الأمين بوخبزة في ذمة الله    الحكومة تُلحّ على ضرورة أجرأة "اتفاق 30 أبريل" قبل عيد الشغل        بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع التراجع        دوري أبطال آسيا.. تأجيل مباراة الهلال والعين بسبب سوء الأحوال الجوية    كيف يمكن أن تساعد القهوة في إنقاص الوزن؟: نصائح لشرب القهوة المُساعدة على إنقاص الوزن    ما حقيقة إلغاء ذبح أضحية عيد الأضحى هذه السنة؟    سوق السندات (05 09 أبريل): اكتتابات للخزينة بقيمة 3.3 مليار درهم    اللجنة التحضيرية الوطنية للمؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال تعلن فتح باب الترشح لمنصب الأمين العام    صراع المعارضة وتماطل الأغلبية يعرقل الأدوار التشريعية والرقابية لمجلس النواب    البيجيدي ينتقد تعديل مرسوم حكومي لتوفير تمويلات لجماعة أكادير التي يرأسها أخنوش    الرابطة المغربية السويسرية تعقد جمعها العام الثاني بلوزان    عدد العاملات المغربيات في حقول الفراولة الاسبانية يسجل ارتفاعا    هجوم شرس على فنان ظهر بالملابس الداخلية    عبد الإله رشيد يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    موانئ الواجهة المتوسطية .. انخفاض كمية مفرغات الصيد البحري ب 12 في المائة    توقعات الطقس بالمغرب اليوم الثلاثاء    وفاة الأمين بوخبزة الداعية و البرلماني السابق في تطوان    المغرب يدكّ مرمى زامبيا ب13 هدفا دون رد في أمم إفريقيا للصالات    "الكوديم" يبتعد في الصدارة بثنائية في شباك جمعية سلا    الجزائر تغالط العالم بصورة قفطان مغربي .. والرباط تدخل على خط اللصوصية    مؤسسة منتدى أصيلة تنظم "ربيعيات أصيلة " من 15 إلى 30 أبريل الجاري    العالم يشهد "ابيضاض المرجان" بسبب ارتفاع درجات الحرارة    دراسة تحذر من خطورة أعراض صباحية عند المرأة الحبلى    أسعار النفط تستجيب صعودا لاحتمال رد إسرائيل على "هجوم إيران"    توقيف عضو في "العدل والإحسان" بمدينة أزمور مناهض للتطبيع مع إسرائيل (فيديو)    السكر العلني وإلحاق خسائر بسيارات يوقف أربعة أشخاص    وزان: مصمودة تحتضن الملتقى التلاميذي الأول ربيع القراءة 2024    المديرية الإقليمية بالعرائش تؤسس لمهرجان "داخليات المغرب تتحرك إبداعا"    بعد دعم بروكسيل لمبادرة الحكم الذاتي.. العلاقات المغربية البلجيكية تدخل مرحلة جديدة    حماة المستهلك: الزيادة في أسعار خدمات المقاهي غير قانونية    مسلم أفندييف مواطن أذربيجاني يتسلق أعلى قمة في المغرب    أشرف حكيمي: "يتعين علينا تقديم كل شيء لتحقيق الانتصار في برشلونة والعودة بالفوز إلى باريس"    المدرسة العليا للأساتذة بمراكش تحتفي بالناقد والباحث الأكاديمي الدكتور محمد الداهي    دوري أبطال أوروبا.. "أم المعارك" بين سيتي وريال وبايرن لانقاذ الموسم امام ارسنال    المبعوث الأممي لليمن يحذر من عواقب وخيمة جراء استمرار التصعيد بالبلاد    بعد إيقافه بأزمور.. وقفات تضامنية مع الناشط الحقوقي مصطفى دكار    بعد خوصصتها.. وزارة الصحة تدعو لتسهيل ولوج أصحاب المستشفيات الجدد إلى عقاراتهم وممتلكاتهم    بيدرو سانشيز: "كأس العالم 2030 ستحقق نجاحا كبيرا"    مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى انهاء الحرب في السودان    سليم أملاح في مهمة صعبة لاستعادة مكانته قبل تصفيات كأس العالم 2026    العنصرية ضد المسلمين بألمانيا تتزايد.. 1464 جريمة خلال عام وجهاز الأمن تحت المجهر    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    أكبر توأم ملتصق ف العالم مات.. تزادو وراسهم لاصق وحيرو كاع العلماء والأطباء    بعدما علنات القطيعة مع اللغة الفرنسية.. مالي غادي تقري ولادها اللغات المحلية وغادي تخدم الذكاء الاصطناعي    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    المغرب يعزز الإجراءات القانونية لحماية التراث الثقافي والصناعات الوطنية    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    تكريم الممثلة الإيفوارية ناكي سي سافاني بمهرجان خريبكة    دراسة: ممارسة التمارين الرياضية في المساء تقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 61 بالمائة    العالم الفرنسي الكندي سادلان ربح جائزة "أوسكار العلوم" على أبحاثو ف محاربة السرطان    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمية تحد من فرص النمو الفردي والجماعي وتسهم في بطء وتيرة التنمية الشاملة
الدكتور لحسن مادي رئيس العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية للعلم:
نشر في العلم يوم 24 - 10 - 2008

تأسست العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية سنة 1956 على يد جلالة المغفور له محمد الخامس الذي أعطى انطلاق حملتها الأولى في أبريل من السنة نفسها بالرباط، واعطت الأميرة للاعائشة انطلاق الحملة الخاصة بالنساء في نفس التاريخ.
ونظمت العصبة المغربية دروسا في محو الأمية بمختلف أنواعها (الأبجدية والوظيفية والحضارية) عدة ندوات ودورات تكوينية وطنيا وجهويا، كما وقعت عدة شراكات مع جهات حكومية وغير حكومية (وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية وكتابة الدولة في محاربة الأمية ومديرية التعاون الوطني ومؤسسة البنك الشعبي والمنظمة العربية - ألكسو-....).
وبمناسبة حلول اليوم العالمي لمحو الأمية تستضيف جريدة «العلم» رئيس العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية الدكتور لحسن مادي، لتتناول وإياه مسار تطور المجهودات في أفق التحرر الكلي من الأمية

س: اتسمت السياسات الرسمية السابقة بعدم القدرة على تدبير ظاهرة الأمية، ما هي أبرز الأخطاء التي ارتكبت، وفوتت على المغرب التحرر الكلي من الأمية؟
> ج: اسمحوا لي بداية أن أشكركم على هذه الاستضافة الكريمة، ومن خلالكم أريد أن ارفع تشكراتي الحارة لجريدة العلم الغراء التي فتحت صفحاتها لتسليط الأضواء على هذا النوع من المواضيع الاجتماعية.
بداية لا بد من التذكير بأن الأمية وبكل أنواعها تشكل عائقا أساسيا يحول دون القضاء على التخلف وحاجزا منيعا أمام الإنسان لبلورة وتوظيف كل إمكاناته وقدراته لتحسين أوضاعه والمساهمة في تطوير محيطه. فالأمية بهذا المعنى تحد من فرص النمو الفردي والجماعي، وتسهم في بطء وثيرة التنمية الشاملة، وذاك ما يستدعي إعادة ترتيبها على سلم الأولويات التي يجب معالجتها بجرأة وبمنهجية مبتكرة تنفتح على التجارب العالمية الناجحة وتستوعب الخصوصيات المحلية والجهوية والوطنية.
في هذا السياق فمواجهة الأمية قصد محوها في ظل الوضعية الحالية للمغرب لا يمكن أن تقتصر على فئة اجتماعية دون أخرى، فهي مسؤولية ملقاة على الجميع. فالانشغال بها يعتبر بمثابة تعبير صريح للمساهمة في بناء وتجسيد المشروع المجتمعي الحداثي الذي يسعى المغرب إلى تحقيقه مع بداية الألفية الثالثة.
بالرجوع إلى سؤالكم لابد من التذكير بأن موضوع محاربة الأمية موضوع شائك تتداخل فيه عدة عوامل مما يجعل مواجهته تقتضي مقاربة شمولية بعيدة كل البعد عن النظرة التجزيئية والتبسيطية لموضوع شائك ومعقد..إن المسألة ليست قضية فشل أو نجاح تجربة بقدر ماهي إرادة واضحة لمواجهتها ووعي قوي بمخاطرها وبآثارها السلبية على مختلف مناحي الحياة. هذا الوعي يقتضي الإيمان الراسخ بأنه: لا يمكن القضاء على مختلف أنواع التخلف بكل تمظهراته من بناء مجتمع ديموقراطي وتحديث المجتمع وجعل حد للفساد والتزوير والرشوة ووضع أسس مجتمع المعرفة ومواجهة ضغوطات العولمة إلا بمحاربة الأمية ٌ.
وعن سؤالك عن أبرز الأخطاء التي ارتكبت، وفوتت على المغرب التحرر الكلي من الأمية فيمكن إجمالها فيما يلي:
عدم الالتزام بتعميم التعليم حسب ما كان محددا في المخططات الاقتصادية، حيث كان من المفروض أن يتم ذلك سنة 1965.
التوقف المفاجيء للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية عن أشغالها بعد تجربة رائدة دامت من سنة 1956 إلى سنة 1962 والتي حددت بدورها سنة 1965 موعدا للقضاء النهائي على الأمية وذلك في إطار تصور متكامل مع وزارة التربية الوطنية.
ضعف العناية ببعض القضايا الاجتماعية ومن بينها على الخصوص محاربة الأمية ضمن المخططات الاقتصادية منذ منتصف الستينات إلى بداية التسعينات مما جعل الأمية تتفشى بشكل كبير بين مختلف الفئات العمرية.
عدم إشراك الجمعيات منذ البداية في تنفيذ برامج محاربة الأمية.
س: يضع المغرب نصب أعينه تقليص نسبة الأمية إلى أقل من 20% في أفق سنة 2010، على أن يتم التحرر الشبه التام منها في أفق 2015، إلى أي حد أنتم مقتنعون بفعالية البرامج الحكومية الحالية لبلوغ هذا الرهان؟
> ج: إنه رهان صعب التحقق إذا بقيت الأمور على ما هي عليه إلى حد الآن. ولكن ليس بالمستحيل كلما توفرت الإرادات القوية. إن الأرقام عنيدة وتغييرها يتطلب رؤية واضحة ومقاربة مختلفة وجريئة وإمكانات بشرية ومادية ضخمة. صحيح أن المغرب بدل مجهودات كبيرة في هذا الميدان خاصة في بداية الاستقلال وكذا منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وخاصة مع مجيء حكومة التناوب وازداد هذا المجهود قوة مع بداية هذا القرن. إلا أن الأرقام المعلنة رسميا لازالت مخيفة. فبالجوع إلى إحصاء السكان والسكنى المنظم سنة 2004 نجد أن نسبة الأميين ببلادنا تفوق %44 وحسب نتائج البحث الوطني للأمية وعدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة الذي أنجزته كتابة الدولة في محاربة الأمية أواخر 2006 تقدر نسبة الأمية ببلادنا 45,38 % من بين السكان الذين يصل عمرهم إلى عشر سنوات فما فوق. إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكذا البحث الذي تم في إطار "الخمسين سنة من استقلال المغرب" وكذا ما جاء في المخطط ألاستعجالي لإصلاح التعليم والإجراء الذي أعلن عنه الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي في البرنامج الحكومي والقاضي بإحداث وكالة وطنية لمحاربة الأمية وفق مقاربة
جديدة بالإضافة إلى الاستثمار المعقلن لما راكمته الإدارة والجمعيات من تجارب والإطلاع على تجارب رائدة خاصة في آسيا وإفريقيا كلها أمور إذا ما وجهت في سياق تصور برنامج متكامل يمكن الالتزام بالتواريخ المعلنة في إطار استراتيجية محكمة مبنية على الأسس التالية: الواقعية؛ والفعالية؛ والوظيفية؛ والتعبئة الوطنية.
س: تروم الحكومة من خلال مخططات استعجالية الرقي بترتيب المغرب على سلم (التنمية البشرية وجودة التعليم ومحو الأمية...). ولما كانت الأمية عائقا بنيويا يحول دون إقلاع المغرب الاقتصادي والديمقراطي، في نظركم، كيف تستوعب المخططات الاستعجالية هذا المعطى، وأين يتجلى ذلك؟
> ج: إن الكل ببلادنا غير راض عن المراتب التي يحتلها المغرب في سلم التنمية البشرية. فأحيانا نرتب في المرتبة 124 ومرة أخرى في المرتبة 127 ومؤخرا كانت رتبتنا 126.ويأتي المغرب أمام مجموعة من الدول التي نعتبرها أقل نموا منا مما شكل مفاجأة كبيرة لكثير من المغاربة خاصة وأن مجهودات كبيرة قد بوشرت في السنوات العشر الأخيرة في مختلف مناحي التنمية ببلادنا. فهذه الرتب تحسب من خلال المقارنة بين الدول المعنية بهذا الترتيب, وعددها 127 دولة، في نسب التمدرس والمستفيدين من الخدمات الصحية ومستوى الدخل الفردي. وهكذا يتضح أن نسبة الأمية كلما ارتفعت كلما اثر ذلك سلبا على ترتيبنا في سلم التنمية البشرية. والمغرب يعمل جاهدا بفعل مختلف الأوراش المفتوحة خاصة في مجال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في جعل المغرب يحتل المرتبة اللائقة به والتي يستحقها فعلا في سلم التنمية البشرية. وهكذا فإن مختلف المخططات التي يضعها المغرب للنهوض وإصلاح المنظومة التربوية تروم دائما التقليص من نسب الأمية ببلادنا.
س: تعتبر نسب الأمية مؤشرات تدل على جودة الأداء التعليمي لأي بلد، كيف يتأتى حسن تدبير هذه المعادلة؟
>ج: صحيح أن نسبة الأمية تعتبر من بين المؤشرات الدالة على حسن أو سوء الأداء التعليمي. فكلما كان الأداء التعليمي رديئا كلما كانت المردودية ضعيفة. وبالتالي فانعدام الجودة أو ضعفها في التعليم هو الذي يؤذي لامحالة إلى الانقطاع عن الدراسة والهذر والفشل الدراسيين وبالتالي السقوط في أحضان الأمية لعدد كبير من المتمدرسين. لذلك فكلما تم الاستثمار بشكل جيد ومعقلن في مجال جودة التعليم كلما ساهمنا بشكل كبيرفي التصدي للأمية. إذن هناك علاقة وطيدة بين نوع التعليم السائد في مدارسنا وبين انتشار الأمية.
إلى جانب نوعية التعليم وعلاقتها بالأمية نشير كذلك إلى سبب آخر لا يقل أهمية في انتشار الأمية ببلادنا وهو انتشار الفقر والهشاشة بين عدد لايستهان به من أفراد المجتمع خاصة في البوادي والأحياء المهمشة. وظاهرة الفقر هذه تؤثر سلبا على المردودية الدراسية وعلى الاستمرار بدون انقطاع في الدراسة. وغالبا ما تشكل الملابس والأدوات المدرسية من بين العوائق التي تحول دون إرسال الأسر المعوزة لأبنائها إلى المدرسة مما يؤدي غالبا إلى تفشي الأمية بشكل كبير في صفوفها. وحتى تتمكن هذه الفئات من الاستمتاع بحقها الطبيعي في الذهاب إلى المدرسة فقد أعلن جلالة الملك في إطار المخطط الإستعجالي للتربية والتكوين عن مبادرة ملكية سامية لمساعدة الأطفال المعوزين في مصاريف الدخول المدرسي وفي هذا السياق أعلن جلالته في خطاب 20 غشت عن توزيع مليون محفظة على مختلف الأطفال المتمدرسين المنتمين إلى الأسر الفقيرة. وبدون شك فإن هذه المبادرة النبيلة ستسمح لعدد كبير من الأطفال بالالتحاق بأقسام الدراسة مما سيساهم بشكل كبير في التقليص من الأمية.
س: يبقى العالم القروي المتضرر الأكبر من الأمية، ألا تعتقدون بأن هذا الأخير ولخصوصيته يحتاج إلى رؤية استراتيجية مستقلة تجيب عن اشكالية الفقر والتهميش، هل لكم تصورا في العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحو الأمية يربط عملية محو الأمية بالوظيفة التنموية للمبادرة الوطنية كإقدار المستفدين من ابتكار أنشطة مدرة للدخل؟
> ج: العالم القروي هو المتضرر الأكبر فعلا من الأمية نظرا للتهميش الذي تعرض له عبر مختلف المخططات الاقتصادية والتربوية. وللوقوف على ذلك بشكل واضح يكفي الرجوع إلى النتائج الرسمية للإحصاء العام للسكان والسكنى الذي أجري بالمغرب سنة 2004 لتظهر بوضوح التفاوتات بين المنجزات في مجال محاربة الأمية بين العالم الحضري والعالم القروي. ومن خلال هذه الأرقام يتضح أن الإناث هن المستفيدات أقل من التمدرس ويزداد الفرق بينهن في الوسط القروي.
تطور نسب محاربة الأمية حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى 2004 بالمغرب
وللخروج من هذه الوضعية غير الطبيعية يقتضي الأمر إتباع منظور جديد لمواجهة هذه المعضلة. منظور يؤطره تصور جلالة الملك لكيفية التعامل مع محاربة الأمية المتضمن في رسالة سامية بعث بها جلالته إلى العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية في مارس من سنة 2000 يقول فيها جلالته "إننا ندعو إلى اعتماد منظور شمولي، يدمج مكافحة الأمية، ضمن إستراتيجية جديدة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بتأهيل المستفيدين من عملية محو الأمية للإنتاج والتكييف الأمثل مع آلياته، ومراعاة خصوصيات بيئتهم وأوساطهم الاجتماعية".
س: بعيد استقلال المغرب خاضت العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحو الأمية عملا تقدميا لإستئصال الأمية من المجتمع المغربي؛ وذلك بالدعوة للالتحاق بفصول محاربتها لاسيما بين صفوف النساء والفتيات، هل تتوفر العصبة اليوم على خطة محينة لدعم جهود محو الأمية في المجال الريفي والقروي؟
>ج: أسمحوا لي قبل الإجابة على سؤالكم أن أقول بعض الكلمات في حق العصبة المغربية ولو بشكل موجز. فمباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال ساهمت مجموعة من الوطنيين إلى جانب المغفور له جلالة الملك محمد الخامس سنة 1956 في تأسيس منظمة وطنية مهمتها هي محاربة الأمية ودعم التربة الأساسية سميت بالعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية. وخلال الفترة الممتدة من بداية التأسيس سنة 1956 إلى بداية الستينات اهتمت العصبة المغربية إلى جانب محاربة الأمية الأبجدية بالتربية الأساسية حيث شملت الدروس جوانب من التربية الدينية والوطنية والصحية والحقوقية والبيئية كما اهتمت كذلك بالإعداد الحرفي. وقد أنجزت العصبة المغربية خلال هذه الفترة أعمالا جليلة في مجال محاربة الأمية والتربية الأساسية وتتمثل هذه الأعمال فيما يلي:
* تنظيم حملات وطنية كبيرة للاستفادة من دروس محاربة الأمية تجاوز عدد المستفيدين منها كل سنة مليون مستفيد. وقد أعطى المغفور له محمد الخامس انطلاق الحملة الأولى يوم 16 أبريل 1956 بالرباط. كما شاركت الأميرة للاعائشة في تدشين الحملة الخاصة بالنساء في نفس التاريخ.
* إصدار جريدة " منار المغرب" في يوليوز 1956. وهي بمثابة مرجع أساسي للقراءة والتوعية يرجع إليه رواد مراكز ومؤسسات محاربة الأمية وتعد الجريدة الأولى من نوعها في العالم العربي.
*إصدار أول كتاب سنة 1956 يحمل عنوان "كتاب محاربة الأمية" موجه للمستفيدين من دروس محاربة الأمية.
* تأسيس الفروع في جميع أنحاء المغرب إذ بلغ عددها ما يزيد عن 334 بل استطاعت العصبة المغربية تأسيس فروع لها في السينغال وباريس وبروكسيل.
* استجابة للمتلمس الذي وجهته العصبة المغربية أثناء مؤتمرها الوطني الأول في مارس 1957 إلى المغفور له محمد الخامس وجه جلالته خطابا يحث فيه مختلف المثقفين وكافة الشعب المغربي للانخراط في حملات محاربة الأمية المنظمة من طرف العصبة المغربية.
* إصدار سلسة "كتب للمطالعة للكبار" موجهة للمتحررين من الأمية الأبجدية.
توقيع في سنة 1959 أول اتفاقية شراكة مع وزارة التربية الوطنية ممثلة بمديرية الشبيبة والرياضة ثم بموجبها إعداد وإنتاج كتاب جديد للقراءة والكتابة موجه للكبار تحت عنوان " الجديد في تعليم الكبار".
واعترافا بالمجهودات التي قامت بها العصبة المغربية نالت هذه الأخيرة جائزة تقديرية من طرف منظمة اليونسكو. إلا أن العصبة المغربية ونظراً لظروف قاهرة اضطرت العصبة إلى توقيف نشاطها في بداية الستينات. ولم تستأنفه إلا في سنة 2000. وفعلا منذ ذلك الحين أنجزت العصبة بواسطة فروعها، البالغ عددها اليوم 120 فرعا منتشرة عبر أنحاء المغرب، عدة مشاريع في إطار شراكات مع جهات حكومية ومؤسسات اقتصادية واجتماعية. وما يميز عمل العصبة في اشتغالها هو الربط الوثيق خلال التكوين بين محاربة الأمية بمختلف أنواعها والتنمية البشرية التي تسمح للمستفيدين بالانخراط في مشاريع مدرة للدخل. كما نظمت عدة ندوات ولفاءات على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي.
س: ساهمت العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحو الأمية بعدة برامج لمحاربة الأمية، وبرامج التربية الأساسية لتجفيف منابع الأمية، كيف تقيمون حصيلة العصبة، ومن خلال تجربتكم ما هي الإجراءات التي ترونها يمكن أن تؤدي إلى تقليص الأمية ببلادنا؟
> ج: العصبة لا يمكنها وحدها القضاء على الأمية بالمغرب فتدخلها محدود وإمكانياتها كذلك محدودة. فهي تعمل سنويا على تأطير وتكوين ما بين 50.000 و 70.000 مستفيد وذلك حسب الإمكانيات المادية المتوفرة. ويمكن لي أن أقول إن حصيلة العصبة جيدة ولكننا كمهتمين بهذا الموضوع ونتيجة وعينا بالآثار السلبية للأمية على التنمية بمختلق تمظهراتها فإننا غير راضين على المقاربة المتبعة لمعالجة هذه الآفة. وبالتالي فالقضاء على الأمية يتطلب عملا جماعيا ورؤية واضحة وإجراءات عملية سريعة. ومن بين هذه الإجراءات ما يلي:
- تشخيص حقيقي لوضعية الأمية ببلادنا حسب الفئات العمرية وحسب الجهات؛
- تجفيف المنابع الأصلية للأمية وذلك بتسريع وثيرة تعميم التعليم والرفع من جودته؛
- إتباع المقاربة التشاركية في تصور وإعداد وتنفيذ وتتبع وتقويم برامج محاربة الأمية لتجاوز المقاربة الإدارية السائدة؛
- وضع برامج لمرحلة ما بعد الأمية؛
- جعل حد للانقطاع عن الدراسة والهذر المدرسي؛
- فتح أقسام خاصة للمنقطعين عن الدراسة؛
- تطوير الشراكات مع مختلف الجمعيات ومختلف الفاعلين؛
- إحداث أقسام قارة داخل مجموع المؤسسات التعليمية، ومؤسسات التكوين، والجامعات، وداخل المصانع والمقاولات، وأوراش العمال بمختلف أنواعها، من خلال برامج متواصلة، ومتراصة تستهدف القضاء على الأمية الأبجدية، موازاة مع الأمية التوعية، في إطار برنامج وطني متكامل؛
- خلق قناة تلفزية وإذاعية خاصة بمحو الأمية بجميع أشكالها وبجميع اللغات واللهجات لتعميم الاستفادة منها بفعل التأثير القوي والمباشر لوسائل الإعلام والاتصال؛
- دعوة كافة وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة إلى المساهمة في المجهود الوطني للقضاء على الأمية بتخصيص صفحات خاصة بهذا المجال حتى تكون التعبئة شاملة، وعلى كافة المستويات؛
- دعوة كافة الأطر التربوية المستفيدة من المغادرة الطوعية وغيرهم إلى الإسهام والانخراط في برامج محو الأمية؛
- التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال محاربة الأمية؛
- ربط برامج محو الأمية ببرامج التكوين المهني؛
- تشجيع المستفيدات والمستفيدين من برامج محاربة الأمية على الانخراط في مشاريع مدرة للدخل؛
- إدماج المستفيدات والمستفيدين من برامج محاربة الأمية في برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛
- تشجيع البحث العلمي في إيجاد الحلول لمعضلة الأمية ببلادنا؛
- تشجيع رؤساء الجهات والجماعات المحلية ومختلف المنتخبين للمساهمة بقوة في محاربة الأمية وذلك بتخصيص جزء مهم من ميزانياتها لإنجاز برامج متنوعة في محاربة الأمية؛
إنتاج وسائل ديداكتيكية ملائمة لخصوصيات الفئات المستهدفة؛
إدخال المعطيات الجهوية والمحلية في برامج محاربة الأمية؛
اعتماد منشطين متخصصين في مجال تعليم الكبار ومحاربة الأمية؛
- جعل المقاولة منفتحة على برامج محاربة الأمية من حيث التمويل والتنفيذ والتقويم؛
تهيئ برامج حسب الفئات المستهدفة وذلك باعتماد مراحلهم العمرية؛
- خلق تحفيزات مختلفة سواء بالنسبة للمستفيدين والمنشطين ومختلف المتدخلين في تمويل وتنفيذ برامج محاربة الأمية خاصة المقاولات؛
- خلق مراكز جهوية لتكوين المنشطين ومختلف المتدخلين في تنفيذ برامج محاربة الأمية؛
- وضع صيغ تعاقدية محفزة ومضمونة للمنشطين العاملين في مجال محاربة الأمية.
س: بما راكمته العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحو الأمية كمؤسسة مدنية رائدة في تخطيط برامج محو الأمية ما هي المعوقات الموضوعية والمادية التي تحول دون تسريع القضاء على الأمية؟
>ج: صحيح أن المغرب جرب عدة سياسات في تدبير ظاهرة الأمية، لكن مختلف هذه السياسات لم تؤد إلى التحرر وذلك راجع إلى عدة أسباب متداخلة نذكر من بينها ما يلي:
* مخلفات الفترة الاستعمارية فعند حصول المغرب على الاستقلال كانت نسبة الأمية بين سكانه تقدر بحوالي % 95 وكانت الغالبية العظمى من الأميين توجد بالبوادي وخاصة في صفوف النساء.
* التأخر الملحوظ في تعميم التعليم إلى حد الآن مما يجعل مئات الآلاف من الأطفال كل سنة بعد تجاوزهم سن الدراسة يلتحقون بصفوف الأميين.
* الهذر المدرسي مما يجعل المدرسة تلفظ كل سنة عشرات الآلاف من الأطفال الغير المتحكمين في الكفايات الدراسية الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب مما يجعل هؤلاء بعد انقطاعهم عن الدراسة ضمن فئات الأميين مستقبلا.
* الانقطاع والتسرب نتيجة سيادة المقاربة المدرسية في إعداد برامج التكوين من كتب واستعمالات المزمن وكذا في التعامل مع المستفيدين الكبار.
* غياب برنامج تكويني خاص لما بعد محاربة الأمية لصيانة ودعم مكتسبات المتحررين الجدد من الأمية العادية.
* ضعف انخراط المقاولات بمختلف أنواعها (صناعية، فلاحية، صناعة تقليدية، تعاونيات...) في برامج محاربة الأمية خاصة الوظيفية منها.
* ضعف اهتمام البحت العلمي في الجامعات ومراكز التكوين التربوي بالبحث في إشكاليات خاصة بتعليم الكبار وبخصوصياتهم.
* ضعف الربط الوثيق بين دروس محاربة الأمية واكتساب مهارات بناء مشاريع مدرة للدخل.
* ضعفالحملات الوطنية واتسامها بالارتجال والعشوائية في التنظيم والمراقبة.
* ضعف الإشراك الفعلي للجمعيات ومختلف ممثلي المجتمع المدني في المساهمة في محاربة الأمية خاصة قبل بداية التسعينيات.
* ضعف الحوافز، إن لم نقل انعدامها، الموجهة للمستفيدين ولمختلف الفاعلين في مجال محاربة الأمية
س: عدة فعاليات مهتمة تربط فعالية بيداغوجيا الاندراكوجيا بإيجاد آليات تحفيزية للمنخرطين في برامج محو الأمية، ألم تنتبه العصبة المغربية إلى مثل هذه المقترحات، وكيف تم ذلك؟
> ج: لقد أشرت سابقا إلى كون التحفيز يلعب دورا أساسيا في ضمان استمرار الكبار من الاستفادة من دروس محاربة الأمية وكذا ضمان فعاليتها وجودتها ذلك أن للكبار خصوصيات لابد من أخذها بعين الإعتبارأثناء تأطيرهم. وهذا المعطى توليه العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية عناية خاصة. وفي هذا السياق فالعصبة في تنفيذ برامج محاربة الأمية تحاول حسب الإمكانيات المتوفرة العمل على مايلي:
* الانطلاق من الحاجات الأساسية للمستفيدين كمواضيع للتكوين وذلك قصد الاستجابة لهذه الحاجات.
* الربط بين دروس محو الأمية والتنمية وذلك عبر الانخراط في مشاريع مدرة للدخل.
* تزويد المستفيدين من دروس محو الأمية بالكتب ومختلف الأدوات المدرسية.
* تنظيم المستفيدين في إطار تعاونيات وجمعيات قصد الاستفادة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
س: على مستوى المنهج التعليمي ألا ترون بأن منهج محو الأمية في حاجة إلى تجديد وتطوير يستوعب الوظائف الجديدة لمحو الأمية من الوظيفية الأبجدية إلى محو الأمية الحضارية؟
>ج: المنهج في تعليم الكبار هو عبارة عن وسيلة لتطوير كفايات معينة لدى المستفيد وبالتالي لا يجب التعامل معه بطريقة مدرسية منغلقة. فالمنهج في مجال محاربة الأمية يجب أن يكون مرنا ومنفتحا على التجربة الحياتية للراشد وعلى اهتماماته، وعلى هذا المنهج لكي يكون فعالا أن يقدم حلولا حقيقية للمشاكل اليومية للمستفيد وبالتالي فهو في حاجة إلى تطوير دائم ومستمر. وعلى هذا المنهج أن يتضمن إلى جانب القراءة والكتابة والحساب مواضيع في الحقوق والواجبات وكذا في التربية على المواطنة وعلى المحافظة على البيئة وعلى حقوق الإنسان...
س: يراهن على جمعيات المجتمع المدني للقضاء على الأمية، غير أن عددا من الجمعيات باتت تخلط بين العمل الاجتماعي لغاية وممارسة العمل السياسي بصورة مباشرة وغير مباشرة، ألا ترون بأن العمل الجمعوي بات في حاجة إلى ميثاق شرف لتوجيه الجهود لخدمة الشق الاجتماعي؟
>ج: وجود الجمعيات بكثرة في المجتمع المغربي هو ظاهرة صحية. وهو دليل على حيوية المجتمع وعلى نضجه وإيمانه القوي بمبادئ الديمقراطية، بل هو علامة على إرساء دولة الحق والقانون. وإذا كان دور الأحزاب السياسية هو تأطير المواطنين والمواطنات في المجال السياسي فإن دور الجمعيات ينحصر في تأطيرهم في المجال الاجتماعي خاصة إشراكهم في برامج التنمية والعمل على توعية المواطنين والمواطنات في مواضيع ذات الشأن الاجتماعي. إلا أنه يلاحظ في بعض الأحيان أنه من الصعب إيجاد حد فاصل ودقيق بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي مما يؤدي إلى بعض الإنزلاقات وخلط في الممارسات. ولتجاوز هذه الأوضاع من الضروري فتح نقاش عميق بين الفاعل الاجتماعي والفاعل السياسي وذلك لتوضيح الحدود بين الطرفين وإبراز كيفيات التكامل بينهما. ويمكن لخلاصات هذا الحوار أن يشكل أرضية لميثاق شرف لتوجيه جهود الجمعيات لخدمة الشق الاجتماعي.
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.