استنفار بجماعة مولاي عبد الله لتفادي تدفق مياه واد فليفل لعاصمة دكالة    طنجة.. اصطدام عنيف بين دراجة نارية وسيارة يُخلّف إصابات متفاوتة الخطورة    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    مركز إيواء يستقبل مشرّدي المحمدية    "بنك المغرب" يراجع فوائد القروض ويحضّر لتغيير طريقة التحكم في الأسعار ابتداء من 2026    كأس إفريقيا 2025: بطاقة ب50 درهما وتخفيض 30% وبرنامج قطارات خاص للجماهير    سلطات الحوز ترفع حالة التأهب القصوى لمواجهة موجة البرد والثلوج    التساقطات الثلجية والأمطار تدفع وزارة التجهيز إلى استنفار فرقها لضمان سلامة حركة السير    موجة البرد القارس: مؤسسة محمد الخامس للتضامن تطلق عملية دعم لفائدة 73 ألف أسرة في 28 إقليما    تعبئة شاملة بشيشاوة لدعم القطاع الصحي    عوامل مناخية وراء التقلبات الجوية التي يعرفها المغرب: "لانينيا" تُضعف المرتفع الأزوري والاحتباس الحراري يُكثّف التساقطات    إسبانيا تعتمد مسيّرة بحرية متطورة لتعزيز مراقبة مضيق جبل طارق    نقد مقولة "استنفاد التجربة": في تقييم حزب العدالة والتنمية ومنطق الإنهاء السياسي        بونو: "الأسود" متحمسون ل"الكان"    رصيف الصحافة: مباريات كأس إفريقيا تمدد أوقات إغلاق المقاهي والمطاعم    توقعات بأرقام قياسية في "الكان"    الدوزي ينسحب من أغنية كأس إفريقيا    "التجاري وفا بنك" يستحوذ على 45 في المائة من الاكتتابات في "SGTM"    بنك المغرب يبقي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في 2,25 في المائة    وزارة التجهيز والماء تعبئ إمكانياتها لإزالة الثلوج وضمان حركة السير بعد اضطرابات جوية    تماثل للشفاء    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى ملك مملكة البحرين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    هيئات تطالب الحكومة بإعلان مدينة آسفي منطقة منكوبة وتعويض المتضررين وإنصاف الضحايا    بنكيران: تلقيت تعويضا بقيمة 100 مليون سنتيم بعد إعفائي من تشكيل الحكومة    بنك المغرب: وقع تسجيل نمو اقتصادي بنسبة 5 في المائة سنة 2025    الحكم على نادي باريس سان جرمان بدفع 61 مليون أورو لفائدة مبابي كمكافآت ورواتب غير مدفوعة    دعوات لإعلان آسفي منطقة منكوبة    ترامب يطالب BBC ب10 مليارات دولار تعويضاً عن تهمة التشهير    التربية في صلب أولوياتها…الصين ترسم معالم تنشئة أخلاقية جديدة للأطفال        بطولة "الفوتسال" تتوقف بالمغرب    بوساطة مغربية... الأمم المتحدة تعيد إطلاق حوار ليبيا السياسي    مسلحون يقتلون 3 أمنيين في إيران    ال"كاف" تطلق دليل "كان المغرب 2025"    أبرز أحزاب المعارضة الكولومبية يرشح مؤيدة لترامب لانتخابات 2026 الرئاسية    أبرز عشرة أحداث شهدها العالم في العام 2025    تراجع أسعار النفط في ظل توقعات بتسجيل فائض في سنة 2026    أخنوش: إصلاح الصفقات العمومية رافعة لتمكين المقاولات الصغرى والمتوسطة وتعزيز تنافسيتها    إحباط مخطط إرهابي خطير كان يستهدف لوس أنجلوس في ليلة رأس السنة    الإعلام الفرنسي يرشّح المغرب للتتويج بكأس إفريقيا 2025    الرواية المغربية "في متاهات الأستاذ ف.ن." ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2026    فاس تحتظن الدورة ال13 لأيام التواصل السينمائي    دورة ناجحة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمكناس    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصابات ثقافة- شيءٌ ما يجري هناك
نشر في طنجة الأدبية يوم 13 - 06 - 2011

إنهم فتيةٌ آمنوا بالقصيدة فحملوها معهم إلى السّاحات.
مجموعةٌ من الشعراء الشباب يهوداً وفلسطينيين من الداخل (48)، يشاركون في النضالات سياسياً واجتماعيّاً وإنسانياً، فيأتونها رفقة قصائدهم التي أبدعوها لأجلها.. ينشدون أشعارهم أمام بيتٍ عربيّ تهدمه السلطات الإسرائيلية (بذريعة عدم الاعتراف بشرعيته)، أو في حيّ كالشيخ جراح ما زالت دماء قضيته تنزف وسط نيران تلتهم الحقّ والإنسانية، وفي بيت حانون يطلقون صرخاتهم ضدّ الاستيطان، وعند الجدار الفاصل يهتفون لهدمه، أو حتى في تظاهرةٍ على عتبة بنك إسرائيل اعتراضاً على تنكيلٍ اقتصاديّ بطبقاتٍ مسحوقة، وأمام مصنعٍ بيع عماله..
سيقول قائلٌ هذا ترويجٌ أو يقول آخر هذا موقف.. وأقول لا هذا ولا ذاك، إنما هي كوةٌ أخرى قد يعنينا أن نطلّ منها إلى من آمنوا بإنسانيّتهم واعتقدوا بالقصيدة والفنّ في تلك البقعة الصاخبة بالقهر، أرض السلام الموعودة للحروب، أرض المحبة الزاخرة بالأوجاع، أرض الله الفائضة منها الزعقات والصرخات..
فيا أيهذا المطلّ ها هنا لا تدخلنّ ، إلا محمّلاً بقلبٍ واسعٍ رحب يسع الأدب والفنّ والإنسان، وبذائقةٍ ذات عيونٍِ واسعةٍ ،لا تخنق أفق رؤاها.
يطلقون على أنفسهم اسم "عصابات ثقافة" ، يتظهارون للتعبير عن آرائهم السياسية أو الاجتماعيّة شعراً، موسيقى أو فنّاًُ آخر. بعضُهم من أصولٍ شرقيةٍ رأى في نفسه حاجةً تلحّ للعودة إلى الجذور والبحث عن اليهوديّ العربي فيه، سواء كان جدّه العراقيّ أو التونسيّ أو غيره، يتشبّث بجذورٍ للغةٍ وثقافةٍ طمسَها وجودُه في بيئة "متشكنزة" (تسوَّد فيها الثقافة الإشكنازية)، وبعضُهم عربيّ فلسطينيّ ذاق العنصرية مذ حمل جواز سفر محتلّه، ففقه مرارة طعمها وحمل وجع قضيّته بكلّ تداعياتها ووعي أنّ من حقّه أو واجبه (سيّان) أن يهدل بأوجاعه بلغة الظالم كي يُسمعه صوته، وبعضهم آمن أن الظلمَ واحدٌ وأنّ غبنَ الحق واحدٌ وأن حبسَ الحرية واحدٌ فحمل تماهيَه مع المرأة المقهورة أو العامل المظلوم في مصنعٍ سرق حقوقَه، أو العائل الفقير الذي قهرته سياساتٌ اقتصادية عفنة، فوزّعه ونشره فإذا هو يتماهى أيضاً مع بدويّ يُهدم بيته في قرى النقب أو فلسطينيّ آخر تسلط المستوطنون على بيته أو غيرهم ما دام القهر قهراً والظلم ظلماً أينما حلّ ووقع.
قد يتساءل أحدنا: وما الذي يحتاجه من سُرق بيته واغتُِصبت أرضه، أو هُدمت خيمته وهُجّر نكبةً بعد أخرى من قصيدة لن تمنحه مأوى بديلاً ولا حلاً؟؟ فيجيب آخر: إنه الشعر يا أخي.. إنها الكلمة، إنه الإنسان.
ألموج بيهار أحد الشعراء الناشطين قال لنا في حوارٍ عن "عصابات ثقافة" :
"أعتقد أن عصابات ثقافة ولدت من عمق الإحساس لدى جيلٍ كاملٍ من الشعراء بضرورة الربط بين النشاط الإبداعيّ وبين التعبير عن موقف سياسيّ اجتماعيّ، في حالةٍ تتزايد فيها في المجتمع الإسرائيلي الأصواتُ الساعية لإسكات كلّ رأيٍ مغاير . مواقف المبدعين ليست متجانسةً تماما ، ولكن أظنّ أن معظمنا نرى ضرورة الدمج بين الاضطهاد الداخليّ في دولة إسرائيل ، ضدّ الشرقيين، ضدّ العمال ذوي الأجور المنخفضة الذين يسعَون للنضال لنيل حقوقهم، ضدّ البدو في قراهم غير المعترف بها، وبين ما يجري من وراء جدار الفصل المقام، للفلسطينيين في المناطق المحتلة، ومعظمنا نربط بين نوعين من القمع والاضطهاد ، اقتصادي ( تحت غطاء الرأسمالية والعولمة) - ثقافيّ ( ضد الثقافة الشرقية والعربية)، وسياسيّ (كما في الحروب الأخيرة في لبنان وقطاع غزة، والعمليات العسكرية ، مثلاً ضد السفينة التركية".
أما ماتي شموئيلوف وهو ، شاعرٌ ومحرر أدبيّ وأحد مؤسسي الحركة، الذي حمل ديوانه الأخير (والمأخوذة منه النصوص الواردة أدناه)، عنوانَ "لماذا لا أكتب قصائد حب إسرائيلية- 2010" فيؤكد إيمانه بأنّ القهر هو القهر والظلم هو الظلم وأنّ مسعاهم أن يصرخوا في وجه الظلم والقمع والاضطهاد حيثما كان، إيماناً بإنسانية الإنسان وسموّه.
في حين يرى تامر مصالحة وهو فلسطينيّ من الأراضي المحتلة عام 1948 يكتب شعره بالعبرية ويترجم قصائد زملائه إليها، أنّ النّضال السياسيّ بالنسبة له هو الأصل، وأنّ الوجع الفلسطينيّ ومقاومة الاحتلال هي المحفّز الأساسي لهذا النشاط . وعن كتابته بالعبرية وترجمة النصوص العربية إلى العبرية، يؤكّد رؤيته لقيمة هذا العمل الذي " يؤسّس بحسب قراءتي شيئاً فشيئاً لإنشاء صوت عربي، أو ان شئتم أدب فلسطيني داخل الأدب العبري" وعن ماهية هذا الصوت في ذاك الأدب يضيف : "أن نؤسس لأدب ولصوت فلسطيني داخل الأدب العبري لا يعني بالطبع أن نتخلى عن كوننا معنيين بالدرجة الأولى بأدبنا وثقافتنا العربية فهذا هو حيزنا الثقافي الطبيعي وهو النبع الذي ننهل من وحيه نظرَتنا، واقعَنا، جمالياتنا ومخيلتَنا، ولا تبديل فيه ولا غنى عنه. وعليه لا يمكن أن تكون لنا ملكة حقيقية للغة الآخر ما لم نسعَ جاهدين دائماً وأبدًا للحفاظ على أدبنا العربي~ والنموّ به، ويضيف مؤكّداً رؤيته في ضرورة تدعيم وتمكين هذا الخطاب :" ملكتنا للغة الآخر هي ملكة تكاد تكون كاملة، وعليه فإنّ دخولنا باب الأدب العبريّ هو أمرٌ أكاد أراه محسوماً كضرورةٍ تاريخية وكأداة جمالية يجب أن تتماشى مع وسائلنا الخطابية مع المجتمع الإسرائيليّ، وبالذات مع مثقفي هذا المجتمع. يجب أن يكون خطابنا الجماليّ وبالرغم من كل المصاعب، حاضراً في الحيز العام وفي الحالة الأدبية والجمالية الاسرائيلية كخطابٍ نقدي هدفه التذكيرُ بواقعنا المهمَّش وأنسنة ثقافتنا ومجتمعنا لدى مجتمعٍ لطالما حاول نزع هذه الصفة الإنسانية عنا بواسطة التغييب والتهميش وتقويض آدميتنا كمدخلٍ رمزي يشرعن فيما يشرعن استمرارَ الإجحاف والاحتلال والقمع والعنف والعنصرية الممنهجة التي تُفَعّل بتجلياتها المختلفة ضدّ عامة الشعب الفلسطيني."
من نصوص "عصابات ثقافة" نقرأ من ترجمة كاتبة هذه السطور ما يلي:
ماتي شموئيلوف-
في قريةٍ كاملةٍ مدمَّرة وفي ترحيل يافا
تسمعين أمّاه
صدأٌ أبيض مرتوٍ
أقنع المفتّش
بالأكل سويةً مع المقاول
بإطعام السياسيّ
بمضاجعة القاضي
بتسطيح تاريخ الناس

صدأٌ كبيرٌ أمي، أقسم إنّي رأيتُه يعضّ الخراب
بنهم، وإفرازاتُه هي الثقافة التي
تأكل ولا تشبع أبداً.

ولماذا أحكي لكِ كلّ هذا يا أمّي،
ربّما لأنّي أحسّ أنّ هذا لا يمكن أن يستمرّ هكذا
لا بدّ من الوقوف معاً
في وجه الصّدأ، والصّراخِ وجعاً من العضّ.

معكِ حقٌّ أمّي
نحن لسنا صدأً
لكن النّدَبُ في الجسد
الخرابُ في العينين
قد عبروا لابنتي
التي تسأل كيف لم
نفعل شيئاً.

هنا
لن تفهموا لماذا أشتاق إلى بغداد
أفتقد بيروت
كيف أهدأ في دمشق
لماذا أعلّم في رام الله
كيف يتعلّم أبنائي في غزة
تزوّجت في "أبو ظبي"
كيف بكيتُ حين سمعت أغاني الشتات
لن تفهموا ما الذي فقدتُه في إسرائيل

حين الاتكاء

صرخةٌ لهذا الحدّ هادئة
عيونٌ مغمضةٌ مفتوحةٌ ملء اتّساعها
في الطريق الوحيد الذي يبيح لي
أن أخطو فوق جثثٍ
وأن أفهم
أسنانك سوداء

أكاذيبك بيضاء
تجرّد من الشَّعر الغامق، احلق المنبت
لا يهمّ من أجرى لي العمليّة فالله لا يوقّع على الموجود
لا طريق للعودة
فنتازيا حكوميّة مُسكرة
أحالتني مطهّراًً، واليهود أيضاً
عنصريون، عنصرٌ َحَلَقَ، نقّى وطهّر إياي
والبيت مصابٌ بالجذام

أزيلوا إله الغربة الذي في أعماقكم

أبعِدوا الجرثومة
الغريبة، سينتهي الأمرُ بسوءٍ، الكرياتُ البيضاءُ في الدّم
لن تكلّمه، برغم
أنّه أبداً لم يتمنَّ أن يكون
فيروساً في الجهاز
لقد حلم في قصيدته
أن يكون أصلاً جزءاً من الجسد المريض
تامر مصالحة
أمام شرفة بن جوريون
إلى السيد، إلى الجرافة وإلى اللاجئ
إلى الصحراء،إلى الطرد وإلى التهجير بالشاحنات
إلى المثلث، إلى منطقة الحواجز* وإلى الحاضرين الغائبين
إلى البدو الذين لطبيعتهم لم يستطيعوا أن يكونوا ملاكين
إلى إبراهيم أبينا وإبراهيم حليمة*
إلى الموظفين،إلى العساكر وإلى القضاة
الذين ساهموا في اغتصاب حقوق الآخرين
إلى عمدات المدن ، إلى حيتان السماسرة والوزراء المطالبين
بالعدالة بثمن الدم والعدوان
إلى إسحق ، إلى إسماعيل وإلى سارة صاحبة القلب الصّنديد
فريسةً للغيرة من كوخ ابن الأمة الصّغير
إلى السرقة في وضح النهار وقانون الأراضي
إلى المدن ،إلى القرى والمستوطنات ذات الحواجز، الأسوار والبوابات
إلى البيوت المقرمدة ، إلى الحدائق وتهويد الأرض
إلى حقول النار* تأكل حقول المراعي
إلى مخيم الجيش يقمع مخيّم اللاجئين
إلى المطار في نفاطيم
الذي سيسهل إبادةَ المحصول بالطائرات.
إلى القرى غير المعترف بها، إلى الناس بلا وجوه
إلى مخصّصات الولادة، إلى التمدّن القسريّ ومخصصات التأمين
إلى قبّة المسجد المنهكة وقبّة المُفاعل المتصدّعة
إلى صلاة الفجر إلى رحمات السماء إلى الشارع ، إلى الكهرباء إلى الماء
إلى البدويّ المحبوس بترحالٍ أبديّ
بالاستشراق الرومنسيّ لقصائد شعراء العبرية
إلى البدويّ المحبوس بترسيخ أبديّ
في شخصيّة المجرم بقانون شاحر درومي*
إلى كلّ هؤلاء أطلّ بن غوريون من شرفته
صفّق برضىً... وأعلن الاستقلال
* منطقة الحواجز: مصطلح تاريخيّ جغرافي وسياسيّ متعارف عليه لعملية التطهير العرقيّ التي حصلت للبدو في النقب عام 48 بتهجيرهم إلى ما يعرف بمنطقة السياج أو الحواجز وهي المثلث بين ديمونا، بئر السبع وعراد .
* إبراهيم حليمة: قاضٍ في محكمة العدل العليا ادّعى في قرار له بشأن مطالبة البدو بأراضيهم (التي يملكون لها "كوشان" وأوراقاً ملكية من الفترة التركية والانجليزية)، أن البدويّ بحسب تعريفه كبدويّ لا يستطيع أن يتملك الأرض!
*حقل النار: تعبير عبريّ للمنطقة التي يتدرب بها الجيش على إطلاق النار
*قانون درومي: قانون أقرّ في الكنيست لتبرئة شاي درومي الذي قتل شابّاً فلسطينياً بدوياً في النقب بذريعة التسلل إلى مزرعته، فأعفى القانون من المسؤولية كلَّ من يقتل من سطا على ممتلكاته، والقانون يشرعن قتل الشباب البدو من المتطرفين وإلباسهم لباسَ السارق المعتدي أيضاً.
ألموج بيهار- الشيخ جراح 2010
"لا حرمة لمدينة محتلة"..
من شعارات المظاهرات
أ-
جئنا بالطبول في صعود طريق نابلس. وأنا كلّ الطريق
كنت أخشى أن يزعج الضجيج راحةَ الجيران
إذ تذكرتُ أني لا يسعدني أن يمرّوا بالطبول في حيّي
وكنتُ أخشى أنّ الإيقاع أكثرُ ابتهاجاً من التعبير عن وجع
من أُلقوا إلى الشارع. غضبِِ من جاءوا من الشارع.
ب-
يهوديٌّ بلحيةٍ أنا.. بكاسات شاي.. بمسيحٍ
لن يأتي بعدُ. بوصايا عدةٍ منذ أجيالٍ أمنّي
القلبَ بصونها فلا أفلح, بذاكرة قداسة كلمات عربية
بحرفٍ عبريّ. وللحظة، من جانبَي الجدار المحبوك
الذي ترعرع عند عتبة بيت عائلة غاوي الملقاة إلى الشارع
التقينا أبناءَ ديانتين مختلفتين إنما أختين.
له أيضاً لحيةٌ وذكرياتٌ ووجهه يتجزأ عبر الجدار إلى عشرات
الأجزاء، وهو يرميني بتهمٍ قاسيةٍ كأخ،
أن غدوتُ مهجريّاً*، أنّني حانق، يأكلني الكره لذاتي، أحبّ
العرب, خائنٌ، أشي بأبناء شعبي في أشعاري، أكثر خطورةً
من اللاساميين، "كابو"**، وهو يذكّرني بفظاعةٍ
بمحارق أوشفيتز ويده الممتدّة إلى إله يعِد
بإعادة أرضه إلى شعبه أو شعبه إلى أرضه.
لوهلةٍ فكّرتُ بإمكانيّة أن نعود ابنَي ديانةٍ واحدة
يهوديّين أنهكتهما الاتهامات. تناولتُ يدَه
واقترحتُ عليه أن نذهب كلانا إلى قبر شمعون
الصدّيق، ونغدقَ الدّموع على الصدّيق وعلى الندوب التي أندبنا
في قلبه العجوز، لعلّ الصدّيق يبكي علينا وعلى عمق الصّدع
الذي يهدّد بتصداعنا وأرضِ إسرائيل، بين ألمانيا وفلسطين
ج-
ما أن وصلتُ إلى الشيخ جراح حتى رحتُ أبحث عن يهود.
كما في وصولي لبلد بعيد إذ أبحث عن رفقةٍ ليكتمل نصابُ الصلاة
أو ركنٍ بطعامٍ حلال وولائمِ السبت والعيد . وأنا على بُعد
عشرين دقيقة سيراً من بيتي، من كنيسي. وقتُ دخول
السبت يلحّ، وأنا أهمس لإلهي أن يتقبّل صرخة
الشعارات كما لو كنتُ استقبلتُ السبتَ أمامه
بأكمل وجه، وكما لو صليتُ له صلاة مساء
السبت بأكمل النوايا.
د-
وأردتُ عبورَ حاجز الشرطة
والهبوطَ للصلاة في قبر الصدّيق مع المصلين
القادمين جميعُهم مستحمّين متزيّنين. ننشد أمام الصدّيق
بجذلٍ كبير ونستقبل السبت
وأستسمحه أن أصلي مع الخطّائين
وأرجوه أن يلتمس العذر للمتظاهرين
الذين يفسدون السبت كي يقدّسوا وجهَ الله في أورشليم.
ه-
وكان أن حلمتُ في إحدى الليالي: نأتي للشيخ جراح متظاهرين
جماعاتٍ جماعاتٍ من المطرودين ، وبيننا يسير اليمنيون الذين طُردوا
من مستوطنة كنيرت، ولاجئو الخليل اليهود منذ 1929
وعربُ البقعة، الطالبية، القطمون، مئا شعريم، لفتا
وعين كارم الذين طُردوا في النكبة، ولاجئو الرّبع اليهودي
الذين في 48 طردهم الأردنيون، وفي 67 أممت بيوتهم بيد
حكومة إسرائيل لتباع غالياً ويبقوا لاجئين،
والفلسطينيون الذين طُردوا من القرى المحيطة باللطرون في 67
والشرقيون الذين طُردوا من حيّ يمين موشيه ، بعد سنين
في مرمى القنّاصة ، كي يفسحوا مكاناً للفنانين والرسامين،
وسكانُ القرى غير المعترف بها في النقب، ومتضررو القروض البنكيّة
المقذوفون من بيوتهم بأوامر دائرة الإجراء ، وسكانُ يافا والمصرارة
المدفوعون لإخلاء بيوتهم لصالح غنيٍّ منهم ، وأهالي سلوان
الذين تهددُ أوامرُ الهدم بيوتَهم.
ه-
وكان أن حلم عمدة أورشليم في إحدى الليالي : الشيخ جراح
تغدو إسفلتاً، ساحةً كبيرةً لوقوف السيارات، ومن رأى فيها تينة
ومن رأى فيها زيتونة، من رأى فيها كرماً، سيرى سياراتٍ في موقفٍ عملاق،
حتى آخر الأفق، كما مركز تجاريّ في مدينة أمريكيّة هادئة.
في الشيخ جراح سيحلّون مشاكل ساحات السيارات في أورشليم، ربما
في إسرائيل يحلّون كلّ مشاكل الساحات في العالم،
فلسطين كلُّها ستُكسى إسفلتاً ، لأن الحلّ يكمن في الإسفلت الذي سيهدّئ أخيراً
الصراعَ على قداسة الأرض، التي ستختفي..
و-
ووقفنا مئات المتظاهرين أمام حاجز الشرطة في مدخل الحي.
نتقدّم ثمّ نتراجع، نتهرب من الشرطة ثم نعود
إلى ذراعيها، نتحرك في دوائر، نكاد نصل إلى الشرطيين
ثم نلتفّ هاربين، فيما هم يضربوننا كما آباءٌ غاضبون
يتلهفون لتربية أبنائهم،
كما طلابُ مدارس يصرّون على إعادة ما تلقّوا من ضربات
ونحن لا ندري هل نرجوهم أن يرأفوا بالشيوخ،
بالنساءِ الحوامل والأطفال، هل نقف ونتلقّى الضربات بحبٍّ
أم نلتفّ هاربين مجدَّداً ، حتى نعود من جديد.
ز-
ووقفنا مئاتٍ من المتظاهرين أمام حاجز الشرطة في مدخل الحيّ.
ونظراتُ رجال الشرطة، الذين وصلوا للتوّ من دورتهم التعليمية،
متعَبين من المناوبة الإضافية الني فرضناها عليهم،
من الأجرة القليلة، من صيحات الضبّاط والمتظاهرين،
قلقةٌ أن تمتدّ المظاهرة حتى دخول السبت هذا الأسبوعَ أيضاً
وقائدهم يأمرهم بصدّنا من الشارع، إذا لم يصدّوا
سيلغي لهم إجازة السبت، ونحن مع كلّ ضربةٍ نكرههم
وننسى قائدَهم، عمدةَ المدينة، والمحكمة.
وتمنيت في أعماقي لو أعبر لجهة رجال الشرطة ، أتناول البوق
من قائدهم، وأطلب بألمٍ من المتظاهرين أن يتفرّقوا، أنادي:
هذا الأسبوع نحن لا ندّعي بأنّ المظاهرة غير قانونية، لا،
إننا نرجوكم فقط أن تنتبهوا لذاك الأجر الذي يتقاضى كلٌّ
منا كذا وكذا شواقل عن كلّ ساعةٍ من المظاهرة،
مقابل وُعودنا لنسائنا بأن نأتي لوليمة السبت،
من فضلكم، اذهبوا هذا الأسبوع وتظاهروا في بيت عمدة المدينة،
رئيسِ الحكومة، أو المليونير الذي يشتري لهما البيوت،
في صالونات أهاليكم وجيرانكم ، أريحونا فقط هذا الأسبوعَ، رجاءً.
ح-
في الطريق للمظاهرة أذّن المؤذن من مئذنة المسجد بمقام الصَّبا
وكنتُ أنشد بهدوءٍ لإلهي في ذات اللحن:
"وتشهد أعيننا عودتَك لصهيون بالرحمات، بالرحمات" ***
ط-
شمعون الصدّيق من بقايا الكنيس الأكبر كان
تلميذَ عزرا الكاتب، سيّدَ أنطيجنوس رجل سوخو
وكان يقول: على ثلاثةٍ يقف الكون:
على التوراة وعلى العبادة وعلى العمل الصالح
ونحن لسنا تلاميذَه ولا تلاميذَ تلاميذِه
ولا تقع علينا الفروض السماويّة بعدُ كما على تلاميذه،
ولسنا مطالبين بالعمل الصالح
إلا مع أنفسنا، والكونُ لم يعد قائماً
نسينا أن كنّا غرباء في أرض مصر، نسينا
أن التوراة واحدة ، وحكمها واحد لنا وللغريب
المقيم معنا، نسينا أن أبناء عائلة حانون ليسوا غرباء
في هذي البلاد, أن أبناء عائلة الكرد ليسوا غرباء
في هذي البلاد, أن أبناء عائلة غاوي ليسوا غرباء
في هذي البلاد, وما زلنا ننسى.
ي-
عند ساحة عائلتي الكُرد وحانون المطرودتين، جنديّ من حرس الحدود
يناديني: ماذا تفعل هنا؟ يسألني ما كنتُ أبغي سؤاله عنه.
منذ عامٍ فقط قرأنا معاً آريسطو، موشيه بن ميمون، الغزالي وجوانغ ديزيه،
وها هو الآن يعمل على إبعاد العقول
من بيوت المطرودين. "إنه معلمي"، يقول مرتبكاً
لجنديّ آخر ينضمّ إلى الحديث متذمّراً: كلهم يكرهوننا،
غاضبون منا أكثر من طيار يُلقي بالقذائف،
يشتموننا، وعلينا في النهاية أن نفصل هنا
بين الأولاد المتقاتلين كما لو كنّا حاضنات، ماذا تقول في هذا؟
وأنا لم أقل شيئاً، كنت لا أزال أحاول في ذهني أن أربط
بين موشيه بن ميمون والغزالي وبين الطرد من الشيخ جراح.
*مهجريّ: مصطلح استخدم في الثقافة اليهودية إشارة لليهودي الذي تقبّل المهجر بسلبيّةٍ وضعف بعكس اليهودي الفاعل الساعي إلى الهجرة لإسرائيل.
**كابو: لقبٌ أُطلق في المعتقلات النازية على الأسير اليهودي العميل الذي يعيَّن عيناً على زملائه من الأسرى لضبطهم وإهانتهم.
***مقتبَس من صلاةٍ يهودية (صلاة الوقوف أو الفصول الثمانية عشرة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.