مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    البكوري: مهرجان تطوان أصبح علامة فنية دولية وسنظل داعمين للفعل الثقافي رغم الإكراهات المادية    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    نهضة بركان يضع آخر اللمسات قبل مواجهة اتحاد العاصمة الجزائري    نصف ماراطون جاكرتا للإناث.. المغرب يسيطر على منصة التتويج    نقابة مخاريق تطالب أخنوش بالطي النهائي لملف الأساتذة الموقوفين    الأرصاد الجوية تتوقع أمطارا وثلوجا بهذه المناطق من المغرب    فرنسا باغة تستغل الدفء لي رجع شوية للعلاقات بين باريس والرباط باش تدي صفقة مشروع مد الخط السككي فائق السرعة لي غيربط القنيطرة بمراكش    انطلاق فعاليات مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مطالب بإحداث خط جوي دائم بين مطار العروي وفرانكفورت    قادمة من بروكسيل.. إفشال محاولة لإدخال هواتف غير مصرح بها    "خائف ومتوتر".. نتنياهو يخشى احتمال صدور مذكرة اعتقال بحقه من الجنائية الدولية    الجيش الجزائري يستبيح مجدداً دماء الصحراويين المحتجزين بتندوف    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في المستقبل؟    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب علال الفاسي    البطولة الوطنية الاحترافية.. ترتيب الأندية    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    نهضة بركان يستعد لمواجهة ضيفه الجزائري وهؤلاء أبرز الغائبين    رغم ارتفاع الأسعار .. منتوجات شجرة أركان تجذب زاور المعرض الدولي للفلاحة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    مؤتمر الاستقلال.. اختلاف على اللائحة أجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل من رواية: عين العدم
( ليلة إغتصابي...ليلة موت العالم في عيني)
نشر في طنجة الأدبية يوم 11 - 03 - 2008


هيئت السرير، الوسادة والغطاء لنوم.
تناولت قرصا مهدئا لهشاشة وغليان الأعصاب مع كأس ماء بارد.
تحركت نحو النافدة... بعد وقفة ونظرة عابرة على الأوراق البيضاء وصور المسيح ومريم العذراء وعلى رسالة الأب نيكولاس والتي تلخص أقصى مستويات الإقصاء، الاغتراب، الهم والمحنة، الحيرة والقلق في كلمة واحدة :
أكتب
قلت في نفسي :
من....من أي محطة من العمر أبدء؟
تصفو الرؤية وتضح معالمها. يطيب الحديث وتزهو الذاكرة وهي... وهي تعيد أنفاس المشاهد والأحداث، وتعطي إشارة شرارة الانطلاق وتتحرك قوائم جياد عربة الحكي سفراً في منفى عتمة الأعماق، لتنظيم ومسايرة فوضاه...ليوقع ودون ذرة خوف أو خجل :
أول حرف لأول قبلة أو صفعة، لأول......
من يخاف لا يتقدم...
من أي محطة أبدء؟
وكل المحطات حالة واحدة لجرح واحد: مع دورة الثواني...الساعات... الأيام والفصول يزداد اتساعا وغورا.
فتحت النافذة. أغمضت عيني. تشممت هواءه الرطب، رائحته، سمعت زقزقة البجع، هدير أمواجه وهي ترتطم على صفحات قارب الذاكرة وهناك في شساعة
زرقتها...لاح غبش ضوء كدائرة ترتعش من البرد والظلام، تحوم...تحوم حول طفل يجلس إلى شاطئه.
**************
يهتز...
يقاوم الأمواج...ازدادت عنفا وشراسة.
ينخفض... يهتز... يقاوم...وفجأة على إثر....على إثر موجة عنيفة وصاخبة يهتز...
يصطدم بالصخور الشائكة... ويغور... يغور في الأعماق...
لا يهم !!!
ليست هي المرة الأولى التي أعاين فيها مشهد غرقه.
لا يهم !!!
إن تعب البحر من بلع قواربي الورقية...لن أتعب من الاستمتاع بلعبة صنع الأحلام.
ولما لا؟؟؟؟ في يوم ما أركب قاربا بلحمه ودمه...
ومن جديد فتحت محفظتي، أخرجت دفتر التاريخ وبدون تحديد مزقت ورقة... وأنا أتابع مزق قاربي الغريق وهي تطفو فوق الزبد، وفي لمحة بصر ونشوة عارمة، صنعت قاربا وعلى جنب من جنباته كتبت نفس كلماتي التي لم أجد لدفأها بديلا :
فرنسا الساحرة،
يا أرض الخبز، الحرية والأضواء : أحبك
خذيني إليك.
وضعته وبحذر بالغ فوق الماء وتركته يطفو من جديد......
وهو يطفو... ينخفض... يهتز... يقاوم...شيء...شيء ما شدني من تلابيب الذاكرة. التفت
إلى الخلف...إلى البراريك الغارقة في الهم والبؤس، محولا نظري إلى الدواخل....
ورأيت :
سيارة بوشتى في أسفل الزقاق، حولها يحوم الأطفال والبعض من الفضوليين. بقعة وباتفاق الجماعة خصصناها لرمي الأزبال تفصلنا عن براكته. وليس غريبا أن تشاركنا
الفئران الحياة تحت نفس السقف إلى درجة مرور فأر أمامنا وفجأة لا يثير فينا أدنى شعور
بالاستغراب أو الفزع... ننظر إليه بمطلق الهدوء. وكأننا خلقنا معه علاقة ود وألفة،
نظرا لمعاشرتنا الطويلة لسلالته. حتى قطط الحي الضالة أكتفت بالنظر إليها ومن بعيد
بعين عدم الاهتمام واللامبالاة. و...وكأنها تنكرت لفطرتها وخلقت وأخيرا حالة سلم
معه. لا لشيء، فقط لأنها لم تعد تستسيغ لحمه لكثرة استغلال طعمه، بل أحيانا تترك له
المكان ليجول ويصول بكامل حريته.
شيء مدهش حقا...دفعت سي إبراهيم مؤذن الحي إلى القول في خطبة جمعة، حول
صداقة قطط حينا وفئرانه : ورب الكعبة إنها علامة من علامات الساعة.
لهذا السبب عندما اعتقلت في صيف 1981...وأنا في زنزانتي اتخذت من الفئران عائلتي
الجديدة. مع دفء حضورها، أراوغ الأيام الباردة الثقيلة المملة. نعم...نعم وضعت لكل
فأر اسمه الخاص.
قال رفيق زنزانتي :
ألا تخاف الفئران؟
قلت وأنا ألقي فتات الخبز إلى فأر لا يظهر من جسده إلا رأسه الصغير، يقترب من الفتات
كلما اطمئن على آمان الموضع. يحمل ما يكفيه بفمه ويعود إلى جحر في أسفل الجدار :
ما ملكت في طفولتي لعبة. وحدها الفئران لعبتي.
............................
تحت....
تحت التعذيب الوحشي الجسدي والنفسي، الزعاق الحاد، الشتم النابي والتهديد القاس،
جز جذور شجرة عائلتي. اعتقال الأحياء منهم والأموات ولينعموا بخيرات وبركة التعذيب
...فنون أتقنوها بامتياز ويتفاخرون بها في جلساتهم الحميمة مع كل اكتشاف جديد.... ومادة الإبداع وفضائه الجسد.
نعم !!
مع الضرب المتواصل وقعت على خربشات سوداء تلوح من كومة أوراق، موضوعة فوق طاولة الكوميسير أو الجحيم...خربشات سوداء تتمايل تنط في الهواء...لم...لم تستطع عيني المملوءة بالدمع والدم التمييز بين النقطة والفاصلة، الحرف واللكمة، الله والشيطان.
قال الكوميسير بصوت حاد وهو يشير إلى مدونتي :
هل هذه صورتك؟ هل هذا رقمك؟
وقبل أن..................
قاطعني وهو يعرك عقب سيجارته بشدة في رأسي الحليق :
إذن وقع لطبون أمك.
ناولني قلما، أخذته بيد مرتعشة، شد إحكام أصابعي وارتفع صوته بالزعاق :
ماذا بك؟ أتريد أن أدخل القلم في ثقب خرزتك وقع هنا يا ولد ألف أب وأم واحدة،
وقع، ريحتك ريحتك خانزة، مابقات لك غير الثورة....وقع.
........
بعد التوقيع والوقع وأنا ممدد على بلاط زنزانتي الحافي البارد وقد أغشى الدم والدمع عيني، تسائلت في نفسي : ماذا تعني ثورة؟ صحيح لأول مرة في حياتي أسمع هذه الكلمة والتي قيل لي وسخرية فيما بعد من أجلها أنا هنا. هل هي غالية إلى هذا الحد؟
لتكن ما تكون همي الوحيد الخروج إلى الشمس.
......
أي حقد.
أي حقد أعمى ركب عقل معذبي؟
هو على يقين من براءتي...فيما بعد تأكدت من تلك الحقيقة الجارحة. سي الحاج كان
مهووسا بحب الأطفال.
هذا الحب في الثلث الأخير من الليل إلى اغتصاب.
نعم !!!!
في حينها لم أتجاوز العاشرة من عمري....بعد. غير أن أطفال أحياء الجوع والعطش،
يتصلب عظمهم وتلوح نسائم الرجولة في محياهم باكرا. لهذا السبب حشرت في معتقل الكبار.
الوحش القذر حولني إلى أنثاه.
فع....
فعل الاغتصاب تجرعه كل نزيل في سني. ويغير أنثاه كل ليلة تماما كتغييره لقميصه
الملوث بالدم مع مطلع كل نهار. وأي نهار يانهار؟؟؟؟
لا أحد.
لا أحد منا تمكن من جز إير إبن العاهرة.
الملعون يعرف شغله جيدا وكأنه ورثه أبا عن جد. فهو قبل أن يباشر لذته. يتمكن من ربط
القيد وبإحكام وعلى أفواهنا يضع لصاقا ويتحول صراخنا إلى متاهات أنين.
لا أقوى...لا أقوى على النظر في عين سي الحاج. مع نظرة خاطفة وكسيرة، أشعر بأن الأرض تمشي وتجئ تحت أقدامي...أشعر بانهيار مطلق لشخصيتي...شخصية؟؟؟
يدمرني...
يدمرني ذلك الانفعال الداخلي إلى حد الضياع والتلاشي وهو يعيد مشهد ليالي الاغتصاب آهات شبق لذته الممزوجة ببكائي الذي لا يرفع صوته.
يدمرني....ويجبرني على طأطأة رأسي ودفن عيوني كحبة قمح تحت بلاط السجن البارد، وأحيانا تخترق نظراتي سقفه، وفوق أقرب غيمة تائهة، تجلس منتظرة بدمع دعاء مخلص مكتوم : يد إله رحيم..
يدمرني....
يدمرني هذا الانفعال الداخلي ويلقي بي إلى هاويات الخجل والشعور بقزمية وجودي... إلى
أقصى... إلى أقصى مستويات الضعف و الإقصاء التام من عالم الرجال.
إلهي...
لبست ثوب الرجا و الناس قد رقدوا
و بت أشكو إلى مولاي ما أجد
و قلت يا أملى في كل نائبة
و من عليه لكشف الضر أعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها
مالى على حملها صبر و لا جلد
و قد مددت يدي بالذل مبتهلا
إليك يا خير من مدت اليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة
فبحر جودك يروى كل من يرد
********
وواصل....
وواصل اغتصابي.....
ربما لهذا السبب لم يكن لي حظ مع النساء. إذ كلما سنحت لي الفرصة لممارسة الحب مع من يهواها قلبي، كلما حضرت صورته.... وبحضورها أتخلى عن مواصلة البحث عن لذتي...مع اللقاء الأول والثاني و.... يغيب نجم من أهوى.
قالت لي : الأرض تحتاج إلى حرث والحرث يحتاج إلى ماء. هل تفهمني؟
مكثنا طوال الليل في عراء مطلق على السرير نحدق في السقف :
في الصباح، قبلتني وهمست في أذني :
آسفة أنت رجل طيب، لكن نحن النساء...( صمتت ) وأغلقت الباب ورائها إلى الأبد.
ربما لسبب نفسه اتخذت من المخدرات حبي البديل. ومن العابرات المنهزمات أو بلغة الغوغاء: عاهرات الساعات الأخيرة من الليل. لحظة دفئ...نعم وحدهن وفي محطات غريبة ودون مقدمات أو غناء..وحدهن يحققن لذتي. ربما يجمعنا ويوحدنا نفس الإحساس الجريح بالقهروذكريات ليلة اغتصاب بعيد....
..........................
أتخطى ( صمت ) أتخطى الأربعين ولحد الأن ( صمت ) لا...لازلت أد...أدفع الثمن.
شغ.... شغب تلك الليلة.
أمي...أمي وبعد انتظار طويل وقاس، وإحساس الأم لا يخطئ أبدا. تنبأت أن حالة الشارع
لا تطمئن بخير، كلفتني بالبحث عن أخي المهدي الذي تخلف عن المنزل.
الدار البيضاء؟
كانت.....كانت في حالة حصار شديد، بعد نهار عاصف. وقعه أولاد الأحياء الغارقة في وحل القاذورات.السلسيونيون، المتشردون،الكحليون، اللصوص الصغار، المجانين نشأة، العاطلون على الدوام ال........
وال.......نهار غاضب وعابر وقعوه بغضب وعنف...وكأنهم كانوا ينتظرون هذه الفجوة. هم وحدهم نزلوا إلى الشارع وحولوه إلى جحيم من النهب والخراب والدخان.
نعم !!!!!
كانوا ينتظرون ومنذ زمن بعيد هذه الفجوة...وربما جهة ما ذكية وحاذقة لها...لها يد في
هذا الجنون الذي ركب عقول هؤلاء البؤساء، لا يعلم أسرارها إلا خالق البشر والحيوان.
كانت وراء غيمة غضب صيف عابر.
سيارات يجبر سائقوها ومع التهديد بالسلاح الأبيض والحجارة، على مغادرتها يفرغونها من
البنزين. وبنفس البنزين يحرقونها، سيارات عادية وقديمة الاستعمال. كما يقولون سخرية تعود إلى أيام نوح. وعلى مرأى من مالكها المواطن البسيط. ومع أدنى احتجاج يتعرض إلى الضرب المبرح. وقد يخترق خنجر من يد غادرة صدره...وهنا كان.
دكاكين ملابس، مواد غذائية في نفس الحي الفقير، يعرفون أصحابها بل قد يكون من الذين
يقاسموننا السكن تنهب وتحرق. شيء غريب حقا. تخريب وتدمير.... مدارس، مستشفيات،
حافلات، أعمدة كهرباء،حتى الحقد مسح الحدائق العمومية الفقيرة من النبتات والورود إلا كراسي مهترئة أحرقت
......
ومع...
مع أول رصاصة أطلقت في الهواء، ومع سقوط أول ضحية. بعد أن تأكدوا أن البنادق محشوة بالرصاص، وليس كما اعتقدوا وهم في قمة نشوة هستيريا الخراب، يواجهون العسكر بالحجارة والصراخ
(حبات حمص أو عدس (..
دخل الغاضبون إلى قبورهم وأقفلوا أبوابها بإحكام. وجلسوا ينتظرون الصباح، هم يعرفون
جيدا أن عيون المخزن لا تنام، تمهل ولا تهمل، هم يعرفون أن السفر إلى جحيم تحت الأرض قريب زمنه.
عشرات..
عشرات الضحايا تعثروا وسقطوا...
ومن لم يمت برصاصة، مات بالركل والرفس. وبدأت حملة الاعتقالات العشوائية العمياء...إلى درجة أن المخافر امتلأت إلى درجة أن فاضت بالبشر.
فكروا....وحولوا الملاعب الرياضية وقاعات السنيما إلى معتقلات....
هل؟؟؟
هل العنف كهذا يمكن أن يكون وسيلة إلى تغيير؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وأنا أتجول بين الجثت، كان أخي المهدي ممددا على الأرض. اقتربت منه بحذر شديد ورعب يثقل خطوي.
لا....لازال أزيز الرصاص يدوي هنا وهناك.
يده.....
آه إلهي !!!!!
يده اليسرى وضعها جهة ثقب في رأسه ووسادته جلطة دم.
في..... في حين اليمنى وبإحكام تقبض مسدسا من خشب صنعه بنفسه.
حملت أخي الصغير عائدا والدمع يملأ حلقي إلى محطتنا. وأنا في طريقي أو قفني صوت أشباح
وقال رئيسهم :
إيه أنت... ضع تلك القذارة على الأرض وارفع يداك في الهواء. وتعال إلى هنا.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لحد الآن....وربما إلى الأبد...إلى قيام القيامة....لن نعرف له قبرا.
المهدي أخي البطل الذي حارب الأشباح بمسدس من خشب لا قبر له. ومن لا قبر له لا وطن له.
.............أين.....أين كان الله عندما أعدموه؟..
********
سيارة بوشتى في أسفل الزقاق.............
نعم !
قبل وصول بوشتى بأيام، الجميع يعلم حتى عطار الحي سي العربي العين الخفية للمخزن، مع العلم يدعي أنه من الوطنيين الأحرار الذين قاوموا المحتل، صاحب الدكان المتنقل على
ظهر حمار. يعرف أن بوشتى قادم من فرنسا. أمه رابحة تهيئ كل شيء. تطلي واجهة البراكة بالجير وفوق الباب تثبث العلم المغربي الذي تآكل ثوبه وفقد لونه الأصلي بفعل الرياح والمطر.... وهو يقترب من براكته والناس نيام، يضغط على كلكسون سيارته بشكل مزعج وقوي ومتقاطع، وعلى صوته الحاد ومع زغاريد النساء المقربات لأمه رابحة....هذا أكيد يطمعن في حفنة شاي صيني أو حفنة قهوة برازيلية....أشياء لها علاقة طبعا بالبطن. يستيقظ الجميع حتى الكلاب الضالة والقطط تشاركنا حفلة النظر إلى ما أحضره بوشتى من بلاد الثلج.
حقائب..
حقائب ملفعة بالأسرار. جبال نفايات تتوج سطح السيارة، ثلاجة، تلفزيون، دراجة هوائية
، صناديق ...و... أشياء أخرى تتناقض مع بدلته الأنيقة. أكيد هذه الأشياء، وكما يؤكد بعض الوشاة التقطها، من مزابل النصارى و بإمكان الإنسان المهاجر أن يعيش في أوروبا فقط من مزابلها.
نعم هي قاذورات بالنسبة لأهل الثلج. بالنسبة لنا الكنز الذي يشتهيه الجميع. القط عندما لا يصل إلى اللحم القديد المنشور على الحبل وهو يحوم...ويحوم زاحفا بجوعه على
بطنه.. يموء... ويموء، ولكي لا ينفجر غضبا يقول في نفسه إنه متعفن. بل البعض منهم
يتمنى لو كان كلبا يأكل وينام في مزابل النصارى.
أكيد هذه النفايات سيبيعها بوشتى لسكان الطوب. وبالرغم وهذا أكيد أن أغلبها معطوبة الروح، قدور سيكليس بإمكانه إصلاحها، إنه جن كما يقول أبي وبأجر هزيل أو قارورة
ويسكي المقابل. بوشتى لا يبخل من هذه الجهة على نفسه...سيسكر الجميع على حسابه،
وأبي أيضا حيث توجد الشياطين يكون الأول من يقدم تحية الجلوس. يجلس وبلهفة حرقة
جنون عطشان ينظر إلى حركة اليد وهي تملأ الكأس بمحمول الزجاجة التي يزداد لمعان بريقه في منتصف الليل، حضورها البهي يجدد الروح المتعبة ويسمو بها إلى معارج طاووس حكي والكل يلمس بأناه سموات وهم بطولة لا يكذبها إلا أشعة شمس الصباح الأولى. يجلس.... يجلس أبي وينتظر دورة المعشوق : الكأس.
....................
يضحك سي بوشتى وهو ينظر إلى سطحية سيارته، وهو يضحك لاح سن معدني في فمه وجد مكانه بين أسنانه الأمامية. يثير الانتباه ويضفي على الرجل هبة معينة :
بزنيس...الكل بزنيس.
و.... وبعد أن يستريح من أتعاب الطريق الشاق والطويل، وذهابه إلى حمام أحياء الطوب، و لتنعم عظامه بدفئه وبعد أكل الكسكس، يخرج من براكته يسابقه بطنه وتأخذه خطواته إلى مسجد النور : هكذا اسمه.
وبعد صلاة العشاء تطفأ شموعه، تغلق أبوابه القصديرية. وتجلس الجماعة بجواره على حصير أعدته زوجة سي إبراهيم المؤذن، مع صينية كاملة القوام. يتكلف سي إبراهيم بالإشراف على إفراغ الشاي في الكؤوس. وعيون الجماعة بلهفة وعطش تتابع يد بوشتى مع دخولها إلى جيبه وخروجها.
هم اجتمعوا هذه الليلة حوله طمعا في تدخين سيجارة رومية أو الفوز بشقف من الكيف
أو...ويحلو السمر!! !!!
يناول بوشتى مفتاح السيارة إلى أبله الحي ديبا وبصوت آمر :
هاك... افتح الكوفر أو جيب أسي ديبا واحد '' العتروس رومي ''
تنشرح الوجوه...بالفعل لا معنى لحياة هذا الحي بدون العتروس كما قال مرة أبي
في حقه وأضاف :
ليست النار هي أول اكتشاف للإنسان. الخمرة هي أولى إكتشفاته، وحدها الملعونة، زرعت في نفسه ذلك التحدي العنيد لمقاومة وحوش الغابة الضارية. وبها صنع طريقه....
بالفعل.. لا معنى للحديث مع بوشتى بدون الكأس. مع دبيبه في العروق، تتفتح شهية النفس على استقبال كل ما هب ودب من كلام. حتى الشتم النابي يتحول أحيانا إلى قنبلة قهقهات.
معه يتغير الجو ويلطفه تلك المسحة من الدفئ والألفة، ينكسر جدار الكلفة بين القلوب ويطيب الحديث ويزهو.
مع الكأس الأول والثاني والزجاجة الرابعة والخامسة.و.... يتحول الضعيف المعدم مثل أبي
إلى بطل.
كيف؟؟؟؟
كيف يمكن أن يجتمع الشيطان والله في جسد واحد؟
هذا ما لاح في نظرات سي إبراهيم وهو ينظر إلى بوشتى الغارق في جلبابه الفاسي الأبيض والذي يوحي بالعبد المؤمن الوقور.
وفي نفسه يقول :
لقد غير خبز وماء فرنسا الرجل. ذهب إليها مسلما، وعاد منها سكيرا.
صحيح !!!! من عاشر أمة رجالها ينكحون البهيمة صار واحدا منهم، إلا من رحم ربي.
وهو يغادر مكانه بعد أن قدم للجماعة تحية الوداع ويتسلم نصيبه من الشاي الصيني وقهوة
برازيل وحفنة من دراهم عرق جبين سي بوشتى، يردد لازمته المعروف بها، كلما وجد نفسه أمام فعل مكروه :
'' جعلنا الله وإياكم من الطائعين وجنبنا أفعال الفاسقين يا قوم نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم يقول : لايدخل الجنة مدمن خمر ولا مؤمن بسحر ولا قاطع رحم ومن مات وهو يشرب الخمرة سقاه الله من نهر الغوطة. وهو ماء يجري من فرج المومسات ''
............
أبي سيشرب من هذا الماء المتدفق من فرج المومسات إلى حد الثمالة وسيطلب المزيد
والمزيد....عندما....عندما تخلو عروقه من دم العتروس، يتحول إلى وحش لا يطاق. يصاب بالغثيان والهلوسة ويكسر كل ما تقع عليه عيناه، مع زعيق...آهات وأنين.
وليس...وليس غريبا أن حياته انتهت بشارب كحول حريق سيك وبه دخل في الأخير إلى ليل الجنون البارد... موته الغريب في مقبرة الحي. في عراء مطلق يحضن جثمان عجوز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.