أشغال اجتماع مجلس الحكومة اليوم الخميس    بسبب الاقتطاع من رواتبهم.. موظفون يعتصمون بمقر جماعة أولاد عياد    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    طنجة رابع أهم وجهة سياحية بالمغرب    "كارثة" في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا وتوخيل يصب غضبه على التحكيم    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه نظيره البلجيكي وديا استعدادا لأولمبياد باريس    حيار.. مرسوم منح بطاقة شخص في وضعية إعاقة "لحظة تاريخية" في تعامل التشريع الوطني مع هذه الفئة الاجتماعية    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    اعتقال 5 أفراد على ذمة المتاجرة في حبوب الهلوسة في طنجة    لقاح أسترازينيكا: فهم الجدل بأكمله في 8 أسئلة    بايتاس: الحكومة لا تتهرب من مناقشة جدل لقاح أسترازينيكا في البرلمان    دراسة أمريكية: ارتفاع الحرارة يزيد من انتشار مادة سامة داخل السيارات    رسميا.. وزارة بنموسى تعلن مواعيد الامتحانات الإشهادية وتاريخ انتهاء الدراسة    وزارة الحج والعمرة السعودية: لن يسمح بدخول المشاعر المقدسة لغير حاملي بطاقة "نسك"    سيطرة مطلقة لفرق شمال القارة على الكؤوس الإفريقية لكرة القدم ونهضة بركان ضمن الكبار    كونفرنس ليغ | أستون فيلا يحل ضيفا على أولمبياكوس في مهمة انتحارية بعد هاتريك الكعبي    سلطات مراكش تواصل مراقبة محلات بيع المأكولات بعد حادث التسمم الجماعي        توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    بحضور الملك..الحموشي يشارك في احتفالات الذكرى 200 لتأسيس الشرطة الإسبانية    ضربات إسرائيلية على قطاع غزة وواشنطن تهدد بوقف بعض الإمدادات العسكرية لإسرائيل        مرضى السكتة الدماغية .. الأسباب والأعراض    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية    ملتمس الرقابة يوسع الخلاف بين المعارضة وتبادل للاتهامات ب"البيع والمساومة"    تقدم أشغال إنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية "قصر أبجير" بإقليم العرائش ب 35 في المائة    منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق تنظم أبوابها المفتوحة الثانية    ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    المغرب يدخل القطيع المستورد من الخارج الحجر الصحي قبيل عيد الأضحى    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    "طيف سبيبة".. رواية عن أطفال التوحد للكاتبة لطيفة لبصير    الكشف عن ثاني مصنع أيسلندي لالتقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه    من بينها المغرب.. سبع دول تنضم لمبادرة "طريق مكة"    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    ترقب استئناف المفاوضات بمصر وحماس تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة    الصحة العالمية: مستشفى أبو يسف النجار برفح لم يعد في الخدمة    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل يفتتح فعاليات دورته الخامسة عشرة    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    المرزوقي: لماذا لا يطالب سعيّد الجزائر وليبيا بالتوقف عن تصدير المشاكل إلى تونس؟    الصين توصي باستخدام نظام بيدو للملاحة في الدراجات الكهربائية    البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر "تمرد" الدعم السريع    تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    كيف أنهت "البوليساريو" حياة الأطفال؟    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعرية اللون
في المجموعة الشعرية «ليلة سريعة العطب» لعائشة البصري
نشر في العلم يوم 15 - 07 - 2009

ما يلفت الانتباه في هذه المجموعة الشعرية، هو طريقة اشتغال الألفاظ الدالة على الألوان في بناء النص الشعري وتشكيل رؤاه. مما جعلها موسومة بخصيصة شعرية فريدة ومتميزة لا يمكن سبر غورها دون التفطن للإيحاءات الكثيرة والمتعددة التي ينضح بها معجم الألوان الموظف في الديوان باعتباره رافدا للنص ومعمقا لبنائه التخييلي.
لعل اللفظ الدال على اللون الأكثر تواترا في هذا العمل هو ( الأحمر ) أو ما يدخل في حقله الدلالي ويشير إليه. هكذا نجد الألفاظ والعبارات الآتي ذكرها : / الشرشف الأحمر / تذكر معطفي الأحمر/ يحمر شقائق النعمان / حمرة الدم / بالأحمر عمدت رحيلا آخر على يومية المكتب./ قطرة من دمي / حمرة الماء /تسربت ذبذبات الصقيع إلى دمي /الدم / تفتك بدمي/ فتتورد الزرقة خجلا من شغف العاشق/ لطخة التراب /الغروب/ الشفق/ النجوم / التربة/ الوبر/ ندبة ضوء/ أشعلت شمعة/ الضوء/الجرح/جروح الليل/شعاع الشمس/ برتقالة/ حبات الكرز/ النبيذ المعتق/ الغبار/ فتائل النار/ غيمة من غبار/حبة قمح/ كف يحضن التراب/ جرح قديم/ علقت الجرح على مشجب الوقت. فتتورد الزرقة خجلا من شغف العاشق.
وقد لا يقتصر استعمال لفظ ( أحمر ) على الجملة أو العبارة، بل قد يستغرق مقطعا شعريا بأكمله كما هو الشأن مثلا في قصيدة " ما لا يحدث ..." . تقول عائشة البصري :
مالا يحدث
نامي أيتها الظهيرة في سريري
سأخرج الآن
لأقطف حبات الكرز من ثغر المدينة،
لو حدث ما لا يحدث
واستعذبت حبة،
لعدت إليك بحمرة الماء
ولوناّ الليل معا. 1
أول ما تطالعنا به قواميس اللغة بخصوص دلالة لفظ ( أحمر ) هو ارتباط هذا اللون بالحسن والجمال والقوة والشدة. ففي اللسان نجد : موت أحمر أي شديد، والموت الأحمر : موت القتل، وقالوا : الحسن أحمر أي شاق من أحب الحسن احتمل المشقة، وطأة حمراء إذا كانت جديدة، و الحمرة بمعنى الشدة. اللسان. وللون الأحمر علاقة وطيدة بالجمال لأسباب رمزية وتاريخية، وهو من بين أجمل الألوان و أنبلها وأشرفها. كما لا نعدم العلاقة بين الجمال ولفظ ( أحمر ) في بعض اللغات كالروسية مثلا، فعبارة Krasny تعني أحمر وجميل. كما كان الفستان الأحمر في فرنسا هو حلة الزواج حتى أواخر القرن التاسع عشر. كما تشير بعض القواميس إلى أن اللون الأحمر هو أصل الألوان بامتياز. اللون الأول ، اللون النموذجي والمثالي، وهو من أقدم الألوان وأعرقها ويكشف عن فجر الإنسانية. وأصل تسمية الإنسان الأول آدم. الأديم : الأحمر لون التراب . واللون الأحمر كذلك من الألوان الدالة على المتناقضات التي تجمع بين الجمال والألم . لون الشجاعة والشرف والحماسة والشوق. لون الحياة الدم والنار. الدم الذي يجري في عروقنا والرمز الأساسي لمبدأ الحياة. رمز الوجود وخفايا الحياة ورمز
الموت. واتقاد العاطفة وجيشانها. كما يرتبط في علم الخيمياء بظهور الحجر الفلسفي الذي يتحول إلى اللون الأحمر، أو إكسير الحياة الذي يكمن فيه سر الوجود والمعرفة الباطنية السرية المقدسة والمحظورة والخلود والانبعاث. ففي علم الخيمياء عند المسلمين والصينيين يستعملون معنى الأحمر بمعنى الكبريت الأحمر التي تعني الإنسان الكامل. وبهذا المعنى يأتي اللقب الذي أطلق على المتصوف المشهور محي الدين بن عربي، وهو الشيخ الأكبر وسلطان العارفين والكبريت الأحمر. كما يرتبط اللون الأحمر في الميثولوجيا بانبعاث طائر الفينق من رماده. كما يمكن الإشارة إلى ( الكوكب الأحمر ) الذي كان إله الحرب عند الإغريق باعتباره لونا للإنذار و الخطر والقتل. وإذا كانت دلالات اللون الأحمر حمالة للنقيضين الموت والحياة، الألم والأمل، فإنها فضلا عن ذلك أو بسبب منه، تميز داخل اللون ذاته بين الأحمر الفاتح الذي يرمز للذكورة و الفاعلية والأحمر الداكن الذي يرمز للأنوثة والانفعالية.2
تشكل هذه الإيحاءات المرتبطة باللون الأحمر فضاء رحبا يمكن الاستئناس به لقراءة ديوان "ليلة سريعة العطب " وكشف بنائه التخييلي. على اعتبار أن لفظ ( أحمر ) أو ما يدخل في حقله الدلالي، يكف عن كونه مجموعة من الصور المؤثتة للنص، ليتحول إلى سند أو ركيزة أو بؤرة للصور. وهنا يمكن لنا الحديث عن ميتا شعرية اللون إذا ما استعرنا المصطلح الذي وفره لنا جاستون باشلار .وهو ما يتيح لنا الحفر في منابع التخييل عند عائشة البصري بحثا عن اللغم الأول منبع الشرارات الشعرية وجوهر الأحلام. فحينما يلح خيال الشاعرة على هذا اللون دون غيره ، فإنه في الحقيقة يسلمنا مفاتيح عالمه السري ويكشف لنا عن أبعاد خبيئة عميق الغور. تبدو الشاعرة في هذا العمل وكأنها تطارد كينونتها، كينونة الأنثى التي سميتها في دراسة سابقة بالكينونة المؤجلة. تقول في قصيدة " أحلام شرسة " :
كأن أكون زهرة برية
أنثر عطري أنى أشاء
أن أكونني
ولو تبدلت الفصول ؟
دون أن أغري العصافير
بالنوم تحت جفوني .3
البحث عن الكينونة يمر بالضرورة بعملية نثر العطر، وهي العملية التي تتلازم بالضرورة بصورة ( حمرة الماء ) الذي يلون الوجود بحضور فاعل وغامر للأنثى. وليس صدفة أن تقترن الحمرة بالماء في خيال الشاعرة. لتشع عملية ( نثر العطر ) بكل دلالات الخصب والجمال. تخصيب التربة الكالحة التي تكلست في ظل رؤية ذكورية عملت على إقصاء سر من أسرار الوجود ومصدر من مصادر بهائه. ولذلك تحلم عائشة البصري أن تكون ( شاعرة تحمل الكلام بألوان الربيع ). ألوان الربيع بحسب النسق التخييلي للنص هو الحمرة (لعدت إليك بحمرة الماء ولوناّ الليل معا) . وهو إذن بحث الشاعرة عن شيء خارق يرج المياه الآسنة. هو أشبه بالحجر الفلسفي ذي اللون الأحمر، أو إكسير الحياة الذي يعمل على تأنيث الوجود ويجعله ينبعث باستمرار مانحا إياه أسرار الحياة. فنثر العطر في حقيقة الأمر هو تخصيب للأفكار التي أصابها البوار التي تميز في الإنسان بين المرأة والرجل تمييزا جنسيا يقوم على البعد الحيواني، مستبعدة الجانب الإنساني المضيئ. انجذاب خيال الشاعرة إلى اللون ( الأحمر ) قد يجد تبريرا آخر على المستوى التصور الصوفي عند ابن عربي على وجه الخصوص في مقولاته التي ينبني
عليها الوجود. فإذا عدنا لبعض التعريفات التي تقدمها القواميس للفظ ( أحمر ) باعتباره لونا يرمز للذكورة والأنوثة أو للفاعلية والانفعال في الوقت نفسه ، تنكشف لنا البؤرة الرؤيوية للعمل ويفصح اللون الأثير عند الشاعرة عن أسراره . تقول في قصيدة ( كثيرون ولا أحد ) :
أيها القلب :
غادر قفص الصدر،
حلق يعيدا،
السماء لك،
ما كان الحب يوما
ذكرا ولا أنثى،
الحب جماع هذا الكون. 4
هو مفهوم الحب عند الشاعرة، وهو مفهوم يجد أبلغ تجسيداته في صور يحضر فيها اللون الأحمر بطريقة صريحة أو ضمنية. لأنه اللون الذي يجمع بين الذكورة والأنوثة. وهو ما يرمز بدوره للإنسان الكامل، حسب تصور ابن عربي : " أي آدم هو الإنسان الخليفة الذي تجتمع فيه المتناقضات، بما فيها من انفعال أنثوي وفاعلية ذكورية والتي تعكس حقائق الوجود كلها.5. فتصبح بذلك الذكورة والأنوثة الطبيعيتين مجرد عرضين بالنسبة إلى الإنسان، لأنهما تدلان على علامتين حسيتين تعبران عن امتداد الحيواني في البشري، وتجسدان الفرق بين الأنثى والذكر في عالم الحيوان. وإنما العبرة بإنسانية الإنسان. 6 ولا سبيل لتحقيق هذه المعرفة الإنسانية إلا بالتسامي فوق ما يحجب الذات ويحجب من ثمة العالم. وبهذا المعنى أيضا نفهم عبارة ابن عربي الشهيرة ( المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه ) . لأن التأنيث بمفهومه العرفاني طريقا وسبيلا للكشف والمشاهدة ومفتاحا لفهم ذواتنا بعمق أكبر. وحينما تلون الشاعرة ليلها بلون الكرز ، فهي في حقيقة الأمر تعمل على تجذير الحب سبيلا إلى المعرفة والكشف، على الرغم من إدراكها أنها أمام ( ليلة سريعة العطب ) ، لأن الأنوثة بهذا المعنى
الذي تحلم به عائشة البصري لا زال في صدام مع بنية ذكورية حاجبة لذاتها.
المراجع
1 ? عائشة البصري، ليلة سريعة العطب منشورات مرايا الطبعة الثانية 2009 ص 63.
2 ? استفدنا في تحديد الأبعاد الرمزية للون ( الأحمر ) من :
Annie Mollard-Desfour,Le Dictionnaire des mots et expressions de couleur : Le Rouge cnrs Edition Paris 2000
3 ? " ليلة سريعة العطب " ص 79.
4 - " ليلة سريعة العطب " ص 87 .
5 - نزهة براضة، الأنوثة في فكر ابن عربي دار الساقي الطبعة الأولى 2008 ص 119 .
6 ? المرجع نفسه ص 30 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.