ثغرات خطيرة بأجهزة "آبل" في المغرب    عملية "مرحبا 2025" .. تسجيل عبور "قياسي" يزيد عن 4 ملايين من مغاربة العالم    بعد اكادير .. زيارة مفاجئة لوزير الصحة تربك مستشفى الحسني بالناظور    عضو بالكونغرس: المغرب حليف تاريخي وشريك موثوق للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "غزة تحترق".. إسرائيل تطلق عملية برية ضخمة في مدينة غزة    البطولة: الكوكب المراكشي ينهزم في ثاني مبارياته أمام نهضة بركان    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تكشف "فضائح وعيوب" مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني الصحافة        قروض السكن والاستهلاك.. بنك المغرب يكشف: قروض الأفراد ترتفع ولكن بشروط أصعب    رئيس النيابة العامة يدعو إلى التقيد بالضوابط القانونية التي تؤطر معالجة برقيات البحث إصدارا وإلغاء    40 مليار درهم صرفت في الدعم الاجتماعي المباشر منذ انطلاقه (أخنوش)    اليورو يسجل أعلى مستوى له مقابل الدولار منذ اربع سنوات    عمور: المغرب يعزز مكانته كوجهة سياحية مخطَّط لها مسبقا وتراجع رحلات المغاربة للخارج ب25%    مغربية تتولى رئاسة "المجلس النووي"    280 مهاجرا سريا تمكنوا من التسلل إلى مدينة مليلية المحتلة    رسملة البورصة عند 1.036 مليار درهم    المغاربة يواصلون تصدر الجاليات الطلابية الأجنبية في فرنسا    أسطول الصمود المغاربي: سيرنا 9 سفن لغزة ونجهز 6 للإبحار اليوم    منظمة النساء الاتحاديات تجدد التزامها بالدفاع عن قضايا المرأة والمشاركة السياسية    الكان، الشان، ودوري الأبطال: الكاف يرفع الجوائز المالية ويشعل المنافسة القارية    خوان ماتا يتعاقد مع ملبورن فيكتوري الأسترالي    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    أوزود تحتضن سينما الجبل برئاسة محمد الأشعري وتكريم علي حسن و لطيفة أحرار وعبداللطيف شوقي    مسابقة لاختيار شبيهة للممثلة ميريل ستريب    أكدت دعمها لدور لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس ..القمة العربية الإسلامية الطارئة تجدد التضامن مع الدوحة وإدانة الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    أبو المعاطي: مكتب الفوسفاط في الريادة .. وتطوير الأسمدة ضرورة إستراتيجية    الممثل الهوليوودي روبرت ريدفورد يفارق الحياة    الفترة الانتقالية بين الصيف والخريف تتسبب في ارتفاع الحرارة بالمغرب        ضوابط صارمة.. منع "التروتنيت" في المحطات والقطارات وغرامات تصل 300 درهم    مايسة سلامة الناجي تلتحق بحزب التقدم والاشتراكية استعدادا للاستحقاقات المقبلة    المغرب يتقدم في مؤشر الابتكار العالمي        حفل الإعلان عن الفائزين بجائزة علال الفاسي لسنة 2024    الأرصاد الجوية تحذر من زخات ورياح    "التغذية المدرسية" تؤرق أولياء أمور التلاميذ    عصبة الأبطال الأوربية.. أرسنال يحرم من خدمات ساكا و أوديغارد في مواجهة بلباو    كلاسيكو الرجاء والجيش يلهب الجولة الثانية من البطولة الإحترافية    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس        فيدرالية اليسار الديمقراطي تشارك في حفل الإنسانية بباريس        ترامب يقاضي صحيفة نيويورك تايمز بتهمة التشهير ويطالب ب15 مليار دولار تعويضًا    مهرجان "موغا" يكشف برنامج "موغا أوف" بالصويرة    غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وروبيو يعطي "مهلة قصيرة" لحماس لقبول اتفاق    أمرابط: رفضت عروضا من السعودية    دراسة: الأرق المزمن يعجل بشيخوخة الدماغ    صحافة النظام الجزائري.. هجوم على الصحفيين بدل مواجهة الحقائق        افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    بوصوف يكتب.. رسالة ملكية لإحياء خمسة عشر قرنًا من الهدي    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    المصادقة بتطوان على بناء محجز جماعي للكلاب والحيوانات الضالة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيناريوهات والتداعيات المحتملة
الحرب الوقائية الإسرائيلية على إيران
نشر في العلم يوم 27 - 07 - 2009

اعتادت الدول التي تلجأ إلى استعمال العنف في وقت السلم إلى إضفاء طابع المشروعية على أعمالها ارتكازا على الاستثناءات الواردة في مبدأ تحريم القوة في العلاقات الدولية،وبخاصة حالة الدفاع الشرعي الفردي و الجماعي.
بيد أنه إلى جانب هذه التبريرات، تعمد الدول للاستناد إلى الظروف والملابسة وخطورة المواقع وإلى الملابسات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
وهكذا يبدو من العسير التفريق بين الإعلان عن النوايا وبين الأهداف المرسومة، علاوة على الاعتبارات السياسية الخارجية والسياسية القانونية الخارجية التي تنهجها الدولة والتي تتقدم غالبا على التطبيق البحت للقاعدة القانونية المجردة.
فالدفاع الوقائي لا يفترض في حالة الاعتداءات القائمة والأضرار الحاصلة وإنما على العكس من ذلك يستهدف منع الاعتداءات و الأضرار التي يحتمل وقوعها مستقبلا.
وقد ذهب البعض إلى أن سرعة الأسلحة النووية وقوتها التدميرية تجيز ممارسة الدفاع الوقائي لأنه لا يمكن أن نطلب من الدول في عصر الصواريخ والأسلحة الهيدروجينية أن تنتظر وقوع العدوان المسلح عليها حتى يسمح لها بالدفاع عن نفسها، وأنه بسبب التطور الكبير في التسلح وعدم فعالية نظم الأمن الجماعية المعاصرة،أصبحت فكرة الدفاع الوقائي مشروعة،مقبولة في ممارسة أجهزة الأمم المتحدة إذا توافر فيها شرط اللزوم والتناسب.
وإلى جانب نظرية الدفاع الشرعي الوقائي تحاول بعض الدول العودة لمفاهيم القانون الدولي التقليدي التي عفا عنها الزمن كمفهوم حالة الضرورة كظرف مسقط لمسؤولية الدولة المتدخلة،ومفهوم المصالح الحيوية.
ويبدو من الأحداث الأخيرة أن إسرائيل تحاول إعادة إحياء هذه النظرية من جديد وتفعيل مضامينها بسبب تخوفاتها من البرنامج النووي الإيراني.
فقد أمضى القادة الإسرائيليون الأسابيع الماضية وهم يطلقون تصريحات نارية ضد إيران ويهددون باتخاذ عمل عسكري ضدها.
بدا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن كمن يعطي إسرائيل ضوءا اخضر كي تهاجم ايران، عندما صرّح لقناة ""آي بي سي" الأمريكية بأن ادارة الرئيس باراك اوباما لن تقف في وجه قرار إسرائيلي مماثل، واصفا سلوكا عدوانيا من هذا النوع، كفعل من أفعال السيادة تقرره دولة مستقلة بما يخدم مصلحتها، الأمر الذي "حيّر" المراقبين ودفعهم للتساؤل عمّا إذا كانت "حليمة قد عادت لعادتها القديمة في التهديد والوعيد"، سيما وأن حبر خطاب القاهرة التصالحي لم يجف بعد.
بعض المعلقين أدرج تصريحات بايدن في سياق زلة اللسان، مستندا إلى واقعة أنه أدلى بها تحت إلحاح الأسئلة الصحفية التي أُمطر بها، والبعض الآخر رأى فيها تعبير عن "انقسام" حاد داخل البيت الأبيض حول الموقف من إيران أولا، ومن صراعها مع إسرائيل في المقام الثاني، حيث يقف الرئيس ونائبه على ضفتين متقابلتين حيال هذه المسألة، والبعض الثالث رأى أننا أمام لعبة تقاسم أدوار، هدفها توفير أفضل استخدام لتكتيك العصا والجزرة حيال إيران،حيث يتقمص الرئيس بموجب هذا السيناريو دور "الشرطي الجيد" فيما يتولى نائبه القيام بدور "الشرطي السيء".
وقد تزايد الحديث في الفترة الماضية عن الإجراءات الاستفزازية والتصعيدية من جانب إسرائيل، وهي تنم عن رغبة دفينة وملحّة للتعجيل بالضربة لإيران بغية الحيلولة دون إنتاج طهران قنبلة نووية في غضون عام بحسب ما تزعم الاستخبارات الإسرائيلية، ونظراً لما ينطوي عليه هذا العمل العسكري المحتمل من مخاطر ومحاذير، وما يحفّه من تحديات، عمدت إسرائيل إلى ممارسة ضغوط هائلة على (واشنطن) لحملها على المضيّ قدماً في هذا الدرب بشكل مباشر من خلال الانفراد بتوجيه الضربة العسكرية الإجهاضية للبرنامج النووي الإيراني، أو بالتعاون مع إسرائيل.
وتشير كافة التقديرات إلى أن الخطة تتضمن ضرب المنشآت النووية الإيرانية بضربة جوية، أو ضربة جوية وصاروخية وليست عملية غزو.
وتعددت التقديرات للأهداف المتوقع قصفها في العدوان مابين عشرين هدفاً أحياناً إلى مئتي أو ثلاثمائة هدف، إلى أن وصلت إلى أكثر من ألف هدف تتضمن المواقع النووية الإيرانية، والمواقع العسكرية، والأهداف الاستراتيجية ... وغيرها.
إن العمل من أجل إنجاح سيناريو الحل العسكري للبرنامج النووي الإيراني يستلزم تهيئة الرأي العام الدولي، لتنفيذ أعمال عسكرية واسعة النطاق بخسائر بشرية قد تتعدى حدود إيران بما يطال منطقة الشرق الأوسط وحتى منطقة قزوين، وهذا التحضير سيتطلب حزمة من الإجراءات على المستوى الإقليمي والدولي، ولذلك ، يتوقع أن تلجأ (واشنطن) إلى استنفاد الجهود الإيرانية في مسألة العقوبات الاقتصادية وتدريجها من حيث الشدة، لاستغلال هذا الوقت في التحضير للأعمال العسكرية المتوقّعة.
إن أية ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران محدودة أم شاملة، لن تمنع الحرب من التمدُّد في كل الاتجاهات على الرقعة الجيواستراتيجية للشرق الأوسط؛ فالعمليات العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية تضع القواعد الجوية يضع العمليات البحرية داخل دائرة الحرب. من هنا، يمكن التكهُن بأن مسرح المواجهة العسكرية سيكون ممتداً من بحر العرب إلى الخليج العربي إلى البحر المتوسط، وهي المناطق التي ستشهد انتشاراً بحرياً لقوات التحالف الأمريكي. أما بريّاً فسيكون مسرح الحرب عبارة عن دائرة مركزها إيران، وتشتمل على مناطق وجود القوات الأمريكية في العراق، وفي أفغانستان، ويمكن أن تتخطاها إلى الدول المحيطة والتي تشهد وجوداً عسكرياً أمريكياً من آسيا الوسطى إلى تركيا إلى منطقة الخليج التي ستكون في مجملها عرضة للهجمات الانتقامية الإيرانية بالصواريخ الباليستية.
وبرغم تأكيدات المخططين العسكريين في المحور الأمريكي الإسرائيلي، بعدم توريط القوات البرية في المعركة، إلاّ أنهم يضعون في حساباتهم أن تقود ضربة جوية ضد إيران إلى مواجهة برية ضد القوات الإيرانية، وربما السورية على الأرض، وبخاصة إذا أقدمت الأولى على اجتياز الحدود العراقية للدخول في اشتباك مباشر ضد قوات التحالف، وإذا ما تحركت (سوريا) عسكرياً، ما يحتّم مهاجمة القوات الإسرائيلية لها.
وفي مثل هذا السيناريو المتمثل في الحرب الوقائية، يمكن أن يتطوّر النزاع من الشرق الأوسط ليصل إلى حوض بحر قزوين، حيث تقوم القوات البرية الأمريكية الموجودة في كل من: جورجيا، وأذربيجان بمهاجمة إيران من حدودها الشمالية الشرقية، ولن يكون لبنان بدوره في منأى عن مجريات الحرب، خصوصاً إذا قرر (حزب الله) كسر الهدنة القائمة في جنوب لبنان، ما قد يؤدي إلى اشتعال الحدود اللبنانية الإسرائيلية من جهة، واندلاع المواجهات ما بين القوات الدولية و (الحزب) من جهة أخرى، وتطوّر كهذا من شأنه أن يوسِّع مناطق الصراع لتمتد من (أفغانستان) شرقاً حتى الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.
في هذا الإطار، فإن الأهداف السياسية هي التي تحدد طبيعة العمليات العسكرية، إذ لا يمكن تصوّر اندلاع عمليات عسكرية محدودة أو كبرى من دون تحديد هدف سياسي لها، ولذلك تتوقّف كثافة الأعمال العسكرية وقوّتها على الهدف السياسي المرجوّ تحقيقه، والذي يراوح في حال إيران بين سيناريوهات متدرجة الكثافة والقوة.
قد لا ترتبط هذه السيناريوهات بتوقيت زمني محدد، بل على العكس تبدو آفاق حدوث هذه السيناريوهات واردة في العديد من الأوقات، فقد تأتي تطويراً لسيناريو فرض العقوبات الدولية على إيران، إذا رأت الدول الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية أن العقوبات لم تعد فعّالة، أو أنها ترغب في وقف إيران من امتلاك السلاح النووي، كما يمكن أن تحدث في أوقات الجمود والتأزُّم التي تمر بها عملية المفاوضات بين إيران ومجموعة (5 + 1). ويمكن إرجاع حدوث أي من هذه السيناريوهات إلى أن هناك تياراً هاماً داخل الإدارة الأمريكية ينتقد برودة موقف الرئيس أوباما و يطالب وبشدة ضرب المنشآت النووية الإيرانية، للحيلولة دون تمكينها من إنتاج السلاح النووي، ويؤكّد هذا التيار من وقت لآخر أن المسألة هي مسألة وقت لا أكثر، في حين أن هناك تياراً محافظاً لايزال يرى في النموذج الأوروبي مخرجاً في جميع الأحوال.
تفترض هذه السيناريوهات القيام بتوجيه ضربة عسكرية استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، بهدف تدميرها، سواء أكان ذلك من خلال عمل عسكري أمريكي مباشر، أم من خلال ضربة إسرائيلية لهذه المنشآت، وسوف نستعرضها على النحو التالي:
السيناريو الأول: القصف الجوى للبرنامج ومنصات الصواريخ. في هذا السياق، سوف تستخدم إسرائيل سلاحها الجوي من طائرات F-15 Eو F-16 l لضرب المواقع ويتم ذلك عبر أحد ثلاثة مسارات؛
المسار الشمالي: تتجه القاذفات الإسرائيلية نحو زاوية التقاء الحدود السورية التركية، ثم تميل في تجاه الشرق لتمر بمحاذاة الحدود السورية وصولاً لإيران.
المسار الأوسط: حيث تنطلق الطائرات من إسرائيل ثم تعبر المجال الجوي الأردني مرورًا بسوريا ومنها إلى العراق ثم إلى إيران، وتكمن المشكلة الرئيسة في هذا المسار أن إسرائيل تربطها بالأردن معاهدة سلام وبالتالي عليها أن تخبرها بأي تحرك جوي تقوم به داخل مجالها الجوي، وإلا اعتبر ذلك انتهاكًا للاتفاق المبرم بينهما، ذلك فضلاً عن رفض سوريا والعراق لاستخدام مجالهما الجوى لقصف إيران.
المسار الجنوبي: تبدأ القاذفات الإسرائيلية رحلتها لتمر عبر الأردن، ثم عبر المجال الجوى للملكة العربية السعودية، ومنها للعراق ثم إلى هدفها إيران، وبالتالي لن تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل أن تنتهك المجال الجوى السعودي وذلك للحيلولة دون إفساد علاقتها الاستراتيجية معها.
السيناريو الثاني: القصف الباليستي للبرنامج ومنصات الصواريخ. أن تستخدم إسرائيل الصواريخ الباليستية من طراز جيركو 3 _Jericho 3_ طويلة المدى حيث تصل إلى ما بين 2600 ميل و3500 ميل ذات قوة اختراقية 5PSI، بموجب صاروخين لكل موقع من منصات الصواريخ بإجمالي 10 صواريخ، وصاروخين لموقع أصفهان، و15 صاروخ لمنشأة ناتانز، وصاروخ واحد لمفاعل أراك، وذلك بإجمالي عدد 28 صاروخ لكل المواقع.
لكن تكمن المشكلة الرئيسة لاستخدام الصواريخ الباليستية هو إمكانية إصابة دول أخرى بها مثل الأردن في حالة تبادل إطلاقها بين إسرائيل وإيران، فضلاً عن إمكانية تفاقم الأمر ليصل لحرب نووية نظرًا لقدرتها على حمل رءوس نووية.
وفى إطار تحديد الأهداف الرئيسة للضربة الإسرائيلية المحتملة لإيران والمدعومة أمريكيًّا، تؤكد الدراسة على أن تدمير المنشآت والمواقع النووية الإيرانية سوف تكون هي الهدف الرئيس لها وذلك بغية حرمانها من الحصول على الأسلحة النووية التي تسعى طهران للحصول عليها وتطويرها. كما تجدر الإشارة إلى أن توقيت الضربة في حالة تقديم دعم أمريكي لإسرائيل سوف يكون أسرع مما نتوقع وأسرع من أي عملية أمريكية سابقة.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن إسرائيل سوف تواجه عدة عقبات حال اتخاذها قرار استخدام القوة ضد إيران لعل أبرزها؛ أن إسرائيل لا تملك حاملة طائرات في المنطقة مما يعني أن سلاح الطيران الإسرائيلي لابد أن ينطلق من إسرائيل مباشرة تجاه طهران، كما أنها لا تملك قاذفات طويلة المدى من طرازB1 أو B2 ولا أساطيل ضخمة للتزويد بالوقود في المنطقة. وبالتالي فإن إسرائيل عليها العبور عبر المجال الجوى لمجموعة من الدول أبرزها تركيا، سوريا، الأردن، المملكة العربية السعودية، والعراق، مما يثير إشكاليتين أساسيتين؛ الأولى: أن الطائرات الإسرائيلية عليها بمفاجئة تلك الدول حتى لا تستطيع نظم دفاعاتها الجوية التعرض لها، الثانية: أن على إسرائيل توجيه موجة واحدة فقط من القاذفات ضد إيران على اعتبار أن الثانية بطبيعة الحال سوف يتم رصدها من قبل الدفاعات الجوية لتلك الدول سالفة البيان وهو ما يزيد من صعوبة العملية الإسرائيلية.
ولعل أهم ما يميز هذا الأسلوب بالنسبة للولايات المتحدة أن المجتمع الدولي لن يستطع تحميل واشنطن مسئولية ما تقوم به إسرائيل، وبالتالي تكون الولايات المتحدة قد حققت هدفها وهو التخلص من البرنامج النووي الإيراني أو على الأقل تعطليه دون أن تقحم نفسها في معركة جديدة ليست في حاجة إليها ولا على استعداد لها الآن.
أما على الصعيد العملي فإن الضربة الجوية الإسرائيلية سوف تكون أضعف من مثيلتها الأمريكية مما قد لا يؤثر بشكل كبير على البرنامج النووي الإيراني ومما يخول إيران الفرصة لتطوير الأسلحة النووية التي تسعى للحصول عليها.
أ- صعوبة المسارات الجوية المفترضة، حيث سيكون المسار الأول عن طريق (تركيا)، بينما يكون المسار الثاني عن طريق كل من: (الأردن العراق)، ولأن كل مسار جوي يتطلب أثماناً إقليمية يتوجب دفعها، وبالتالي فالأرجح أن يعتمد الخيار الإسرائيلي على المسار الثاني، لأنه الأقل كلفة إقليمياً، في حين أن الخيار الأول يمر عبر دولة إقليمية كبرى لابد من مراعاة حساباتها وبالتالي مكاسبها، ومردّ ذلك أن الدولة التي ستسمح للطائرات المغيرة بعبور أراضيها وأجوائها ستكون في حالة مواجهة هي الأخرى مع إيران وتتعرّض لضربات انتقامية منها بالتالي.
ب - من الناحية العملية، لا تستطيع الطائرات الإسرائيلية استهداف كل المنشآت النووية الإيرانية في غارة طيران واحدة، بسبب عدم توفّر أعداد الطائرات الكافية للقيام بالمهمة، وبسبب مجموعة متداخلة من العوامل اللوجستية، والجغرافية، والإقليمية، والقانونية، وتتمثل الصعوبات اللوجستية لنقل وتموين الطائرات في أن إيران تبعد أكثر من (1600) كيلومتر عن الحدود الإسرائيلية، وهو ما يعني أن الطائرات الإسرائيلية المغيرة يتوجب عليها أن تقطع (3200) كيلومتر ذهاباً وعودة، وهو أمر صعب دون إمكانية التزوّد بالوقود في أراضي دولة ثالثة.
ج- العامل الجغرافي المتلخص في توزيع المنشآت النووية الإيرانية على طول البلاد وعرضها، يزيد من صعوبة المهمة ويتطلب ساعات طيران أكثر ووقود أكثر.
د -العامل التسليحي الخاص بكفاءة الدفاعات الجوية الإيرانية، وبخاصة حول المنشآت النووية، سوف يجعل مهمة الطائرات المغيرة أكثر تعقيداً، ويحضر الاعتبار الإقليمي بوضوح في احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران.
ه - آخر العوامل هو الثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل لإيران في حالة توجيه الضربة، لأن إسرائيل لن تستطيع الظهور بمظهر (المعتدى عليه) كما اعتادت، وستستدرج الضربة بالتالي قصفاً صاروخياً انتقامياً من طرف (حزب الله) ضد أهداف في شمال إسرائيل.
لهذه الأسباب يُعتقد بعدم إمكانية إسرائيل من تنفيذ هذا السيناريو.
تطرح الحرب الاستباقية ضد إيران، في حال نشوبها، الكثير من المخاوف والمحاذير، وترسم الكثير من علامات الاستفهام عما يمكن أن تسفر عنه من انقسامات حادة على المسرح الدولي، وما يمكن أن تتمخض عنه من نتائج عسكرية واستراتيجية، إلى الحيّز الجغرافي الذي يمكن أن تمتد إليه، وصولاً إلى التداعيات السياسية التي قد تنتج عنها؛ فالحرب أية حرب لا يمكن التيقُّن من نتائجها مهما بلغ التخطيط لها من دقة ومهما أُعدّ لها من إمكانات، وحتى لو كانت الدولة التي تخوضها قوة عظمى في مستوى الولايات المتحدة تمتلك كل مقومات القدرة العسكرية والاستراتيجية، ما يجعل نهايات الحرب (المتوقعة) ضد إيران محفوفة بالشكوك، وما يستدعي التأمُّل في السيناريوهات القائمة انطلاقاً من القاعدة الأساسية، وفي حال الشك علينا توقّع الأسوأ. وبعيداً عن النتائج العسكرية التي يمكن أن تولّدها الحرب على مستوى الرابحين والخاسرين، تبقى النتائج في ما يمكن أن تتمخض عنه المواجهة العسكرية من نهايات وتداعيات يمكن إيجازها على النحو التالي:
1. على الجانب الإيراني:
أ- توجيه ضربة جوية إلى المنشآت النووية الإيرانية من شأنه أن يؤدي إلى كابوس نووي أكبر حجماً وأبعد تأثيراً من كارثة (تشرنوبل)، بسبب تسرُّب الإشعاعات النووية من المفاعلات والمصانع، وهو ما قد يؤدي إلى خسائر بشرية بالغة الخطورة والمدى.
ب- الحرب على إيران وما سينتج عنها من ضحايا ستكون بالنسبة إلى الشارعين الإسلامي والعربي الحرب الثانية ضد دولة مسلمة تشنّها الولايات المتحدة والغرب المسيحي، هذا الهجوم سيقوي في الدرجة الأولى القوى المتطرفة داخل النظام الإيراني، ويجهض أي محاولة للديمقراطية من الداخل، وقد يؤدي إلى تأجيج المشاعر الدينية ضد الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، وإحياء مقولة صراع الحضارات على المستوى الدولي.
ج - المواجهة الدولية ما بين المعسكر الأمريكي الغربي، والمحور الإيراني يمكن أن تؤدي إلى استقطابات داخلية في الكثير من دول المنطقة تحمل في طيّاتها مخاطر اندلاع حروب أهلية فيها، سواء في العراق، حيث تشكّل المناخات الانقسامية أرضية خصبة لمثل هذا الاحتمال، أو في الأراضي الفلسطينية التي تشهد صدامات داخل الصف الواحد حيال الخيارات الوطنية، أو في لبنان حيث التوترات على أشدّها ما بين معسكر (حزب الله) وحلفائه، والمعسكر المقابل من قوى (14 آذار).
باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي-جامعة محمد الخامس-أكدال-الرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.