغر، العود الأبدي نيتشه، إن إبداع المفاهيم هو ما يميز الفلسفة، أما جذور اللغة، فهي لاعقلانية لكن مفاهيمها ذات طابع عقلاني تأملي.
انتقل الباحث كثير الى المستوى الثاني الفلسفيأو الفكري، في تحديد ماهية الشعر والفلسفة، مؤكدا أنه لايمكن العثور على جماع هذه الخصائص في الشعرية، ولا في تلك المفاهيم المحايثة للفلسفة، بل يجب أن الغوص في المدى العميق، حيث تنجذب اللغة الشعرية والتي تستعمل لأول مرة، من أعماق الروح، من مسالب القلق من الإطلالة على المجهول، بلغة بسيطة تستعمل لأول مرة. وتوقف كثير، عند نموذج الشاعر محمود درويش في مقطع بسيط، لغة بسيطة غير أنه مركب لأول مرة، حدوده القصوى الكشف على المقدس.
ولا يمكن التوقف عند ماهية الفلسفة تقنيا، عندما ننتقل الى المستوى الثاني، يجب استشراف مداها اللانهائي، حينما تسائل الفلسفة الكاووس: العماء اللاشيء، لتفهم الكوسموس: الوجود، المفاهيم التي تقتطف من الفضاء اليباب وهي التي يقطنها ويقتطفها الشاعر أو الفيلسوف ليدرك وجوده وليقول كينونته.. المفاهيم تصنع من التشقيق اللغوي والبحث عن الأصول الأولى، لذلك ينبغي الانتباه الى الكيفية التي لجأ إليها الفلاسفة ما قبل السقراطيين الأوائل الى الشعر، للتعبير عن فسلفتهم هيراقليديس، بارمينيدس،.. ولذلك لجؤوا الى الشعر. إن الشعر والفلسفة، يختتم الباحث كثير، أشبه بقمتين شامختين، يقولان نفس الشيء بهما حوار الجوار واختلاف المضمار، في هذا العمق من المدى هو الوجود، لكن بطرق مختلفة.
الطالبة الباحثة فاطمة الزهراء وراح: الخطاب الشعري هو صوت الوجود، حيث تكون اللغة يكون العالم.
ركزت الباحثة، فاطمة الزهراء وراح، في بداية ورقتها على تنويه منهجي مفاده، أن الفلسفة والشعر موضوع شائك وقديم وحديث، لذلك ستتناوله من وجهة النظر ما عاشه العالم من عزلة كورونا، حيث أصبح الانسان يعيش حالة من التيه، تيه المستقبل الغامض والمجهول والراقص على أنغام الجوائح القادمة، على عجل وعلى إنسان هذا القرن. لتتساءل هل مهمة الشاعر اليوم، ولأنه ضمير الإنسان، أن يبدع في نقل كل جزئيات عزلة كورونا ويعبر عن فداحة اللحظة، اللحظة الآنية لحظة التعبير عن لحظة الاضطراب النفسي والخوف من الموت والنهاية؟؟ في وقت ادعت فيه قواه العظمة، أو ظنت في لحظة عنجهية أنها عظيمة، وقفت عاجزة أمام فيروس، أم هو إعجاز مرتبط بإعادة التوازن لأمنا الأرض؟؟
الإشكالية التي حاولت الباحثة وراح، استقصائها، من خلال مداخلتها ترتبط بالشعر وانفتاح الذات على الممكن، من خلال العلاقة التأسيسية بين سؤال الشعر وسؤال الوجود باعتبارهما متعالقين ومتواشجين. ذلك أن الفهم الشعري للوجود، يتجاوز المقولات المنطقية وحدود العقل المتناهي، إن الشعر هو الوجود نفسه، إن ما نعيشه اليوم يجعلنا في أمس الحاجة لإعطاء معنى وجودنا. هذا المعنى لا يمكن أن يتشكل إلا من خلال الشعر، باث الإنسان يفتقر الى كل تعالي، وماعاد في استطاعته الوصول الى ما هو أساسي.
هذا الوصف للواقع المعيش، الذي نجده عند هيدغر، إنما هو نتيجة حتمية لسيطرة العقل والتقنية على مسار الإنسان، هذا السقوط البطيء في حضن الحداثة، يعود الى اليونان السقراطية والافلاطونية، وتتحدد معالمه في لحظات تاريخية حاسمة مع الديكارتية وفكر الأنوار والوضعية وبروز العقل كقوة قادرة على قول الحقيقة. وسيمثل هذا الوضع علامة بارزة على عصر الانحطاط، وليس على التطوركما قد يفهم، تم قطع الطريق على الكشف ماهية الإنسان وبالتالي ماهية الوجود، أصبح العالم غير مفهوم، وعشناه لحظة الجائحة.
وفي ظل هيمنة العلم والمنطق، العلم يوجب المعرفة ويوجب الفهم والاستيعاب لكننا لم نفهم شيئا، تشير الباحثة وراح، إذ أن ما أحدثه العصر على مستوى ماهية الإنسان وشيئية الشيء، يدفع الإنسانية الى إدراك الخطر. وهو الإدراك لا يمكن أن يتم بفعل العلم، العلم لا يفكر (هيدغر)، الكلمة باستخدامها العلمي لا يمكن أن تؤدي وتكشف حقيقة الإنسان والوجود تفتش عن الموجود القابل للحصر، لهذا، ينبغي أن العودة الى مضمون الكلمة ودلالتها الشعرية، كما استعملها النصوص الاغريقية، والتي كانت مقتطفات من الأشعار.
إن حقيقة الانسان والوجود، يدفع باتجاه الرجوع الى الكلمة في مضمونها ودلالتها الشعرية، فهيدغر، وهو يفكر في النصوص اليونانية القديمة، وفي القول الشعري الذي يمكنه الوصول الى الوجود الأصيل. الشعر نفس الحياة الروح التي توقظ الضمير الإنساني، تفسير الواقع ومن تم تغييره. لقد أيقن الشاعر، أن التجربة الشعرية، لن تستجيب بدون دفق شعوري تتحول الى تجربة نووية تخاطب النواة الانسانية المشتركة بيننا، الشعر نزيف تجربة تستنطق الحاضر والمستقبل. بعدما كان الجميع يثق في العلم والتقنية، قبل الجائحة، يقين جوهر الأشياء تأبى أن تتحول لوعي شقي.
طرح الشعراء العرب المعاصرين سؤالا يرتبط بالشعر وانفتاح الذات على الممكن، انتقلوا الى التنظير لمفهوم الشعر، الشعر خلق وليس انعكاس الواقع، هو إبداع له. ومن هنا يتجلى المظهر الصوفي لكتابات الشعراء المعاصرين، ومن هنا تجاور الشعر والفكر. الشاعر إنسان، يفكر ويقلق، لا يحقق وجودا لنفسه ولكن للآخر، لا يعمل بشكل مجرد، ولا يخضع لأقوال وتمثلات ميتافيزيقية ثابتة، هو يسير بمنحى أنطولوجي لخلق عالم آخر أكثر جمالية. يحمل في ذاته واقعا مأساويا للوجود الإنساني، يبحث عن وجود ممكن للآخر، ولا يخضع لقواعد الثابتة ولا الحقائق يسعى الى خلق عالم آخر،هناك ينبثق وجود عبر اللغة، فاعلية تفجير اللغة بوصفها حاملا للوجود، ويظهر هذا التمظهر، حسب الباحثة، في قصيدة درويش "أنا من هناك"/ نموذجا.
في خلاصة مداخلتها، تؤشر الباحثة وراح، أن منبع الشعر هو ما يمكن أن يقيمه الشاعر من حوار مع العالم والوجود واللغة، والحقيقة كانكشاف، تتناظر الألفاظ. حوار فيه يكون الشاعر منصتا للحقيقة كانكشاف، فالشاعر درويش شوش حدود المنطقية للأشياء، تتناظر الألفاظ لتولد فاعلية جديدة، يخرق اللغة، ويجعل استعاراته هي أساس اللغة، عكس منطق البلاغيين. لذلك مطلوب من الشاعر، اليوم، أعادة خلق الواقع، فاللغة تجاوز وخلق والخطاب الشعري هو صوت الوجود، حيث تكون اللغة يكون العالم.
الباحث عبدالصمد الكباص: الشعر والفلسفة.. نزوع دائم لتعدي الحدود
أشار الباحث عبدالصمد الكباص، في مفتتح مداخلته، الى انتماء الشعر والفلسفة إلى السؤال المحرج للإنسان باعتباره كائنا لا يناسب طبيعته. هذا الكائن المسكون بخيبة التمثيل، حيث أن من يمثل ليس سوى جزء صغير من حصيلة تمثيلاته، وحيث رغبته مقرونة بخيبة التوقع. إنه حالة إفراط، كينونة محكومة بسعيها إلى تمييز نفسها في كينونة أخرى، أي حالة مضاعفة تشتبك بقوى الخارج وتجعل منه تحيينا لهذا الكل الكبير الذي يعبره وهو الحياة. تقع الفلسفة والشعر، وفق منظور الباحث الكباص، في صلب هذه المضاعفة التي تدفع طبيعة هذا الكائن خارج بداهة الحاجة، أي كنزوع دائم لتعدي الحدود.
وإذا كانت الفلسفة تهيء مدخل هذا التعدي من زاوية الاختراق المفهومي، فإن الشعر يستولي على الفيض الحسي. لذلك لايتعلق الأمر بالنسبة للفلسفة بما يتحرك داخل العنصر الميتافيزيقي لليقين، لأن الحصيلة التاريخية لهذه التعددية التي تغذت منها الفلسفة، ومازلت، كانت هي اختراق الفراغ التحتي الذي يسكن اليقين، لذلك فالفلسفة وهي تنشئ مضاعفة جديدة للكينونة. إن الاقتدار المفهومي للفلسفة، يفتح في نفس الوقت للفكر، من حيث هو ما يجعل الفرادات النكرة تتكلم كما قال دولوز، يتضاعف بشكل مزدوج في صلب الكينونة مشكلا أحد تواطؤاتها.
تحيا الفلسفة والشعر اليوم، تحت نفس المصير الذي رسمته هيمنة التقنية، والتي لا تقبل إلا بما يمكن السيطرة عليه تقنيا. لذلك، فالسؤال الأساسي، بالنسبة للفلسفة اليوم، لا يتعلق فقط بالشروط التي في ظلها يمكن أن تتطابق مع مصيرها، بل بالاقتدارات التي تستهدفها حالة المفهوم التي تسعى إلى تبليغ الكينونة إلى الكائن وجعل التواطؤات المترتبة عنها قابلة للقول والتفكر. مثلما أن الشعر يظل مشدودا اليوم إلى هذه الفاقة، التي لا تُحتمل، إلى كل ما لا يمكن تمثيله، مواجها هذا الإنكار الذي تمعن فيه التقنية التي تكره كل ما لا يمكن السيطرة عليه. فيحمي بذلك الحق الأسمى في الغموض.
وينسف ذلك التباعد المزعوم بين الفلسفة والشعر، الذي شكل الطرد الأفلاطوني المؤلم للشعراء بوابته الرئيسية. إذ أن انتماءهما المشترك لذات السؤال، المتعلق بكائن لا يناسب طبيعته، يكشف أن لا مجال للمعارضة بين الشعر والفلسفة كما هي تلك المعارضة الفاسدة بين النزعة العقلية والنزعة التخييلية. من المستحيل أن تنخرط الفلسفة في تجربة المفهوم دون تحليق في التخييل، وأيضا لا المجاز ولا الاستعارة، يشكلان فارقا كبيرا في حدود الجغرافيا الفاصلة بين الفلسفي والشعري، فكلاهما يشتغلان على مجازات الوجود، وينسجان عالميهما من قوة الاستعارة.
وعلى هذا الأساس، يدعونا الباحث الكباص، الى أن نقلب صيحة أفلاطون الشهيرة "من لم يكن مهندسا فلا يدخل علينا" ليصير مدبر الاستعارة مهندسا كبيرا. لكن الفلسفة والشعر يقومان بالمهمة القصوى في عمق الاستعارة، أنهما يعودان إلى اللغة لأن الكينونة المتواطئة تتقرر فيها" كما قال دولوز. و بقدر ما يقود التوتر المفهومي في الفلسفة إلى ما هو أبعد من البنى المنطقية التي تدمج فيها القضايا المعرفية، يكشف الشعر، أن اللغة مفخخة أصلا بالتساؤل عن كينونة العالم، إنه يزحزح ذلك الاعتقاد الذي يقول إن حدود اللغة هي حدود العالم، فالشعر يذهب مع اللغة إلى أبعد إمكانياتها، كاشفا أنها القصيدة الأصلية لأنها فرجة الأشياء كلها.
لم تظهر العلامة الأقوى لهذا المشترك الذي يضم الفلسفة إلى الشعر، يشير الباحث الكباص، لا مع نتشه و لا مع هايدغر رغم التحويل الذي أرسياه في الرؤية الحديثة للشعر والفلسفة، بل كان علينا أن ننتظر سنة 1988 حينما نشر ألان باديو بيانه الشهير "بيان من أجل الفلسفة" الذي رفع فيه الشعر إلى مستوى الشرط الضروري للقول الفلسفي. إذ قرأ ألان باديو الطرد الأفلاطوني المؤلم للشعراء من المدينة، من حيث هو طرد للقبض الحسي على الفكرة، باعتباره دليلا أن الشعر هو القطيعة الحتمية في حكايات الأصول.
وينتهي الباحث عبدالصمد الكباص، الى أن هذا التماكن بين الفلسفة والشعر، يفضي إلى إن أصل الحقيقة يرجع إلى نظام الحدث، أي ما هو أقرب للحالة البدئية للأشياء، فلكي تبزغ الأشياء ينبغي لحدث ما أن ينضاف إلى الكينونة. إن ما يستدركه الفيلسوف في المفهوم، وما يلاحقه الشاعر في القصيدة، ليس سوى ما يتيحه اللانهائي، هذه الفوضى المبهجة كما يصفه دولوز، من تعددية لانبثاق الحدث الذي يقف وراء كل طية جديدة مبتكرة في أي شيء. وهكذا تنحدر الفلسفة والشعر من ذات الخيبة المنتجة من الإنسانية المبدعة، التي لا تجد أساسها في كائن يقبل أنه متضمن في طبيعته، بقدر ما هو الشكل الذي لا يناسب أبدا ما يكونه. لكن الشعر و الفلسفة يتغذيان دائما من هذا الإخلاص للتحينات الحية، التي لا تحرك إلا ما هو بعيد عن التوقع.
لقد حاولت ندوة، دار الشعر بمراكش ومن خلال أوراق الباحثين إدريس كثير وعبدالصمد الكباص وفاطمة الزهراء وراح، الى التفكير في لحظة "آنية" اليوم، لعلاقة الشعر بالفلسفة وأيضا للحاجة للشعر والحاجة للفلسفة في وقت يتجه العالم للنزوع لوسائط أخرى، وعلى ضوء ما تراكم من اجتهادات ونظريات ومفاهيم وأنساق معارف، وفق ما يمكن أن يفيد في بلورة أفق القصيدة المغربية الحديثة، مادام السياق، سياق الشعر وفي فضائه الآثيري.
الندوة شكلت لحظة للتجاور وللحوار الدائم الموصول، الذي لا يتوقف إلا في اللانهائي، كما فيض الشعر ورؤاه، كما هي أسئلة الفكر التي تظل معطى مؤجلا للسؤال. إن هذه الخاصية، الشعرية والفلسفية، هو ما يجعل من الانفتاح، كل على الآخر، قدرة خلاقة على بناء نص شعري مسوغ بالمعرفة وبتفكير فلسفي معني بأسئلة الوجود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.