قراءات سياسية ترافق سيناريو فوز "الأحرار" بجل الانتخابات الجزئية    92 في المائة من المقاولات "راضية" عن استقرارها بجهة الشمال    مجلس المنافسة سيفتح تحقيقا في حالة ثبوت تدارس أرباب ومسيري مقاه إمكانية إقرار زيادة في تسعيرة استهلاك المشروبات المقدمة    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير خلال الأسبوع الماضي    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    الصناعة التقليدية تحقق 11 مليار درهم من العملة الصعبة.. وأوضاع الصناع تسائل عمور    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    بسبب نهضة بركان.. "الطاس" يصدم اتحاد العاصمة الجزائري    الجولة 23 من بطولة القسم الثاني : الكوديم يحافظ على الصدارة ولوصيكا يحتج التحكيم والصراع يشتعل في أسفل الترتيب    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ثمن المازوط غاينزل شوية ابتداء من غدا    نشرة إنذارية: أمطار قوية غدا الأربعاء بعدد من أقاليم الشمال    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    فاتح ماي.. نقابة ميارة تدعو لطي ملف الأساتذة الموقوفين وتسريع تفعيل رفع الأجور    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    لندن.. إصابة عدة أشخاص في هجوم بالسيف واعتقال مشتبه به    ألباريس دخل طول وعرض فالحزب الشعبي: فين تقرير المصير ديال الصحرا اللي كدافعو عليه فبرنامجكم الانتخابي وفيناهو فلقاءات زعيمكم راخوي مع المغرب؟    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    سياحة الأعمال.. المغرب يسعى لاستقطاب مليون ونصف سائح سنة 2026    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    أعداد الضحايا تواصل الارتفاع في غزة    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق 2/2
نشر في العلم يوم 22 - 05 - 2009

يتألف كتاب الدكتورة عائشة الشرقاوي المالقي «البنوك الإسلامية، التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق» الذي صدر عام 2000 عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء، من قسمين ومقدمة وخاتمة، بالإضافة إلى مراجع البحث، والذي هو في الأصل، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في الحقوق. ونقدم في ما يلي محتويات طبعته الأولى بعد إجراء صاحبته بعض التعديلات على الأطروحة.
فقد تناولت المؤلفة في القسم الأوّل «الوضعية القانونية لتأسيس وإدارة البنوك الإسلامية» واشتمل هذا القسم على ثلاثة أبواب. تمحور الباب الأول حول «الوضعية القانونية لتأسيس البنوك الإسلامية» من حيث الإطار القانوني العام للتأسيس وواقعه؛ وتمحور الباب الثاني حول «إدارة البنوك الإسلامية والرقابة عليها»، بينما تمحور الباب الثالث حول «موارد البنوك الإسلامية» من حيث بيان الموارد العائدة للمساهمين، والموارد المتلقاة من الجمهور.
أما القسم الثاني من هذا الكتاب فقد تناولت فيه المؤلفة «أدوات توظيف الأموال في البنوك الإسلامية» واشتمل هذا القسم أيضا على ثلاثة أبواب. تمحور الباب الأوّل منها حول «التوظيف بناء على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة» وانتظم القول في هذا المحور من حيث التوظيف بالمضاربة أو تمويل العمل، والتوظيف بالمشاركة أو تمويل المساهمة؛ وتمحور الباب الثاني حول التوظيف بناء على مبدأ الهامش الرّبحي، وانتظم القول فيه من خلال بيان التوظيف بالبيوع، والتوظيف بالإجارة في البنوك الإسلامية، وأما الباب الثالث فتمحور حول «التوظيف بدون هامش ربحي» وانتظم القول فيه من حيث بيان التوظيف بالقروض عموما، والتوظيف بالقروض في البنوك الإسلامية.
تثير المؤلفة في مقدمة هذا الكتاب قضية تحرير الأفكار والأنظمة الاقتصادية والمالية في البلاد الإسلامية من تقليد الغرب واتباع سياسته المالية، فبعد أن سيطر الاستعمار سياسيا واقتصاديا وفكريا على هذه البلدان «أصبحت القاعدة هي تقليد كل ما هو غربي باعتباره السبيل الوحيد للتقدم والازدهار بدءا بمجال المال والأعمال ومؤسساته، حيث بث الاستعمار بل رفض مبدأ التعامل بالفوائد بشكل رسمي، لأن الزيادة على أصول القروض كانت موجودة في المجتمعات الإسلامية بأشكال مختلفة (وتتمثل في الحيل المتعددة لتجاوز تحريم الربا). ومع مرور الوقت، ترسخ في الأذهان أنه لا مجال للتعامل المالي، دون فوائد ودون بنوك تتعامل بها، وبذلك تحقق هدف من أهداف الاستعمار الأولى وهو التقليص من تطبيق الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية، بدعوى أنها غير ملائمة لمستجدات العصر.
وتزامنت سياسة الاستعمار المالية القائمة على نظام الفوائد، مع دخول الصناعة والتقنية الحديثة للدول النامية، ومنها الإسلامية بطبيعة الحال، ولم تخل هذه الوضعية من إحداث تنازع إيديولوجي، أدى إلى إعادة النظر في القيم الدينية والحضارية. ذلك أنّ منظري التنمية الاقتصادية والاجتماعية الغربيين رأوا ومازالوا يرون، أنّ الوفاء للمعتقدات والممارسات الدينية أمر لا يتوافق والتقدم الاقتصادي والاجتماعي (...) ولكن إذا كانت الدول الإسلامية، قد خضعت مع الاستعمار لهذه الأفكار والأنظمة الاقتصادية والمالية دون أن تكون حرّة في الاختيار، فقد كان من المفروض بعد الاستقلال، أن يطرح المسؤولون والمفكرون فيها، تساؤلات حول هذه الأنظمة، هل هي مناسبة لمجتمعاتهم أم لا؟ لا سيما وأن صورة الأنظمة الاقتصادية الغربية ومؤسساتها، اهتزت وأصبحت سيّئة لدى الرأي العام الغربي نفسه، الذي وجه لها انتقادات حادّة ومتتالية، واتهم البنوك بصفة خاصة بأنها انتهازية وانتفاعية، فهي إن لم تستطع تعبئة الادخار فلكونها غير كفأة، وعندما ترفض منح القروض وغيرها من التمويلات فهي تخاطر بزبنائنا (...)»..
وترى الباحثة أن الدافع الرئيسي للبحث حول موقف الإسلام الاقتصادي والمالي، هو أن الباحثين والمفكرين المسلمين المهتمين وقفت في وجوههم كل الآفات الاقتصادية التي يعرفها العالم الإسلامي، من بطالة وتضخم وعجز في موازين المدفوعات ومديونية الحكومات، ورأوا أن ذلك راجع بنسبة مهمة إلى انعدام النظام النقدي والبنكي المناسب، باعتباره دعامة كل اقتصاد يهدف إلى تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتساءلوا والباحثة معهم عن النظام الذي يمكن أن يحقق هذه العدالة، وهل يمكن إقامته وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية؟ بمعنى أن نلغي التعامل بالفائدة أولا وقبل كل شيء لأنها نقطة الخلاف الأساسية، وهل إذا جرّدنا النمط الوضعي من الفائدة، سيصبح بذلك إسلاميا؟ أم هل لابد من إعادة تشكيل كل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية بما يلائم روح وقواعد الشريعة الإسلامية؟ وإذا كان الردّ على التساؤل الأخير بالإيجاب، فهل استطاعت البنوك الموجودة التي تقول إنها إسلامية إحداث هذه التغييرات، وبالتالي إيجاد النظام الملائم للشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية أم لا؟
************
أدوات توظيف الأموال في البنوك الإسلامية
تطرقت المؤلفة، في القسم الثاني من هذا الكتاب، لأدوات توظيف الأموال في البنوك الاسلامية، حيث بينت أن هذه الأدوات تخضع مبدئيا لقواعد الشريعة الاسلامية، وما يمكن اسنتباطه منها، بهدف الوصول الى استثمار المال في الميادين المباحة شرعا، وإخضاعه لقاعدة «الغنم بالغرم»، وتنويعه بين ميادين مختلفة، بالشكل الذي يضمن مردودية معقولة، ويقلل من المخاطر أكثر ما يمكن. وبناء عليه تعرضت المؤلفة، في هذا القسم، بالدراسة والتحليل النظري والعملي، ليس لكل أداة على حدة، وإنما على أساس المبادئ التي تؤطرها، أي أنها جمعت الأدوات المشتركة تحت مبدأ معين، في باب خاص. فأتى التقسيم على النحو التالي: الباب الأول خصصته لمبدأ المشاركة في الربح والخسارة، والثاني: لمبدأ التمويل مع الهامش الربحي. والثالث: للتمويل بدون هامش ربحي. علما بأنها لم تتعرض للأدوات الحديثة التي شرعت بعض «البنوك الاسلامية» في استخدامها، وهي ما يطلق عليها «الأدوات المشتقة»، لأن استخدامها مازال في بدايته، ولم ينتشر بما فيه الكفاية التي تمكن من ضبطه وتقديره، كما أنها لم تتطرق للخدمات التي تقدمها هذه البنوك، مثل: الاعتمادات المستندية، وخطابات الضمان،
والتعامل في الأوراق التجارية والمالية، والصرف، وتأجير الخزائن، مكتفية بالإشارة إليها كلما دعت الضرورة لذلك. لأن تصورها للموضوع فرض عليها كما قالت التركيز على النقط التي أثارت الجدل والخلاف والمشاكل نظريا وعمليا.
أوضحت المؤلفة أن رأس المال يستحق عائدا معينا، سواء في الاقتصاد الوضعي أو «الإسلامي»، ويشترط له هذا الأخير، أن يساهم فعلا في الإنتاج، وأن يتمثل في نسبة شائعة من الأرباح المتحققة، أي يجب ألا يأخذ بشكل الفائدة المحددة مسبقا. ويتحدد الربح في التصور الإسلامي، في كونه الزيادة على رأس المال، المتحققة من استخدامه، في عملية أو عمليات مقبولة شرعا. ويختلف مبلغه بحسب حجم رأس المال المستعمل، ومخاطر العملية. ويتم الحصول عليه، بأساليب تتيح نوعا من التكافؤ في تحقيق المكاسب، أهمها: أسلوب المضاربة والمشاركة، القائم على مبدأ المشاركة في الأرباح والخسائر، وهو ما اختارته «البنوك الإسلامية»، كأساس لعملها، عوض التعامل في النقود، والديون، على سبيل الاتجار، كما هو الحال في البنوك التقليدية. وحاولت المؤلفة الوقوف على طبيعة هذه الأدوات وكيفية استخدامها ونتائجها ومشاكلها.
وفي هذا السياق، أكدت أن مكافأة الإنتاج في «الاقتصاد الإسلامي» تتحدد في الربح والأجر، ويجد الأول تنظيماته في عدد من العقود أهمها بالنسبة للباحثة، عقد المضاربة، الذي يعد من الأدوات التمويلية في الإسلام، نظمه الفقهاء وأرسوا قواعده التي تمتاز بالمرونة في التطبيق، فقد برزت المضاربة كأحد البدائل الأساسية للتعامل بالفوائد، التي توصلت إليها «البنوك الإسلامية». وللتعرف على طبيعتها، وكيفية استخدامها، ضبطت المؤلفة مفهومها نظريا وهو ما تعرضت له في فرع أول، لتصل في فرع ثان الى تطبيقها العملي ونتائجه ومشاكله.
كما أكدت أن الشريعة الإسلامية تعتبر رأس المال من عناصر الإنتاج، وتسمح له بجر منفعة معينة لصاحبه، ولكن ليس عن طريق الفائدة المسبقة، وإنما عن طريق الفائدة اللاحقة أي الناتجة عن المشروع، أي الربح الذي يأتي بإحدى الطريقتين: إما أن يكون الشخص متوفرا على رأس المال والخبرة والوقت، من أجل مباشرة العملية الإنتاجية بمفرده والحصول على ربحها، وإما أن يكون متوفرا فقط على أحد هذه العناصر أو بعضها فيضطر إلى الاشتراك مع شخص أو أشخاص آخرين، من أجل الوصول الى هذا الربح، وهذه الحالة الأخيرة، قد تأخذ شكل المضاربة أو المشاركة التي حاولت المؤلفة توضيح مختلف جوانبها، بعد أن اعتمدتها «البنوك الإسلامية» كوسيلة عمل تعوض بها النقص الذي حصل لها في استخدام المضاربة. وذلك عن طريق ضبط مصطلحها وإطارها النظري، ثم بحث تطبيقها العملي من طرف هذه البنوك.
التوظيف بالمشاركة في الأرباح والخسائر
ومن جهة أخرى، أشارت الباحثة الى أن «البنوك الإسلامية» استخدمت مبدأ التوظيف بالمشاركة في الأرباح والخسائر، كقاعدة أساسية للنمط المصرفي الجديد، الذي دعت إليه، وجاءت لتكرسه في الواقع. ولكنها سرعان ما وجدته غير قادر على تلبية كل متطلبات الحياة الاقتصادية من الأموال، ولايحقق لها المردودية التي كانت تتوقعها، فضلا عن المشاكل التي عاقت استعماله بفعالية. فشرعت تبحث عن مبادئ أخرى، تتجاوز بها كل هذه الثغرات، فلجأت الى مبدأ سهل في التطبيق، ويعطيها فرصا للتوظيف السريع، والربح السريع في نفس الوقت. وهو مبدأ التمويل بالهامش الربحي، وأدواته هي: البيع والإجارة. فاستعملت من أنواع البيع بالأساس بيع المرابحة، وبعده بعض البيوع الآجلة. ومن الإجارة نوعا يطلق عليه حديثا، الإجارة المقرونة بخيار الاقتناء، أو التأخير الإئتماني. بذلك انتقلت من مرحلة التمويل بالنقود الى مرحلة الاتجار في السلع والخدمات.
وبناء عليه، قسمت الباحثة الباب الثاني من هذا القسم الى فصلين تعرضت في الأول للبيوع وكيفية استخدام «البنوك الإسلامية» لها، وفي الثاني للإجارة على نفس النهج. علما بأن الإجارة لاتحتل إلا مرتبة ضعيفة لدى هذه البنوك، مقارنة بالبيوع وخاصة بيع المرابحة.
وقالت بخصوص «التوظيف بدون هامش ربحي»: «يعد الإئتمان، العمل الأساسي للبنوك التقليدية، ومحوره تقديم القروض لمن يطلبها، وتتوفر فيه شروطها، سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، مع التزام أي مقترض، بإرجاعها لها، مضافا إليها الفوائد المقررة عليها، عند حلول الآجال المحددة. وتنهج البنوك في تقديمها للقروض، المضاربة على الفرق بين الفوائد التي تأخذها من المقترضين، وتلك التي تقدمها لأصحاب الودائع، علما بأن هذه الأخيرة، تكون دائما أقل من الأولى.
وتكون مردودية هذا العمل، الجزء الأكبر من دخل البنوك. وهو ما يفرض علينا، طرح سؤال، عن وضعية هذه الأداة في «البنوك الإسلامية»، وهل تستعملها أم لا؟ وإذا كانت تستعملها فما هي طريقتها في ذلك؟ والملاحظ، أن الائتمان بصفة عامة، يضم العديد من العمليات والخدمات، ولكننا سنؤكد هنا على أهمها، وهي القروض المصرفية المباشرة، أي إقراض النقود من طرف البنوك، وعليه، سنقسم هذا الباب إلى فصلين، نتحدث في الأول: عن ماهية التوظيف بالقروض عموما، والقروض البنكية خصوصا. وفي الثاني: عن التوظيف بالقروض في «البنوك الإسلامية».
هل توظف البنوك الإسلامية بالقروض؟
«قد يقال، إنه لامجال للحديث عن القروض كأداة عمل لدى «البنوك الإسلامية»، لأنها جاءت أصلا بأدوات بديلة، قائمة على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، بعيدا عن القروض، لكن الواقع العملي أثبت أنها تتعامل أحيانا بها، ولكي نقف على حقيقة هذا التعامل لابد من المرور بالمراحل التي نهجناها في هذا العمل وهي تحديد إطارها القانوني والتنظيمي ثم واقع التوظيف بها من طرف هذه البنوك».
وأضافت المؤلفة:
«مبدئيا توظف «البنوك الإسلامية» بالقروض دون فوائد، وذلك ضمن القواعد العامة المعروفة في إبرام أي عقد قرض عادي. وللتعرف على الإطار القانوني والتنظيمي، الذي تقدم هذه البنوك القروض من خلاله، نرى التعرض لهذه المسألة في تجربة «البنوك الإسلامية» الأولى في مصر، باعتبارها القاعدة التي أثرت في «البنوك الإسلامية» التي جاءت بعدها. ثم نتحدث عن الوضعية في التجربة الحالية لهذه البنوك».
وأبدت المؤلفة ملاحظات حول موضوع استخدام القروض كأداة عمل لدى «البنوك الإسلامية» لخصتها في مايلي:
الملاحظة الأولى «: إن هذه البنوك تقدم القروض، بضمانات أو بدونها وللاستهلاك والإنتاج، علما بأن القروض الإنتاجية الحسنة أي المجانية، لاتتم إلا في حالات نادرة، وذلك راجع لانعدام المردودية فيها، ماعدا مصاريف العمليات التي تأخذها هذه البنوك.
ولتغطية ضعف «البنوك الإسلامية»، في تمويل القطاعات الإنتاجية بالقروض الحسنة، قدمت عدة اقتراحات، منها؛ أولا: أن يتم تمويلها من «الحساب الاجتماعي»، أي من أموال الزكاة والتبرعات. وثانيا: فتح المجال للقروض الاستهلاكية المجانية لذوي الحاجات الملحة،، على أن ينظر في تمويل القروض الإنتاجية فيما بعد، ومع تطور أعمال هذه البنوك وتعميق البحوث في هذا المجال. وثالثا: أن القرض الحسن لا يتوافق أصلا مع هذا النوع من التمويل، ولامع ظاهرة التضخم التي يعيشها العالم في الوقت الحاضر. وتعتقد المؤلفة أن الحل الذي يوفق بين مختلف الإتجاهات، وبالنظر إلى ظاهرة التضخم التي تقلص من قيمة النقود، والى كون القروض الحسنة لاتدر على المقرضين، أي «البنوك الإسلامية» هنا أي دخل، وإلى الصعوبات التي واجهتها في تطبيق تقنية المضاربة، هو تمويل القروض الإنتاجية بالمشاركة في رؤوس أموال المشروعات، والتمييز في القروض الاستهلاكية، بين التي تلبي حاجات أساسية يومية، كالتطبيب مثلا، وهذه تمول بالقرض الحسن، من أموال الزكاة والتبرعات، وبين التي تلبي حاجات أخرى كشراء السلع المعمرة، كالسيارات مثلا، وهذه يمكن تمويلها بالبيع لأجل، أو بالتأجير
المقترن بخيار الشراء.
أما الملاحظة الثانية: فهي وجود تناقض بين الشعارات التي نادت بها هذه البنوك، وبين التطبيق العملي، فمنذ بداية التجربة، ومؤيّدوها ومنظروها ينادون بأن البديل الإسلامي للقروض بالفوائد، هو المضاربة والمشاركة بالأساس بينما البديل المنطقي، هو القروض بدون فوائد أي القروض الحسنة. وهو مالم تلتزم به هذه البنوك، بدعوى صعوبة تطبيقه، وكونه لايعطيها المردودية الكافية، وهي هيآت مالية تهدف إلى الربح. وبذلك فهي إما تخصص للقروض الحسنة نسبة ضئيلة من أموالها، أولا تقدمها نهائيا لأنها غير مربحة. بل إنها حتى في الحالة التي تقدم فيها قروضا حسنة، فإنها تفرض على المستفيد فتح حساب جار عندها، لا يأخذ عنه أي دخل، وبعد أن تعطيه ما يطلبه من تمويله تحتفظ له في حسابه بمبلغ أدنى معين، ومن مجموع المبالغ العائدة للمقترضين التي تحتفظ بها في حساباتهم هذه، تتكون لديها مبالغ طائلة، تنتفع بها لوحدها، مع أنه شرعاً لاحق لها فيها. وبالنتيجة، وبالنظر أيضا إلى الحجم الضخم للودائع تحت الطلب التي تتوفر عليها، يجب أن تخصص هذه البنوك نسبة معينة منها، للقروض الحسنة، حسب شروط معقولة، يتفق عليها ضمن إطار من القواعد القانونية التي يجب على
المشرعين إلزامها بها. وكل ذلك لا يمنعها من الحصول على ما يغطي أعباء الإدارة والتسيير.
تقدير عام لتجربة البنوك الإسلامية»
انطلقت الباحثة في تقديرها العام لتجربة «البنوك الإسلامية» من تحديد أساسها النظري ومدى احترامها له، محاولة إبراز إيجابياتها وسلبياتها، والمعوقات التي تقف أمامها، متسائلة عن إمكانياتها في المستقبل؛ آخذة بعين الاعتبار أوّلا أنّ هذه البنوك جاءت بأدوات عمل جديدة، ومارست أعمالها في مناخ عام غير مناسب، ومع ذلك حققت نجاحاً هاما، بالنظر إلى المدخرات ورؤوس الأموال التي استقطبتها وإلى انتشارها في مختلف أنحاء العالم. وثانيا أن «الإسلام لا يؤخذ بأخطاء المنتسبين إليه»، وبالتالي، فالتجربة مجرد عمل بشري قابل للخطأ والصواب، للنجاح والفشل. «إن فلسفة العمل البنكي الإسلامي» ، تعتمد على مبادئ عامة، واردة في القرآن والسنة، وتفاصيل كثيرة دعمها بها العمل الفكري الإسلامي عبر العصور. وأصبح الآن يطلق على المبادئ وتفاصيلها، «قواعد الاقتصاد الإسلامي»، التي تنظم هذا الجانب من حياة المجتمع، وأول ما تؤكد عليه، عدم التعامل بالفوائد البنكية لأنها ربا محرم. وهو الضابط الأساسي الذي قامت عليه «البنوك الإسلامية»، ووصفت نفسها بأنّها «إسلامية» لكي تتميز به وتؤكد على هذا التمييز. وعوضته بأدوات عمل جديدة، محاولة تغيير عقليات
تعوّدت على نمط معين من التعامل البنكي، سواء على مستوى السلطات أو الأشخاص، مهنيين ومتعاملين، واختراق جهاز بنكي عريق وقويّ، يعمل أساسا بنظام القروض بالفوائد، وإن كانت أعماله في الواقع لا تقوم كلها على الفوائد، وإنما منها ما يحصل في مقابلها على أجور أو عمولات أو رسوم. مثل عملية الإيجار البسيط، وبيع وشراء الفاتورات الذي يدور حول تحصيل الديون التجارية المستحقة على عملاتها، والائتمان الإيجاري الذي يكون محله سلعاً أو تجهيزات أو معدات وحتى عقارات. وهي في هذا الجانب لا تختلف عن البدائل التي جاءت بها «البنوك الإسلامية» (ص 611 612).
وإذا كانت الضوابط الشرعية التي تؤطّر عمل «البنوك الإسلامية»، تقوم بالأساس على عدم التعامل بالفوائد، فإنّ الباحثة حاولت في البداية حصر مالها وما عليها، للتأكد من التزامها أو عدم التزامها بتلك الضوابط ويتمثل ما يحسب لهذه البنوك من إيجابيات، في أنها استطاعت فرض نفسها على واقع العمل البنكي، واستقطاب اهتمام كل الجهات، حكومات ومؤسسات مالية وبنكية وجمهوراً، بدليل الأموال الضخمة التي تتوفر عليها، والأعداد المتزايدة من المودعين عندها، ووجودها في مختلف أنحاء العالم.
ومن إيجابيات «البنوك الإسلامية» على المستوى النظري، أنها أتاحت الفرصة للمفكرين والباحثين، لخوض تجربة الكتابة والبحث فيما يتعلق بها، من الناحية الفقهية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية. ودفعت إلى عقد المناظرات والندوات والمؤتمرات، من أجل تضافر الجهود لإقامة أرضية نظرية، للعمل «المصرفي الإسلامي»، ولقد شمل هذا الاهتمام الباحثين المسلمين وغير المسلمين، وعلى المستوى العملي، أنها اهتمت بالجانب الاجتماعي، عن طريق تطبيق نظام الزكاة على أموالها، التي تضم رؤوس أموالها والعائد من عملياتها. حيث تقتطع مبالغها وتضعها في صناديق خاصة، ويقوم كل بنك بإدارة صندوقه، الذي يمول أيضا من مبالغ الزكاة المستحقة على المتعاملين، الذين يفضلون قيام البنك بتوزيعها، حسب مايراه مناسبا، ومن التبرعات والهبات التي يقدمها المواطنون. وتخضع عمليات هذه الصناديق لرقابة الهيآت الشرعية ومدققي الحسابات، وتعتبر وسيلة لتحقيق التضامن والتكافل في المجتمع الإسلامي، إذ تحاول هذه البنوك بواسطتها، تغطية الأعمال الاجتماعية المختلفة، كتقديم المنح للطلبة، وإنشاء المعاهد والمدارس، ودعم الأسر الفقيرة، ومساعدة المحتاجين بصفة عامة، وعلى
رأسهم المتعاملين معها، والذين يمرّون بظروف مالية صعبة.
وتدور المعوقات التي تقف أمام «البنوك الإسلامية»، في نظر المؤلفة، حول محورين أساسيين، يتمثل الأول: في المعوقات النظرية. والثاني: في المعوقات الناتجة عن المناخ العام الذي تعمل فيه، والذي لايتوافق في أغلبه مع التصور الإسلامي للعمل المصرفي.
وترى، في الأخير، أنّ مسيرة «البنوك الإسلامية» رهينة ببعض التدابير، تطرحها في شكل اقتراحات تدور حول الجانبين النظري والعملي. يتمثل الأوّل، في خلق إطار نظري متكامل، وموحد، قائم على ا لقواعد والأسس الشرعية. وتعميق وتوسيع الاجتهاد كصورة تمكن من بلورة الصيغ التي تعمل بها، بشكل أفضل مما هي عليه الآن. وتوحيد هذا الاجتهاد، عن طريق التنسيق بين مختلف هيآت الرقابة الشرعية، في مرحلة أولية. والاستغناء عن هذه الهيآت بعد ترسخ هذا الإطار النظري. وتوحيد القوانين والتنظيمات التي تؤطرها على الأقل في الدولة الواحدة.
ويتمثل الجانب الثاني: في الابتعاد عن سياسة الانتقاء التي تعتمدها مع المتعاملين وعن التهرب من أداء الضرائب، سواء عند التأسيس باللجوء الى ما يسمى ب «الجنات الضريبية»، أو عند ممارسة العمل بمطالبة السلطات بإعفائها منها. ومنح حق التصويت أو على الأقل حق التمثيل للمودعين، في أجهزتها الإدارية، لأنهم شركاء لا مجرد مودعين، فيكون لهم حق التدخل في الإدارة والتسيير، واتخاذ قرارات التوظيف حماية لأموالهم، دون أن يمتد دورهم إلى القرارات الخاصة برأس المال بطبيعة الحال. وتلقي الودائع تحت الطلب بناء على مبدأ المشاركة أو المضاربة وليس باعتبارها قروضا حسنة. والرفع من مستوى الخدمات التي تقدمها، بتطوير كل ما يتعلق بالجانب الفني والتقني. وإيجاد حل تعاوني مع البنوك المركزية، ودعم التعاون بينها وبين بعضها، وخلق سوق مالي إسلامي لتداول أسهمها وسنداتها.
وبناء عليه، فالشكل الذي تتوقعه المؤلفة لهذه البنوك، هو أن تكون «بنوك استثمار» تقوم بتلقي الأموال وتقديم التمويلات بناء على مبدأ المشاركة. وذلك لأن الواقع العملي أثبت أن البديل الإسلامي لنظام الفوائد هو مبدأ المشاركة وليس القروض بدون فوائد. وأن اللجوء الى المرابحة لتحقيق أرباح كبيرة وسريعة، مسألة تحسب على هذه البنوك لا لها. فضلا عن أنها غير قادرة على تغطية التمويلات الطويلة المدى بما فيه الكفاية، في الوقت الحالي، وبالتالي فإن المشاركة، تبقى أهم وسيلة لتلافي كل هذه الثغرات، ولمساعدتها على المساهمة في التنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.