في لحظة سياسية دقيقة يعيشها مجلس جماعة الرباط، اختارت العمدة الحالية فتيحة المودني التواري عن الأنظار، وسط تطورات غير مسبوقة في ملف التعمير والرخص، الذي انطلقت فصوله قبل أيام، ليبلغ أولى مراحله صباح أمس الخميس، بإحالة ثلاثة مسؤولين كبار على أنظار النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بسلا، يتقدمهم مدير المصالح عبد الصمد هيشر، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة. وتأتي هذه الإحالة بعد سلسلة من التوقيفات المتسارعة، بدأت باعتقال مدير المصالح بعد وصوله إلى مطار محمد الخامس قادمًا من إحدى الدول الإفريقية، ثم توقيف رئيس قسم التعمير ورئيس المصلحة الاقتصادية. وبحسب مصادر "الأول"، فإن المسؤولين الثلاثة خضعوا لاستنطاق موسّع من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، على خلفية شبهات تتعلق بالتلاعب في مساطر الترخيص وتسوية مخالفات التعمير. وكان موقع "الأول" قد علم من مصادر مطلعة، أن اسم مدير المصالح عبد الصمد هيشر ورد في وقت سابق ضمن تقرير للمجلس الجهوي للحسابات، ما يرجح أن تكون التحقيقات الجارية قد استندت إلى معطيات رقابية سابقة، وأنها تسير في اتجاه تقصي مسؤوليات إدارية وسياسية مرتبطة بطريقة تدبير الملفات الحساسة داخل الجماعة. وتكشف المعطيات أن التحقيقات شملت أيضًا مسؤولًا بقسم التعمير وآخر بقسم الرخص، وركّزت على المسار الإداري الذي تقطعه رخص البناء وتسوية المخالفات، في ظل شبهات باستعمال النفوذ والتساهل غير المبرر مع بعض المشاريع المثيرة للجدل، أبرزها ملف مطعم فاخر بالعاصمة. وسط هذه الزوبعة، التي تضع جماعة الرباط تحت مجهر الرأي العام والمؤسسات القضائية، يبرز غياب العمدة المودني بشكل لافت، فلا تصريحات توضيحية، ولا بلاغ رسمي صادر عن الجماعة، ولا حتى إشارة تدل على تحمل سياسي للملف، رغم أن أحد الموقوفين وُصف في وقت سابق بأنه "الذراع الأيمن" لها. صمت العمدة لا يمكن فصله عن خلفية توليها المنصب، بعد استقالة العمدة السابقة أسماء أغلالو تفاديًا لقرار عزل محتمل. فقد كانت المودني مرشحة "التهدئة" داخل الأغلبية، التي رُوّج لها كاسم قادر على إعادة الانسجام داخل الأغلبية بعد فترة ارتباك، غير أن الوقائع الأخيرة تُعيد إنتاج مشهد الأزمة بأبعاد أكثر تعقيدًا، تتداخل فيها المسؤوليات الإدارية بالحسابات السياسية. والأدهى، أن عدداً من نواب العمدة أنفسهم نفوا علمهم بتفاصيل الملف، ما يعكس إما غياب الشفافية داخل المكتب المسير، أو تملصًا متعمدًا من أي تبعات مستقبلية، في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات من أسماء جديدة مرشحة للسقوط.